في ممرات الموت بمستشفى الشفاء غربي مدينة غزة، لا تنتهي المآسي عند فقد الأحبة، بل تبدأ رحلة جديدة أشد قسوة في البحث عنهم بين أكياس الجثامين المتراكمة في ثلاجات الموتى حيث تتكدس الأجساد في أرقام لا أسماء لها.

مشرحة الشفاء باتت المكان الأخير الذي تقصده العائلات المكلومة علّها تجد بين الأكياس المرقّمة ما يؤكد نهاية الغياب (الفرنسية)

وداخل مشرحة المستشفى توجد ثلاث "مقابر مؤقتة" للجثث المجهولة، تضم كل واحدة منها نحو 140 جثة مجهولة الهوية، انتشلت من تحت الركام أو استُقبلت بعد مجازر القصف الإسرائيلي العنيف على القطاع.

مشرحة مستشفى الشفاء تحوّلت إلى مقبرة مؤقتة تضم مئات الجثامين المجهولة (الفرنسية)

ويعمل الطاقم الطبي وسط إمكانات شبه معدومة، في ظل انهيار النظام الصحي ونقص كبير في الكوادر والمعدات، لا سيما أدوات الفحص الوراثي (DNA)، مما يجعل التعرف على الضحايا مهمة شاقة.

الطاقم الطبي يعمل بأدوات بدائية وتحت ضغط هائل عاجزا عن إجراء فحوص الحمض النووي (الفرنسية)

وتمكنت منى الحرازين من التعرف على ابنها يزن داخل المشرحة من خلال تفاصيل محددة في ملابسه وبعض العلامات الجسدية، في مشهد اختلطت فيه مشاعر الحزن بالراحة، إذ بات لديها يقين بنهايته بعد طول شك وترقب.

منى الحرازين أم فلسطينية فقدت ابنها يزن بعد قصف إسرائيلي على غزة (الفرنسية)

ومع محدودية المساحات المتوفرة للدفن، لم تتمكن الأسرة من تشييعه في قبر مستقل، وفرض الواقع بأن يُوارى الثرى فوق رفات أحد أجداده، كما بات شائعا في قطاع غزة، فالعثور على قبر فردي ترف لا يتحقق لكثيرين.

منى أمضت وقتا طويلا في البحث بين المستشفيات وثلاجات الموتى على أمل العثور على جثة يزن (الفرنسية)

وتعمل طواقم الطب الشرعي في ظروف قاسية، ويضطر الأطباء إلى توثيق مئات الجثامين بالصورة والرقم والملامح، في محاولة لتنظيم عملية المطابقة لاحقا، رغم أن أمل التعرف على أصحابها يتضاءل مع مرور الوقت وتحلل الأجساد.

منى تعرفت على جثة ابنها من ملابسه وسنه التركيبي بعد طول انتظار وقلق (الفرنسية)

وتنتظر آلاف العائلات في غزة خبرا، أو صورة، أو حتى قطعة قماش تؤكد أن الغائب لن يعود، ولم يعد السؤال الأبرز: من الذي مات؟ بل: أين هو الآن؟ وتحت أي رقم يُحفظ اسمه المؤجل إلى حين.

ومع استمرار القصف وتفاقم الأزمة الإنسانية، يتزايد عدد المفقودين، بينما تتحول المستشفيات من أماكن للعلاج إلى ساحات ممتدة للوداع، ومخازن اضطرارية للموتى.

وترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة خلفت نحو 173 ألفا بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

ليون الفرنسية تتحدى الضغط الإسرائيلي وتقدم دعما ماليا لـالأونروا

أقرت بلدية ليون الفرنسية، ثالث أكبر مدن البلاد، تخصيص دعم مالي بقيمة 50 ألف يورو لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، في خطوة اعتبرتها السلطات المحلية جزءاً من مسؤوليتها الإنسانية تجاه معاناة اللاجئين في الشرق الأوسط.

وجاء قرار منح المنحة بعد نقاشات مستفيضة داخل المجلس البلدي، حيث حصل على موافقة غالبية الأعضاء، مع معارضة قليلة لم تتجاوز عشرة أعضاء.

في بيان رسمي، أكدت بلدية ليون أن الهدف من هذه الخطوة هو التزام المدينة بالقانون الدولي، وليس توجيه رسالة سياسية، مشددة على أن تقديم المساعدة هو للتخفيف من المعاناة الإنسانية.

وأضاف البيان أن المنحة تمثل تعبيرا عن تضامن المدينة مع اللاجئين الفلسطينيين، خصوصا في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشونها في المخيمات.

على النقيض، رفض المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا (CRIF) هذه الخطوة بشدة، واعتبرها استفزازاً لما وصفه بدور الأونروا "المشكوك فيه" في النزاعات الإقليمية.

وعلق فيليب ماير، أحد أعضاء المجلس، قائلاً إن الأونروا متهمة بالتواطؤ مع حركة حماس، خاصة في الأحداث التي وقعت في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وهو ما يجعل دعمها من قبل السلطات المحلية أمراً مرفوضاً من وجهة نظر الجالية اليهودية في فرنسا.


هذا الجدل ليس جديداً، إذ شهدت مدن فرنسية أخرى، مثل مرسيليا، جدلاً مشابهاً عندما أعلنت تقديم دعم مماثل للأونروا بقيمة 80 ألف يورو في العام الماضي، وفي البرلمان الفرنسي، تثار نقاشات متكررة حول مدى شرعية ودور الوكالة في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، مع وجود انقسامات سياسية واضحة بين التيارات اليسارية التي تدعم المنظمات الإنسانية، وتيارات أخرى تتهمها بالتحيز.

من جهتها، لا تتخلى بلدية ليون عن مواقفها الإنسانية، حيث سبق أن قدمت مساعدات مالية للصليب الأحمر ومنظمات طبية في غزة، كما دعا عمدة المدينة غريغوري دوسيه إلى الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، مطالباً الحكومة الفرنسية بالسير على نفس النهج.

بالإضافة إلى ذلك، رفعت لافتة على مبنى البلدية تحمل شعارات تطالب بوقف إطلاق النار، واحترام القانون الدولي، والتحرير الفوري للرهائن الفلسطينيين، مما يعكس توجهات المدينة ودعمها المستمر للقضية الفلسطينية.

من ناحية أخرى، أكدت الحكومة الفرنسية على استمرار دعمها المالي للأونروا، إذ خصصت في 2024 ميزانية تصل إلى 30 مليون يورو لدعم برامج الوكالة في المنطقة، رغم الانتقادات والضغوط السياسية المتزايدة من بعض الأطراف المحلية والدولية.

مقالات مشابهة

  • الكوليرا تنتشر في السودان.. صور مروعة لجثث متعفنة والمياه الملوثة تهدد حياة الملايين
  • وحدة سهم قوة أمنية غزية تلاحق عملاء الاحتلال الإسرائيلي
  • ليون الفرنسية تتحدى الضغط الإسرائيلي وتقدم دعما ماليا لـالأونروا
  • جثث متعفنة والكوليرا تزداد تهديداً مع الخريف
  • 5 سيارات SUV تحمل العلامة الفرنسية في مصر.. الأولى مجمعة محليًا
  • الخارجية الفرنسية: المشاهد المميتة أثناء توزيع الطعام بغزة فضيحة
  • بعد انفصالها عن كانيه.. من هى الممثلة الفرنسية ماريون كوتيار؟
  • جريمة جديدة في صنعاء القديمة.. العثور على 4 جثث لفتيات بلا رؤوس وسط صدمة شعبية
  • تير شتيجن يُغلق باب الرحيل ويتمسك ببرشلونة رغم الإغراءات الفرنسية
  • وزير الزراعة يلتقي نظيرته الفرنسية على هامش مؤتمر "الفاو" في روما