ربط عدد من المثقفين والمهتمين بالشأن السياسي في تونس بين القرار التاريخي الذي اتخذه حزب العمال الكردستاني بحلّ نفسه طوعًا، والتحولات التي يشهدها المشهد السياسي التونسي، متسائلين عمّا إذا كان هذا القرار يمكن أن يشكّل نموذجًا يُحتذى به في تونس، وتحديدًا في ما يتعلّق بمستقبل حركة النهضة، التي باتت في نظر البعض عبئًا على المرحلة الانتقالية وتعطّلًا لمسار ديمقراطي مأزوم منذ 25 تموز / يوليو 2021، بينما يرى آخرون في هذا الربط إسقاطًا مجحفًا لا يراعي خصوصية السياقين.



هذا الحدث، الذي قرأه البعض في بعده التركي فقط، أثار جدلاً فكرياً وسياسياً في تونس، لا سيما بعد أن دعا الأكاديمي عبد الرزاق حاج مسعود حركة النهضة إلى أن تحذو نفس الخطوة. وتفاعل مع دعوته مثقفون وقياديون من داخل الحركة وخارجها، بين من وجد في الدعوة نقداً بنّاءً، ومن رآها إسقاطاً غير منصف.

حزب العمال الكردستاني.. من البندقية إلى الأمة الديمقراطية

في نهاية سبعينيات القرن الماضي، انطلق حزب العمال الكردستاني (PKK) من معركة وجود مسلح في وجه الدولة التركية، منادياً بدولة قومية كردية. لكن وبعد عقود من الصراع و40 ألف قتيل، لم يُنجز الحزب مشروعه القومي، بل وجد نفسه أمام واقع جديد فرضه تحوّل الدولة التركية، وصعود خطاب "الأمة الديمقراطية" الذي تبناه عبد الله أوجلان. لقد تخلّى الحزب عن حلم الدولة، ليطرح نفسه كمكوّن ديمقراطي يتفاعل مع متغيرات محلية ودولية. لم يكن هذا "انتحاراً سياسياً"، بل تطوراً في فهم المرحلة وسلوكاً نقدياً تجاه الذات.




إسقاط النموذج على تونس.. نهضة بلا نهوض؟

رأى حاج مسعود في هذا التحول مرآةً يمكن أن ترى فيها حركة النهضة مصيرها. الحركة التي تشكّلت في رحم صراع مع الدولة القومية البورقيبية، حملت طيلة عقود مشروعاً إسلامياً إصلاحياً لم ينجُ من الانغلاق الأيديولوجي ولا من براغماتية مفرطة في ما بعد الثورة. ويذهب حاج مسعود إلى أن "البلوكاج التاريخي" الذي تسببت فيه النهضة لا يقل كارثية عن تجربة الـPKK، رغم اختلاف الوسائل والمرجعيات.

تونس، وفق حجته، لم تعد بحاجة إلى "إعادة تدوير" حركات نشأت في حقب الاستبداد، بل إلى الدخول في المستقبل عبر أدوات جديدة. دعوته لحل النهضة هي نداء فلسفي لتجاوز زمن الجماعة والقبيلة السياسية، لا مجرد تصفية حسابات أيديولوجية.



أصوات من الداخل بين الدفاع والتأمل

القيادي في النهضة رياض الشعيبي، وفي ردّ متزن، لم ينفِ الطرح بل أعاد تأطيره. أشار إلى أن تاريخ النهضة نفسه عرف لحظات دعا فيها بعض أعضائها إلى الحل أو التغيير الجذري، لكنها صمدت لأن وظيفتها السياسية لم تنتهِ بعد. يعترف الشعيبي بأن الرمزية التي تمثلها النهضة اليوم قد تكون عائقاً، لكنه يرى أن الدعوة إلى تفكيك المقولات الأيديولوجية تحتاج إلى حوار عميق لا إلى قرارات فوقية.



في المقابل، قدّم الأمين البوعزيزي مرافعة فكرية تنتقد التشبيه بين النهضة وPKK. رأى أن حزب العمال لم يُهزم بل تطور، وأن حركة النهضة لا تحمل مشروع دولة قومية أصلاً، بل تسعى إلى تفكيك "الاستعمار المعرفي" الذي تجلى في نموذج الدولة الحديثة الموروثة. لذلك، فإن حلّ النهضة لن يحرر تونس، بل سيعزز الردة السياسية التي جسدها انقلاب 25 يوليو 2021، على حد وصفه.



الحبيب بوعجيلة: المقارنة متعسفة والسياق مغاير تمامًا

يرى الكاتب والباحث السياسي الحبيب بوعجيلة أن دعوة حلّ النهضة تعاني من خللين كبيرين، الأول أخلاقي، والثاني تحليلي: "لا يُطرح هذا الموضوع والحزب محاصر، بقياداته وجماهيره، مما يفقد النقاش قيمته الأخلاقية والعقلانية. كما أن السياقات مختلفة جذريًا؛ فحلّ الكردستاني جاء ضمن ترتيبات إقليمية ودولية لإعادة هيكلة النفوذ في الشرق الأوسط، بينما الوضع في شمال أفريقيا مختلف كليًا".

يضيف بوعجيلة أن: "الحزب الكردي كان ذا نزعة انفصالية عرقية، أما النهضة فهي مكوّن وطني مدني وضروري لتوازن الحياة السياسية في تونس. وجودها ـ بصيغتها الحالية أو بعد التحيين ـ ضرورة ضمن ترتيبات الاستقرار في تونس والمنطقة".



هند الغرسلي: النهضة حزب ديمقراطي سلمي.. والتشبيه فاسد ومتحامل

من جهتها، وصفت الناشطة والمدونة هند الغرسلي الطرح بكونه متحاملاً ومنتقى بعناية لاستهداف النهضة دون غيرها من المكونات السياسية: "الأصل في المقارنة أن تكون بين أشياء متجانسة. لا وجه شبه بين حزب كردي يساري مسلح وتاريخه دموي، وحركة النهضة المسالمة التي تؤمن بالديمقراطية والحقوق والحريات".

وأضافت بلهجة نقدية لاذعة: "لم يُطلب من عبير موسي أو حزب العمال أو غيرهم حل أحزابهم، فقط النهضة. هذا انتقائي ومفضوح. وإذا أردوغان حلّ حزبه، عندها فقط نناقش الفكرة!".

وأكدت الغرسلي أن النهضة رغم كل ما واجهته، "ظلّت تمارس السياسة بسلمية، وتصبر على معاداة ظاهرية ومبطّنة، وتُعد اليوم رصيداً في مواجهة الانفراد بالسلطة".



في ظل استمرار الانسداد السياسي وتعطّل مؤسسات الدولة، يبقى السؤال مفتوحاً حول مدى واقعية الدعوات لحلّ الأحزاب الكبرى، وعلى رأسها النهضة، باعتبارها إرثًا تاريخيًا في الحياة السياسية التونسية. وبين من يراها عائقًا، ومن يعتبرها ضرورة وطنية، يبدو أن الأزمة أعمق من مجرد وجود حزب، بل هي أزمة مشروع ديمقراطي لا يزال في مرحلة المخاض.


المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية تونس السياسة تونس سياسة اسلاميون جدل المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العمال الکردستانی حرکة النهضة حزب العمال فی تونس

إقرأ أيضاً:

مستشار ترامب يكشف عن الحل الوحيد لسد النهضة

وسط تصاعد التوترات بشأن سد النهضة واتهام دول المصب إثيوبيا باتخاذ إجراءات أدت لإغراق مناطق سودانية ومصرية، أكدت أميركا أن الحل الوحيد لحل هذا الملف يكمن في الحوار للوصول إلى إطار تقني متفق عليه.
“أصبح أمراً واقعاً”
فقد شدد مسعد بولس، مساعد وزير الخارجية الأميركي ومستشار الرئيس دونالد ترامب لشؤون أفريقيا، أن ملف سد النهضة مهم واستراتيجي بالنسبة للولايات المتحدة، لافتاً إلى أن بلاده تسعى لإيجاد حلول سلمية.
وأوضح في مداخلة مع “العربية/الحدث”، أن موقف واشنطن بشأن السدواضح، ويقوم على التروي والحوار السلمي للوصول إلى إطار تقني متفق عليه، وفق تعبيره.
كما تابع أن سد النهضة تم افتتاحه، وأصبح واقعاً، لافتاً إلى أن الإدارة الأميركية تسعى للتعاطي مع ذلك.
ورأى أن الخلاف حول سد النهضة تقني لا سياسي، مشدداً على وجوب حله سلمياً.
وكشف عن احتمالية أن يكون هناك مبادرة للرئيس ترامب تجمع الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والإثيوبي آبي أحمد لحل المشكلة.
وأكد أن ملف سد النهضة لا يتعلق فقط بثلاثة بلدان، بل بكل الدول المستفيدة من نهر النيل.
جاء هذا بعدما أصدرت الحكومة الإثيوبية بياناً تناولت فيه موضوع سد النهضة رداً على التصريحات الأخيرة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مؤكدة على حقها السيادي في استخدام مواردها المائية. وأكدت أن نهر النيل ينبع من أراضيها، وأنها وفقاً للقانون الدولي ومبدأ السيادة الدائمة على الموارد الطبيعية، تتمتع بحق مشروع وغير قابل للمصادرة في الاستفادة من مواردها المائية، وفق بيانها.
كما رفضت أديس أبابا الاتهامات المصرية بـ”الإجراءات الأحادية”، واعتبرت أنها “أدارت مشروع سد النهضة بشفافية كاملة”، وقدمت “بيانات فنية دورية حول مراحل الملء والتشغيل إلى كل من السودان ومصر”، بحسب زعمها.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اتهم الأحد الماضي، إثيوبيا بإلحاق الضرر عبر سد النهضة بدولتي المصب مصر والسودان، داعياً إلى تحرك دولي وأفريقي لعقد اتفاق قانوني ملزم بشأن تشغيل وملء السد.
وأعلن أن بلاده “لن تقف مكتوفة الأيدي”.

مواقف إدارة ترامب
يذكر أن أزمة سد النهضة تعود إلى عام 2011، حين بدأت أديس أبابا في بناء السد على النيل الأزرق، ما أثار مخاوف مصر والسودان بشأن حصتهما من مياه النيل.
وقد حاولت الولايات المتحدة في إدارة الرئيس ترامب الأولى عام 2019 لعب دور الوسيط بين مصر وإثيوبيا والسودان، حيث استضافت جولات تفاوض في واشنطن انتهت دون توقيع اتفاق نهائي بعد انسحاب إثيوبيا من المحادثات.
أما في ولايته الثانية، فأكد ترامب مراراً حرصه على مصالح جميع الأطراف فيما يخص سد النهضة.
وكان السودان تعرض قبل أيام لموجة من الفيضانات هددت السكان والمزارعين.
وفي مصر، تعرضت قرية دلهمو بمحافظة المنوفية للغرق بسبب فيضانات النيل، كما أعلنت 4 محافظات مصرية أخرى حالة الطوارئ بعد ارتفاع منسوب المياه، ما دفع دولتي المصب لاتهام إثيوبيا باتخاذ إجراءات أدت إلى ما جرى.

العربية نت

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • رئيس تونس: الشعب سيظل سدا منيعا أمام كل من يحاول التطاول على الدولة
  • مدبولي: نستهدف زيادة أعداد السياح وندير ملف سد النهضة بحكمة دون تفريط
  • أميرة أديب ترد على لقب "فتاة رخمة": أنا واثقة من نفسي ولن يحددني دور واحد
  • رئيس جامعة أسيوط يهنئ القيادة السياسية بفوز مصر بعضوية مجلس حقوق الإنسان
  • الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي..رجل الدولة الذي سبق عصره
  • أحكام بالإعدام والسجن بحق متهمين بقضية اغتيال شكري بلعيد
  • ترامب يتبنى مبادرة لحل أزمة سد النهضة.. فيديو
  • الرئيس «راجولينا» يهرب من القصر.. ما الذي يجري في مدغشقر؟
  • مستشار ترامب يكشف عن الحل الوحيد لسد النهضة
  • مصر تتحدث عن نفسها