أنقرة- بينما يدخل صراع الحكومة التركية مع حزب العمال الكردستاني منعطفا جديدا بدأت أنقرة الإعداد لمرحلة دقيقة تهدف إلى تفكيك البنية المسلحة للتنظيم ونزع سلاحه بالكامل.

وتدور في الأوساط السياسية والأمنية نقاشات موسعة بشأن آليات التنفيذ، وسط تسريبات عن خطة خماسية تقودها الاستخبارات الوطنية التركية، وتستلزم تنسيقا مع حكومتي الجوار في العراق وسوريا.

لكن نجاح هذه الخطة لا يبدو محسوما في ظل تعقيدات ميدانية واحتمالات لانشقاقات داخل التنظيم، فضلا عن تحديات ضبط السلاح والكوادر في بيئات خارجة عن السيطرة، وهو ما يطرح أسئلة بشأن كيفية تنفيذ هذه العملية وآلية ضمان استدامتها.

خطة التفكيك

قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال تصريحاته التي أدلى بها للصحفيين على متن رحلة عودته من ألبانيا إن أنقرة تجري محادثات مع حكومتي بغداد وأربيل بشأن تفاصيل كيفية تسليم المسلحين الأكراد أسلحتهم خارج حدود تركيا، معتبرا أن هذه الخطوة ستخدم أيضا استقرار العراق وسوريا خلال المرحلة المقبلة.

وبحسب تسريبات نشرتها وسائل إعلام تركية، يجري الإعداد لتنفيذ عملية تسليم أسلحة مقاتلي حزب العمال الكردستاني تحت إشراف لجنة مشتركة تضم مراقبين دوليين يرجح أن تكون بتفويض من الأمم المتحدة في مواقع محددة داخل إقليم كردستان العراق.

وتشير المعلومات إلى أن محافظات دهوك وأربيل والسليمانية ستكون المحاور الأساسية للعملية، حيث تُخصَص نقاط تجمّع لتسليم السلاح بإشراف مباشر من الجهات المعنية.

وبموجب الترتيبات المقترحة، سيزود عناصر الحزب الجهات المختصة بإحداثيات دقيقة لمواقع تخزين الأسلحة والمخابئ الجبلية التي تضم الذخائر والمعدات تمهيدا لتفكيكها.

إعلان

في المقابل، ستتولى السلطات الأمنية والعسكرية التدقيق في الأسلحة المسلّمة، ومقارنتها بقوائم الجرد التي أعدتها أجهزة الاستخبارات، للتأكد من عدم وجود أسلحة مخفية خارج نطاق العملية الرسمية.

ومن المتوقع أن يتولى جهاز الاستخبارات الوطني التركي الإشراف المباشر على تنفيذ خطة تفكيك البنية المسلحة لحزب العمال الكردستاني، بالتنسيق مع كل من الحكومة العراقية وسلطات إقليم كردستان.

ووفق ما أوردته صحيفة "تركيا" التركية، فإن من المنتظر أن تشارك القوات المسلحة التركية أيضا في هذه المرحلة، لضمان جمع الأسلحة وتأمينها ضمن آلية ميدانية مشتركة تشمل أنقرة وبغداد وأربيل والسليمانية شمالي العراق.

وتهدف هذه الترتيبات إلى إتمام عملية تسليم السلاح بشكل كامل بحلول مطلع سبتمبر/أيلول المقبل، مما يمهد الطريق لانطلاق مرحلة سياسية جديدة في الداخل التركي.

وبحسب موقع "تي 24″ التركي، فإن سيتم استكمال الإجراءات الأمنية المرتبطة بتسليم الأسلحة قبل نهاية الصيف، ليصار بعدها إلى دعوة البرلمان لعقد جلسات خاصة تبحث ترتيبات المرحلة التالية لـ"إنهاء التمرد".

وفي السياق، قال الباحث السياسي عمر أفشار في حديث للجزيرة نت إن الشرط الأساسي لضمان اكتمال عملية نزع السلاح هو امتلاك الدولة قدرة تحقيق مستقلة وميدانية لا تعتمد على وعود الطرف المقابل، خصوصا في بيئات غير خاضعة للسيطرة التركية المباشرة مثل قنديل أو شرق الفرات.

وأكد أفشار أنه من دون امتلاك القوات التركية هذه القدرة ستبقى العملية معرضة لخطر الإجهاض أو إعادة التسلح لاحقا من مخازن لم يُكشف عنها.

من المتوقع استكمال الإجراءات الأمنية المرتبطة بتسليم الأسلحة قبل نهاية الصيف (الفرنسية) تنسيق إقليمي

تبرز أهمية التنسيق الإقليمي في خطة تفكيك ترسانة حزب العمال الكردستاني بالنظر إلى تمركز النسبة الكبرى من مقاتليه وقياداته خارج الأراضي التركية، وتحديدا في المناطق الجبلية الوعرة شمالي العراق وشمال شرقي سوريا، وهو ما يجعل تسليم الأسلحة خارج الحدود أحد أبرز مفاتيح نجاح العملية.

إعلان

وتشدد أنقرة على ضرورة التعاون الوثيق مع كل من بغداد وأربيل لوضع آلية ثلاثية تضمن التنفيذ الفعلي لنزع السلاح في هذه المناطق، حيث لا تخضع مواقع التنظيم عادة لسيطرة مباشرة.

ووفق ما أفاد به مسؤولون أتراك لوسائل إعلام محلية، فقد أجريت خلال الأسابيع الماضية مشاورات مكثفة مع الجهات العراقية المعنية، سواء على المستوى الاتحادي أو على مستوى إقليم كردستان، وسط مؤشرات على تحقيق "تقدم ملموس" في الجوانب اللوجستية والأمنية المتعلقة بتسليم الأسلحة.

في المقابل، يحذر مراقبون من احتمال ظهور فصائل منشقة ترفض الانخراط في العملية وتلجأ إلى الاحتماء في الجبال أو تعيد التمركز تحت مسميات جديدة، في حين تؤكد مصادر أمنية تركية أن الجيش سيُبقي على حالة من الجاهزية والاستطلاع النشط في المناطق الحدودية لفترة طويلة، لضمان عدم بروز أي تهديد مسلح مجددا.

ويرى المحلل السياسي التركي علي أسمر أن احتمالية بروز فصائل متشددة ترفض الانخراط في العملية تظل قائمة، وهو ما تتعامل معه الدولة التركية -بحسب وصفه- من زاويتين: الأمن القومي والشرعية القانونية.

ويشير أسمر في حديث للجزيرة نت إلى أن أي فصائل منشقة ترفض تسليم السلاح "لا تعبر فقط عن تمرد على الدولة، بل تمثل خروجا عن سلطة القيادة المركزية للحزب وزعيمه عبد الله أوجلان، مما يفقدها أي غطاء سياسي"، وهو ما يمنح أنقرة بالمقابل شرعية أمنية وقانونية كاملة للتعامل معها عسكريا، دون أن يعد ذلك تقويضا للعملية السلمية، بل امتدادا طبيعيا لها لضمان استكمالها.

أما من الناحية العملية فيلفت أسمر إلى أن تركيا لا تستبعد إطلاقا اللجوء إلى عمليات عسكرية محدودة ضد من يثبت تورطه في نشاطات تهدد الأمن والسلم الأهلي، مشيرا إلى امتلاك الجيش التركي خبرة طويلة في هذا النوع من العمليات النوعية الدقيقة التي تمنع تحول الفصائل الصغيرة إلى تهديد منظم.

إعلان

ويختم بالقول "سواء اكتمل الحل بتفكيك الحزب كليا أو برزت جيوب معارضة فإن تركيا تملك زمام المبادرة في الحالتين، في الأولى تنهي حقبة من الصراع، وفي الثانية تكتسب تفويضا مزدوجا داخليا ودوليا لاجتثاث ما تبقى من تهديد بوسائل شرعية ومشروعة دفاعا عن أمنها القومي ووحدة أراضيها".

وفي مؤشر على توجه الحكومة نحو إرساء أرضية سياسية موازية، كشفت صحيفة "صباح" المقربة من دوائر القرار عن نية أنقرة إطلاق "حملة دمقرطة" شاملة بعد إتمام تسليم السلاح تشمل مراجعة قوانين مثيرة للجدل، كآلية تعيين الولاة في البلديات، في محاولة لخلق مناخ سياسي أكثر انفتاحا يعزز الثقة في المرحلة المقبلة.

مسار سياسي

وبالتوازي مع الخطوات الميدانية لنزع سلاح حزب العمال الكردستاني تتجه أنقرة نحو تفعيل مسار سياسي داخل البرلمان التركي، في إطار مرحلة جديدة توصف بأنها "انتقالية" نحو ترسيخ السلام الداخلي.

وفي هذا السياق، طرح رئيس حزب الحركة القومية دولت بهتشلي مبادرة لتشكيل لجنة برلمانية موسعة تعنى بإدارة المرحلة المقبلة تحت عنوان "إستراتيجية تركيا بلا إرهاب في القرن الجديد.. لجنة الوحدة الوطنية والتضامن".

ويقضي المقترح بأن تتولى اللجنة -التي يُنتظر أن تضم قرابة 100 عضو- مهمة وضع خارطة طريق للملف الكردي ما بعد السلاح، مع ضمان تمثيل نسبي للأحزاب الـ16 الممثلة في البرلمان التركي.

ووفقا لبهتشلي، فإن رئاسة اللجنة ستُسند إلى رئيس البرلمان نعمان قورتولموش، لضمان إشراف دستوري مباشر على عملها.

بدوره، أكد قورتولموش أن عملية الانتقال نحو "تركيا من دون إرهاب" تسير وفق الجدول المقرر، مشيرا إلى أن "الخطوة التالية هي تسليم السلاح، وبعد ذلك ستكون ساحة النقاش السياسي هي البرلمان، سواء من حيث التشريع أو وضع الأطر القانونية اللازمة".

وتتماهى تصريحات قورتولموش مع موقف الحكومة التي تربط أي تحرك سياسي داخل البرلمان باستكمال المرحلة الأمنية.

وأوضح مسؤولون في حزب العدالة والتنمية أن إطلاق النقاش البرلماني بشأن "المرحلة السياسية الجديدة" لن يتم إلا بعد صدور تقرير رسمي من جهاز الاستخبارات يؤكد انتهاء عملية نزع السلاح بالكامل.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات حزب العمال الکردستانی تسلیم الأسلحة تسلیم السلاح وهو ما إلى أن

إقرأ أيضاً:

حماس تنفي ادعاءات نشرتها وسائل إعلام حول موقفها من تسليم السلاح

نفت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، اليوم الأحد، ادعاءات نشرتها وسائل إعلام حول موقفها من تسليم السلاح.

ناشط إيطالي يشهر إسلامه عقب اعتقاله من أسطول الصمودالرئيس الفرنسي يعين حكومة جديدة

وقال القيادي بالحركة محمود مرداوي في تصريح صحفي إنه لا صحة للادعاءات المفبركة التي نشرتها قناة "الحدث" وعدد من وسائل الإعلام حول مسار مفاوضات وقف إطلاق النار وموقف الحركة من تسليم السلاح، و ذلك بحسب وكالة الأنباء "صفا".

ودعا وسائل الإعلام إلى تحري الدقة والمصداقية في تناول التصريحات، وعدم الانجرار وراء الشائعات والمصادر المجهولة، مهيبًا بالجميع استقاء المعلومات والتصريحات من منصات الحركة الرسمية الموثوقة.

وأكد مرداوي أن ما نُشر لا أساس له من الصحة ويهدف إلى تشويه الموقف وإرباك الرأي العام.
 

طباعة شارك حماس تسليم السلاح وقف إطلاق النار وسائل الإعلام

مقالات مشابهة

  • المملكة تعتمد عقد العمل الموثق سندًا تنفيذيًا لحفظ حقوق العمال.. مصدر يوضح آليات القرار
  • حماس توافق على تسليم السلاح
  • حماس توافق على تسليم السلاح لهيئة مصرية فلسطينية
  • تركيا تتفاوض مع الولايات المتحدة بشأن العناصر الأرضية النادرة في بيليكوفا
  • مظاهرة حاشدة في العاصمة التركية أنقرة تدعم الفلسطينيين
  • حماس تنفي ادعاءات بشأن المفاوضات وموقفها من تسليم السلاح
  • "حماس" تنفي ما نشرته وسائل إعلام حول موقفها من تسليم السلاح
  • حماس تنفي موافقتها على تسليم السلاح
  • حماس تنفي ادعاءات نشرتها وسائل إعلام حول موقفها من تسليم السلاح
  • “نمشي للحرية”.. مسيرات متزامنة في تركيا دعما لفلسطين