غسان سلامة: هنالك انعدام للثقة بين قادة الدول الكبرى
تاريخ النشر: 27th, May 2025 GMT
أكد الدكتور غسان سلامة وزير الثقافة اللبناني، أن عملية اختزال التحولات العميقة الى مجرد سياسات للدول الكبرى غير صحيح، لأن الدول الكبرى ليست على تفاهم، كما أن هنالك انعداما للثقة بين قادة هذه الدول.
وأضاف سلامة خلال جلسة حوارية بعنوان «الثقافة من أجل السلام والازدهار» ضمن فعاليات منتدى الإعلام العربي خلال اليوم الثاني من قمة الإعلام العربي، أن أكبر خطر هو نمو الشعبوية في الدول الكبرى، كونها تؤدي إلى عدم الاستقرار، والدول في علاقتها بحاجة لليقين.
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: فيديوهات لبنان دبي الإمارات
إقرأ أيضاً:
الإعلام العربي.. هل يستحق هذه «القمة» ؟
كلما سمعت كلمة «قمة عربية» تحسست رأسي، وشعرت برجفة وسخونة مفاجئة تهز جسدي كله، خاصة عندما تطاردني ذكريات عشرات، بل ربما مئات القمم العربية التي عاصرتها على مدى سنوات عمري، وكم الإحباط الهائل الذي أصاب به قبل وأثناء هذه القمم، التي كانت على الدوام قمما احتفالية، لم تنقلنا ولو خطوة واحدة إلى الأمام على جميع الأصعدة، بل ربما أعادتنا خطوات كثيرة إلى الوراء خاصة في السنوات الأخيرة. وقد رأينا كيف كانت القمة العربية الرابعة والثلاثين الأخيرة التي استضافتها العاصمة العراقية بغداد منتصف هذا الشهر، وغاب عنها معظم القادة العرب، موضعا للقيل والقال، والرفض الشعبي لما انتهت إليه.
أحدث وآخر تلك القمم هي «قمة الإعلام العربي 2025» التي انطلقت الأحد الفائت في دبي وتستمر حتى اليوم (الأربعاء). ينظم القمة منذ سنوات نادي دبي للصحافة، ويشارك فيها هذا العام، كما يقول الموقع الرسمي لحكومة دبي نحو ثمانية آلاف إعلامي من جميع أنحاء العالم العربي. السؤال الذي ظل يطاردني وأنا أتابع أخبار تلك القمة هو: هل يستحق الإعلام العربي قمة بهذا الحجم يتحدث خلالها 300 متحدث، وتضم 175 جلسة و35 ورشة تدريبية؟
ليس الهدف من هذا المقال أن نقلل من أهمية فعاليات القمة، ولكن أن نوضح للقارئ الكريم كيف يمكن لمثل هذه المناسبات أن تكون فرصة لمراجعة الذات والوقوف على حقيقة الأوضاع العربية دون دعاية مفرطة ودون مبالغات منفصلة عن الواقع.
واقع الإعلام العربي المتردي لا يخفى على أحد، وحجر الزاوية في أي إصلاح لهذا الإعلام لا بد أن يبدأ وينتهي بقضية الحرية. ماذا تفعل كلمات المتحدثين وتوجيهات المدربين وهي تتجنب الإشارة إلى قضية الإعلام العربي الأساسية؟ في تقديري إن ما يقدم في هذه القمة وغيرها لا يصلح للتعامل مع الإعلام العربي بوسائله التقليدية والجديدة. من الجيد أن تكون لدينا جلسات وحلقات تدريبية تركز على البيئة الإعلامية الرقمية الجديدة، والذكاء الاصطناعي ومستقبل الصحافة والتحول الرقمي، ولكن ماذا نحن فاعلون بكل ذلك؟ لا شيء! لسبب بسيط هو أن أنظمتنا الإعلامية المتشابهة تقريبًا في كل الدول العربية لن تسمح بتغيير يحد من سيطرتها على وسائل الإعلام بكل منصاتها القديمة والجديدة. ولذلك فإن ما يقدم في هذه القمة يصلح لأنظمة إعلامية أخرى، وليس للأنظمة الإعلامية العربية، يصلح لأنظمة مفتوحة وحرة تسمح بالرأي والرأي الأخر وتدعم الخلاف والاختلاف في وجهات النظر وليس لأنظمة ما زال، الكثير منها، يحتكر كل منافذ التعبير في المجتمع ويريد تعزيز هذا الاحتكار بالسلطوية الرقمية. من الجيد تدريب الشباب الصحفيين والمؤثرين على صناعة المحتوى وإتقان مهارات هذه الصناعة المهمة، ولكن أي محتوى نريد لهم أن يصنعوه، وهم يرون أن من صنعوا المحتوى الذي يريدون مكانهم الآن في السجون؟ وأن الساحة مفتوحة فقط أمام أصحاب المحتوى الهابط البعيد عن القضايا الحقيقية للمواطن العربي. وما يقال عن صناعة المحتوى يصدق أيضا على صناعة «البودكاست» التي تطاردها بعض الحكومات العربية.
تناقش القمة واقع ومستقبل الصحافة العربية، هذا المستقبل الذي قد يبدو مشرقا على صعيد تبني التكنولوجيات الجديدة والتوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي في جمع الأخبار وتحريرها وإعداد التقارير الصحفية والصور والفيديوهات المساندة للمادة الصحفية، لكن السردية التقليدية يجب أن تبقى كما هي. لن تروي الصحافة سوى ما تريد الحكومات أن تطلع عليه الشعوب، ولن تنتقل إلى الأشكال الجديدة من الصحافة الاستقصائية وصحافة المحاسبة والمساءلة، ولن تتناول البرامج الإذاعية والتلفزيونية القضايا المسكوت عنها، ولذلك سوف تبقى الصحافة والمنصات الإعلامية العربية بعيدة عن الجمهور، ومن المتوقع أن تزداد عزلتها الجماهيرية في السنوات القادمة طالما ظلت المؤسسات الإعلامية تعيش على ما تجود به الحكومات من دعم مباشر وإعلانات حكومية.
لا حاجة لمراجعة برنامج القمة لكي تتأكد أن قضايا الحريات العامة والحريات الصحفية والقضايا الحقوقية في العالم العربي لم تطرح أمام قمة يقال إنها للإعلام العربي. وأكاد أجزم مسبقا أنه لا أحد في هذه القمة سوف يتحدث عن الصحفيين الفلسطينيين الذين اغتالتهم إسرائيل في حربها الغاشمة على غزة، والذين بلغ عددهم وفقا لبيانات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة 220 صحفيا، ويعد هذا الرقم الأعلى في تاريخ الصراعات الحربية من حيث عدد الصحفيين الذين تم استهدافهم بالقتل في منطقة واحدة خلال فترة زمنية قصيرة، وذلك وفقا للجنة حماية الصحفيين الدولية. لا أحد في هذه القمة التي يغلب عليها الطابع الاحتفالي سوف يتذكر عشرات وربما مئات الصحفيين والأدباء والشعراء والمؤثرين المعتقلين في أكثر من دولة عربية بتهم معلبة وجاهزة مثل «نشر أخبار كاذبة» و«تهديد السلم العام».
أين قضايا الرقابة في هذه القمة التي تستهدف مناقشة أوضاع الإعلام العربي الذي لم يعانِ إعلام مثله في العالم من الرقابة، سواء الخشنة التي تتم من خلال قوانين الإعلام والعقوبات وغيرها من القوانين، والسجن والاعتقال، أو من خلال الرقابة الناعمة المناسبة أكثر للعصر الرقمي والتي تعتمد على متابعة الجيوش الإلكترونية لكل ما ينشر على المنصات الإعلامية والشخصية والتلاعب بالخوارزميات من جانب الحكومات وشركات التكنولوجيا العملاقة التي تدير شبكات التواصل الاجتماعي لمنع التعبير الحر عن الرأي. لو كانت هذه القمة قمة للإعلام العربي بالفعل لناقشت كل تلك القضايا دون حرج، وفتحت أبواب الحوار حول القيود السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية التي تحاصر هذا الإعلام وتمنعه من التطور.
هل يجرؤ أحد على امتداد الخريطة العربية أن يعقد قمة حقيقية للإعلام العربي تناقش كل تلك القضايا؟ قمة تفتح الطريق أمام إصلاح حقيقي لهذا الإعلام الذي ما زالت دولنا تحتاج إليه بشدة في مسيرتها نحو تحقيق التنمية المستدامة. نحتاج قمة للإعلام العربي تتناول المسكوت عنه، وتطهر الجروح الكثيرة التي مزقت هذا الإعلام منذ بداية ظهوره، وتعيد له الحياة، وليس قمة تزيد تقيح هذه الجروح من خلال وضع مساحيق التجميل المبهرة عليها.