لحظة العيد.. وبحث الأمة عن بوصلتها الأخلاقية
تاريخ النشر: 3rd, June 2025 GMT
يطل على المسلمين بعد غد الجمعة عيد الأضحى المبارك، الذي تحتفل فيه الأمة الإسلامية بأن منّ الله عليها بتمام فريضة الحج. ورغم الألم الذي يعتصر الأمة جراء ما يحدث في غزة وفي السودان وفي بقاع إسلامية كثيرة من مجازر بشعة وتضحيات كما هو الحال في غزة، ومن دماء تُراق دون ثمن حقيقي كما هو الحال في السودان على سبيل المثال، إلا أن لحظة العيد، بما تحمله من فرح وسكينة، لحظة تعبدية تستوجب التعظيم كما تستوجب التأمل.
لذلك فإن لحظة العيد، بكل مرجعياتها الدينية والاجتماعية والتاريخية، لا بد أن تُعمق فينا القيم الإنسانية. وشعيرة الحج إحدى أهم الشعائر التي يمكن أن نقرأ في مناسكها مثل هذه القيم التي تعيدنا إلى حقيقة إنسانيتنا. فهناك، حيث يقف الملايين على صعيد عرفات، تتجلى المساواة في أصفى صورها، ويتلاشى الفرق بين غني وفقير، بين صاحب سلطة ومن لا سلطة له. إنها لحظة تذكّر بأن الأصل في الاجتماع البشري هو الكرامة، لا الامتياز، وأن العدل لا يكون شعيرة موسمية بل قيمة مؤسسة للحياة المشتركة.
وجوهر عيد الأضحى يكرّس فينا التماسك المجتمعي والإنساني في لحظة تزداد فيها الفجوات والفوارق بين المجتمعات الإنسانية، ويُستغل الدين أحيانا لتبرير سياسات الإقصاء أو العنف، حيث يصبح الحديث عن «قيمة العيد» حديثا بالغ الأهمية.
والأمة الإسلامية أمة كبرى ولديها موروث حضاري عريق وعلاقات ممتدة مع سائر الأمم والشعوب، وهي في هذه اللحظة في حاجة ماسة إلى رؤية موحدة وسردية أخلاقية يقبلها العالم، لا كخطاب ماضوي، بل كدعوة حضارية قادرة على المساهمة في ترميم هذا العالم المتشظي. ولا يمكن لذلك أن يتحقق إلا عبر شراكات حضارية متكافئة، تتأسس لا على تبادل المصالح وحدها، بل على تبادل المعنى. عيد الأضحى في جوهره دعوة لهذا النوع من المعاني، لا للفرح المجرد، بل للفرح الذي ينبع من شعور أخلاقي عميق بأن الإنسان، كل إنسان بغض النظر عن دينه ولونه وقوميته، له حق في الحياة والكرامة والسلام.
وإذا كان العيد بهذا المعنى وهذه القيمة عند المسلمين فمن الواجب أن يكون لحظة تأمل عميقة في ما آلت إليه الأمة في لحظتها الحاضرة وما تريده في مستقبلها إن أرادت أن يكون لها مستقبل وسط زحام الأمم والحضارات.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
عُمان والأردن.. مباراة الحلم العربي
ريتّا دار **
darrita936@gmail.com
ليست عُمان ضدّ الأردن؛ بل هي عُمان والأردن معًا في طريق واحدٍ؛ إذ إن من سيفوز ليلة العيد، سيفوز باسم كل عربي، وسيرفع راية الحلم العربي في وجه العالم، ويمنح كلّ شابّ في حيّ صغير دافعًا ليؤمن أنّ الحلم لا يموت، وأنّ المستحيل يمكن أن يُهزم حين نؤمن به.
مساء الخميس لا ننتظر فقط مباراة، بل لحظةً يتوقّف فيها الوقت، لتلتقي الأرواح قبل الأقدام. لحظةً نرى فيها نحن العرب أنفسنا على أرضٍ واحدةٍ، يلعب فيها أبناؤنا من ضفّتين مختلفتين، لكن بقلبٍ واحدٍ.
في سلطنة عُمان، تعلّم اللاعبون أن الأحلام لا تُمنح، بل تُنتزع. لا أحد يصل إلى المنتخب صدفة. معظم اللاعبين خرجوا من ملاعب الحارات، ترابية كانت وأخرى معشبة، وبيئة تؤمن بالعمل الصّامت لا بالضّجيج، جيلٌ كاملٌ نشأ وهو يردّد أسماء نجومٍ صنعوا المجد، وجعلوا الأحمر العُماني خصمًا يُحسب له ألف حساب. الرسام صلاح اليحيائي لا يلعب فقط بقدميه، بل بريشة فنّان، يعرف متى يمرر، ومتى يراوغ، لا غرابة أن يتسمى بلقب الرسام، فهو يملك أجمل ريشة، ومتى يشعل الجمهور بفنّه. عصام الصبحي، مهندس المساحات، الّذي لا يخشى الكبار، وفي عينيه إيمان فتىً يعرف أن هذه المباراة قد تغيّر كل شيء وأن لحضوره الذهني أمام المرمى الأردني وأهدافه قيمة غالية جدًا.
وفي مرمى الأحمر، يقف فايز الرشيدي بشجاعة رجل يعرف أنه تحت أعين آلاف الأطفال الذين يرونه بطلًا حتّى قبل صافرة البداية. هو لا يصدّ الكرات فقط، بل يحمي شيئًا أكبر.. حلم جيل كامل أن يرى منتخب بلاده يومًا ما في المونديال.
وفي الأردن، لا يلعب "النّشامى" وحدهم بل يحملون في صدورهم صخب الجماهير، وخفقات القلب الأولى لمدرب آمن بهم حين لم يؤمن بهم أحد. كلّ لاعبٍ فيهم مرّ بتحدّ، وكلّ اسمٍ يحمل حكاية تعب ومثابرة. موسى التعمري، نجم عمّان القادم من الاحتراف الاوروبي، لا يركض على العشب فحسب، بل يركض على أحلامنا جميعًا. كل لمسةٍ منه تروي حكاية شابّ عربي غادر وطنه ليعود إليه أقوى، وأصدق.
يزن النعيمات، لا يتوقّف عن الرّكض، وكأنه يُعوض عن كلّ من لم تتح له الفرصة. يلعب بإخلاصٍ واضحٍ، ومن الصّعب أن تشاهده ولا تشعر أنّه يلعب لأجل شيءٍ أكبر من الفوز، ان تحترف في دوري نجوم قطر، إذ أنت رقم ليس سهلا. خلف هؤلاء جميع يقف يزيد أبو ليلى في مرماه سدّا منيعا أمام أي مد هجومي، قدراته وتألقه فب مرماه تجعل الفريق يقاتل حتى آخر لحظة، لأن "الّنشمي" لا يعرف الاستسلام.
هؤلاء اللاعبون لا يلعبون من أجل العقود، ولا من أجل الشّهرة. إنّهم يلعبون من أجل لحظة: أن يُرفع علم، أن تدمع عين أمّ فخورة، أن يركض طفل في زقاقٍ صغيرٍ صارخًا: "فزنا".
لكلّ لاعب: لست وحدك. هناك من يسهر من أجلك، من يجهّز القهوة ويرتّب الجلسة قبل صافرة البداية، من يحفظ اسمك عن ظهر قلب. وهناك من لا يعرف اسمك، لكنّه دعا لك بصمت لأنه يراك تمثّله، تركض باسمه، وتحارب من أجله.
قد تنتهي ملحمة الخميس بفوز أحد الفريقين، لكنّ الحقيقة أنّ كلّ عربيّ سيكون فخورًا. فخورٌ برؤية علم عربيّ يرفرف، وأسماء عربيّة تنادى في استوديوهات العالم، وأقدام عربيّة تخترق شباك الخصوم في طريقها نحو الحلم الرياضيّ الأكبر.
هذه ليست مجرد مباراة؛ بل فرصة؛ لأن تقول لجيلٍ كاملٍ: نعم، يمكنكم أن تصلوا، أن تحلموا، أن تهتفوا من القلب، وأن تحصدوا ما زرعتموه من تعب وولاء.
ونحن لا ننتظر فقط نتيجة، بل ننتظر من لاعبينا أن يقولوا للعالم إنّنا نستحقّ. إنّنا نلعب بشرفٍ، ونخسر بكرامةٍ، ونفوز بفخر.
قد نختلف في لون القميص، لكنّنا نتفقّ في القلب: أنّ ليلة الخميس، هي ليلة العرب، وعسى ان نشهد تألق كل المنتخبات العربية الآسيوية.
من قلبي العربيّ السّوريّ، إليكم يا لاعبي عُمان والأردن: العبوا بكل قوّتكم وشغفكم، لأنّ ما تقدّمونه اليوم ليس مجرّد مباراة، بل حلمًا يعيشه كلّ عربيّ، أنتم تمثّلوننا جميعًا، فكونوا الأفضل لأجلكم ولأجلنا.
مع كلّ الحبّ.
** صحفية سورية