رائحة الحرمين في الحقيبة.. هدايا الحجاج وذاكرة الطفولة
تاريخ النشر: 8th, June 2025 GMT
بعد الحادي عشر من ذي الحجة كل عام كانت "فاطمة الدغيشية" وبرفقتها العائلة ينتظرون عودة والدهم "يحيى" من مكة دون تواصل مباشر ومستمر، معتمدين على الهاتف العمومي وتخمينهم الذي يقودهم إلى الشارع مرات عديدة والدنيا عيد إلى أن يلمحوا الباص فيصيحون بفرح: "جاي أبوي!".
هكذا تتداخل ذكريات عودة الحجاج واستقبالهم لدى فاطمة وكثيرين مذ أن كانوا صغارا.
العودة السعيدة.. ذكريات مشتركة
تقول فاطمة يحيى عن والدها الذي اعتاد التردد على مكة لأداء الحج والعمرة: "في الماضي، لم تكن هناك هواتف نعرف من خلالها موقعه، سوى الهواتف العمومية، فكنا نخمّن اقتراب عودته وننتظره عند الشارع. وما إن نلمح الباص، حتى نصيح بفرح: 'جاي أبوي!'، ويعلم أهل الحي جميعهم بقدومه. نستقبله بالأحضان ودموع الفرح، وتغلب علينا براءة الطفولة، فلا نسأله عن حاله، بل نبادره بالسؤال: "مو جبت لنا؟'"
أما علي الغيثي فقال عن المشهد: في كل مرة يعود فيها حاج إلى أهله، تعود بي الذاكرة إلى سنوات الطفولة، حين كنت أنتظر عودة والدي أو أحد أقاربي من مكة. لم تكن الهدايا في تلك الأيام مجرد أشياء، بل كانت رموزًا محمّلة بالقداسة، تغمرني بشعور يعجز اللسان عن وصفه."
ويصف تلك اللحظات بقوله: "كنت أنتظر عند باب البيت. كانت والدتي تجهّز المجلس وتبخّر الدار، استعدادًا يشبه طقوس العيد. وما إن تطأ قدم الحاج عتبة الدار، حتى يخفق قلبي الصغير بشدة، ليس فقط فرحًا بسلامته، بل أيضًا لما يحمله من أطهر بقاع الأرض. أول ما أبحث عنه هو حقيبة السفر، لأنني أعلم أنها تحمل الكنوز: عكاسات صغيرة، قوارير ماء زمزم، سجادة صلاة، مسباح من الكهرمان أو الخشب، ومصحف صغير بغطاء جلدي."
يرسم فلاح التوبي، صورة بانورامية للمشهد كله، حيث تعود الذاكرة إلى زمن الطفولة والحارات المتآلفة: "كانت الحياة تسير على مهل، مغايرة تمامًا لما نحن عليه اليوم. لم يكن الحج آنذاك حدثًا فرديًا يؤديه الحاج ويعود، بل كان مناسبة تهتزّ لها الحارة بأكملها، وتعيشها البيوت بروح جماعية مفعمة بالإيمان والرهبة والحنين. تنشغل النساء بتجهيز كل شيء، يجتمعن تحت ظلال النخيل، يخبزن، يجهزن العوال، ويطوين الملابس بعناية داخل حقائب جلدية حمراء أو سوداء. في يوم الرحيل، يتجمع الأطفال والكبار تحت شجرة السدر الكبيرة لتوديع الحجاج. الوجوه متلهفة، والعيون دامعة، لكن الأصوات ترتفع بالدعاء: الله يردكم سالمين."
وأضاف: "نعود نحن الأطفال إلى نفس المكان، نستقبلهم كما ودّعناهم. نركض إليهم شوقًا إلى الحقائب الملكية التي عادت معهم. تُفتح الحقيبة، وتنساب منها روائح الحرم، ممزوجة بعبق المسك والورد المكي. نخرج منها العكاسات، المصاحف الزاهية، المسابيح، والسجادات التي تفوح منها رائحة الديار المقدسة."
هدايا الحج .. البساطة العميقة
ليست هدايا الحج أشياء مادية، بل "رموز محملة بالقداسة"، لم يدركها الأطفال في حينه لكنهم عرفوا من خلالها مكة دون أن يروها. يقول الغيثي:"آمنت أن ماء زمزم يشفي، وأن المسباح لا يُشترى بل يُهدى، وأن رائحة السجادة تنقلني إلى مكة وأنا في غرفتي."، وأضاف: الهدايا لم تتغير كثيرًا... لكنني أصبحت أنتظر الشخص أكثر من الهدية. أدركت أن الهديّة ليست فقط ما يُعطى، بل ما تحمله من دعاء ومحبة. ما زلت أضع قارورة زمزم في خزانتي، وأحتفظ بمصحف كتب عليه "هدية من مكة"، كأنه قطعة من الروح."
تقول الدغيشية أن "الكاميرات الحمراء" هي أكثر ما يفرحهم في حقيبة والدها التي متى فتحت لا أحد يعلم متى يمكن إغلاقها من جديد، ولأن والدها كان كثير التردد على الحج، وكان يجلب الكاميرات، وماء زمزم باستمرار، وكانت هذه الأشياء تدخل بيتهم كل عام، ولكنهم على الرغم من كانوا يترقبونها بشوق كما لو كانت أول مرة.
تتابع فاطمة وصف تغير الهدايا مع الزمن، فتقول: "الآن، وقد كبرنا، لم تعد الكاميرات ضمن الهدايا، فأولادنا باتوا يستقبلون هدايا مختلفة: دمية أو سيارة تنشد "يا طيبة". أما نحن، فننال سبحة أو سجادة، ومع ذلك ما نزال نفرح بها دوما وكل عام، وخصوصًا إن كانت تحمل أسماءنا."
وتضيف: "حتى أولئك الذين لم نرهم منذ زمنٍ بعيد يأتون لرؤية أبي، وينالون نصيبهم من الهدايا: مكسرات متنوعة، وأيضا كاميرات لأولادهم."
يصف التوبي تغير الرحلة بين اليوم والأمس قائلا: "اليوم، فقد اختلفت الأمور. صارت الرحلة أقصر، والتواصل فوري، وأحيانًا تغيب الهدايا. ربما لأن الأطفال انشغلوا بالتقنية، ولم تعد العكاسات والسجادات تثير دهشتهم. لكن، رغم كل ذلك، تبقى تلك الذكريات حيّة نابضة في وجدان من عاشها... تحمل حنينًا صادقًا لعصرٍ كانت فيه أبسط الأشياء أعمق الهدايا."
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
بحضور وزير الأوقاف السوري.. حفل استقبال في مكة المكرمة لكبار الشخصيات الإسلامية وضيوف خادم الحرمين الشريفين ورؤساء مكاتب شؤون الحجاج
مكة المكرمة-سانا
أقام ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان، نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حفل الاستقبال السنوي لكبار الشخصيات الإسلامية، وضيوف خادم الحرمين الشريفين، وضيوف الجهات الحكومية، ورؤساء الوفود ومكاتب شؤون الحجاج الذين أدوا فريضة الحج لهذا العام.
وهنأ الأمير محمد في كلمة ألقاها خلال الحفل الذي أقيم في الديوان الملكي السعودي بقصر منى أمس، جميع المسلمين بعيد الأضحى المبارك، مبيناً أن المملكة سخرت جميع قُدراتها لخدمة ضيوف الرحمن والتيسير عليهم، ليؤدوا مناسكهم بيسر وسهولة.
وقال ابن سلمان: “يأتي عيد الأضحى المبارك هذا العام ومعاناة إخوتنا في فلسطين مستمرة، نتيجة العدوان الإسرائيلي، ونشدد على دور المجتمع الدولي في إنهاء التداعيات الكارثية لهذا العدوان، وحماية المدنيين الأبرياء، وإيجاد واقع جديد تنعم فيه فلسطين بالسلام، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية”.
بدوره ألقى وزير الحج والعمرة السعودي رئيس لجنة برنامج خدمة ضيوف الرحمن الدكتور توفيق بن فوزان الربيعة، كلمة استعرض فيها الاستعدادات لموسم حج هذا العام التي بدأت مع نهاية موسم حج العام الماضي، ما أدى إلى ارتقاء منظومة الحج إلى مستوياتٍ غير مسبوقةٍ من التكامل والكفاءة.
وتناول الدكتور الربيعة أبرز ما تم إنجازه في حج هذا العام، حيث نُفّذ في مجال الطاقة 46 مشروعاً جديداً، لتعزيز المنظومة الكهربائية في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، وفي قطاع النقل استُقبلت أكثر من 7 آلاف رحلة طيرانٍ من 238 وجهة عالمية، وجرى تشغيل 4700 رحلةٍ عبر قطار الحرمين، و2500 رحلةٍ بقطار المشاعر، وبمشاركة أكثر من 20 ألف حافلة نقلٍ.
وألقى الأمين العام للقدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد بن أحمد حسين كلمة رابطة العالم الإسلامي، أكد فيها أن من أهم مقاصد الإسلام ومنافع الحج الحفاظ على وحدة الأمة الإسلامية، وتقوية أواصر الأخوة الإيمانية، وتعزيز المودة والتعاون والمحبة بين المسلمين، بمختلف مذاهبهم وألوانهم وأجناسهم ولغاتهم وأوطانهم، لتضييق دائرة الخلافات وتقارب المسافات وتآلف القلوب واجتماع الكلمة وتحقق أخوة الدين.
بعد ذلك ألقى وزير الأوقاف في الجمهورية العربية السورية الدكتور محمد أبو الخير شكري، كلمة رؤساء مكاتب شؤون الحج، عبر فيها عن الشكر والامتنان لخادم الحرمين الشريفين ولسمو ولي العهد على الجهود الاستثنائية والنوعية التي تقدم لحجاج بيت الله الحرام.
وقال الدكتور شكري:” إن موسم حج هذا العام 1446هـ يأتي استمراراً للنهج الراسخ للمملكة في التيسير على الحجاج، وتجسيداً لرسالتها الخالدة في خدمة الإسلام والمسلمين، والشرف التاريخي الأصيل لقيادة وشعب هذه البلاد المباركة في خدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما”.
وأضاف الدكتور شكري: “إن ما نراه من تطوير شامل ومستدام للبنية التحتية، ومنظومة الخدمات الذكية، واستخدام أحدث التقنيات في إدارة الحشود، دليل على رؤية المملكة الطموحة 2030، وأثرها الذي تحقق قبل أوانه”، مشيراً إلى أن حجاج بيت الله الحرام لمسوا جميعاً التسهيلات الكبيرة التي قدمتها منظومة خدمة ضيوف الرحمن، للتيسير عليهم، وذلك بالاعتماد على أحدث الأنظمة الإلكترونية وتطبيقات الهواتف الذكية، إضافة إلى التنافسية العالية بين مزودي الخدمات، ما انعكس إيجاباً على جودة الخدمات المقدمة، وأسهم في تحسين رحلة الحاج بشكل غير مسبوق.
ونوّه وزير الأوقاف بما توليه الجهات المعنية بخدمة الحجاج والمعتمرين من تخطيط مبكر واستعدادات غير مسبوقة لتطوير خدماتها والإسهام في التيسير على الحجاج والمعتمرين بأعلى المعايير، مؤكداً دعم قيادات بعثات شؤون الحج لكل جهود الأجهزة العاملة في منظومة خدمة ضيوف الرحمن في المملكة على تطبيق الأنظمة والتعليمات، التي تهدف إلى تنظيم الحج وحماية أمن وسلامة الحجاج بعيداً عن أي شعارات سياسية، أو توجهات تخل بروح هذه الشعيرة العظيمة.
تابعوا أخبار سانا على