كانت كونداليزا رايس تشغل منصب وزيرة الخارجية الأمريكية، وقد طرحت رؤيتها للمتغيرات المقبلة لبناء شرق أوسط جديد وفي مقدمتها نظرية «الفوضى الخلاقة»، التي تعني في مضمونها «التخلي عن مفاهيم الأمن والاستقرار» حتى لو تسبب ذلك في إسقاط العديد من الأنظمة الحليفة والموالية للولايات المتحدة، بزعم أن هذه الفوضى حتمًا سينتج عنها وضع أفضل من الأوضاع السائدة في المنطقة، وقد أكدت ذلك تفصيلاً في حديثها لـ «الواشنطن بوست» بتاريخ 19 أبريل .
تعددت الاتصالات التي رصدتها المخابرات العامة بين ممثلين لجماعة الإخوان وتحديدًا التنظيم الدولي، وبين عناصر استخباراتية أمريكية، بهدف الاتفاق حول الخطوات القادمة لأسس التنسيق بين الطرفين.
كانت واشنطن قد سعت في هذا الوقت إلى التأكد من مصداقية وعود الإخوان ومدي التزامهم بالاستراتيجية الأمريكية حال وصولهم للحكم في مصر والعالم العربي، وقد رصدت المخابرات العامة المصرية ورود تعليمات من قيادة الـ(سي.آي.إيه) إلى مسئولي محطات المخابرات الأمريكية في عدد من الدول الغربية والشرق الأوسط لتجنيد عدد من كوادر الجماعة للتعرف من خلالهم على الموقف الحقيقي للإخوان المسلمين من السياسة الأمريكية في المنطقة.
وفي عام 2006 قام وفد برئاسة ريتشارد ميرفي مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشئون الشرق الأوسط بزيارة إلى مقر الكتلة البرلمانية لجماعة الإخوان في المنيل بالقاهرة، حيث التقي الوفد مع عدد من نواب جماعة الإخوان بالبرلمان، وهم: سعد الكتاتني وحسين إبراهيم وحمدي حسن، تم خلالها الحديث عن ضرورة تنمية العلاقة بين نواب الإخوان بالبرلمان وبين مراكز الأبحاث الأمريكية، ولم يكن ذلك إلا عنوانًا للمهمة، إلا أن الأمر كان يحوي تكليفًا من الإدارة الأمريكية لريتشارد ميرفي لمعرفة رؤية الإخوان حول القضايا المطروحة وتطوير الحوار بين الجماعة والإدارة الأمريكية.
وفي أكتوبر عام 2006 بدأت ملامح هذا المخطط تتكشف تدريجيًا بأبعادها المختلفة، من خلال البلاغ الذي تقدم به عضو جماعة الإخوان المدعو محمد عبد الغني محمد حسن الذي كان يعمل في بلغاريا، عندما التقي القنصل العام للسفارة المصرية في بلغاريا، وهو رجل مخابرات، وأبلغه أن أحد عناصر الاستخبارات الأمريكية التقاه أكثر من مرة في أماكن متعددة داخل بلغاريا، وكان الهدف من وراء هذه اللقاءات هو تجنيده لصالح المخابرات الأمريكية بهدف التجسس على جماعة الإخوان ومعرفة حقيقة مواقفها السياسية.
وأكد محمد عبد الغني للقنصل المصري أن الشخص الأمريكي الذي سعي إلى تجنيده يعمل بمقر السفارة الأمريكية في بلغاريا، وأنه فهم منه أن هناك عناصر إخوانية أخري في بلغاريا وغيرها تم تجنيدهم لنفس الغرض.
في هذا الوقت كتب القنصل العام المصري في بلغاريا تقريرًا أرسله إلى الجهات المختصة التي قامت بدورها باطلاع الرئيس مبارك عليه، كما جري إطلاع جهاز مباحث أمن الدولة على ذات المعلومات التي كان الجهاز نفسه قد توصل إليها عبر اختراقه للتنظيم الدولي للإخوان.
لقد نجحت عملية التجنيد لعدد من كوادر الإخوان في بعض دول أوربا، وتحديدًا في ألمانيا وبريطانيا والنمسا وفرنسا، وأصبح لدي الاستخبارات الأمريكية في هذا الوقت قناعة بأن الإخوان يستهدفون الوصول إلى السلطة في مصر، وأنهم في ذلك مستعدون لتنفيذ كافة المطالب الأمريكية.
مبارك وأمريكاكانت الأزمة بين مصر والولايات المتحدة قد أصبحت على فوهه بركان بفعل التدخلات الأمريكية المباشرة في الشئون الداخلية المصرية، والتآمر علي استقرار البلاد.
وكان الرئيس مبارك قد أبلغ حكومته أنه لن يزور الولايات المتحدة كنوع من الاحتجاج على تدخل الإدارة الأمريكية في الشئون المصرية، ووصول معلومات تشير على دورها الهادف إلى إسقاط نظامه وفتح الطريق أمام الإخوان المسلمين للقفز على السلطة في البلاد.
كانت قطر وتركيا تلعبان نفس الدور بتعليمات أمريكية مباشرة، حيث أنشأت قطر في عام 2006 أكاديمية التغيير التي ترأسها هشام مرسي صهر الشيخ يوسف القرضاوي، وهي الأكاديمية التي تولت تدريب العديد من العناصر الشبابية والإخوانية على كيفية إسقاط نظام الحكم في مصر.
أما تركيا فقد فتحت أبوابها واسعةً أمام اجتماعات التنظيم الدولي للإخوان على أراضيها، وأيضًا رعاية الحوار الأمريكي- الإخواني الذي جري في سرية تامة ومن خلف ستار.
في 30 من يونيو 2007 استطاعت الأجهزة الأمنية المصرية الحصول على محضر الاجتماع الذي عُقد في اسطنبول بمشاركة أعضاء التنظيم الدولي للإخوان والذي مثَّل إخوان مصر فيه كل من د.سعد الكتاتني عضو مكتب الإرشاد ورئيس الكتلة البرلمانية للإخوان في مجلس الشعب وأيضًا سعد الحسيني النائب بمجلس الشعب وعضو مكتب الإرشاد.
وقد تضمن محضر الاجتماع في هذا الوقت عددًا من الأمور المهمة، أبرزها:
- موقف جماعة الإخوان في مصر من حكم الرئيس مبارك في ضوء الظروف التي كانت تعيشها البلاد، خاصة بعد التعديلات الدستورية التي استهدفت توريث نظام الحكم في مصر، وفي هذا الإطار طرح ممثلًا الجماعة في مصر خطة تهدف إلى استدراج النظام للصدام مع كافة القوي الشعبية مع بقاء جماعة الإخوان علي حيادها المعلن.
- ضرورة تهيئة الأجواء لمرحلة ما بعد سقوط نظام مبارك، عبر التواصل مع الأطراف الدولية وطمأنتها خاصة الولايات المتحدة، وبحيث تمهِّد واشنطن الأجواء لتولي الإخوان السلطة حال سقوط النظام عبر ثورة شعبية وبسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والأحوال المعيشية في البلاد.
- أن جماعة الإخوان ستعزز من علاقاتها مع القوي السياسية المعارضة في مصر لحشدها ودفعها إلي مواجهة النظام، كما أنها ستواصل خطة سيطرتها علي كافة النقابات والاتحادات والهيئات الاجتماعية المختلفة، حتي تكون سندًا للجماعة في مخططها الذي يستهدف الوصول إلي السلطة.
وكان من ضمن توصيات هذا الاجتماع عقد لقاء لأعضاء مجلس شوري التنظيم الدولي للإخوان، وقد تحدد له موعد الثاني عشر من نوفمبر .2007
وفي الموعد المحدد عقد اللقاء في تركيا وحضره من مجلس شوري التنظيم الدولي من مصر كل من د.سعد الكتاتني والسيد عسكر وحسين إبراهيم وسعد الحسيني، وجميعهم كانوا أعضاء بمجلس الشعب المصري في هذه الفترة، وقد استغل التنظيم تمتعهم بالحصانة البرلمانية وقرر إيفادهم للمشاركة في هذا الاجتماع المهم الذي حضره عدد كبير من أعضاء مجلس شوري التنظيم الدولي.
في هذا الاجتماع تمت مناقشة خطة التمكين التي وضع إطارها المهندس خيرت الشاطر نائب المرشد العام للجماعة، وقد تم الاتفاق علي التحرك في ضوء هذه الخطة للوصول إلي أسلمة المجتمع والهيمنة علي النقابات والاتحادات والتغلغل داخل الأوساط العمالية والطلابية.
وفي العام نفسه عُقد لقاء بمنزل السفير الأمريكي بالقاهرة بين د.سعد الكتاتني زعيم الكتلة البرلمانية للإخوان في مجلس الشعب وبين «ستاني هوهر» زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب، حيث تعرض اللقاء إلي سيناريوهات المستقبل ومرحلة ما بعد نظام مبارك.
ووضح من خلال هذا الاجتماع أن واشنطن لن تقف حائلًا أمام وصول الإخوان للسلطة في البلاد، وأنها ستمارس ضغوطها علي النظام لوقف قمعه لجماعة الإخوان والمعارضة.
أحداث المحلةوبعد أحداث المحلة في 6 من أبريل 2008 بدأت جماعة الإخوان تُعُّد العدة للمرحلة القادمة، خاصة بعد أن أدركت حجم الاحتقان الشعبي ضد نظام مبارك، فسعت إلي تكثيف لقاءاتها بالمسئولين الأمريكيين للاتفاق حول سيناريوهات المستقبل.
كان نظام مبارك في هذا الوقت يعقد الصفقات مع الجماعة، يتركها تعيش فسادًا في البلاد طولاً وعرضًا، شريطة ألا تتعرض لكرسي الحكم، وفَّر لها البيئة المناسبة للتحرك والتغلغل في النقابات وكافة الأوساط، ولم يكن يسمح لجهات الأمن بالتدخل إلا في مواجهة بعض التحركات التي كان يراها خطيرة.
كانت واشنطن تمارس ضغوطها علي النظام، وتتهمه بعدم احترام المنظمات الدولية والمحلية بإدانة ممارسات النظام ضد معارضيه تشكل قلقًا لأركان النظام الحاكم في هذا الوقت، ولذلك كان مبارك يرفض الاعتداد بالتقارير الأمنية التي كانت تطالبه بضرورة اتخاذ إجراءات جذرية لتجفيف منابع الإخوان ومنظمات المجتمع المدني المموَّلة من الخارج.
رفعت الجهات الأمنية في هذا الوقت تقريرًا يكشف خطورة تلقي عدد من النشطاء دورات تدريبية في الخارج وتحديدًا في صربيا وأواكرانيا وغيرهما من البلدان الأوربية بهدف إسقاط النظام في مصر من خلال ثورة شبيهة بالثورات البرتقالية، إلا أن مبارك تجاهل هذه التقارير، خوفًا من التصعيد الدولي ضد نظامه.
باراك أوباما ومصروفي عام 2009 ومع وصول المرشح الديمقراطي «باراك أوباما» إلى قمة السلطة في الولايات المتحدة بدأت المؤامرة تأخذ أبعادًا جديدة، لقد سعي أوباما إلى خديعة الرئيس مبارك وجاء إلى مصر في مايو 2009 ليخطب في قاعة المؤتمرات بجامعة القاهرة متحدثًا عن المصالحة مع العالم العربي والإسلامي، وبما يؤكد علي عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول واحترام حقوق الإنسان والسعي إلي إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، غير أن التحركات الأمريكية علي الأرض كانت علي العكس من ذلك تمامًا.
قرر أوباما في هذا الوقت استئناف ضخ ملايين الدولارات إلي منظمات المجتمع المدني الموالية لواشنطن خصمًا من قيمة المعونة الأمريكية المقدَّمة إلى مصر، وبرغم الاحتجاجات المصرية التي تقدمت بها د.فايزة أبو النجا وزيرة التعاون الدولي في هذا الوقت، إلا أن واشنطن ظلت علي موقفها ورفضت كافة النداءات المصرية، بل وزادت من حدة تدخلها في الشئون الداخلية للبلاد من خلال التقارير المعادية التي كانت تعدها جهات أمريكية حول تردي الحريات الدينية في مصر والممارسات القمعية للنظام، وبدأت حملة قوية في الصحافة ووسائل الإعلام الأمريكية حول قضية التوريث التي أحدثت قلقًا كبيرًا لدي كافة الدوائر الشعبية والعسكرية في مصر.
كان عمر سليمان يسدي النصائح للرئيس مبارك، حيث طالبه بضرورة إحداث تغيير واسع في البلاد، وقدَّم له العديد من التقارير التي تؤكد أن واشنطن تتحاور بجدية مع جماعة الإخوان للانقلاب علي نظام الحكم في البلاد، إلا أن مبارك لم يكن مستعدًا للاستماع إلي أحد في هذا الوقت.
تركيا والإخوانوفي عام 2009 سافر وفد من جماعة الإخوان إلي تركيا لحضور اجتماعات اللجنة العليا لاتحاد المنظمات الطلابية، بهدف التنسيق المشترك بين طلاب الإخوان في تحركاتهم ضد الأنظمة الحاكمة في البلدان المختلفة، ومناقشة الخطط المستقبلية لمواجهة قمع الأنظمة للإخوان وأنشطتها الطلابية والسياسية.
وشارك من مصر في هذا اللقاء عدد من الكوادر الإخوانية، من بينهم سعد الحسيني وأيمن علي ومصطفي الطمان، حيث رفعوا تقريرًا إلي مكتب الإرشاد يتضمن ما تم التوصل إليه خلال هذه الاجتماعات من قرارات، بمجرد عودتهم إلي البلاد.
وكانت أبرز التوصيات تؤكد علي ضرورة إعداد العدة لخطة المواجهة مع النظام حال انفجار الأوضاع في مصر، مع التركيز علي القطاع الطلابي باعتباره الأكثر قدرة علي الحشد وإثارة شباب الجامعات وإحراج النظام.
وفي شهر مايو من ذاته العام سافر د.محمد البلتاجي القيادي الإخواني وعضو مجلس الشعب إلى تركيا، حيث التقي وفدًا من قيادة حماس كان يشارك في مؤتمر «نصرة غزة» الذي عُقد لبحث سبل دعم سكان قطاع غزة في مواجهة الحصار الذي كان مفروضًا عليهم.
وخلال هذا اللقاء أكد قادة حماس للبلتاجي أن هناك عبئًا كبيرًا ملقي علي جماعة الإخوان في مصر لإنهاء الحصار المفروض علي القطاع، وأكدوا له أن أعضاء الحركة قد منحوا بيعتهم للمرشد العام لجماعة الإخوان، وأنهم ملتزمون بكافة قرارات مكتب الإرشاد، وأن الولاء للجماعة والتنظيم الدولي له الأولوية.
وفي العام نفسه التقي القيادي الإخواني حازم فاروق النائب بالبرلمان عن جماعة الإخوان بالمسئول عن اللجان بحركة حماس في لبنان ويدعي «أبو هشام»، وقد دار حوار بين الطرفين حول مدي استعداد حركة حماس لمساندة جماعة الإخوان في مصر حال اتخاذها قرارها النهائي بالانقلاب علي نظام الحكم في مصر حال تدهور الأوضاع في البلاد.
وفي هذا اللقاء أكد حازم فاروق أن جماعة الإخوان تنسق مع كافة القوي السياسية لحشدها ضد النظام وتهيئة الساحة للتغيير الكبير الذي سيعمل الإخوان علي إحداثه في مصر خلال الفترة القادمة.
وأكد أبو هشام أن عناصر من حماس وحزب الله يجري تدريبها في معسكرات حزب الله بهدف إسقاط النظام المصري، الذي أصبح يشكل خطرًا على الشعب المصري وعلى القضية الفلسطينية.
في هذا الوقت كانت السلطات المصرية قد ألقت القبض علي خلية لعناصر تنتمي إلي حزب الله، تم القبض علي أعضائها وتقديمهم للمحاكمة في القضية رقم 284/2009 حصر أمن دولة عليا، حيث كانت هذه الخلية مكلفة بالقيام بأعمال عنف ضد المنشآت الحيوية بمصر.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، كان المخطط قد بدأ يأخذ خطوات جادة سواء فيما يتعلق بالإعداد الداخلي أو التواصل مع قوي الخارج خاصة مع الأمريكان من جانب ومع حركة حماس وحزب الله من جانب آخر، كان الجميع قد اتفقوا علي ضرورة الاستعداد للتدخل المباشر والإجهاز علي نظام الحكم الضعيف في مصر.
اجتماع بيروتوكان الاجتماع الأخطر هو الذي جري في الفترة من 17-15من يناير عام 2010 في بيروت بين محمد نزال عضو المكتب السياسي لحركة حماس وبين وفد إخواني كان قد قام بزيارة إلي لبنان في هذا الوقت وضم كلا من حسين إبراهيم ومحمد البلتاجي وإبراهيم أبو عوف وأسامة جادو.
وخلال هذا اللقاء حمل الوفد رسالة من المرشد الجديد للجماعة د.محمد بديع إلي قادة حماس أكد فيها أن الجماعة بصدد انتظار اللحظة الحاسمة لتنفيذ مخطط الاستيلاء علي السلطة في مصر بعد إسقاط النظام الحالي الذي يواجه معارضة شعبية كبيرة، وأن ذلك يوجب علي حركة حماس الاستعداد الكامل لمساندة الجماعة في تحركاتها المقبلة.
وأشار الوفد الإخواني إلي أن الجماعة أبعدت العناصر الإصلاحية عن صفوفها بهدف تمكين القطبيين من السيطرة الكاملة علي مكتب الإرشاد، لتنفيذ مخطط إسقاط النظام، الذي كان بعض الإصلاحيين يعترضون عليه.
وحذَّر محمد نزال وفد الإخوان من خطورة ما يتردد عن احتمال تولي اللواء عمر سليمان أو المشير حسين طنطاوي للحكم خلفًا لحسني مبارك حال سقوطه، وقال إن ذلك سوف يعني استمرار النظام وممارساته، وطالبهم برفض هذا الخيار، وبحيث يكونون هم الطرف الأساسي في تقرير مستقبل الحكم بعد سقوط مبارك.
ورصدت الأجهزة الأمنية في هذا الوقت أيضًا لقاء جري بين خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وبين علي أكبر ولايتي مستشار الإمام خامنئي في نوفمبر 2010 في دمشق حيث تم خلاله الاتفاق علي التنسيق المشترك بين الطرفين في إطار ترتيبات المرحلة القادمة في مصر.
كانت الأمور تمضي سريعًا، نظام يتهاوي في مصر بفعل الرفض الشعبي العارم لممارساته، وقوي تتآمر وتستعد للقفز علي السلطة في البلاد بمساندة إقليمية ودولية.
في هذا الوقت كانت حركة حماس قد عهدت إلي أحد أعضائها ويدعي أكرم العجوري، المعروف بعلاقاته مع عناصر من بدو سيناء، بالبدء في التواصل معهم، انتظارًا لأحداث هامة قد تشهدها البلاد في أقرب وقت ممكن.
كانت البلاد في هذا الوقت على فوهة بركان، كان المصريون ينتظرون التغيير الكبير، لكن الإخوان وبعض أتباعهم كانوا يعدون العدة لنشر الفوضى والسيطرة علي الحكم واختطاف الوطن.
كان عمر سليمان على اطلاع بتفاصيل هذا المخطط وأبلغ به الرئيس مبارك أكثر من مرة، غير أنه كان يعرف أن الرئيس مبارك لا يريد المواجهة مع جماعة الإخوان وفضح مخططاتهم، كان يظن أن الإخوان سيظلون على نهجهم المعلن بعدم معاداة السلطة أو رأس الدولة، ولذلك ترك مبارك لهم حرية التحرك في كافة الأوساط النقابية والاجتماعية والسياسية.
سمح لهم الرئيس بمقر علني في المنيل وآخر في جسر السويس والعديد من المقرات الأخرى، وكان مكتب الإرشاد يجتمع دوريًا تحت سمع وبصر السلطات الأمنية المصرية.
لقد جري ذلك عبر اتفاق غير معلن بين مبارك وجماعة الإخوان، «تحركوا وتغلغلوا كيفما تشاءون، ولكن بشرط عدم الصدام أو معاداة رئيس الجمهورية».
الاتفاق مع الإخوانومنذ انتخابات 2005 كان عمر سليمان علي علم بمضمون هذا الاتفاق الذي سمح للإخوان بالحصول على 88 مقعدًا في البرلمان بالرغم من أن الاتفاق قد جري بين الطرفين علي أقل من ذلك، وهو الاتفاق الذي تم داخل مبني مباحث أمن الدولة بحضور كل من د.محمد مرسي وخيرت الشاطر عضوي مكتب الإرشاد في هذا الوقت.
لقد كان عمر سليمان يعرف أن موافقة مبارك على هذه الصفقات التي كانت تعقدها مباحث أمن الدولة مع جماعة الإخوان، تمت بضغوط أمريكية، وكان مبارك يقول دائمًا: «أنا لا أريد صداعًا جديدًا، اتركوهم يتحركوا، ويدخلوا البرلمان حتى نأمن شرهم».
كان عمر سليمان وبتعليمات من مبارك يلتقي قيادات من جماعة الإخوان، إلا أنه كان يقول للرئيس دائمًا: «أنا لا أريد صداعًا جديدًا، اتركوهم يتحركوا، ويدخلوا البرلمان حتى تأمن شرهم».
كان عمر سليمان وبتعليمات من مبارك يلتقي قيادات من جماعة الإخوان، إلا أنه كان يقول للرئيس دائمًا: «حذارِ من غدرهم»، وكان مبارك لا يعر مثل هذا الكلام اهتمامًا.
وعندما تردد اسم محمد بديع كمرشح لمنصب مرشد عام جماعة الإخوان كتب جهاز مباحث أمن الدولة تقريرًا يحذر فيه من اختيار بديع باعتباره يميل إلى العنف ويقود التيار القطبي التكفيري داخل الجماعة.
وعندما سأل مبارك، عمر سليمان عن هذا الأمر، قال عمر سليمان: «كلهم زي بعض، ولكن تاريخ محمد بديع معروف للكافة، وهو بالفعل شخصية صدامية»، غير أن مبارك كان له رأي آخر، فقد كان على ثقة بأن بديع لن يخرج عن نهج محمد مهدي عاكف المرشد السابق، الذي كان حريصًا على عدم الصدام بالدولة وكان مؤيدًا للرئيس ونهجه.
وفي شهر سبتمبر، كان مبارك يدرس طلبًا بمقابلة المرشد العام لجماعة الإخوان مهدي عاكف بشكل غير معلن، وحينها توجه الرئيس بالسؤال إلي عمر سليمان، ما رأيك في ذلك؟ فقال له عمر سليمان: «لن يكون هناك سر لدي الإخوان، وسيجري تسريب الخبر إلى وسائل الإعلام، وإذا كُشف الأمر فسيتعامل الجميع مع الإخوان على أنهم كيان شرعي، وسيزيدهم ذلك قوة وطمعًا».
كان مهدي عاكف قد طلب لقاء الرئيس من خلال حديث أدلي به لوكالة الأنباء الألمانية في سبتمبر، قال فيه: «إنه بعث برسالة للرئيس حسني مبارك يطلب فيها لقاءه لنقل رؤية الجماعة إليه»، وقال: «إنه أرسل هذه الرسالة منذ عدة أسابيع ولم يتلق أي رد عليها، وأضاف أيضًا«إنه سبق أن أرسل أكثر من رسالة لمبارك يشرح فيها رؤية ومطالب الإخوان بشأن ما هو مطروح من قضايا علي الساحة السياسية حاليا»، وتابع: «إنه إذا ما تحقق لقاء الرئيس سنطرح عليه ما لدينا من أفكار ونستمع لما عنده، وسنطرح رؤيتنا لقاضي الإصلاح ومختلف القضايا القومية الأخرى، وسنؤكد له أننا لا نطمع في السلطة ولا نسعي إليها ولا نطرح أنفسنا كبديل للحكم».
كانت الكلمات قد أعجبت الرئيس، وكان يري أن مهدي عاكف من الشخصيات العاقلة التي يجب احتضانها والتعامل معها بطريقة مختلفة.
وصرَّح مهدي عاكف في حديث أدلي به لصحيفة «المصري اليوم» في الأول من يناير 2005 بأن: «الرئيس مبارك هو ولي الأمر، وطاعته واجبة»، وقال: «لا نقبل إفساد العلاقة بين مبارك وأبنائه من الإخوان المسلمين».
وفي 20 من يوليو من العام نفسه أدلي بحديث لمجلة «المصور» أعلن فيه تأييده لترشح مبارك لرئاسة الجمهورية، وطلب مجددًا لقاءه.
لقد وصل الأمر بجماعة الإخوان ومرشدها العام أن أدلي بحديث إلى وكالة رويترز في 31 من أكتوبر 2009 قال فيه: «إن الجماعة لن تحاول تحدي الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في انتخابات الرئاسة التي ستجري عام 2011 في ظل الدستور الحالي»، وأضاف: «إن حركته التي تسعي لإقامة دولة إسلامية بوسائل غير عنيفة، لن تقوم بعملية تحدٍّ انتخابي»، وقال: «إن الرئاسة الآن ليست في أجندتي، لأنها تحتاج إلي مقدمات كبيرة جدًا، حينما أريد أن أترشح لها»، وتابع: «أنا لن أدخل بالقوة واصطدم مع النظام، أنا قلت لهم: لا، إنما أدخل مع بقية كل الشرفاء من أبناء مصر ونتعاون معًا حتي نصلح هذا الفساد، ومهمتنا أن نضع أيدينا في أيدي بعض حتي نصلح الحال».
وبرغم التحذيرات الأمنية من تولي محمد بديع منصب المرشد الجديد لا يختلف كثيرًا عن صوت سابقه.
أرسل محمد بديع في 28 من مارس 2010 برقية تهنئة إلي الرئيس مبارك بمناسبة عودته إلي مصر سالمًا بعد رحلة علاج طويلة في الخارج، قال فيها: «السيد الرئيس محمد حسني مبارك رئيس الجمهورية، نهنئ سيادتكم بسلامة العودة إلي أرض الوطن، بعد أن من الله عليكم بنعمة الشفاء، داعين الله -عز وجل- أن يحفظ مصر وأهلها من كل سوء، وأن يجمع أبناء الوطن جميعًا قيادة وشعبًا على خير ما يحب ربنا ويرضي».
وفي أبريل 2010 كانت الإعلامية مني الشاذلي تُجري حوارًا مع د.محمد بديع المرشد العام للجماعة قال فيه: «مبارك أب لكل المصريين، والمصريين عاوزين حقهم من أبوهم».
ولم يكن الإخوان ضد توريث السلطة لجمال مبارك، فقط كانوا يريدون تحقيق بعض المكاسب السياسية والتنظيمية في المقابل ومن بينها حقهم في تشكيل حزب سياسي لهم ذي مرجعية دينية.
وقال لي عمر سليمان: «كان هناك توجه لدى بعض قيادات الحكم في مصر بالموافقة علي حزب لجماعة الإخوان باسم مختلف، إلا أنه رفض ذلك بكل شدة وأبلغ الرئيس مبارك بخطورة الموافقة على هذا الحزب الذي سيفتح الطريق أمام صراع ديني في البلاد».
كان عمر سليمان يعرف أن الإخوان يتعاملون بوجهين، وجه معلن وآخر خفي، وجه يفاوض، والآخر يتآمر، وجه يخطط ويتغلغل في المجتمع وآخر يسعي إلي طمأنة الرئيس ومؤسسات الدولة بأن الجماعة لا مطامع سياسية لها، لذا فقد كان للمخابرات العامة موقف آخر، وكان عمر سليمان يحذر في هذا الوقت من خطورة تغلغل الجماعة في المجتمع وصولاً إلي مرحلة التمكين وهو ما كشفت عنه بعد ذلك الوثيقة التي أعدها خيرت الشاطر في عام .2006
لم يكن مبارك مستعدًا للمواجهة والصدام مع جماعة الإخوان، كان مع الرأي القائل بتسكين الخلافات، والسعي إلي احتواء الجماعة مع فتح النوافذ لها داخل المجتمع، وكانت تلك في رأي عمر سليمان هي الكارثة الكبرى، حتى إذا ما جاءت الفرصة ظهر الإخوان على حقيقتهم وحاولوا تنفيذ خطتهم لإسقاط الدولة، إنها ذاتها خطة «التمكين» بموافقة أمريكية إسرائيلية تركية قطرية.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: أحداث المحلة اجتماع بيروت الفوضى الخلاقة تركيا والإخوان عمر سليمان مبارك وأمريكا مصر هي الهدف مع جماعة الإخوان مباحث أمن الدولة جماعة الإخوان فی لجماعة الإخوان التنظیم الدولی کان عمر سلیمان نظام الحکم فی الأمریکیة فی إسقاط النظام هذا الاجتماع الرئیس مبارک مکتب الإرشاد فی هذا الوقت الحکم فی مصر بین الطرفین هذا اللقاء نظام مبارک فی بلغاریا مجلس الشعب الإخوان ا التی کانت السلطة فی حرکة حماس محمد بدیع فی الشئون فی البلاد الإخوان ع کان مبارک الذی کان حزب الله التی کان تقریر ا من خلال قال فیه د محمد عدد من إلا أن فی عام
إقرأ أيضاً:
بن جامع: الكيان الصهيوني يزرع الفوضى في المنطقة بأسرها
حذر الممثل الدائم للجزائر لدى الأمم المتحدة، السفير عمار بن جامع، من تبعات استمرار زرع الكيان الصهيوني، الفوضى في المنطقة بأسرها.
وقال بن جامع، في مداخلته الجمعة بنيويورك، خلال اجتماع طارئ لمجلس الأمن حول الوضع في إيران: “نواجه مرة أخرى عملاً عدوانياً خطيراً ومتعمداً. بعدما شنّ الجيش الصهيوني ضربات منسقة على الأراضي الإيرانية”.
وتساءل الممثل الدائم للجزائر لدى الأمم المتحدة، عن التوقيت الذي اختاره الكيان الصهيوني لشن هجماته على إيران.
وذكّر أنها جاءت في الوقت الذي تجري فيه طهران وواشنطن، بوساطة سلطنة عمان، مفاوضات غير مباشرة بشأن البرنامج النووي الإيراني.
حيث كان من المقرر عقد جولة سادسة من المباحثات نهاية هذا الأسبوع الجاري في مسقط.
وانتقد بن جامع “اللجوء إلى القوة دون ترخيص من مجلس الأمن”. قائلا: “في غياب حالة الدفاع الشرعي كما تنص عليه أحكام المادة 51 من الميثاق الأممي. يقوض أسس النظام القانوني الدولي”.
وشدّد بن جامع على أنّ العدوان الصهيوني ضد إيران هو “عمل مجرد تماماً من أي أساس قانوني”. وتأسف لكون الكيان “يتصرف وكأنّ القانون غير موجود، أو لا ينطبق عليه”.
وشدّد بن جامع بالقول: “الكيان يزرع الفوضى في المنطقة بأسرها وسلوكه لا يليق بعضو في الأمم المتحدة”.
وأضاف بن جامع: “نحن نشهد أعمال عدوان متكررة، من قصف للعاصمة اللبنانية، واحتلال لمناطق جديدة في سوريا ولبنان وفلسطين”.
وأحال بن جامع على “الانتهاكات المتكررة للسيادة السورية، بما في ذلك اختطاف للمدنيين كما حدث الجمعة”.
الكيان الصهيوني يستخدم “التجويع” كأسلوب حرب في غزةوأشار مجدداً إلى أنّ الكيان الصهيوني يستخدم “التجويع كأسلوب حرب في غزة، وهو ما يعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي”. وعاد ليؤكد أنّ الأمر يتعلق بـ “إبادة جماعية ترتكب أمام أعيننا”.
كما أكّد بن جامع أنّ “المجتمع الدولي لا يمكنه أن يسمح بخلق سابقة يتصرف فيها أعضاء في الأمم المتحدة كقضاة وأطراف”.
وركّز على أنّ هؤلاء الأعضاء “يشنّون هجمات أحادية الجانب في انتهاك للمعايير القانونية القائمة”.
وحذّر من أنّ “مثل هذه التصرفات من شأنها أن تقوّض مصداقية مجلس الأمن وتضعف من سلطة ميثاق الأمم المتحدة نفسه”.
ودعا أعضاء المجلس إلى “إعادة التأكيد، بشكل واضح وجماعي، على أنّ المبادئ المنصوص عليها في الميثاق ليست اختيارية” بل “ملزمة”.
وانتهى بن جامع إلى أنّ “حظر استخدام القوة واحترام سيادة الدول الأعضاء هما الركيزتان الأساسيتان اللتان يقوم عليهما نظامنا الدولي”.
كما أكّد بن جامع، أن هذه الأفعال غير مبرّرة ولا يمكن تبريرها، بل تشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
الجزائر لطالما حذّرت من الخطر المتزايد لنشوب نزاع إقليمي واسع النطاقوذكر أنّ الجزائر منذ بداية عهدتها في مجلس الأمن، “لطالما حذّرت من الخطر المتزايد لنشوب نزاع إقليمي واسع النطاق”.
وسجّل أنّ هذا الخطر تغذيه دوامة من الأفعال غير المشروعة والاستفزازات من قبل الكيان الصهيوني. وأشار بن جامع إلى أنّ أحداث الجمعة أتت لتؤكد صحة هذه التحذيرات.
واستشهد بالميثاق الأممي الذي ينصّ على أنّ “جميع الأعضاء يمتنعون في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها.
كما شدّد بن جامع، على أن منطق القوة الأحادية، وما يعرف بالضربات الوقائية خارج أي تفويض قانوني، لا يمكن قبوله ولا التسامح معه.
وأضاف : “هذه الهجمات تؤكد مرة أخرى أنّ الشيء الوحيد الذي يمكن أن تمنعه الضربات الوقائية هو السلام”.
وأشار إلى أنّ عدّة أجهزة استخباراتية، بما فيها التابعة لأقرب حليف للكيان، “لا تزال تعتبر أنّ إيران لا تصنع الأسلحة النووية”.
وشدّد بن جامع على أنّ “المبررات” التي قدمها المسؤولون الصهاينة “غير مقبولة وخاطئة”.
وأحال على أنّ المبررات ساقها عضو في الأمم المتحدة “يواصل العمل خارج إطار معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية”.
ولاحظ أنّ هذا العضو “لا يخضع بالكامل لنظام ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية”. و”يرفض باستمرار المشاركة في المفاوضات المتعلقة بإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط”.
كما أوضح بن جامع أنّ الوكالة الدولية للطاقة الذرية ذكّرت صباح الجمعة. بعدّة قرارات اتخذها المؤتمر العام بشأن موضوع الهجمات العسكرية على المنشآت النووية.
وتضمنت القرارات أنّ “أي هجوم مسلح أو تهديد ضد منشآت نووية مخصصة لأغراض سلمية يشكل انتهاكاً لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة”. وتتعارض الهجمات مع القانون الدولي والنظام الأساسي للوكالة.
وأحال بن جامع إلى تشديد الوكالة على أنّ “الهجمات المسلحة ضد المنشآت النووية قد تؤدي إلى انبعاث مواد مشعة”. ويترتب عن ذلك الانبعاث “عواقب وخيمة داخل حدود الدولة المستهدفة وخارج حدودها”.
إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور