خيارات إيران أمام هجمات إسرائيل.. ردّ استراتيجي نعم لكنه أيضا صراعٌ من أجل البقاء
تاريخ النشر: 17th, June 2025 GMT
لا يمكن قراءة ردّ إيران في سياق عسكري محدود. فالمعادلة أوسع من صاروخ هنا أو ضربة هناك، إنها معركة بقاء سياسية واستراتيجية، داخلياً وخارجياً. اعلان
لم تكن إيران تملك ترف انتقاء شكل الردّ أو حجمه بعد الضربات الإسرائيلية فجر الجمعة، والتي استهدفت مواقع شديدة الحساسية في عمق أراضيها، من منشآت نووية إلى مقار عسكرية واغتيالات طالت كوادر علمية وأمنية من الصف الأول.
الرد لم يكن خياراً سيادياً فقط، بل ضرورة استراتيجية. نظريا، لا يمكن لأي نظام أن يصمت أمام استهداف مباشر بهذا الحجم دون أن يدفع ثمناً سياسياً باهظاً. الشارع الإيراني، الذي يعيش أصلاً تحت وطأة العقوبات، والتدهور الاقتصادي، وفقدان الثقة بمخرجات السياسات الخارجية، كان سينفجر لو لم تأتِ طهران برد يوازي حجم الضربة. فالمعادلة هذه المرة لم تكن مع إسرائيل وحدها، بل مع الرأي العام الداخلي أيضاً، وهو ما دفع النظام إلى التعامل مع التصعيد على أنه معركة بقاء، لا مجرد أزمة عابرة.
في المقابل، يعلم صانع القرار الإيراني أن أيّ تهاون في الرد سيُفسَّر على أنه تراجع استراتيجي، وسيقوّض عقوداً من استثمار النفوذ في ساحات مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن. ولعل الأهم، أن الصمت كان سيُعطي انطباعاً بأن تل أبيب نجحت في تحجيم طهران دون أن تدفع الثمن، ما كان ليشكّل للنظام سابقة خطيرة في ميزان الردع الإقليمي.
Relatedالملاجئ الإسرائيلية في مواجهة الصواريخ الإيرانية: قصورٌ في العدد وأسئلة حول الفعاليةكيف تضبط الرقابة العسكرية الإسرائيلية مشهد الإعلام في أوقات الأزمات؟حاملة الطائرات الأميركية "نيميتز" نحو الشرق الأوسط: هل تلوّح واشنطن بالقوة تجاه إيران؟غياب الدور العربي: فراغ تملؤه طهرانالرد الإيراني، وإن بدا منضبطاً ضمن حسابات عدم الانزلاق إلى حرب شاملة، إلا أنه حمل رسالة مزدوجة: نحن حاضرون للمواجهة إذا فُرضت، ولسنا بصدد استيعاب الإهانة. لقد اختارت طهران أن تردّ عبر عشرات الصواريخ والمسيّرات على العمق الإسرائيلي، ليس فقط لإثبات قدرتها، بل لتقول لكل من يراهن على إضعافها في لحظة ارتباك، إنها لا تزال لاعباً حاضراً في معادلة الردع.
لكن المشهد أعقد من مجرد تبادل ضربات. فإيران تخوض، بحسب مقاربتها، صراعاً من أجل تثبيت شرعيتها الداخلية والإقليمية، في ظل تراجع واضح للدور العربي الرسمي، وانكفاء كثير من العواصم عن مواجهة إسرائيل أو حتى مجاراتها دبلوماسياً. وهذا ما يجعل طهران ترى في هذه المعركة فرصة لإعادة تصدير نفسها كقوة طليعية في مواجهة تل أبيب، خاصة بعد ما جرى في غزة، وما أثاره من رد فعل شعبي في العالم العربي لأي طرف يرفع راية المواجهة مع إسرائيل.
هكذا، فإن إيران اليوم لا تحارب فقط من أجل رد الاعتبار بعد الهجمات، بل من أجل استمرار مشروعها. هي تدافع عن منظومة سياسية وأمنية واقتصادية تعاني داخلياً وتخسر تدريجياً عمقها الشعبي. وتقاتل لتحمي موقعها من الانهيار تحت ضغط العزلة الدولية، وتقاتل ليثبت بأنها ما زالت قادرة على فرض المعادلات، لا مجرد التفاعل معها.
معركة بقاء لا مواجهة عابرةختاماً، لا يمكن قراءة ردّ إيران في سياق عسكري محدود. فالمعادلة أوسع من صاروخ هنا أو ضربة هناك. إنها معركة بقاء سياسية واستراتيجية، داخلياً وخارجياً، يخوضها النظام في طهران تحت عنوان: لا عودة إلى الوراء، ولا خيار سوى المواجهة.
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثةالمصدر: euronews
كلمات دلالية: إسرائيل إيران النزاع الإيراني الإسرائيلي دونالد ترامب الحرس الثوري الإيراني بنيامين نتنياهو إسرائيل إيران النزاع الإيراني الإسرائيلي دونالد ترامب الحرس الثوري الإيراني بنيامين نتنياهو إيران إسرائيل النزاع الإيراني الإسرائيلي علي خامنئي إسرائيل إيران النزاع الإيراني الإسرائيلي دونالد ترامب الحرس الثوري الإيراني بنيامين نتنياهو هجمات عسكرية سوريا صواريخ باليستية حروب البرنامج الايراني النووي علي خامنئي معرکة بقاء من أجل
إقرأ أيضاً:
من زمن الشاه إلى عهد الخميني: كيف تحوّلت إيران من حليف استراتيجي لإسرائيل إلى خصم لدود؟
يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يراهن على سقوط النظام الإيراني تحت وطأة التصعيد العسكري الأخير بين البلدين. ويُعيد هذا الطرح إلى الواجهة تاريخ العلاقة بين الجانبين: كيف تحوّلت من تحالف وثيق في عهد الشاه إلى عداء مفتوح منذ قيام الجمهورية الإسلامية عام 1979؟ اعلان
قال نتنياهو إن الهجمات العسكرية التي تشنها إسرائيل قد تؤدي إلى تغيير النظام في طهران. وأضاف: "الشعب الإيراني هو من سيقرر الآن ما إذا كان يريد أن يثور.. والنظام ضعيف جدًا"، مدّعيًا أن "80% من الشعب الإيراني يرغب في الإطاحة بقيادة البلاد".
ولا تأتي تصريحات نتنياهو هذه من فراغ، بل تعكس تحولًا عميقًا في طبيعة العلاقة بين تل أبيب وطهران، بدأ منذ سقوط الشاه وقيام الجمهورية الإسلامية. ولفهم أبعاد هذا التصعيد، لا بد من العودة إلى البدايات: حين كانت إيران حليفًا استراتيجيًا للدولة العبرية، قبل أن يتحوّل التقارب بينهما إلى صراع إقليمي مفتوح.
عهد الشاه: تحالف استراتيجي وتعاون واسعفي الحقبة الممتدة من عام 1925 حتى الإطاحة بالشاه محمد رضا بهلوي في ثورة عام 1979، كانت العلاقة بين إيران وإسرائيل تتسم بالتقارب الكبير، لا العداء. رغم تصويت إيران عام 1947 ضد خطة تقسيم فلسطين في الأمم المتحدة، فإنها أصبحت في عام 1949، بقيادة بهلوي، ثاني دولة ذات أغلبية مسلمة – بعد تركيا – تعترف رسميًا بإسرائيل.
وشهدت العلاقات الثنائية نموًا لافتًا في السبعينيات، مع تبادل السفراء وافتتاح تل أبيب لسفارة فعلية في طهران.
وأصبحت إيران أحد أهم موردي النفط للدولة العبرية، وتم إنشاء خط أنابيب مشترك لنقل النفط من إيران عبر إسرائيل نحو أوروبا.
كما ازدهرت التجارة بين البلدين، وتعاونت شركات بناء ومهندسون إسرائيليون في مشاريع داخل إيران. كذلك، سيرت شركة "العال" الإسرائيلية رحلات جوية مباشرة بين تل أبيب وطهران.
في المجال العسكري، تعاونت الدولتان في مشاريع سرية مثل مشروع "فلاور" بين عامي 1977 و1979 لتطوير صواريخ مشتركة، وشهدت العلاقات الأمنية مستوى غير مسبوق من التنسيق.
ما بعد الثورة الإسلاميةمع انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 بقيادة المرشد الأعلى روح الله الخميني، تغير المشهد جذريًا، رغم أن بعض التقارير أشارت إلى أن العلاقات غير المباشرة استمرّت بعد الثورة لفترة محدودة، إذ باعت إسرائيل لإيران أسلحة بقيمة 75 مليون دولار في إطار عملية "Seashell" عام 1981.
وقدّر معهد "جافي" للدراسات الاستراتيجية أن حجم مبيعات الأسلحة الإسرائيلية لإيران بين 1981 و1983 بلغ نحو 500 مليون دولار، في وقت كانت الحرب الإيرانية العراقية في أوجها.
غير أن إيران قطعت علاقاتها الدبلوماسية والتجارية مع إسرائيل بشكل كامل، وأغلقت السفارة الإسرائيلية في طهران وسلمتها لمنظمة التحرير الفلسطينية. وبدأت مرحلة من العداء العلني، حيث امتنعت إيران عن قبول جوازات السفر الإسرائيلية.
Relatedالملاجئ الإسرائيلية في مواجهة الصواريخ الإيرانية: قصورٌ في العدد وأسئلة حول الفعاليةماذا لو أغلقت إيران مضيق هرمز؟ اختبار حاسم لقدرة أوبك+ على احتواء أزمة نفط محتملة حاملة الطائرات الأميركية "نيميتز" نحو الشرق الأوسط: هل تلوّح واشنطن بالقوة تجاه إيران؟ومنذ ذلك الحين، لم تعترف إيران بشرعية الدولة العبرية، فيما صنّفت تل أبيب حليف الأمس كأحد أخطر التهديدات لاستقرار الشرق الأوسط. ووصف المرشد الإيراني علي خامنئي في كانون الأول/ ديسمبر 2000 إسرائيل بأنها "ورم سرطاني يجب إزالته من المنطقة".
وتطورت العلاقة من عداء سياسي إلى حرب ظل، حيث دعمت إيرانما يسمى ب"محور المقاومة" الذي يضم حركات مسلحة في لبنان وسوريا والعراق واليمن، والتي تنظر إلى إسرائيل كعدو رئيسي. ومن جهتها، عملت تل أبيب على إضعاف نفوذ إيران في الإقليم، خاصة عبر استهداف منشآتها النووية والعسكرية.
وشكل البرنامج النووي الإيراني محورًا رئيسيًا في هذا التصعيد. وبينما تؤكد طهران سلمية برنامجها، ترفض تل أبيب السماح لها بتطوير قدرات نووية، وقد تعرضت منشآت نووية إيرانية لهجمات نُسبت مباشرة أو ضمنيًا لإسرائيل. كما اغتيل عدد من العلماء النوويين الإيرانيين في عمليات نُسبت للموساد.
وعلى مدار سنوات، اتخذت المواجهة بين الطرفين طابعًا غير مباشر عبر وكلاء أو ضربات متبادلة بالوكالة، حتى لحظة نيسان/ أبريل 2024، حين أطلقت إيران صواريخ وطائرات مسيرة بشكل مباشر باتجاه أراضي الدولة العبرية، ردًا على غارة إسرائيلية استهدفت قنصليتها في دمشق وأدت إلى مقتل ضباط في الحرس الثوري. وردّت إسرائيل حينها بهجوم مباشر على مواقع في محافظة أصفهان.
وشكّلت المواجهة العسكرية ذروة مسار طويل من الاشتباكات غير المباشرة بين البلدين، لكن فصلًا جديدًا بدأ فعليًا يوم الجمعة، 13 حزيران/يونيو 2025، حين شنّت الدولة العبرية هجومًا جويًا واسعًا على العاصمة طهران. وردّت إيران بضربات مباشرة تسببت بدمار غير مسبوق داخل إسرائيل، في تصعيد فتح باب المواجهة على مصراعيه، وسط تساؤلات كبرى حول مدى استمراره وتداعياته الأوسع على أمن واستقرار المنطقة.
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة