مظاهر العيدين في عُمان ودول الخليج
تاريخ النشر: 18th, June 2025 GMT
علي بن عبدالله اللواتي
"عيود... عيود... وأغاني العيد".. بهذا الهزيج الغنائي الشعبي يستقبل أطفال عُمان فرحة العيدين: الفطر والأضحى. دويُّ المدفع يهزّ المدينة بينما أطفالها يرقصون بسماع المدفع مهللين بفرحة العيد وابتهاجه.
خلال ليلة الرؤية، يجتمع أهل الأهلة فوق أسطح المساجد والبيوت العالية أو في الخلاء لتثبيت رؤية هلال العيد، فإذا ثبتت الرؤية بالنسبة لشهر شوال، يُطلق مدفع من قلعة الجلالي (الكوت) معلنًا ثبوت هلال شهر شوال وتوديع شهر رمضان الفضيل.
عادةً تكون الحلقة أو الهبطة هي باكورة إعداد مراسيم العيد، فمن غير هذه العادة الموروثة لا يمكنك أن تحسّ بمشاعر الفرحة أو تعيّد من غير أن تزور هبطة العيد، التي تُقام خصيصًا لشراء الأضحية لإعداد شواء العيد بعرض وبيع الحيوانات كالماعز والأغنام والأبقار والثيران، وهي عادة تراثية عُمانية أصيلة.
ومن العادات الحسنة أن يذهب الأولاد عند المُزيَّن (الحلاق) لتهذيب شعرهم حتى يكونوا في أجمل بهاء في أيام العيد.
ليلة العيد، تستعد ربات البيوت لتهيئة المنزل وترتيبه وتكنيسه، ويكنّ منشغلات في إعداد ضروريات العيد ومستلزماته من مائدة الإفطار، ومنها العُرسية (*) ولحم المشاكيك أو الهريس والفواكه، بالإضافة إلى ملابس الأسرة الجديدة التي عادةً ما تكون جاهزة ومبخرة للارتداء، وفي الغالب يكون لبس الرجال والأولاد موحدًا، بينما تلبس الحريم لباسهن التقليدي العُماني، كلٌّ حسب منطقته، وتتزين البنات والحريم من جميع الفئات العمرية أيديهن وأرجلهن بالحناء.
تبدأ مراسيم العيد في صبيحة بزوغ فجر أول يوم من شهر شوال، وهو أول أيام العيد، حيث يقوم المعيّد () بتجهيز ثوبه الجديد الذي أعدّه مسبقًا لهذه المناسبة، ويتحزم بخنجره () وعصا مُحنّاة (*)، ويتعطر من الطيب الزاهي كدهن العود وأنواع أخرى من الطيب، ويتمصّر وينتعل نعاله الجديدة ويتوجه مشيًا إلى مُصلّى العيد لأداء الصلاة وهو في كامل هندامه وفرحته، مصاحبًا أولاده معه.
وعادةً ما تكون صلاة العيد في الأماكن المفتوحة، وبعد الانتهاء منها تبدأ مظاهر الاحتفال بالعيدين، الفطر والأضحى، عند أهل الخليج جميعًا؛ حيث لا يمكنك ملاحظة الفروق في هذه العادات والتقاليد في أيام العيدين في جميع البيوت الخليجية، ما عدا بعض الاختلافات في الأعراف والتفاصيل والمسميات المحلية لهذا الموروث التراثي القديم.
بعد الانتهاء من صلاة العيد، تبدأ المصافحة والسلام على الحضور من أفراد المجتمع والآخرين تيمنًا بالسنة النبوية الشريفة، ثم يرجع الأهالي إلى منازلهم ليهيّؤوا أفراد الأسرة لاستقبال المعيّدين؛ حيث تستقبل مجالس البيوت الضيوف القادمين للتهنئة والمصافحة، ثم ينتشرون إلى ذويهم، ولكلٍّ برنامجه الخاص في كيفية التسليم على ذويه.
وتختلف المحافظات العُمانية في طقوس التسليم، فمنها محافظات يكون التسليم فيها عبر تقديم "الخشوم" واحتكاكها ببعضها البعض، بينما تختلف الأعراف في محافظات أخرى؛ حيث تكون بالمصافحة وإلصاق الخدود، وفي مناطق أخرى تتم المصافحة باليد فقط.
ثم يبدأ الإفطار الجماعي للأهل في جلسة عائلية كلها فرح ومسرات، وتوزيع العيديات، وهي عبارة عن مبالغ رمزية، وبعدها يتبادل أفراد كل أسرة التهاني والتبريكات بالعيد.
ويتم عادةً تسليم العيدية من الأب للأبناء والبنات الصغار، ومن الأولاد البالغين للأمهات، ثم الأطفال الذين ينتظرون بكل شوق ولهفة؛ حيث يُعتبر هذا العطاء أحد مظاهر العيد، من خلال مرور الأطفال على البيوت وأخذهم للعيدية.
وبعد الانتهاء من الإفطار الجماعي، يبدأ التزاور لبيوت الأرحام والأصدقاء المقرّبين لإلقاء تحية العيد والسلام، وكذلك لبعض الشخصيات المعروفة كالمشايخ والأعيان ووالي المنطقة، الذي يُعتبر من الشخصيات المهمة في الولاية، ويُعد هذا من الأعراف الاجتماعية وإحدى ضروريات مراسيم العيد.
تُقدَّم ضيافة العيد، وهي عبارة عن صحن كبير من "الفوالة"، وتشمل الفواكه بشتى أنواعها، تتصدرها الحلوى العُمانية المشهورة بجميع أصنافها وأذواقها، كونها من ضروريات فرحة العيد، مع القهوة بمذاق محلي ابتهاجًا بالعيد، بالإضافة إلى المكسرات وحلويات أخرى.
يمتد الحديث (الجلسة) بين المضيف وضيوفه عند الزيارة، وفي مقدمته التهنئة وعبارات المعايدة مثل: "مبروك عليك العيد"، "عساكم من عوّاده"، أو "كل عام وأنتم بخير".
بعد صلاة العصر، يتجمع أهل الحارة على شكل مجموعات وهم يجهزون اللحم أو الذبيحة ويبهرونه بشكل جيد، بينما الآخرون يجهزون التنور بحيث يكون على أهبة الاستعداد لدفن شواء اللحم في حفرة تُسمى (التنور)، وهي مليئة بخشب السدر، الذي يُعتبر من أجود أنواع الحطب والأنسب لإعداد لحم الشواء وتحويله فيما بعد إلى فحم.
يدخل "البزار" (خلطة البهارات) في تبزير اللحم، ويشمل مواد معروفة كالفلفل الأسود، والقرنفل، والقرفة، بالإضافة إلى ورق شجرة الموز كمادة أساسية في تغليف لحم الشواء، بينما يُغلف الآخرون لحم الشواء بورق شجرة البيذام (*) كمرحلة أخيرة، وهذا يعطي لحم الشواء مذاقًا ونكهة رائعة، ويحافظ على طراوة اللحم.
وتكون عادةً هذه الأوراق مشبعة بالماء قبل وضعها في التنور، ويُغطى التنور بغطاء ثقيل من الحديد، ويوارى بالرمل بسرعة تفوق سرعة الصوت حتى لا تتبخر حرارة الفحم.
وتقوم الحرارة الناتجة من الفحم بإنضاج اللحم، حيث تستغرق هذه العملية (إعداد لحم الشواء أو المشوي) قرابة 4 إلى 5 ساعات.
ويُستخرج هذا الشواء من التنور ثاني يوم العيد في بعض المحافظات، أما في مناطق أخرى فيكون استخراج الشواء في ثالث يوم العيد حسب الأعراف المتبعة، ويتم ذلك بعد صلاة الظهر ليكون معدًا لوليمة الغداء.
يخرج الناس بعد فترة العصر إلى الأماكن المفتوحة وهم بكامل بشاشتهم، مقلّدين أسلحتهم التقليدية كبنادق "الشوزن" () و"السكتون" ()، وسيوف وتروس، ويشاهدون ويشاركون في عروض تقليدية برقصات الفلكلور الشعبي المحلي كرقصة "الرزحة"، ومبارزة السيوف، وإطلاق الرصاص في الهواء، وسط إلقاء القصائد الشعرية من الشعر الشعبي أو النبطي. وفي ألوان متعددة تمثّل تراث كل منطقة وما تشتهر به من فنونها الشعبية، إرثًا تختص به تلك المحافظة، حيث تُشارك النسوة مع الرجال في أداء الرقصات والأهازيج الشعبية تعبيرًا عن فرحة العيد.
ومن عام إلى عام، تتجدد هذه المراسيم الاحتفالية كلما هلّ هلال هذين العيدين على الأمة الإسلامية.
*******
العرسية: مكوناتها رز ودجاج.
يتحزم: يربط الخنجر على خاصرة الرجل.
بيذام: مصطلح محلي وهو نوع من الأشجار المحلية الضخمة المعمرة.
مُحنّاة: يقصد به مدهونة بماده الحناء.
شوزن وسكتون: ويسمي محليًا طفق، وهما نوعان من السلاح الناري.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
5 مشاهد مكانية في حياة القديس أثناسيوس.. البابا يلتقي خدام كنائس الخليج|صور
عقد قداسة البابا تواضروس الثاني اليوم الخميس لقاءً مع خدام وخادمات الكنائس القبطية الأرثوذكسية في دول الإمارات وقطر والبحرين وسلطنة عُمَان، وذلك في اللقاء السنوي لقداسته معهم.
حضر اللقاء إلى جانب نيافة الأنبا يوليوس الأسقف العام لمصر القديمة وأسقفية الخدمات، والمشرف على كنائس الخليج، نيافة الأنبا مرقس مطران شبرا الخيمة.
القديس أثناسيوس الرسوليوتحدث قداسة البابا معهم عن خمسة مشاهد مكانية في حياة القديس أثناسيوس الرسولي بمناسبة مرور ١٧ قرنًا على انعقاد مجمع نيقيه، مستخلصًا منها الدروس النافعة للخادم:
١- البيت:
لا نعرف الكثير عنها لكن تربيته كانت سليمة، لذا يجب أن نهتم بأن تكون أسرة المخدم بها بيئة صالحة بالحب والاحتواء لتنشئ أطفالا مباركين.
ونوه إلى أننا ونحن نكرم قديسي الكنيسة يجب أن نتذكر الأسر التي نشأوا فيها. فأغلي مادة خام هي أطفالنا وهم مسؤوليتنا، وأعطى مثالاً بالبابا ألكسندروس في حرصه على اكتشاف الطاقات والمواهب، وبهذا اكتشف نبوغ أثناسيوس واحتضنه حتى وصل إلى ما وصل إليه.
٢- الكنيسة:
الذهاب مع أطفالنا إلى الكنيسة في الصلوات والقداسات والاجتماعات تنشئ طفلاً كنسيًّا، أحد العلماء الأمريكيين قال: "في حياة كل انسان مكانين ولكنني اكتشفت مكانًا ثالثًا، فالأول هو البيت وهو مكان الاستقرار والراحة، والثاني المدرسة أو العمل حيث الالتزام والمسؤولية، أما المكان الثالث فهو الذي أختار الذهاب إليه، وفيه أجد راحتي النفسية مثل المسيحيين يجدون راحتهم النفسية فى الكنيسة. لذا فإن الكنيسة هي صمام الأمان، والقديس أثناسيوس نشأ في الكنيسة وكبر حتى أصبح بطريركًا لها.
٣- البرية:
القديس أثناسيوس ولد بعد القديس أنطونيوس أول الرهبان بحوالي ٤٥ سنة
وصُقِلت موهبته بارتباطه بالبرية.
وكنيستنا تتميز بأن الفكر الرهباني له تأثير واضح فيها، لذلك نقرأ فى كل قداس في نهاية الكاثوليكون "لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي فى العالم لأن العالم يمضى وشهوته معه".
والقديس أثناسيوس ارتبط بالبرية وافتخر بأنه كان يصب الماء على يدي الأنبا أنطونيوس أي أنه تعلم منه وتحدث معه وتتلمذ على يديه.
٤- المجمع في نيقية:
حضر مجمع نيقية وهو شماس وعندما اعترض البعض علي وجود شماس فى المجمع رسمه البابا الكسندروس كاهنًا، كان عمره ٢٨ سنة وظهر نبوغه أثناء مناقشات المجمع، ورد على آريوس (عمره ٦٠ سنة) بآيات كتابية وواجه استخدامه الملتوي لآيات الكتاب المقدس. وبالرغم من بلاغة آريوس وبراعته في الوعظ والشعر ونشاطه استطاع ان يدحض بدعته. وكان في
الإسكندرية بيوت للعذاري بها حوالي ٧٠٠ عذراء استطاع آريوس بترانيمه وبلاغته ان يعلمهن إيمانه الملتوي، ليقمن بنشره.
أول مجمع يحضره هذا العدد هو مجمع نيقيه (٣١٨ أسقفًا) منهم ٣١٠ أسقفًا من الكنائس الشرقية والباقى من الغرب، وفي مجمع نيقية بدأ تشكيل الفكر المسكوني أي سكان العالم كله وحدة واحدة مثل السيد المسيح الذي فتح ذراعيه على الصليب ليعلن قبوله للعالم كله، وعلى هذا يكون القديس أثناسيوس هو الذي انشأ هذه الروح المسكونية، ولأول مرة يستخدم لقب بابا الإسكندرية خارج مصر كان في مجمع نيقيه.
ولفت إلى أن كل مسيحيي العالم يشتركون في أربعة مبادئ:
أ- مسيح واحد هو الله المتجسد المخلص والفادي.
ب- كتاب مقدس واحد.
ج- قانون إيمان واحد الذي تم وضعه من آيات الكتاب المقدس وكل الكنائس تردده وهو صلاة نتلوها، لذا فإننا نتلوه ونحن وقوف.
د- نتطلع إلى ملكوت سماوي واحد،
لذلك أي مذهب لا يعترف بقانون الإيمان لا نقبلهم كمسيحيين مثل الأدفنتست وشهود يهوه.
٥- المنفى وهو بطريرك:
الآريوسيين لم يكونوا مجرد تعليم بايمانهم المنحرف، ولكن كانوا يستخدمون العنف لنشر فكرهم فقتلوا أساقفة ممن يخالفون إيمانهم الفاسد، وعلى هذا فالبابا أثناسيوس تم نفيه خمس مرات منهم أرفعة داخل مصر ومرة خارج مصر في ترير ألمانيا نفيه وكانت بركة كبيرة له ولشعبه ولأوروبا وهناك كتب سيرة القديس أنطونيوس مما مهد لدخول الرهبنة إلى أوروبا.