جريدة الرؤية العمانية:
2025-06-18@20:54:49 GMT

مظاهر العيدين في عُمان ودول الخليج

تاريخ النشر: 18th, June 2025 GMT

مظاهر العيدين في عُمان ودول الخليج

 

 

 

علي بن عبدالله اللواتي

 

"عيود... عيود... وأغاني العيد".. بهذا الهزيج الغنائي الشعبي يستقبل أطفال عُمان فرحة العيدين: الفطر والأضحى. دويُّ المدفع يهزّ المدينة بينما أطفالها يرقصون بسماع المدفع مهللين بفرحة العيد وابتهاجه.
خلال ليلة الرؤية، يجتمع أهل الأهلة فوق أسطح المساجد والبيوت العالية أو في الخلاء لتثبيت رؤية هلال العيد، فإذا ثبتت الرؤية بالنسبة لشهر شوال، يُطلق مدفع من قلعة الجلالي (الكوت) معلنًا ثبوت هلال شهر شوال وتوديع شهر رمضان الفضيل.

عادةً تكون الحلقة أو الهبطة هي باكورة إعداد مراسيم العيد، فمن غير هذه العادة الموروثة لا يمكنك أن تحسّ بمشاعر الفرحة أو تعيّد من غير أن تزور هبطة العيد، التي تُقام خصيصًا لشراء الأضحية لإعداد شواء العيد بعرض وبيع الحيوانات كالماعز والأغنام والأبقار والثيران، وهي عادة تراثية عُمانية أصيلة.

ومن العادات الحسنة أن يذهب الأولاد عند المُزيَّن (الحلاق) لتهذيب شعرهم حتى يكونوا في أجمل بهاء في أيام العيد.

ليلة العيد، تستعد ربات البيوت لتهيئة المنزل وترتيبه وتكنيسه، ويكنّ منشغلات في إعداد ضروريات العيد ومستلزماته من مائدة الإفطار، ومنها العُرسية (*) ولحم المشاكيك أو الهريس والفواكه، بالإضافة إلى ملابس الأسرة الجديدة التي عادةً ما تكون جاهزة ومبخرة للارتداء، وفي الغالب يكون لبس الرجال والأولاد موحدًا، بينما تلبس الحريم لباسهن التقليدي العُماني، كلٌّ حسب منطقته، وتتزين البنات والحريم من جميع الفئات العمرية أيديهن وأرجلهن بالحناء.

تبدأ مراسيم العيد في صبيحة بزوغ فجر أول يوم من شهر شوال، وهو أول أيام العيد، حيث يقوم المعيّد () بتجهيز ثوبه الجديد الذي أعدّه مسبقًا لهذه المناسبة، ويتحزم بخنجره () وعصا مُحنّاة (*)، ويتعطر من الطيب الزاهي كدهن العود وأنواع أخرى من الطيب، ويتمصّر وينتعل نعاله الجديدة ويتوجه مشيًا إلى مُصلّى العيد لأداء الصلاة وهو في كامل هندامه وفرحته، مصاحبًا أولاده معه.
وعادةً ما تكون صلاة العيد في الأماكن المفتوحة، وبعد الانتهاء منها تبدأ مظاهر الاحتفال بالعيدين، الفطر والأضحى، عند أهل الخليج جميعًا؛ حيث لا يمكنك ملاحظة الفروق في هذه العادات والتقاليد في أيام العيدين في جميع البيوت الخليجية، ما عدا بعض الاختلافات في الأعراف والتفاصيل والمسميات المحلية لهذا الموروث التراثي القديم.

بعد الانتهاء من صلاة العيد، تبدأ المصافحة والسلام على الحضور من أفراد المجتمع والآخرين تيمنًا بالسنة النبوية الشريفة، ثم يرجع الأهالي إلى منازلهم ليهيّؤوا أفراد الأسرة لاستقبال المعيّدين؛ حيث تستقبل مجالس البيوت الضيوف القادمين للتهنئة والمصافحة، ثم ينتشرون إلى ذويهم، ولكلٍّ برنامجه الخاص في كيفية التسليم على ذويه.
وتختلف المحافظات العُمانية في طقوس التسليم، فمنها محافظات يكون التسليم فيها عبر تقديم "الخشوم" واحتكاكها ببعضها البعض، بينما تختلف الأعراف في محافظات أخرى؛ حيث تكون بالمصافحة وإلصاق الخدود، وفي مناطق أخرى تتم المصافحة باليد فقط.
ثم يبدأ الإفطار الجماعي للأهل في جلسة عائلية كلها فرح ومسرات، وتوزيع العيديات، وهي عبارة عن مبالغ رمزية، وبعدها يتبادل أفراد كل أسرة التهاني والتبريكات بالعيد.
ويتم عادةً تسليم العيدية من الأب للأبناء والبنات الصغار، ومن الأولاد البالغين للأمهات، ثم الأطفال الذين ينتظرون بكل شوق ولهفة؛ حيث يُعتبر هذا العطاء أحد مظاهر العيد، من خلال مرور الأطفال على البيوت وأخذهم للعيدية.

وبعد الانتهاء من الإفطار الجماعي، يبدأ التزاور لبيوت الأرحام والأصدقاء المقرّبين لإلقاء تحية العيد والسلام، وكذلك لبعض الشخصيات المعروفة كالمشايخ والأعيان ووالي المنطقة، الذي يُعتبر من الشخصيات المهمة في الولاية، ويُعد هذا من الأعراف الاجتماعية وإحدى ضروريات مراسيم العيد.
تُقدَّم ضيافة العيد، وهي عبارة عن صحن كبير من "الفوالة"، وتشمل الفواكه بشتى أنواعها، تتصدرها الحلوى العُمانية المشهورة بجميع أصنافها وأذواقها، كونها من ضروريات فرحة العيد، مع القهوة بمذاق محلي ابتهاجًا بالعيد، بالإضافة إلى المكسرات وحلويات أخرى.

يمتد الحديث (الجلسة) بين المضيف وضيوفه عند الزيارة، وفي مقدمته التهنئة وعبارات المعايدة مثل: "مبروك عليك العيد"، "عساكم من عوّاده"، أو "كل عام وأنتم بخير".

بعد صلاة العصر، يتجمع أهل الحارة على شكل مجموعات وهم يجهزون اللحم أو الذبيحة ويبهرونه بشكل جيد، بينما الآخرون يجهزون التنور بحيث يكون على أهبة الاستعداد لدفن شواء اللحم في حفرة تُسمى (التنور)، وهي مليئة بخشب السدر، الذي يُعتبر من أجود أنواع الحطب والأنسب لإعداد لحم الشواء وتحويله فيما بعد إلى فحم.

يدخل "البزار" (خلطة البهارات) في تبزير اللحم، ويشمل مواد معروفة كالفلفل الأسود، والقرنفل، والقرفة، بالإضافة إلى ورق شجرة الموز كمادة أساسية في تغليف لحم الشواء، بينما يُغلف الآخرون لحم الشواء بورق شجرة البيذام (*) كمرحلة أخيرة، وهذا يعطي لحم الشواء مذاقًا ونكهة رائعة، ويحافظ على طراوة اللحم.
وتكون عادةً هذه الأوراق مشبعة بالماء قبل وضعها في التنور، ويُغطى التنور بغطاء ثقيل من الحديد، ويوارى بالرمل بسرعة تفوق سرعة الصوت حتى لا تتبخر حرارة الفحم.
وتقوم الحرارة الناتجة من الفحم بإنضاج اللحم، حيث تستغرق هذه العملية (إعداد لحم الشواء أو المشوي) قرابة 4 إلى 5 ساعات.
ويُستخرج هذا الشواء من التنور ثاني يوم العيد في بعض المحافظات، أما في مناطق أخرى فيكون استخراج الشواء في ثالث يوم العيد حسب الأعراف المتبعة، ويتم ذلك بعد صلاة الظهر ليكون معدًا لوليمة الغداء.

يخرج الناس بعد فترة العصر إلى الأماكن المفتوحة وهم بكامل بشاشتهم، مقلّدين أسلحتهم التقليدية كبنادق "الشوزن" () و"السكتون" ()، وسيوف وتروس، ويشاهدون ويشاركون في عروض تقليدية برقصات الفلكلور الشعبي المحلي كرقصة "الرزحة"، ومبارزة السيوف، وإطلاق الرصاص في الهواء، وسط إلقاء القصائد الشعرية من الشعر الشعبي أو النبطي. وفي ألوان متعددة تمثّل تراث كل منطقة وما تشتهر به من فنونها الشعبية، إرثًا تختص به تلك المحافظة، حيث تُشارك النسوة مع الرجال في أداء الرقصات والأهازيج الشعبية تعبيرًا عن فرحة العيد.
ومن عام إلى عام، تتجدد هذه المراسيم الاحتفالية كلما هلّ هلال هذين العيدين على الأمة الإسلامية.

*******

العرسية: مكوناتها رز ودجاج.

يتحزم: يربط الخنجر على خاصرة الرجل.

بيذام: مصطلح محلي وهو نوع من الأشجار المحلية الضخمة المعمرة.

مُحنّاة: يقصد به مدهونة بماده الحناء.

شوزن وسكتون: ويسمي محليًا طفق، وهما نوعان من السلاح الناري.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

اليمن ودول شرق أفريقيا.. بين الحروب بالوكالة والعنف الطائفي.. كيف يمكنها تجاوز ذلك؟ (ترجمة خاصة)

قالت منصة "ملخص السياسات الدولية" إن منطقة القرن الأفريقي واليمن، الغنيتان بالموارد والقيمة الاستراتيجية، لا تزالان محصورتان في الصراع وسوء الإدارة، لكن يمكنهما تحقيق الاستقرار والازدهار من خلال الإصلاحات التكنوقراطية المدفوعة محليًا والتحول في المشاركة الأجنبية.

 

وأضافت المنصة في تحليل للناشط السياسي الصومالي شيخ نور قاسم إن دول القرن الأفريقي – التي تحيط بأحد جانبي الممر البحري الحيوي – واليمن، على الشاطئ المقابل، تشكل معًا واحدة من أكثر مناطق العالم محورية من الناحية الاستراتيجية ولكنها مضطربة بشكل مزمن. وهذه هي العلاقة التي تربط المحيط الهندي وخليج عدن ومضيق باب المندب والبحر الأحمر.

 

وحسب التحليل فإن هذه المنطقة التي تواجه تحديات كبيرة تشمل الصومال، وإثيوبيا، والسودان، وإريتريا، وجيبوتي، واليمن - وهي دول تعاني من الإرث الاستعماري، والصراعات على السلطة في الحرب الباردة، والصراعات بالوكالة، والعنف الطائفي، والمجاعة، والصدمات المناخية.

 

ويرى أن ما تتحمله هذه الدول، على الأقل اسميًا، هو أمر رائع في حد ذاته، نظرًا لحجم الصعوبات التي تحملتها.

 

وأفاد بأن عدد سكان هذه المنطقة مجتمعة يبلغ حوالي 265 مليون نسمة، ولا تمثل سوقًا ضخمة فحسب، بل تمثل أيضًا قوة ديموغرافية، حيث يقل متوسط ​​العمر فيها عن 25 عامًا.

 

نص التحليل

 

جغرافياً، تقع عند نقطة التقاء أفريقيا وغرب آسيا وجنوب آسيا وأوروبا، وتسيطر على الممرات البحرية الحيوية التي تمر عبرها أكثر من 20 ألف سفينة سنوياً، وتنقل البضائع وإمدادات النفط والطاقة، بما في ذلك الغاز.

 

تاريخيًا، كان هذا الممر يشكل الجناح الغربي للحوض التجاري والثقافي للمحيط الهندي. لقد كانت منذ فترة طويلة قناة للتجارة والحركة والروحانية - مكان تتقاطع فيه السلع والأشخاص والأفكار عبر آلاف السنين.

 

ومرة أخرى، تتمتع المنطقة بالقدرة على أن تصبح مركزا عالميا للتجارة والطاقة وإنتاج الغذاء والابتكار. ويمكن لمواردها الهائلة أن تدعم تقنيات اليوم والغد.

 

لكن الحلم يبقى مؤجلا. لعقود من الزمن، كانت المنطقة غارقة في الحرب، ومعوقة بالتدخل الأجنبي، ومجوفة بسبب سوء الإدارة - مما أدى إلى إيقاع الملايين في براثن الفقر وانعدام الأمن. ويؤدي انهيار الاستقرار إلى تعريض حياة الناس وسبل عيشهم وحرية التنقل برا وبحرا وجوا للخطر.

 

منطقة على حافة الجحيم

 

وتشمل هذه المنطقة التي تواجه تحديات كبيرة الصومال، وإثيوبيا، والسودان، وإريتريا، وجيبوتي، واليمن - وهي دول تعاني من الإرث الاستعماري، والصراعات على السلطة في الحرب الباردة، والصراعات بالوكالة، والعنف الطائفي، والمجاعة، والصدمات المناخية. إن ما تتحمله هذه الدول، على الأقل اسميًا، هو أمر رائع في حد ذاته، نظرًا لحجم الصعوبات التي تحملتها.

 

كل دولة تحمل مزيجها الخاص من الآلام. ويعاني الصومال من العنف المتطرف، والتدخل الأجنبي، والسياسات العشائرية المنقسمة، وكلها تتفاقم بسبب المجاعة ويدمر تغير المناخ. إن إثيوبيا ممزقة بالصراع العرقي، وسوء الإدارة، والجوع، والأيديولوجيات التوسعية المتجذرة في التاريخ الأسطوري.

 

ويواجه السودان الفوضى الداخلية والتلاعب الخارجي، والعنف السياسي، والانهيار الاقتصادي. وعلى الجانب الآخر من البحر الأحمر، يعاني اليمن من حرب أهلية وحشية، وأجندات أجنبية غازية، وأزمة إنسانية حادة يتجلى فيها انعدام الأمن الغذائي والتدهور المؤسسي.

 

وتتمتع المنطقة بموقع استراتيجي على مفترق الطرق بين غرب آسيا وشمال شرق أفريقيا، ولها آثار تتجاوز حدودها بكثير. وينتقل مصيرها إلى الخارج، مما يؤثر على السلام والصراع عبر قارتين. فموانئها لا غنى عنها للتجارة العالمية، ومن الممكن أن تلعب أصولها الطبيعية ــ النفط والغاز والطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ومصايد الأسماك، والأراضي الصالحة للزراعة، ورأس المال البشري الوفيرة ــ دوراً مهماً في الاقتصاد العالمي.

 

تاريخ غني ووعد مهدور

 

تشكل دول القرن الأفريقي واحدة من أقدم مفترق الطرق التجارية في العالم، قبل وقت طويل من ظهور أوروبا كقوة تجارية عالمية. ربطت هذه المنطقة شمال شرق إفريقيا بالجزيرة العربية وبلاد فارس وجنوب آسيا وجنوب أوروبا، مما أدى إلى خلق فسيفساء نابضة بالحياة من الأديان واللغات والثقافات. فهي المكان الذي ولدت فيه المسيحية الأفريقية وتجذر فيه الإسلام قبل وصوله إلى المدينة المنورة.

 

وهي أيضًا منطقة ذات إمكانات زراعية هائلة - سواء في الزراعة أو الإنتاج الحيواني - مع موارد بحرية واسعة تمتد عبر المحيط الهندي وخليج عدن والبحر الأحمر. وتشمل ثروتها المعدنية النفط والغاز واليورانيوم والذهب والعناصر الأرضية النادرة. ولعل الأمر الأكثر قيمة هو سكانها الشباب: الملايين الذين يستعدون للمساهمة في قوة عمل ديناميكية.

 

وبوسع المنطقة أن ترسيخ نهضة الرخاء التجاري والتنمية الاقتصادية، بما يعود بالنفع على مواطنيها وشركائها خارج حدودها. لكن تحقيق هذه الرؤية يتطلب الاستقرار السياسي، والقيادة الحكيمة، والحكم الكفؤ - وهي ثلاثة عناصر يتم تقويضها باستمرار بسبب التدخل الأجنبي وضيق الأفق الذي تتسم به النخب الحالية.

 

إن ما يُفرّق شعوب المنطقة - سواءً أكان عرقيًا أم سياسيًا أم دينيًا - غالبًا ما يكون أقلّ عمقًا مما يبدو. وقد تضخمت هذه الخلافات، بل وافتعلتها، قوى خارجية وانتهازيون داخليون.

 

التكلفة الباهظة للتدخل الأجنبي

 

لقد جعلت الأهمية الاستراتيجية للمنطقة منها ساحة صراع بين قوى عالمية وإقليمية، تُعطي العديد منها الأولوية للسيطرة على الموارد وتحقيق النفوذ الجيوسياسي على حساب رفاهية السكان المحليين. وقد استثمرت دول الخليج، على وجه الخصوص، بكثافة في وكلائها العسكريين والسياسيين، متنافسةً على النفوذ على الموانئ والموارد الطبيعية بدلًا من تعزيز السلام أو دعم التنمية.

 

وقد أجّجت هذه القوى الخارجية الصراعات بتمويل الميليشيات والتلاعب بالفصائل السياسية. وتُقوّض تدخلاتها سيادة الدولة، وتُعيق المصالحة الوطنية، وتُعيق الإصلاح الهادف. وبدلًا من المساعدة في بناء مؤسسات مستدامة، تُديم هذه القوى الفوضى - مُقوّضةً في كثير من الأحيان، عن غير قصد، مصالحها طويلة الأجل.

 

لا تزال التنمية متوقفة، والمعاناة الإنسانية مستمرة، ووعد المنطقة لم يتحقق. لم يستفد أي طرف - محليًا كان أم أجنبيًا - من هذا الخلل الممتد. الموارد الطبيعية والبشرية الهائلة في المنطقة راكدة أو تُستنزف، ضائعة في غبار الصراع وسوء الإدارة.

 

دور أمريكا ومسؤوليتها

 

بصفتها قوة عالمية ذات مصالح راسخة ووجود عسكري في المنطقة، لا يمكن للولايات المتحدة أن تدّعي الحياد. فبينما تُعطي الولايات المتحدة الأولوية بطبيعة الحال لمصالحها الوطنية، عليها أيضًا أن تُقرّ بتواطؤها - المباشر وغير المباشر - في حالة عدم الاستقرار الحالية في المنطقة. إن اعتمادها المفرط على وسطاء الخليج، الذين لا يفهمون ثقافات المنطقة ولا تعقيداتها الاجتماعية، زاد الطين بلة.

 

الثروة لا تمنح الحكمة. فالجهات الفاعلة في الخليج، على الرغم من وفرة رأس المال، تفتقر إلى الطلاقة الثقافية والبصيرة التاريخية اللازمتين لتوجيه السياسة في القرن الأفريقي. والأسوأ من ذلك، أن أجنداتهم غالبًا ما تتعارض مع المصالح الأمريكية، مما يُزعزع استقرار المنطقة من خلال سعيهم لتحقيق أهداف اقتصادية ودينية ضيقة.

 

يجب أن تُغير السياسة الأمريكية مسارها. يجب أن تتخلى عن الاستعانة بمصادر خارجية، وأن تتواصل مباشرةً مع أصحاب المصلحة الإقليميين، بمن فيهم المواطنون، ومنظمات المجتمع المدني، والإصلاحيون، والشباب، والمنظمات النسائية. بدلًا من دعم الأنظمة الفاسدة عبر قنوات غير مباشرة، ينبغي على واشنطن دعم فرق انتقالية تكنوقراطية مُكلفة باستعادة مؤسسات الدولة وإعادة بناء الثقة.

 

إن الحكم التصاعدي - المتجذر في الهوية الوطنية والشفافية والجدارة - هو الحل الوحيد القابل للتطبيق على المدى الطويل. أما النموذج الحالي، القائم على تقاسم السلطة على أساس العشائر والمحسوبية القبلية، فهو وصفةٌ للتشرذم الدائم. لقد فشل، ويجب استبداله.

 

يُمثل الصومال حقل اختبارٍ محتمل لهذا النهج الجديد. وفي حال نجاحه، يُمكن تطبيق الإطار نفسه على اليمن ودولٍ أخرى مُعرّضة للأزمات في المنطقة.

 

تكنوقراطيةٌ محدودة المدة

 

يحتاج القرن الأفريقي واليمن إلى نموذج حكمٍ جديد: نموذجٌ تكنوقراطيٌّ مؤقتٌّ بصلاحياتٍ واضحةٍ وتاريخ انتهاءٍ مُحدد. ويمكن للصومال، على وجه الخصوص، أن تُجرّب هذا النهج. والهدف هو إعادة بناء الأمن من خلال جيشٍ وطنيٍّ مُجدَّدٍ مدعومٍ بقوات شرطةٍ مُصلَحةٍ وجهازِ استخباراتٍ محترف. وسيُصاحب ذلك صياغةُ دستورٍ جديدٍ مُتجذّرٍ في ميثاق عام 1961 الأصلي.

 

من شأن هذا الإطار أن يُعطي الأولوية للكفاءة على الولاء العشائري، وللمصلحة الوطنية على المكاسب الفئوية. يمكن أن يُصبح ساحل الصومال الطويل - المُهمَل إلى حد كبير - أساسًا لاقتصاد بحري مُنعش، مما يفتح الباب أمام الاستثمار المحلي والأجنبي.

 

ينبغي أن تكون الحكومات التكنوقراطية بمثابة قيّمة، لا مجرد كيانات ثابتة. هدفها هو تحقيق الاستقرار، والاستعادة، ثم التنحي جانبًا - مما يسمح باستئناف العمليات الديمقراطية في ظروف أفضل بكثير مما هي عليه اليوم.

 

دور تركيا والجهات المعنية الأخرى

 

يتطلب أي حل دائم تحولات جوهرية من الجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية الأخرى أيضًا. يجب على الولايات المتحدة التواصل مباشرةً مع الجهات الفاعلة المحلية. يجب على دول الخليج أن تكف عن مؤامراتها المثيرة للانقسام وأن تُعيد صياغة نفسها كشركاء حقيقيين في التنمية.

 

يجب على تركيا، الناشطة بالفعل في الصومال، أن تظل يقظة لمنع الفساد المُسهِم. يجب أن تُثير التقارير التي تُفيد بأن النخب الصومالية تُغسل الأموال العامة وتُحولها إلى عقارات وشركات تركية قلق أنقرة بقدر ما تُثير قلق مقديشو.

 

مهما كانت نوايا الجهات الفاعلة الأجنبية حسنة، فإنها لا تستطيع فرض التحول. يجب أن ينبع التغيير الحقيقي من الداخل. يجب أن تتولى شعوب المنطقة زمام الأمور في مصائرها. قد يكون قبول دور القيادة التكنوقراطية المؤقتة خطوة أولى مؤلمة، وإن كانت ضرورية، نحو السلام وتقرير المصير.

 

حسابٌ أخير

 

هذه المنطقة مهمة. إنها لا تهم شعبها فحسب، بل النظام العالمي الأوسع أيضًا. لعدم استقرارها عواقب عالمية: تهديد التجارة، وتهجير السكان، واحتضان التطرف. لكن استقرارها يمكن أن يولد الرخاء والأمن والشراكات الاستراتيجية لجيل كامل.

 

لقد عانى القرن الأفريقي الكثير - الحرب والمجاعة وسوء الحكم والاستغلال الأجنبي. لقد تم تعريفه بما ينقصه. لكن هذا ليس بالضرورة.

 

إن تحول المنطقة ليس فكرةً مجردة، بل هو ضرورة. بفضل العمل الجريء من شعبها وموقفٍ مُعاد ضبطه من الشركاء الأجانب، يمكن للقرن الأفريقي أخيرًا استعادة كرامته ومصيره. السلام والازدهار ليسا بعيدَي المنال. لكنهما لن يأتيا بالصدفة. يجب بناؤهما - بوعي وشفافية، ومن القاعدة إلى القمة.

 


مقالات مشابهة

  • خطة أميركية للإجلاء من إسرائيل ودول أوروبية تعيد مئات من مواطنيها
  • اليمن ودول شرق أفريقيا.. بين الحروب بالوكالة والعنف الطائفي.. كيف يمكنها تجاوز ذلك؟ (ترجمة خاصة)
  • إغلاق السفارة الأميركية في إسرائيل ودول عدة تجلي رعاياها
  • الصين ودول آسيا الوسطى تتعهدان بدعم التعددية
  • تناول الطعام في الليل.. عادة تهدد صحتك بأمراض خطيرة
  • رئيس الوزراء يوجه شكره وتقديره للأسرة الصحفية لمناسبة العيد الوطني للصحافة العراقية تثمينا لجهودهم المتميزة .
  • القنصل العام لجمهورية السودان باسوان يتوقع تزايد حركة العائدين الى البلاد عقب عطلة العيد عبر المنافذ البرية
  • شي جينبينغ في كازاخستان لحضور قمة الصين ودول آسيا الوسطى
  • شواطئ الشمال تتخلص من مظاهر احتلال الملك العام