النجاح لا يُقاس بالضوء وحده
تاريخ النشر: 18th, June 2025 GMT
خميس البلوشي
لفت انتباهي سؤال صدّر به الكاتب الأستاذ عبد الله الشعيلي مقاله في جريدة "عُمان" (العدد رقم 15556)، حيث تساءل: "هل الشهادة مقياس للنجاح؟" واختتم مقاله بقوله: "أصبح التعليم الذاتي والممارسة والانفتاح على تجارب الآخرين مسارات حقيقية للنجاح، حتى في غياب المؤهل الأكاديمي الرسمي."
ما تطرّق إليه الكاتب قد يواكب بالفعل ما نشهده في واقعنا الراهن، ويعبّر عن بعض المسارات التي يتّخذها المجتمع، غير أن الواقع الأعمق لا يعكس هذه الرؤية بدقة، ولا يجعل منها قاعدة يُعوَّل عليها أو يُبنى عليها حكم عام.
وقبل الحديث عن الطريقة التي نقيس بها "النجاح"، لا بد أن نتوقف عند مفهوم النجاح ذاته؛ إذ لم يُرسَّخ في وعينا الجمعي ضمن سياقه الدلالي الدقيق- ولعلّ هذا يعود، في تقديري، إلى النشأة الاجتماعية التي لم تحفّز التساؤل أو التحليل النقدي للمفاهيم الكبرى- فصرنا نخلط بين النجاح وبعض مظاهره أو نتائجه الظرفية.
فكم من شخص عُدّ ناجحًا لمجرد امتلاكه المال أو الحضور الاجتماعي، أو حتى لمهارات غير مألوفة، كالمشي على قدم واحدة أو التحدث أمام الكاميرا بطلاقة! في حين أن النجاح- من منظور علمي ومجتمعي- هو أثر نافع ومستدام، ناتج عن جهد ومعرفة ومهارة، تفضي إلى خدمة الفرد والمجتمع.
إن التفوّق الأكاديمي قيمة لا تُقدّر بثمن، والتحصيل العلمي سلاح فعّال يدرّ الثروات متى ما أُحسن استثماره وتوجيهه. فالتفوّق الأكاديمي ليس مجرد تراكم نظري، بل يعكس قدرة الفرد على الفهم العميق، والتميّز المعرفي، وتجاوز المستوى السائد في محيطه.
ثم إن هناك مهنًا أصيلة لا يمكن فصلها عن التأهيل الأكاديمي الرصين، مثل: الطب، والتعليم، والهندسة؛ فهل يمكن أن نأتمن على عقول أبنائنا أو أرواح مرضانا أو بنيتنا التحتية، من لم يُكمل تعليمه الجامعي؟ إن هذه المهن تستند إلى معرفة منهجية لا يمكن اكتسابها بمجرد التعلم الذاتي أو التجربة.
والحق أن الشهادة الجامعية والتفوّق الدراسي إنجاز لا يدرك قيمته إلا من عاشه، وتنقّل بين أروقة القاعات، وجاهد مع المناهج، وناقش الأساتذة، وكتب الأوراق البحثية. كما أن صاحب الشهادة الأكاديمية ليس بالضرورة خاليًا من المهارات الشخصية أو الاجتماعية، بل قد يمتلك منها الكثير، غير أنه قد لا يُحسن تسويق نفسه في عالم بات يُؤمن بالصورة أكثر من الجوهر، وهنا يتجلّى دور الإعلام الذي- أحيانًا- يُسهم في تصدير نماذج سطحية لحظية، تُقدَّم على أنها قصص نجاح.
إن الشهرة أو الانتشار، أو حتى ما يمكن أن نُسمّيه "النجاح المؤقت"- إن صح التعبير- ليست مبررات تُنتقص بها مكانة الشهادة العلمية، ولا تُقلّل من قيمة التميز الأكاديمي؛ بل إن كثيرًا من النجاحات الفردية التي تُروَّج اليوم تقف خلفها ظروف غير مرئية، لا يمكن تعميمها أو اعتمادها معيارًا ثابتًا.
وأخيرًا.. لا يصحّ الاستشهاد بنماذج تنتمي إلى سياقات اجتماعية وثقافية مختلفة، دون مراعاة للفوارق الجوهرية التي تميّز كل مجتمع عن الآخر. وهذه في الواقع من أولى القواعد التي يتعلمها الطالب الجامعي في دراسته، وهو يشقّ طريقه نحو الفهم والتميّز. فلا يمكن أن نقارن مفهومًا بمفهوم، أو نُسقط تجربة على بيئة لا تنطبق عليها شروطها. إذ إن المفارقات بين المجتمعات ليست هامشية، بل هيكلية، وتؤثر بعمق في فهم معاني النجاح ومقاييسه.
وختامًا.. الدعوة لإعادة النظر في ربط التوظيف الحصري بالشهادة الأكاديمية أمر مشروع، ولكن بشرط ألا تتحول إلى تبرير لتهميش المعرفة المؤسسية أو اختزال الكفاءة في مهارات جزئية. فربما لا تكون الشهادة كافية وحدها، لكنها بالتأكيد تظل عنصرًا جوهريًا لا غنى عنه في بناء الكفاءة والاحتراف.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
جامعة إقليم سبأ تُنهي أسبوع الجودة بتوصيات تعزّز التميز الأكاديمي
اختتمت جامعة إقليم سبأ، فعاليات أسبوع الجودة للعام 2025م الذي أُقيم تزامنًا مع الأسبوع العالمي للجودة تحت شعار "جامعة إقليم سبأ… عقدٌ من التميز في مسار الجودة" وسط حضور واسع من الأكاديميين والمتخصصين والطلبة والكوادر الإدارية في تجسيد عملي لالتزام الجامعة بترسيخ ثقافة الجودة والاعتماد الأكاديمي.
وشهد اليوم الختامي للأسبوع انعقاد ندوة علمية بعنوان: دور الجامعة في الارتقاء بجودة مواصفات الخريجين من كلية الطب بما يلبي احتياجات القطاع الصحي والمجتمع أدارتها عميد كلية الطب الدكتورة أماني الهواري وتناولت خمسة محاور رئيسية شملت: واقع القطاع الصحي دور الجامعة في إعداد الخريج التكامل بين الجامعة والقطاع الصحي مواصفات الخريج المأمول وتوافق مهارات خريجي البرامج الصحية مع احتياجات الميدان.
واستهدفت الندوة أعضاء هيئة التدريس بكلية الطب وجامعة العلوم والتكنولوجيا ومكتب الصحة وممثلي المستشفيات العامة والخاصة والمعهد العالي للعلوم الصحية وكلية صرح مأرب والمجلس اليمني للاختصاصات الطبية والمجلس الطبي الأعلى بمأرب وطلبة كلية الطب.
كما نُظمت ندوة متخصصة بعنوان: التميز التسويقي بالذكاء الاصطناعي وضمان جودة الأداء وتعظيم العوائد وتعزيز ولاء العملاء أدارها عميد كلية العلوم الإدارية والمالية، حيث قدّمت الندوة رؤية حديثة حول توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في تطوير الاستراتيجيات التسويقية وتحسين جودة الخدمات وبناء الميزة التنافسية من خلال التحليل الذكي للبيانات وتعظيم العوائد ورفع مستوى رضا العملاء.
واستهدفت الندوة مديري التسويق والعاملين في القطاع التسويقي من عدد من المؤسسات والشركات، بهدف الارتقاء بكفاءاتهم وتزويدهم بأحدث الاتجاهات في التسويق المعاصر القائم على التطبيقات الذكية.
كماقدّم عميد كلية العلوم الإدارية والمالية والدكتور محمد شمسان محاضرة علمية تناولت دور الجامعة في تطبيق معايير الحوكمة لتحسين جودة الأداء الحكومي مسلّطين الضوء على أهمية الممارسات الحوكمية في تعزيز الشفافية والكفاءة وتحسين منظومة العمل المؤسسي.
وفي السياق ذاته أقيمت ورشة عمل حول الجودة المستدامة في قطاعي الآثار والسياحة في إقليم سبأ أدارها رئيس قسم الآثار والسياحة الدكتور سالم حسان تناولت ستة محاور شملت جودة التعليم الأكاديمي والمناهج الحديثة والمعابد السبئية كنموذج ودور وزارة الثقافة في حفظ التراث وتأثير خط المسند في جودة التعليم الأكاديمي إضافة إلى السياحة في مأرب كرافعة اقتصادية ودور اليونسكو في دعم تراث سبأ
وخرجت الورشة بعدد من التوصيات أبرزها: الدعوة لإنشاء هيئة عامة للآثار في محافظة مأرب وتعزيز دور قسم الآثار والسياحة بالجامعة في الشراكة مع الجهات المختصة إضافة إلى تشكيل لجنة مشتركة من وزارة الثقافة والسلطة المحلية والجامعة تتولى تنسيق الجهود لحماية التراث الحضاري بالمحافظة
كما عُقدت ورشة عمل بعنوان واقع التعليم العالي والعام والفني في مأرب والتحديات التي تواجهه ودور الجامعة في تطوير الأداء التعليمي أدارها نائب عميد كلية التربية والعلوم الإنسانية الدكتور محمد الحومي.
وتناولت الورشة أربعة محاور رئيسية شملت تحليل واقع التعليم في مستوياته المختلفة العالي والعام والفني واستعراض أبرز التحديات التي تواجهه وسبل معالجتها إلى جانب مناقشة دور الجامعة في تطوير البرامج التعليمية وتقديم الاستشارات التربوية والنفسية وتعزيز الشراكات مع المؤسسات التعليمية بما يسهم في تجويد الأداء وتحسين مخرجات التعليم استهدفت أعضاء هيئة التدريس ومدير عام مكتب التربية والموجّهين ومديري المدارس وعمادة كلية المجتمع ومدرّسي الكلية إضافة إلى طلبة الدراسات العليا.
وفي محور البحث العلمي قدّم عميد كلية تكنولوجيا المعلومات وعلوم الحاسوب الدكتور مقبول الكامل محاضرة علمية بعنوان تقنية الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي وأدوات جمع وتحليل البيانات استعرض خلالها أبرز تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تطوير منهجيات البحث وأساليب التحليل الإحصائي وطرق الاستفادة من الأدوات الرقمية الحديثة في جمع البيانات ومعالجتها ورفع كفاءة الإنتاج المعرفي.
واستهدفت المحاضرة الكادر الأكاديمي والباحثين المهتمين بتطوير مهاراتهم البحثية حيث شكّلت مساحة مهمة للتعرّف على الاتجاهات المعاصرة في البحث العلمي القائم على التقنيات الذكية ودورها في تعزيز جودة المخرجات العلمية.
وقدّم الأستاذ عبداللطيف القراضي برنامجا تدريبيا حول الأنشطة الطلابية في المرحلة الجامعية استهدف طلبة البكالوريوس تخللته عروض ترفيهية ومسابقات ثقافية وفقرات إبداعية نفذتها الجمعيات العلمية بما عزز المشاركة الطلابية وأسهم في إثراء الجانب الثقافي والمعرفي.