علماء يتمكنون من جمع الماء من هواء الصحراء
تاريخ النشر: 19th, June 2025 GMT
ابتكر مهندسون من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا جهازا جديدا يجمع مياه الشرب من الهواء دون حاجة لأي مصدر طاقة، حتى في أشد البيئات جفافا، وفقا للدراسة التي نشرت يوم 11 يونيو في مجلة "نيتشر ووتر".
حاليا، يعاني 2.2 مليار شخص في العالم من عدم الوصول إلى مياه شرب آمنة، وبينما تزداد الضغوط على الموارد التقليدية مثل الأنهار والبحيرات والسدود، يعتقد الباحثون أن الجهاز المقترح قادر على استخراج المياه من بخار الماء الموجود في الغلاف الجوي، بكفاءة عالية، وبدون الحاجة إلى أي مصدر للطاقة.
يشرح المؤلف الرئيسي للدراسة "شوانهي جاو" – أستاذ في الهندسة الميكانيكية والبيئية في المعهد، أن الجهاز يشبه لوح نافذة عمودي بحجم متوسط، مغطى بمادة هيدروجيل سوداء تمتص بخار الماء من الهواء، ومغلف بحجرة زجاجية مطلية بطبقة تبريد خاصة.
تبدو مادة الهيدروجيل كأنها غلاف فقاعات أسود، تتضخم بفعل امتصاص الرطوبة ثم تنكمش لاحقا في حركة شبيهة بفن الأوريجامي. يتم بعد ذلك تبخير المياه داخل الجهاز وتكثيفها على الزجاج، لتتدفق إلى أنبوب خارجي مياهاً صالحة للشرب.
,يوضح "جاو" في تصريحات لـ"الجزيرة.نت"، أن ما يميز هذا الجهاز هو استقلاله الكامل عن مصادر الطاقة؛ فهو لا يحتاج إلى بطاريات، أو ألواح شمسية، أو كهرباء من الشبكة.
ويضيف "كما أثبت الجهاز كفاءته في تجربة ميدانية في وادي الموت بولاية كاليفورنيا، وهو أكثر المناطق جفافا في أميركا الشمالية. حتى في ظروف الرطوبة المنخفضة، تمكن الجهاز من إنتاج ما يصل إلى 160 مليلترا من مياه الشرب يوميا، أي ما يعادل نحو ثلثي كوب ماء".
ويوضح "جاو": "لقد صممنا جهازا بحجم متر مربع نأمل أن يستخدم في المناطق التي تفتقر إلى الموارد، حتى تلك التي لا تتوفر فيها ألواح شمسية. إنه دليل على أن التقنية يمكن تطويرها لتلبي احتياجات منزلية حقيقية في المستقبل" ويضيف أن نشر مجموعة من هذه الألواح في شكل شبكة رأسية يمكن أن يوفر مياه شرب كافية لعائلة، حتى في المناطق الصحراوية القاحلة. كما أن كفاءة الجهاز ترتفع مع زيادة الرطوبة، مما يجعله أكثر فاعلية في المناطق المدارية والمعتدلة.
يعتمد الجهاز على هيدروجيل عالي الامتصاص، وهي مادة لينة ومسامية تتكون أساسا من الماء وشبكة من الألياف البوليمرية. وخلافا للأنظمة الأخرى التي تستخدم مواد هياكل عضوية معدنية تفتقر إلى المرونة، فإن الهيدروجيل في هذا الابتكار يتمدد عند امتصاص الماء، مما يضاعف قدرته على الاحتفاظ بالبخار.
إعلانلكن التحدي الأكبر الذي واجه الباحثين، كان في تقليل ملوحة الماء المستخرج، إذ إن بعض التصاميم السابقة التي استخدمت أملاح مثل كلوريد الليثيوم لتحسين الامتصاص، كانت تعاني من تسرب الأملاح إلى الماء الناتج، وفقا للمؤلف الرئيسي للدراسة.
لحل هذه المشكلة، أضاف الباحثون مادة الجليسرول إلى الهيدروجيل، وهي مركب يساعد على تثبيت الملح داخل المادة ومنع تسربه. كما صمم الهيدروجيل بطريقة تمنع تشكل المسام النانوية التي تسمح للأملاح بالخروج. ووفقا للفحوصات، كانت نسبة الملوحة في الماء الناتج أدنى بكثير من الحدود المسموح بها لمياه الشرب.
أما عن شكل الهيدروجيل، فتمت إعادة تشكيله ليأخذ هيئة فقاعات صغيرة مثل غلاف التغليف، مما يضاعف المساحة السطحية ويزيد من كمية الماء الممتصة. وتم تغليف الجهاز بحجرة زجاجية مزودة بطبقة تبريد، ومتصلة بأنبوب بسيط لجمع الماء المقطر.
اختبر الباحثون الجهاز في نوفمبر 2023 خلال أسبوع كامل في وادي الموت، حيث سجل معدلات إنتاج تراوحت بين 57 و161.5 مليلترا يوميا، عبر مستويات رطوبة مختلفة من 21 إلى 88 بالمئة. في جميع الحالات، تفوق الابتكار الجديد على معظم الأجهزة الأخرى سواء التي تعمل بشكل سلبي أو حتى النشطة باستخدام الطاقة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
علماء يجدون طريقة لاستخراج الفضة باستخدام زيت الطهو
مع تناقص الموارد الطبيعية للمعادن الثمينة وتزايد الطلب العالمي عليها، طوّر فريق من الباحثين الفنلنديين طريقة ثورية وصديقة للبيئة لإعادة تدوير الفضة من النفايات الإلكترونية باستخدام زيوت الطهو.
تعتمد هذه الطريقة على استخدام الأحماض الدهنية للزيوت النباتية الشائعة والضوء، وتعد بتحويل هذا النوع المتزايد من النفايات إلى مصدر ثمين لهذا المعدن، مع تجنب العمليات الكيميائية الخطرة والملوّثة التي تهيمن على هذه الصناعة اليوم.
ويقول المؤلف الرئيسي للدراسة أنزي زوبانك الباحث في مرحلة ما بعد الدكتوراه بجامعة هلسنكي، في حوار خاص بالجزيرة نت عبر البريد الإلكتروني، "في طريقتنا الجديدة، تُعتبر المواد المستخدمة في معالجة الفضة غير مكلفة ومواد مستخرجة من نفايات في بعض الأحيان. لذلك، فإن سعرها قريب من سعر العمليات المُستخدمة بالفعل".
ونشرت نتائج الدراسة التي أجراها الباحثون لاستخراج معدن الفضة من النفايات الإلكترونية في دورية "كيميكال إنجنيرنغ جورنال" العلمية.
تعد الفضة من بين المعادن الأكثر استخداما في كثير من المجالات، فهي عنصر أساسي في صناعة مكونات دوائر أجهزة الحاسوب والهواتف المحمولة، وتستخدم في الطب لخصائصها المضادة للبكتيريا، كما أنها عنصر أساسي من مكونات صناعة الألواح الشمسية، ومن ثم فإن توفرها يحفّز التحول نحو مزيد من الاعتماد على الطاقات المتجددة والنظيفة.
لكن هذا الانتشار الواسع أدى إلى زيادة الطلب على هذا المعدن، إذ تشير التقارير المتخصصة إلى تجاوز الطلب العالمي على الفضة العرض بنسبة 16% في عام 2023، في حين ارتفع سعرها 6 أضعاف خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية.
كذلك أدى ارتفاع الطلب على الفضة إلى تضاؤل الاحتياطيات الطبيعية القابلة للاستغلال والتي لم يبق منها سوى ما يكفي لحوالي 20 عاما فقط بمعدل الاستخراج الحالي. ومع ذلك، فإن إنتاج الفضة السنوي من مصادر مُعاد تدويرها ما زال متواضعا نسبيا إذ لم يمثل سوى 17% من كميات الفضة المستخرجة في عام 2023.
أحد الأسباب التي تعرقل تطور هذه النسبة هي الطرق المستخدمة حاليا لإعادة استخراج الفضة من النفايات التي تعتبر مكلفة وملوثة في الوقت نفسه، فعمليات المعالجة الحرارية تستهلك طاقة هائلة وتتضمن حرق النفايات في درجات حرارة عالية جدا لاستخراج المعادن.
إعلانوتنتج طرق المعالجة الكيميائية لاستخراج الفضة من النفايات مواد كيميائية خطرة مثل مادة السيانيد المعروفة بسمّيتها وحمض النتريك المُسبب للتآكل والأمونيا الضارة.
ويتطلب استخراج كيلوغرام واحد من هذا المعدن الثمين حوالي 170 كيلوغراما من السيانيد المُذاب في 500 متر مكعب من الماء، مما قد يتسبب في تسرب هذه المادة في المجاري ويرفع مخاطر حدوث كارثة بيئية كبيرة، مثل تلك التي حدثت في منطقتي بايا الرومانية عام 2000 وتيانجين بالصين عام 2015.
في الدراسة الجديدة، طوّر فريق من الباحثين من جامعة هلسنكي طريقة مختلفة جذريا لاستخراج معدن الفضة من النفايات الإلكترونية تتميز بكونها آمنة ومستدامة وغير مكلفة.
الفكرة التي تقوم عليها هذه الطريقة المبتكرة بسيطة نوعا ما لكنها مدهشة في الوقت نفسه، وتتمثل في استخدام الأحماض الدهنية الموجودة في الزيوت النباتية لإذابة الفضة.
اعتمد الباحثون للإذابة، وفق ما ورد في الدراسة، على الأحماض الدهنية غير المشبعة الأكثر شيوعا مثل حمض الأوليك الموجود في زيت الزيتون، وحمض اللينوليك في زيت دوار الشمس.
تتميز هذه المواد بوفرتها إذ يتجاوز الإنتاج العالمي من الزيوت النباتية 15 مليون طن سنويا، إضافة إلى كونها قابلة للتحلل الحيوي وغير سامة ويمكن استخلاصها حتى من النفايات، مثل زيت الطهو المستعمل، وذلك ما يجعلها متوافقة تماما مع الاقتصاد الدائري.
وأوضح زوبانك أن الطريقة الجديدة "تعمل كمّيا باستخدام تسخين خفيف، ومن ثم تتميز باستهلاك منخفض للطاقة وبكفاءتها العالية".
تتم العملية في ظروف معتدلة، مع تسخين خفيف إلى 60 درجة مئوية وبإضافة مواد غير مضرة بالبيئة لتسريع استخراج الفضة. تلعب الأحماض الدهنية دورا مزدوجا أساسيا، فهي تُشكل الوسط السائل الذي تذوب فيه الفضة وتقوم جزيئاتها بتثبيت أيونات الفضة المتكونة حديثا، وذلك يمنعها من التفاعل ويحافظ عليها في المحلول.
مكنت الطريقة المبتكرة، وفق الدراسة، من إذابة ما يصل إلى 4.6% من وزن الفضة نسبة إلى وزن الأحماض الدهنية المستخدمة. وذلك يعني أن كيلوغراما واحدا من الزيوت بإمكانه إذابة 46 غراما من الفضة وهي قدرة تحميل هائلة مقارنة بالمذيبات التقليدية. وقد بلغت سرعة التفاعل باستخدام الطريقة الجديدة حوالي ضعف أسرع طريقة تقليدية مستخدمة اليوم.
أثبت الباحثون نجاعة هذه الطريقة المبتكرة على نفايات حقيقية، تحتوي على أجزاء من البلاستيك المُغلف بالفضة من لوحات مفاتيح الحاسوب. فمن 13 غراما من البلاستيك المعالج تم استخلاص 677.8 ملغ من أملاح الفضة، وبعد الاختزال تم الحصول على 130.5 ملغ من الفضة المعدنية النقية، بنسبة إنتاج تقدر بحوالي 98%.
آفاق جديدةيفتح هذا البحث آفاقا واعدة لإدارة النفايات الإلكترونية وتأمين إمدادات المعادن الإستراتيجية.
وأوضح أنزي زوبانك، في حديثة مع الجزيرة نت، أن تطوير هذه التقنية "بلغ حاليا مستوى عاليا من الجاهزية التكنولوجية، إي إنه قد تم التحقق من صحتها في المختبر". لكنه أضاف أنه "لم تُجرَ أي محاولة لتوسيع نطاقها بعد، لكننا نعتقد أنه من خلال إجراء مزيد من الأبحاث، يُمكن تطوير العملية بشكل أكبر".
إعلانلا يستبعد الدكتور زوبانك أن "يؤدي المزيد من البحث إلى اكتشاف ظروف مناسبة لاستخلاص معادن نبيلة أخرى". ويؤكد أن "الألواح الشمسية تحديدا ستكون الهدف التالي لهذه العملية، نظرا لحجم إنتاجها الهائل، وكذلك حجم الكميات التي يُتخلص منها".
ومع اقتراب ملايين الأطنان من الألواح من نهاية عمرها الافتراضي في العقود القادمة، فإن إيجاد طريقة فعالة لاستعادة الفضة التي تحتويها سيكون أمرا بالغ الأهمية.