قادت المنطقة الأمنية الأولى بمدينة القنيطرة، ليلة الأربعاء/الخميس، حملة أمنية واسعة النطاق استهدفت عدداً من المقاهي والمطاعم التي تواصل أنشطتها بعد الساعة الثانية صباحاً، في خرق واضح للضوابط المعمول بها.

وقد شملت الحملة عدة أحياء داخل النفوذ الترابي للمنطقة الأمنية الأولى، حيث تم تسجيل مخالفات تتعلق بخرق توقيت الإغلاق، ما أسفر عن إغلاق عدد من المحلات وتحرير محاضر قانونية في حق المخالفين.

وأكدت مصادر أمنية أن هذه العملية تأتي ضمن استراتيجية أمنية تروم تكريس الانضباط، والتجاوب مع شكاوى المواطنين بشأن الإزعاج الليلي، مشددة على أن مثل هذه الحملات ستتواصل خلال الأيام المقبلة بشكل صارم ومنتظم.

المصدر: مملكة بريس

كلمات دلالية: أمن إغلاق المقاهي الأمن الوطني الثانية صباحا القنيطرة المطاعم المنطقة الأمنية الأولى النظام العام

إقرأ أيضاً:

من رمزية الحرب إلى مقاهي التفاهة

من رمزية الحرب إلى مقاهي التفاهة

بقلم: محمد سعد عبد اللطيف

كلما أطلّ علينا نتنياهو بوجهه المتجهم، محتميًا بآيات من «سفر المزامير» لتبرير دمارٍ جديد، تذكّرتُ كيف يمكن لنصٍّ دينيٍّ كُتب ليواسي جماعةً مضطهدة أن يتحول في يد السياسي إلى تصريحٍ بقتل الأبرياء. ليست هذه المرة الأولى التي يُستدعى فيها المقدّس إلى ميدان النار. فالتاريخ في شرقنا القديم، حيث يلتقي الله والسياسة على رقعة واحدة، يفيض بأمثلة عن أنبياءٍ يتحولون إلى جنرالات، وعن كلماتٍ تتبدّل معانيها حين تمر عبر مكبّر الصوت العسكري.

نتنياهو ليس قارئًا متأملًا للتوراة بقدر ما هو موظف في شركة التاريخ الإسرائيلي، يستخرج من النصوص ما يلزم لتبرير الغزو، كما يستخرج محاسب بندًا قانونيًّا من دفترٍ قديم. غير أن المشكلة الأعمق ليست في نصوصهم وحدها، بل في عجزنا نحن عن قراءة نصّنا، أو حتى عن قراءة واقعنا. فبينما يُسخّرون الرمز الديني لبناء خطاب القوة، نحول نحن كل نقاش إلى معركة “بوست” و“لايك”، وكل فكرة إلى شجارٍ افتراضي على مقهى رقميٍّ عابر.

من "الحرب المقدسة" إلى "المنشور المقدس"

العدو هناك يُجنّد التاريخ والرمز والذاكرة في حربٍ شاملة، ونحن هنا نجند بعضنا البعض في حروبٍ من نوعٍ آخر — حروب التفاهة.

في تل أبيب تُدار غرف العمليات بين جنرالاتٍ يقرؤون خرائط القوة والضعف، وفي شوارعنا الإلكترونية تُدار معارك بين “مفكرين” من أصحاب المقاهي الافتراضية، كل منهم يملك فنجان قهوة و"واي فاي" وفتوى إلكترونية.

تحوّل الفيسبوك إلى كنيسةٍ صغيرة، ومجموعة الواتساب إلى منبر خطبة، ومواطنٌ عاديٌّ إلى "إمامٍ ميتافيزيقي" يوزّع صكوك الجنة والنار.

يمنح البركة بمنشور، ويدخل الآخرين النار بتعليق، يسبّ من شاء، ويغفر لمن شاء، ثم ينام راضيًا على وسادته لأنه انتصر في معركة اللاشيء.

لقد صارت السوشيال ميديا مسرحًا للبطولات المجانية، ودفترًا مفتوحًا لتصفية الحسابات الفكرية. الجميع يصرخ، ولا أحد يسمع، والجميع يظن نفسه نبيًّا يحمل رسالة، بينما لا يملك سوى هاتفٍ مكسور وذاكرةٍ منقولة.

ثقافة المقاعد والفرجة

نعيش زمنًا صارت فيه المعرفة وجبة سريعة تُقدَّم على طاولة “التريند”.

تسأل أحدهم عن رأيه في نتنياهو، فيقول لك بثقة: «أنا قريت بوست مهم جدًّا بيقول اليهود دول.. .»، ثم يشرع في تلاوة حكمته المستنسخة من صفحةٍ مجهولة.

تسأله عن طه حسين، فيخبرك أنه “كان عميد فرقة موسيقية”، وعن السد العالي فيقول “ده كوبري”، وعن التاريخ يجيبك بذاكرةٍ تلفزيونيةٍ لا تعرف سوى المسلسلات.

لقد صار الجهل مزهوًّا بنفسه، يرتدي ثوب المثقف الثائر.

يخرج إلينا من تحت أعمدة النور في الشوارع، وعلى مصاطب الزقاق، يتحدث في الفلسفة والسياسة والنقد الأدبي، وكأنه أستاذ جامعي من جامعة السوربون.

يتحدث عن الحرية وهو لا يملك حرية التفكير، وينظّر عن الأخلاق وهو لا يعرف أبجدياتها.

أمّا المثقف الحقيقي، فقد انسحب في صمت. لم يعد له مكان في هذا الضجيج، لأن صوته لا يناسب خوارق "التريند" ولا سرعة البث المباشر. صار الغياب فعل مقاومةٍ هادئ، والكتابة محاولة لإنقاذ ما تبقى من المعنى وسط طوفان التفاهة.

الفارق بين من يقرأ النص ومن يستهلكه

بينما يقرأ الإسرائيلي نصَّه ليصنع واقعًا على الأرض، نقرأ نحن منشوراتنا لنصنع وهمًا في الهواء.

هم يصوغون خطابًا يبرر حربًا حقيقية، ونحن نصوغ حروبًا كلامية حول من يدخل الجنة أولًا: صاحب اللحية أم صاحب الجيتار؟

تتقاتل مجتمعاتنا على فتات الرموز، كل فريقٍ يظن أن الله وُجد فقط في صفّه، وأن الخلاص يمرّ عبر صفحته الشخصية.

لقد انقلبت المعادلة: صار الدين وسيلةً للتهكم، والفكر مسرحًا للشتائم، والسياسة ساحةً للثرثرة.

في حين يستدعي نتنياهو نصوصًا ليبني خطاب القوة، نستدعي نحن التفاهة لنهدم ما تبقى من العقل.

الفلسفة في زمن السخرية

تحدث بول ريكور عن “انحراف الرمز”، لكننا ابتكرنا ما هو أخطر: انحراف الوعي.

لم نعد نحرف النصوص فحسب، بل نحرف عقولنا عن التفكير في أصلها.

نحوّل كل معنى إلى هزل، وكل رمزية إلى نكتة، وكل مأساة إلى “ميم” يتداوله الناس وهم يضحكون، غير مدركين أن الضحك صار غطاءً للخواء.

صرنا أسرى شاشة تبرمجنا دون أن نشعر.

نتألم على الفقراء ثم نمرر الخبر بلمسة إصبع، نكتب عن الحرية ونحن عبيد للموجة، نحارب الظلم بمنشور، وننام قريري العين كأننا أنقذنا العالم.

نمارس البطولة على مستوى التعليق، ونُهزم في ميدان الفعل.

أفيقوا أيها الجالسون على مقاعد العالم الافتراضي

ليس العدو الذي يقصفنا أخطر ممن يجعلنا نضحك على جراحنا.

فمن يملك النص يملك الذاكرة، ومن يملك الذاكرة يملك المستقبل.

أما نحن، فقد تنازلنا عن الاثنين، ورضينا أن نكون متفرجين في عرضٍ طويلٍ من التفاهة.

نحارب بعضنا تحت أعمدة النور، وننتصر على أعدائنا الوهميين على مصاطب الزقاق، بينما يواصل الآخر كتابة تاريخه على جدرانٍ من نار.

يا للعجب، كيف نحارب أنفسنا بجدٍّ، ولا نحارب عدوّنا إلا بالنكات!

-- حرب الرموز والفرجة

الحرب لم تعد اليوم سلاحًا وصواريخ فقط، بل حرب لغةٍ ورمز.

أحيانًا تكون “هاشتاغ” أو “تعليقًا ساخرًا” يقتل المعنى أكثر مما يقتل الجسد.

اليوم لا يخاف الأعداء من جيوشنا بقدر ما يضحكون من منشوراتنا.

لقد تحوّلنا من أمةٍ كتبت الفلسفة وابتكرت البيان، إلى أمةٍ تتفرج على ذاتها وهي تسقط ببطء أمام شاشةٍ مضيئة.

فهل نعيد قراءة نصّنا كما ينبغي؟

أم نظل نحارب في المقاهي وعلى الهواتف، بينما يكتب الآخرون التاريخ باسم الله.. .وبدمنا؟

محمد سعد عبد اللطيف

كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية

مقالات مشابهة

  • جيش الاحتلال: الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين على دفعتين الأولى تبدأ الثامنة صباحا بالتوقيت المحلي
  • المهرة.. حملة أمنية تضبط 26 مهرباً وتُرحّل أكثر من 400 مهاجر غير شرعي
  • مسلسل "لينك".. مواعيد وقنوات عرض الحلقة الثانية
  • حملة أمنية مفاجئة تعيد الانضباط لشوارع منطقة المعادى.. فيديو وصور
  • ‏لحج.. حملة أمنية مشتركة تضبط طنًّا من المواد المخدرة
  • حملة أمنية مفاجئة تعيد الانضباط لشوارع منطقة المعادى.. صور
  • ضبط مسجل خطر بحوزته بنادق آلية وذخيرة فى حملة أمنية بقنا
  • تشديدات أمنية قبل بدء ثاني جلسات محاكمة قاتلة زوجها وأطفاله الستة في المنيا «فيديو»
  • من رمزية الحرب إلى مقاهي التفاهة
  • الأجهزة الأمنية في قطاع غزة تبدأ حملة أمنية واسعة النطاق