الجديد برس| وسط دمار شامل وانهيار كامل للنظام الغذائي في قطاع غزة، تتحول نقاط توزيع المساعدات الإنسانية إلى مصائد موت للفلسطينيين، حيث يجد المدنيون أنفسهم بين خيارين: الجوع أو الرصاص. وفي تقرير مفصل نشرته صحيفة الإندبندنت البريطانية، كشفت الصحيفة عن أن ما يفترض أن يكون طوق نجاة لأهالي القطاع المحاصرين تحول إلى أداة قتل جماعي، وسط صمت دولي مريب وتواطؤ أمريكي واضح.
التقرير افتتح بسرد مأساة إياد أبو درابي، وهو أب لستة أطفال، فقد ابنه موسى (25 عامًا) عندما غادر منزله في جنوب غزة بحثًا عن الدقيق، فعاد إليه في نعش. يقول الأب المفجوع: “ذهب دون علمي بسبب الجوع الشديد. لكن هذه ليست مساعدة، بل فرصة لمزيد من القتل”. موسى كان يحاول الوصول إلى نقطة توزيع غذاء تشرف عليها مؤسسة أمريكية مثيرة للجدل تُدعى “صندوق غزة الإنساني” (GHF)، والتي تدعمها إسرائيل وتديرها شركات أمنية أمريكية خاصة بالتعاون مع الجيش الإسرائيلي. وبدلاً من أن توفر هذه المواقع الإغاثة للفلسطينيين، باتت تُعرف بين السكان بـ”مناطق الموت الأمريكية”.
أرقام مفزعة: 400 شهيد وآلاف الجرحى بحسب وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، فقد استشهد ما لا يقل عن 400 مدني فلسطيني وأصيب أكثر من 3000 آخرين منذ بداية مايو، خلال محاولتهم الوصول إلى مراكز توزيع المساعدات التي تُنصب في
مناطق مكشوفة تحت رقابة عسكرية مشددة. وتُظهر مقاطع فيديو مسرّبة من بعض المواقع مشاهد مروعة لمواطنين يركضون مذعورين تحت نيران القناصة، يسقط بعضهم أرضاً والآخرون يواصلون الركض حاملين أكياساً صغيرة من الطحين أو السكر، وكأنهم في حقل إعدام جماعي لا في طابور إغاثة.
دعم أمريكي مشبوه ما يزيد فداحة الوضع، بحسب التقرير، هو أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا تكتفي بغض الطرف عن هذه الجرائم، بل تدرس تقديم 500 مليون دولار كمخصصات مالية إضافية لصندوق GHF، في ما اعتبرته الصحيفة تواطؤاً مباشراً في استخدام المساعدات كأداة حرب. ويقول مسؤولون أمريكيون سابقون إن هذه السياسة تعتمد على استخدام الإغاثة كوسيلة لإعادة تشكيل الجغرافيا السكانية في غزة، عبر إجبار السكان على التوجه جنوباً، بعيداً عن الشمال الذي تدمر بالكامل خلال العدوان الإسرائيلي المستمر.
توزيع “إنساني” بتكلفة إنسانية باهظة التقرير يؤكد أن نقاط التوزيع غير مؤهلة إنسانياً ولا تتوفر فيها أي معايير سلامة، بل تبدو مصممة لاستدراج الحشود نحو مناطق مفتوحة يسهل استهدافها بالقنص أو القصف. ويقول جيريمي كونينديك، المسؤول السابق في إدارة أوباما: “عندما تدفع المدنيين الجياع إلى التجمع في مناطق مفتوحة قريبة من مواقع عسكرية، فإنك تصنع مجازر. وهذا بالضبط ما يحدث الآن في غزة”. فيما وصف أحد الدبلوماسيين الأوروبيين البارزين، رفض الكشف عن اسمه، ما يجري بأنه “أكبر عملية استخدام سياسي للمساعدات في صراع مسلح منذ حرب البلقان”.
شهادات دامية تنقل الصحيفة شهادات مباشرة من داخل القطاع، ترسم صورة لجحيم حقيقي يعيش فيه المدنيون. تقول سلوى الدغمة من خان يونس إن شقيقها خالد، وهو أب لخمسة أطفال، قُتل برصاصة في الرأس وهو في طابور للحصول على كيس دقيق. وتضيف “أُصيب في رأسه واستُشهد على الفور. هذا ليس توزيع مساعدات، بل فخ قتل جماعي”. أما رندا يوسف من رفح، فتروي كيف فقدت ابن عمها محمد أثناء انتظاره حصته من الطعام قبل أيام من زفافه. “كان ينتظر كيس أرز، فعاد محمولاً على الأكتاف”، تقول بغصة.
الإغاثة كأداة تهجير مع الحصار المشدد، وانقطاع الإمدادات الغذائية، وصل سعر كيلو السكر إلى 70 دولاراً، بحسب التقرير. فيما أصبحت أبسط المواد كالطحين والأرز حكرًا على من يستطيع المخاطرة بحياته في طوابير الموت. وتشير الإندبندنت إلى أن هذا الوضع الكارثي يُنذر بمجاعة جماعية وشيكة، خصوصاً في ظل انهيار النظام الصحي، وتدمير البنية التحتية، وغياب الإرادة الدولية للضغط على إسرائيل لوقف المجازر، أو فتح ممرات إنسانية آمنة. تحذيرات الخبراء، بحسب الصحيفة، تتجاوز البُعد الإنساني إلى ما هو أعمق سياسيًا، إذ يرى كثيرون أن توزيع المساعدات في مناطق محددة جنوب القطاع يُستخدم كوسيلة لإعادة ترسيم خريطة سكانية جديدة في غزة، عبر التهجير القسري المبطن. وهو ما يُعيد للأذهان نكبة عام 1948، ولكن بأدوات “إنسانية” مزيفة. وتقول هيذر مكفيرسون، مديرة منظمة “مراقبة النزاعات الإنسانية”: “تحولت المساعدات إلى آلية قتل، وإلى وسيلة تلاعب ديموغرافي. هذه كارثة مزدوجة: أخلاقياً وإنسانياً”.
دماء تسيل تحت غطاء إنساني تختم الصحيفة تقريرها بتحذير شديد اللهجة من أن الجرائم المرتكبة في مراكز توزيع المساعدات ترقى إلى جرائم حرب مكتملة الأركان. ومع استمرار تجاهل المجتمع الدولي، وصمت الأمم المتحدة، ودعم واشنطن، فإن غزة تُذبح تحت راية الإغاثة. “لقمة العيش أصبحت مشبعة بالدماء”، تقول إحدى الأمهات الثكالى في غزة، مضيفة: “يطلبون منا أن نعيش على فتاتهم، ثم يقتلوننا ونحن نحاول الحصول عليه. لم يبق شيء من الإنسانية”. وبينما تتواصل الإعلانات عن “مبادرات إنسانية” جديدة، يظل الواقع في غزة: طوابير على الموت، وأكياس طحين مغموسة بالدم. المصدر: وكالة سند.
المصدر: الجديد برس
كلمات دلالية:
توزیع المساعدات
فی غزة
إقرأ أيضاً:
السلاح النووي التكتيكي.. وسيلة ضغط أم سباق نحو كارثة
ذكرت صحيفة الجارديان أن مسؤولين دفاعيين أمريكيين تلقوا إفادة بأن استخدام القنابل التقليدية ضد منشأة تخصيب اليورانيوم الإيرانية تحت الأرض في فوردو لن يكون كافيا لتدميرها بالكامل، وأن تدميرها يتطلب هجمات أولية بالقنابل التقليدية ثم إسقاط سلاح نووي تكتيكي من قاذفة من طراز بي-2.
الجدير بالذكر أن أصغر سلاح نووي تكتيكي تصل قوته إلى 1 كيلو طن (ما يعادل قوة انفجار مليون كيلو من مادة ال تي إن تي)، و قد يصل حجم أكبر قنبلة نووية تكتيكيو إلى 100 كيلو طن، علما بأن قوة القنبلة التي أطلقتها الولايات المتحدة على هيروشيما تعادل15 كيلو طن، و على الرغم من القوة التدميرية و مساحة الغبار الذري التي تسببها القنابل النووية التكتيكية إلا أنها تعد محدودة القدرة إذا ما قورنت بالقنابل النووية الاستراتيجية التي تصل قوتها التدميرية إلى ألف كيلو طن.
و بحسب مراقبين، فإن ما بين سطور التحذير الروسي لأمريكا من استخدام قنابل تكتيكية ضد إيران، يشير إلى التهديد المبطن باستخدام روسيا لهذه القنابل ضد أوكرانيا. خاصة و إن الرئيس بوتين كان قد أعلن في سبتمبر 2022 عن استعداده لاستخدام السلاح النووي التكتيكي ضد أوكرانيا دفاعا عن الأراضي الروسية و الأمن القومي الروسي، مما دفع الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن إلى تحذيره و الإشارة إلى العواقب الوخيمة التي يمكن أن تحدث في حال اللجوء إلى مثل هذا النوع من الأسلحة.
يذكر أن المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، صرح لوكالة تاس أن التقارير الإعلامية حول احتمال استخدام الولايات المتحدة للأسلحة النووية التكتيكية ضد إيران ليست سوى تكهنات، في حين أن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تؤدي إلى عواقب كارثية.