المفتي يزور جامع الجزائر الكبير..ويؤكد: الدين دعوة لاتباع الحق على بصيرة
تاريخ النشر: 21st, June 2025 GMT
زار د. نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، جامع الجزائر الكبير، وذلك في إطار مشاركته في مؤتمر "التعارف الإنساني وأثره في ترسيخ العلاقات وتحقيق التعايش" ، الذي ينظمه المجلس الإسلامي الأعلى بالجمهورية الجزائرية، مشيدًا بما يتميز به هذا الصرح الإسلامي الكبير من عظمة معمارية، ورمزية حضارية، تُجسد رسالة الإسلام في الجمع بين الإيمان والعمران، وتجعل من الجامع منارةً دينية وعلمية تجمع بين بهاء العمارة وجلال المكان وقدسيته.
وأكَّد مفتي الجمهورية، خلال كلمته التي ألقاها في الجامع الكبير بالجزائر ، أن القرآن الكريم لم يقتصر في خطابه على تزكية النفس وتهذيب السلوك فحسب، بل صاغ منظومة متكاملة لبناء الإنسان بناءً متكاملًا في فكره ووعيه ومسؤوليته، على أساس من الاستقلال العقلي والتوازن السلوكي؛ فقد نهى الله تعالى عن التبعية والانقياد الأعمى، وانتقد التقليد الموروث الذي يعطل وظيفة العقل، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾، ودعا عباده إلى التفكر والتأمل قبل التصديق والاتباع، لا بعده، مبيِّنًا أن اتباع الحق بعد العلم به شرطٌ لفهم الهداية، وأن استعمال العقل واجبٌ في التبصر في الأمر، والنظر في عواقب القول والعمل، بعيدًا عن الانقياد أو الذوبان في الآخرين، وقد رفع الله عز وجل من شأن العقل، وجعل إعماله مناطًا للتكليف، فجاءت آيات كثيرة بصيغ متعددة كقوله ﴿أفلا تعقلون﴾، ﴿أفلا تتفكرون﴾، ﴿أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها﴾ مشيرًا إلى أن هذا الحضور المتكرر للعقل في سياق التنزيل يدل على أن الدين في جوهره وأساسه دعوة إلى الفهم والتمييز، واتباع الحق على هدىً و بصيرة، لا على تبعية وتقليد.
وأوضح مفتي الجمهورية، أن مبدأ التوازن والاعتدال يُعدّ من الأسس التي أرساها القرآن الكريم في بناء الإنسان، فلقد جاء بمنهج شامل يُرسي دعائم التوسط في الفكر، والاعتدال في السلوك، والتوازن في العلاقة بين مطالب الروح واستحقاقات الجسد، بين الحقوق الفردية والواجبات المجتمعية، على نحو يُنتج إنسانًا سويًّا في نظرته، متزنًا في مواقفه، رشيدًا في قراراته، حيث وضع تصورًا دقيقًا للوسطية، فقال سبحانه ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾.
وأشار إلى أن هذا المفهوم يتجاوز المعنى المكاني أو الكمي، ليعبّر عن خصيصة منهجية تقوم على التوازن بين المتطلبات المتعددة للإنسان، دون إلغاء أو طغيان، فالقرآن يهذب الغرائز ولا يعطلها، ويحث على الرحمة دون تفريط في الحق، ويصوغ شخصيةً تميز بين الحزم واللين، وتفهم حدود القوة والرفق، ومن هنا تجلت الوسطية في الخطاب القرآني كأحد أركان البناء الإنساني القويم، إذ تُعدّ ضمانة لسلامة الفكر، واستقامة السلوك، وتحقيق التوازن في المواقف، بعيدًا عن مظاهر الغلو التي تشوه الدين، أو أنماط الانفلات التي تفسد القيم، وهو ما يجعل من المنهج القرآني أساسًا متكاملًا لإعداد الإنسان المعتدل الذي يعقل عن الله، ويفهم عن واقعه، ويسلك سبيل الرشد في القول والعمل.
رافق المفتي أثناء الزيارة سعادة السفير مختار جميل، سفير مصر لدى الجزائر، وفضيلة الدكتور، مبروك زيد الخير، رئيس المجلس الإسلامي الأعلى بالجزائر، ولفيف من السادة المسؤولين وكبار علماء الجزائر.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: مفتي الجمهورية جامع الجزائر الكبير بناء الإنسان مفتی الجمهوریة بناء الإنسان
إقرأ أيضاً:
هل يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي بديلاً عن المفتي؟ نظير عياد يجيب
قال الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية، إنه على الرغم من التطور المذهل في قدرات الذكاء الاصطناعي، فأنا لا أرى أنه يمكن أن يحلَّ محلَّ الإنسان عمومًا، ولا محلَّ المفتي خصوصًا.
وأضاف مفتي الجمهورية، في حوار لصدى البلد، أن الإفتاء عملية بشريَّة بامتياز تتطلب وعيًا أخلاقيًا وفهمًا عميقًا للسياق الإنساني.
وأشار إلى أن المفتي البشري يمتلك ملكةً اجتهادية راسخة، ويفهم مقاصد الشريعة الغرَّاء، ويربط النص الشرعي بواقع السائل وظروفه بدقة. هذه الملكة الفقهية وروح المقاصد أمور يفتقدها الذكاء الاصطناعي مهما تقدَّم؛ فهو لا يستطيع استيعاب كافة أبعاد المسألة الإنسانية ولا إدراك اختلاف الأحوال بين الناس.
وتابع: لقد أكَّدتُ مرارًا أنَّ الذكاء الاصطناعي يمكنه أن يُمدَّ المفتي بالمعلومات ويحلل المعطيات، لكنّه يعجز عن إصدار حكم شرعي مناسب باستقلالية، فالاعتماد الكليّ على الآلة قد يؤدي إلى أجوبة جامدة تفتقر للبعد الإنساني والرحمة.
كما تابع: ومن ثَمَّ، شعار مؤتمرنا الدولي القادم «صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي» جاء ليؤكد هذه الحقيقة: فالمفتي الرشيد هو الإنسان المؤهَّل الذي يُحسن استخدام أدوات العصر، لكنَّه يبقى صاحب القرار الأخير والحكم على مخرجات التقنية.
وأكد مفتي الجمهورية، أنه سيظل العنصر البشري متقدمًا بخطوة في كل مجال يحتاج وعياً قيمياً وإنسانيًا؛ فالذكاء الاصطناعي مهما برع في سرعة المعالجة وتحليل البيانات هو مجرد أداة صنعها الإنسان، يعمل وفق ما تغذيه به العقول من معلومات وتوجيهات. لذلك لا يمكنه أن يُبدّل دور المفتي الذي جعله الشرع مرجعًا للناس في دينهم لقوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إن كُنتُم لا تَعلَمونَ﴾.