◄ قيس اليوسف يعقد لقاءات مرتقبة مع مسؤولين جزائريين

◄ زيارات لعدد من المنشآت الصناعية والاستثمارية في الجزائر

 

 

مسقط- العُمانية

تبدأ سلطنة عُمان غدًا الإثنين مُشاركتها كضيف شرف في النسخة السادسة والخمسين من معرض الجزائر الدولي؛ بدعوة من الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، ويُقام المعرض في قصر المعارض "الصنوبر البحري" ويستمر عدة أيام.

ويترأس وفد سلطنة عُمان المشارك في المعرض معالي قيس بن محمد اليوسف وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، ويضم الوفد كلًّا من: سعادة فيصل بن عبد الله الرواس رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عُمان، والمهندس داود بن سالم الهدّابي الرئيس التنفيذي للمؤسسة العامة للمناطق الصناعية "مدائن"، وعددًا من أعضاء مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عُمان ورجال الأعمال وممثلين لعدد من الجهات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص.

وتأتي مشاركة سلطنة عُمان تأكيدًا على متانة العلاقات الأخوية والاقتصادية بين سلطنة عُمان والجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، وامتدادًا للزيارة السامية التي قام بها حضرةُ صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- لأخيه فخامة الرئيس عبد المجيد تبون رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية في مايو الماضي، والتي أسّست لمرحلة جديدة من التعاون بين البلدين الشقيقين في شتى المجالات.

ويضم جناح سلطنة عُمان في المعرض أكثر من 60 شركة ومؤسسة من مختلف القطاعات الصناعية والتجارية والخدمية، من بينها شركات متخصصة في الصناعات الدوائية ووسائل النقل والتحويلات الكهربائية والقطاعات العقارية والسمكية والسياحية والمواد الغذائية والأعمال الحرفية وعدد من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

وعلى هامش المشاركة، سيُعقد منتدى اقتصادي عُماني جزائري يهدف إلى التعريف بالفرص الاستثمارية المتاحة في سلطنة عُمان في القطاعات اللوجستية والصناعات التحويلية والتطوير العمراني، إضافة إلى المزايا التنافسية التي توفرها بيئتها الاقتصادية بما في ذلك البنية الأساسية المتطورة والحوافز الجاذبة والتشريعات المحفزة للأعمال.

ومن المقرر أن يلتقي معالي وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار خلال هذه المشاركة بعدد من المسؤولين الجزائريين، وسيقوم بزيارة عدد من المنشآت الصناعية والاستثمارية في الجزائر؛ لتعزيز علاقات التعاون الاقتصادي والاستثماري بين البلدين الشقيقين وبحث مجالات الشراكات التجارية بين رجال الأعمال العُمانيين ونظرائهم الجزائريين.

وقال سعادة فيصل بن عبد الله الرواس رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عُمان: إن مشاركة سلطنة عُمان في النسخة الـ 56 من معرض الجزائر الدولي تمثّل فرصة مهمة لتعزيز حضورها الاقتصادي الخارجي، وتعكس عمق العلاقات الأخوية والاقتصادية التي تجمع بين سلطنة عُمان والجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، كما تجسّد الدور المتنامي للقطاع الخاص العُماني في المحافل الاقتصادية الدولية، وتسهم في فتح آفاق أوسع للتبادل التجاري والاستثماري بين الجانبين. وأكد سعادته- في تصريح لوكالة الأنباء العُمانية- أن الغرفة تحرص على المشاركة الفاعلة في المعارض الدولية، بهدف فتح آفاق جديدة أمام القطاع الخاص لبناء شراكات مستدامة في الأسواق الخارجية، بالإضافة إلى الترويج للمنتجات العُمانية، مضيفًا سعادته أن المشاركة ستسهم في إبراز تنافسية المنتجات العُمانية، وتعزيز ثقة المستثمرين والشركاء الدوليين في الكفاءات الوطنية وقدرة المؤسسات العُمانية على التوسع والنمو، كما تتيح الفرصة للتعرف على التجارب الناجحة في السوق الجزائري واستكشاف فرص التعاون في القطاعات الاقتصادية الحيوية.

من جانبه، أوضح المهندس داود بن سالم الهدّابي الرئيس التنفيذي للمؤسسة العامة للمناطق الصناعية "مدائن" أن هذه المشاركة تهدف إلى استكشاف فرص التبادل التجاري والاستثماري بين البلدين الشقيقين، وبحث إمكانات الشراكات والتصدير إلى السوق الجزائري والأسواق الإقليمية والدولية.

وقال الهدابي- في تصريح لوكالة الأنباء العُمانية- إن مشاركة سلطنة عُمان في هذا المعرض تسهم في تعزيز حضورها التجاري والاستثماري على الساحة الدولية، وفتح آفاق جديدة أمام القطاع الخاص العُماني والجزائري لبناء شراكات مستدامة تدعم جهود التنويع الاقتصادي والتكامل الإقليمي، لافتًا إلى أن جناح سلطنة عُمان في المعرض يشهد مشاركة متنوعة من الشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تعمل في مجال الأدوية والتعدين واللوجستيات والبلاستيك والعطور والمنظفات والأغذية وقطاع السيارات والحافلات والقطاعات الزراعية والسمكية والسياحية والعقارية والأعمال الحرفية لتعكس التنوع الاقتصادي لسلطنة عُمان؛ ما يتيح منصة مباشرة لتعزيز التواصل بين الشركات العُمانية ونظيراتها الجزائرية، واستكشاف فرص الشراكة والتكامل في أسواق البلدين والأسواق الإقليمية والدولية.

يُشار إلى أن معرض الجزائر الدولي يعد من أبرز الفعاليات الاقتصادية التي تستقطب آلاف الزوار والمشاركين من مختلف دول العالم.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الهوية المسلوبة.. كيف استبدلت فرنسا الجنسية الجزائرية لاستئصال اللغة والانتماء؟

في لحظةٍ تشهد فيها العلاقات الجزائرية الفرنسية تصعيدًا غير مسبوق منذ الاستقلال، تعود إلى الواجهة قضايا استعمارية معلّقة لم تُحسم لا سياسيًا ولا أخلاقيًا، وفي مقدمتها قضية الهوية الجزائرية المستهدَفة عبر قرن وثلث من الاحتلال الاستيطاني. ويأتي هذا المقال مساهمةً علميةً وتوثيقيةً لفتح واحد من أكثر الملفات حساسية في الذاكرة الجماعية الجزائرية: سياسة الاستئصال الثقافي بعد فرض التجنيس القسري، كأحد أخطر أدوات الاستعمار الفرنسي لاستبدال الشخصية الوطنية الجزائرية، وتذويبها في النموذج الكولونيالي الفرنسي.

هذا العمل الذي يقدّمه الدكتور أحمد بن نعمان خصيصًا لقراء "عربي21" ليس تحليلًا أكاديميًا تقليديًا، بل هو شهادة مؤرخ ومواطن جزائري، قضى عقودًا في تتبع منهجية الاحتلال في ضرب البنية السيادية والرمزية للمجتمع الجزائري من الداخل. وليس صدفة أن فرنسا، في مشروعها الاستيطاني الفريد من نوعه في العالم العربي، لم تكتفِ باحتلال الأرض، بل عمدت إلى احتلال الإنسان: لغته، دينه، ذاكرته، وتاريخه.

إنها حرب وجود، لا حرب حدود. فقبل أن تطلق فرنسا رصاصتها الأولى عام 1830، كانت قد أعدّت أدواتها الثقافية والفكرية، وعندما رفعت علمها في الجزائر، لم ترفع معه فقط شعار الجمهورية، بل شرعت فورًا في تطبيق برنامج الفرنسة الشاملة: من نسف التعليم العربي الحر، إلى تغيير الحالة المدنية، وصولًا إلى غزو العقول وحقن النفوس بلقاح ثقافي غريب عنها. هذا البرنامج لم يكن معزولًا عن النظرية الاستعمارية الفرنسية القائمة على نفي الآخر وتحويله إلى "فرنسي قسري".

إن قضية اللغة العربية والتعليم في الجزائر قبل الاحتلال الفرنسي وبعده، والتي يتناولها هذا المقال بتوثيق دقيق، ليست تفصيلًا في كتاب التاريخ، بل هي جوهر الصراع الذي ما زال يلقي بظلاله على حاضر الجزائر، وعلى علاقتها المتوترة بفرنسا التي ترفض إلى اليوم الاعتراف الكامل بمسؤولياتها التاريخية عن محاولة اقتلاع الجزائر من محيطها العربي والإسلامي.

في هذا السياق المتفجر، لا بد أن يُستأنف النقاش حول الهوية، اللغة، والسيادة الثقافية، لا كمسائل تاريخية، بل كمفاتيح لفهم الصراع المستمر على الذاكرة والسيادة بين بلدٍ استعمر وآخر لم ينسَ، ولن ينسى.

خصائص الاحتلال الاستيطاني الفرنسي

من خصائص الاحتلال الاستطاني الفرنسي للجزائر ومميزاته التي انفرد بها عما سواه من الغزاة والمحتلين في المشرق والمغرب العربيين، وأن أوضح ما تتجلى فيه هذه الصفات والبصمات وتلك الطرق والأساليب المبتكرة والملتوية في الإبادة الثقافية والاستحواذ على المقدرات المادية والمعنوية للوطن والأمة.. هو ما طبقه في الجزائر التي تميز فيها عن غيره معها عكس غيرها من البلدان التي احتلها بعدها سنة 1830.

ومن أبرز تلك الأساليب المطبقة والمتبعة في الجزائر مع شعبها هو استهداف النفوس والعقول بعد الحقول، واستهداف جوهر الإنسان لتدميره من الداخل بتعويض أو تقويض بنيانه وتذويب كيانه وتغيير لسانه وغزو فؤاده، وحقنه بأمصال (ثقافية ولغوية ودينية من غير فصيلته الأصلية)، فكان التناقض، وكان الصراع وساد الرفض والامتناع عن تقبل الجسم الدخيل، وسقطت الضحايا في معركة الدفاع ضد التغريب والتذويب الشخصاني للكيان القرآني، في ثقافة وهوية الصليب العلماني والنصراني.. تلك هي القضية، وملحمة الجهاد والتضحية والدفاع عن جوهر الهوية محل الصراع بين الأصيل والدخيل في هذا الوطن  الرافض  لكل محاولة التقسيم والتغيير والتبديل لهويته من طرف المحتل الغاصب.

وقد ظل الشعب الموحد صامدا ضد عمليات المسخ والنسخ والفسخ والفرنسة والتنصير والتذويب والتغريب على امتداد السنوات الطوال من الاستبداد والاحتلال، والاستيئصال والاستحلال!!.

من أبرز تلك الأساليب المطبقة والمتبعة في الجزائر مع شعبها هو استهداف النفوس والعقول بعد الحقول، واستهداف جوهر الإنسان لتدميره من الداخل بتعويض أو تقويض بنيانه وتذويب كيانه وتغيير لسانه وغزو فؤاده، وحقنه بأمصال (ثقافية ولغوية ودينية من غير فصيلته الأصلية)،ولوضع القارئ في الصورة لمعرفة الحقيقة من البداية إلى النهاية والحكم بالتالي على خيانة الخائنين ومغالطة المغالطين عن بيئة ودراية، يتعين العودة قليلا إلى ما كان عليه الوضع السيادي والشخصاني قبل الاحتلال الصليبي العلماني" سنة 1830.

فمن المعلوم والثابت  أن انتشار اللغة العربية في الجزائر قد بدأ مع مطلع الفتح الاسلامي تدريجيا، وتعربت البلاد دون أن تجد اللغة العربية أي عائق يحول دون انتشارها كلغة دين وعلم وثقافة، كما لم يحدث خلال التاريخ الاسلامي للجزائر أن تقلص ظل اللغة العربية من أية منطقة دخلها اللسان العربي، وحتى عندما انضوت البلاد تحت خلافة الحكم العثماني في القرن السادس عشر، فإن الوضع الجديد لم يؤثر على اللغة العربية، حيث بقيت هي السائدة كلغة دين وعلم وثقافة، كما بقيت جميع المؤسسات التعليمية العربية قائمة، يدرس فيها الدين والعلوم باللغة العربية وحدها كما كان الحال منذ اندحار الاحتلال الروماني..

وعن عدم تحكم الدولة العثمانية في هذه المؤسسات التعليمية، يقول الدكتور أبو القاسم سعد الله: وتشهد كتب الرحالة الأجانب الذين زاروا الجزائر خلال العهد العثماني أن التعليم كان منتشرا، وأن كل جزائري تقريبا كان يعرف القراءة والكتابة، وقد كان التعليم حرا من سيطرة الدولة ومن سيطرة الحكام العثمانيين.. وبهذا نرى أن اللغة العربية بقيت منتشرة في الجزائر وبقيت المعاهد والمدارس والزوايا تزخر بالطلاب، والأساتذة الجزائريين. وقد استمر ازدهار تلك المؤسسات المنيرة حتى أطفأها ظلام الاحتلال الفرنسي سنة (1830) .

وعن وضعية التعليم في الجزائر والذي كان باللغة العربية وحدها قبل الاحتلال، كما قلنا يقول الدكتور صديق تاوتي: "إن ما يعد من قبيل المسلم به لدى العديد من المؤرخين هو أن جل الجزائريين كانوا يعرفون القراءة والكتابة. فميشال هابارت (Michel (HABART) يقول بوجود (100) مدرسة في مدينة الجزائر وحدها ، و 85 مدرسة في قسنطينة و 50 مدرسة في تلمسان، كما يذكر وجود عشر جامعات عبر أرجاء التراب الوطني عام 1830) .

ويؤكد هذه الحقيقة أيضا مصطفى الأشرف بقوله: "قد صرح أحد الجنرالات الفرنسيين يوم 1834/01/20، أمام غرفة النواب بأن كل العرب بالتقريب يعرفون القراءة والكتابة".
 .
كما تؤكدها المؤرخة الفرنسية  الدكتورة ايفون توران (Y.TURIN)  فى نقلها عن العديد من ضباط الجيش الفرنسي بأن التعليم العام كان منتشرا على نحو واسع، وبأن معظم القبائل في الريف والأحياء في المدن، كان لها معلموها قبل الاحتلال الفرنسي، وقدم أحد هؤلاء الضباط ويدعى لا موريسيار (LAMORICIERE)  في تقرير له بعض المعلومات عن الوضعية التعليمية السابقة للغزو الفرنسي حيث يقول: "في مقاطعة تلمسان وحدها، كان يوجد بالمدينة ثلاثة معاهد، وخمسون مدرسة لأثنى عشر أو أربعة عشر ألف نسمة. وفي الريف كانت توجد ثلاثون زاوية متفاوتة من حيث الشهرة لحوالي مائة وخمسة وعشرين ألف نسمة وكان بكل دوار مدرسة، وكان يتلقى ألفا (2000) تلميذ تعليما ثانويا وستمائة (600) تلميذ يواصلون تعليمهم العالي. وكانت كل مؤسسة من هذه المؤسسات تمتلك مكتبتها الخاصة".

كما تضيف المورخة في مكان آخر شهادة أدلى بها كاريت (Carette) (والي بجاية) حيث سرد الوقائع التالية: طلب أهالي بجاية مقابلتي وعند استقبالهم لم يشتكوا لي، لا من مصادرة ممتلكاتهم ولا من بؤسهم الشديد، بل قالوا لي: أصلحوا لنا مسجدنا وامنحونا مدرسة لائقة، وادفعوا أي راتب لمعلمها حيث يتعذر علينا دفعه، هذا كل ما نطلبه منكم. لقد تأثرت أيما تأثر.ب. وجود مثل هذه التضحية والايثال الي جانب عوز وفاقة شديدين بمثل هذه الحدة و عدتهم بان اتوسط لهم بقوة نظرا مشروعية تلك الرغبات".

وهذا الاعتراف من المحتل ذاته يدل بكل تأكيد على استمرار تمسك الجزائريين في كل أنحاء الوطن بطلب العلم باللغة العربية الذي يعتبرونه فرض عين في ثقافتهم العربية الإسلامية التي تقضي بأن "طلب العلم فريضة على كل مسلم  ذكر أو أنثى، هذه الثقافة التي تشربوها خلفا عن سلف منذ اعتناقهم الجماعي للإسلام في القرن السابع الميلادي وتعربهم تبعا لذلك، باستبدالهم لغة القرآن الكريم بلغة اللاتين الطليان والبيزنطيين المحتلين.. وهذا ما يؤكده و. مارسي ( W. Marçais ) حيث يقول:  " في القرن السابع للميلاد انفصل البرير عن الغرب ليتصلوا بالشرق بصفة كاملة وبلا رجعة، ويبدو أن ذلك تم دون نزاع داخلي أو أزمة ضمير. وقد استطاع الحكام الجدد ، العرب فيما بعد، أن يتخلوا عن ممارسة الحكم عليه، بعدما تمكنوا من تعريبه تعريبا كاملا بحيث يمكننا اليوم ان نعتبر بلاد المغرب في مجموعه جزءا أساسيا ومتأصلا في العروبة.." .

إن هذه الشهادات القليلة كافية للدلالة على أن التعليم كان منتشرا بشكل واسع وباللغة العربية وحدها، وبأن الجزائر قبل 1830 لم تشك من أي نوع من التأخر في مجال تربية أبنائها وتعليمهم بلغتهم الوطنية كما هو شأن جميع الدول ذات السيادة في ذلك الوقت!

إذا علمنا أن التعليم كله كان باللغة العربية، كما هو ثابت، عرفنا مدى انتشار هذه اللغة في الجزائر قبيل الاحتلال الفرنسي كلغة وطنية ورسمية وتدل على ذلك المعاهدات التي أبرمت بين الجزائريين وقادة الاحتلال الفرنسي حيث كتبت كلها باللغتين العربية والفرنسية (وليس بالتركية).ويؤكد هذا المعنى المؤرخ الفرنسي بولارد (Poulard) حيث يقول: "كانت الجزائر فيما مضى تضم معاهد علمية عظيمة الشأن في الفلسفة والآداب والعلوم والطب وقواعد اللغة والقانون الاسلامي وعلم الفلك.. كل هذه العلوم كان يقوم بتدريسها أساتذة كبار من الجزائريين كما كانت هناك مدارس عديدة مخصصة لتعليم القضاء الشرعي والعلمي. وكان الملوك يختارون  مستشاريهم من صفوة المتعلمين من خريجي تلك المعاهد.. إلى أن يقول:  ولقد أحدث وجود الفرنسيين اضطرابا بالغا بين هؤلاء المفكرين والأدباء واضطر معظم العلماء والفقهاء الى ترك وظائفهم، كما شتت شمل التلاميذ الذين اضطروا الى السعي وراء العلم في السر بعد أن كانوا يتعلمونه في حرية كاملة".

وإذا علمنا أن التعليم كله كان باللغة العربية، كما هو ثابت، عرفنا مدى انتشار هذه اللغة في الجزائر قبيل الاحتلال الفرنسي كلغة وطنية ورسمية وتدل على ذلك المعاهدات التي أبرمت بين الجزائريين وقادة الاحتلال الفرنسي حيث كتبت كلها باللغتين العربية والفرنسية (وليس بالتركية). كما كانت العربية هي اللغة الرسمية المستعملة خلال حكم الأمير عبد القادر في المناطق التابعة لدولته التي استمرت حوالي 17 سنة بعد الاحتلال كما هو معلوم ، فضلا عن أن الأمير نفسه كان شاعرا وأديبا دون أن يتلقى أي تعليم خارج بلدته الصغيرة في ناحية معسكر ، وهذا يؤكد انتشار وازدهار اللغة العربية في الجزائر قبل الاحتلال الفرنسي الذي شن حربا شعواء على اللغة العربية بعد ذلك بكيفية قل نظيرها في كافة المستعمرات الأخرى في التاريخ المعاصر كما سنبين لاحقا، وقد فعلت ذلك بكيفية متوازية مع محاولة فرض لغتها القومية بمجرد تمكنها من بسط سيطرتها على بعض المناطق من البلاد ورفع علمها على مباني إدارتها.

وظلت فرنسا طوال احتلالها للجزائر تعمل بجد وتسخر كل إمكانياتها المادية والمعنوية من أجل جعل الجزائر قطعة لا تتجزأ من التراب الفرنسي أرضا ولغة وثقافة ودينا، وقد انتهج قادة الاحتلال لذلك سياسة الفرنسة وهي إحلال اللغة الفرنسية محل اللغة العربية في جميع مجالات الحياة حتى يصبح المجتمع الجزائري فرنسي اللسان والثقافة، وينقطع بذلك عن تاريخه، ويفقد مقومات شخصيته الوطنية والقومية تدريجيا، ويذوب في بوتقة الأمة الفرنسية على اعتبار أن اللغة هي أساس الهوية وروح القومية في كل شعب، ولا زوال لأي شعب في الدنيا إذا بقي متمسكا بلغته، كما لا بقاء له كشعب موحد الهوية والكيان إذا زالت لغته القومية من حياته اليومية. فاللغة هي الهوية واللغة هي الجنسية، كما تعتبر اللغة أيضا من أهم مظاهر السيادة في كل دولة عصرية.

ظلت فرنسا طوال احتلالها للجزائر تعمل بجد وتسخر كل إمكانياتها المادية والمعنوية من أجل جعل الجزائر قطعة لا تتجزأ من التراب الفرنسي أرضا ولغة وثقافة ودينا، وقد انتهج قادة الاحتلال لذلك سياسة الفرنسة وهي إحلال اللغة الفرنسية محل اللغة العربية في جميع مجالات الحياة حتى يصبح المجتمع الجزائري فرنسي اللسان والثقافة، وينقطع بذلك عن تاريخه، ويفقد مقومات شخصيته الوطنية والقومية تدريجيا، ويذوب في بوتقة الأمة الفرنسيةولذلك جاء في إحدى التعليمات الصادرة إلى حاكم الجزائر غداة الاحتلال "إن إيالة الجزائر لن تصبح حقيقة (مملكة فرنسية) إلا عندما تصبح لغتنا هناك قومية والعمل الذي يترتب علينا انجازه هو السعي وراء نشر اللغة الفرنسية بين الأهالي الى أن تقوم مقام اللغة العربية الدارجة بينهم الآن"، وهكذا شرعت الادراة الاستعمارية فيتطبيق سياسة الفرنسة في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية مبتدئة بمجال التعليم.

وعن فرنسة التعليم يقول المؤرخ الجزائري أحمد توفيق المدني: "كان التعليم أيام الحكومة الفرنسية استعماريا بحتا لا يعترف باللغة العربية ولا يقيم لوجودها أي حساب.!!. فاللغة الفرنسية هي وحدها لغة التدريس في جميع مراحل التعليم. فقد كان التعليم كله باللغة الفرنسية ـ إذن ـ بقصد تنشئة أفراد المجتمع الجزائري على اللغة الفرنسية وحدها، أملاً في أن يتأثروا بها ويندمجوا في ثقافتها مثل الفرنسيين في فرنسا، ولذلك لم تكتف الادراة الاستعمارية بفرض اللغة الفرنسية وحدها في التعليم الرسمي في الجزائر فحسب، بل كانت تطلب من الأعيان الجزائريين أن يرسلوا أبناءهم إلى فرنسا ليتعلموا اللغة الفرنسية، وعن ذلك يقول المؤرخ الجزائري حمدان بن عثمان خوجة الذي عاصر كل أحداث الغزو الفرنسي: "... وبهذه المناسبة جمع السيد (كادي دوفو) المجلس البلدي، وكنت عضوا فيه .. لتهنئة الجنرال (كلوزيل) بالعودة سالما، وعلى أثر الزيارة أخبرنا بالتقارير التي وصلته، وقال بأنه عملا على راحته وللتدليل على الثقة للحكومة الفرنسية، يجب أن نجمع على الأقل (50 طفلا) من أبناء الأعيان يبعثون الى فرنسا ليتعلموا اللغة".


ثم يضيف: "أيد شيخ البلدية هذا الطلب واقترح أن يشرع في تنفيذه وقال: إن رفض إرسال الأطفال إلى فرنسا يعتبر خروجا عن طاعة الفرنسيين، والذي لا يريد الامتثال إلى هذا الإجراء يجب أن يخرج من مدينة الجزائر ".

وكان الهدف من المطالبة بارسال الأطفال إلى فرنسا هو الإمعان في تكوين نخبة من الجزائريين الذين يتعلمون باللغة الفرنسية حسب  خطط مرسومة، بعيدين عن بيئتهم اللغوية والثقافية وأعين ذويهم.. فيعودون الى أهلهم مفرنسين فرنسة كاملة فيعملون على نشر اللغة الفرنسية وترسيخ أقدام الاستعمار في البلاد ووضع النواة الأولى لأجيال "الاستحلال" الفرنسي اللاحق بعد ذلك في الجزائر.

وزيادة على جعل التعليم باللغة الفرنسية ومحاولة تكوين النخبة المفرنسة من الجزائريين الذين يساعدون على نشر اللغة الفرنسية بين أهليهم، كما قلنا.. فُرضت اللغة الفرنسية في الإدراة والمحيط الاجتماعي وأجهزة الاعلام فرضا بكل وسائل الترغيب والترهيب، فأصبحت الفرنسية هي اللغة الرسمية في الادراة وفرضت على المدن والمؤسسات أسماء جديدة لقادة الاحتلال من أمثال (بيجو) و(كلوزيل) و(لافيجرى) ولأعلام الفكر والأدب الفرنسي من أمثال (ديكارت) و(فكتور هيجو) و (لامارتين).. وكانت سياسة الفرنسة تهدف من وراء ذلك كله إلى جعل البيئة الثقافية الجزائرية قطعة من البيئة الثقافية الفرنسية حتى يكون لفرنسة التعليم سند من فرنسة الإدارة والمحيط الاجتماعي، لأن فرنسة التعليم بدون فرنسة الإدارة والمحيط عديمة الجدوى، كما أن فرنسة المحيط والادراة بدون فرنسة التعليم أيضا لا تؤدي الغرض المطلوب من سياسة الفرنسة الكاملة للمجتمع الجزائري وهي الغاية القصوى التي كانت تهدف  الادارة الفرنسية  الي تحقيقها من وراء كل تلك المحاولات والإجراءات التعسفية لاستئصال مقومات الهوية  الوطنية  بعد تغيير  أوراق الجنسية من (جزائرية  مسلمة عربية) الى (مسلمة فرنسية)   في الحالة  المدنية والمناهج المدرسية  والخريطة الجغرافية  للجزائر التي كانت تمثل ثلاث ولايات إدارية (ترابا وشعبا) من  أرض الدولة الفرنسية!!؟!

مقالات مشابهة

  • “موتوريكس” يجمع أحدث الابتكارات في قطاع السيارات والذكاء الاصطناعي في سوريا
  • مجموعة نادرة.. اكتشاف معرض سيارات مهجور بداخله 20 سيارة جديدة
  • «الصيد والفروسية» يختار «جي آي سي» راعياً رسمياً للسيارات
  • الهوية المسلوبة.. كيف استبدلت فرنسا الجنسية الجزائرية لاستئصال اللغة والانتماء؟
  • قرار جزائري جديد.. استمرار توتر العلاقات الجزائرية الفرنسية
  • القومي للأشخاص ذوي الإعاقة ينظم معرضًا لمنتجاتهم في السويس
  • مكتبة الإسكندرية تفتتح الدورة الـ19 من معرض «أول مرة» لدعم المواهب الشابة
  • "صحار الدولي" الراعي الرسمي لـ"معرض تمكين وسمو"
  • انطلاق فعاليات معرض "تمكين وسمو" لدعم قطاع ريادة الأعمال في ظفار
  • "الزبير" تواصل دعم سلامة الطرق خلال معرض "التوعية المرورية"