جريدة الرؤية العمانية:
2025-08-09@05:36:17 GMT

التحول الرقمي.. قرار يصنع المصير

تاريخ النشر: 23rd, June 2025 GMT

التحول الرقمي.. قرار يصنع المصير

 

 

د. ذياب بن سالم العبري

ليست كل لحظة تمنح المؤسسات فرصةً للنجاة، ولا كل زمن يسمح بإعادة المحاولة. فبعض القرارات، حين تتأخر، لا تنتظرك النتائج؛ بل تسبقك العواقب.

في زمنٍ يُعاد فيه تشكيل المفاهيم، وتتسارع فيه الخطى نحو المستقبل، لم يعد البقاء للأقوى ولا للأكبر، بل للأذكى فهمًا، والأجرأ تحرّكًا. لم تعُد المؤسسات على خط انطلاق مشترك، بل على مفترق مصيري: إما أن تختار التحوّل الرقمي بوعي وجرأة، أو تتخلّف عن الركب دون أن تدري.

والتحوّل الرقمي لم يعد تحسينًا تقنيًا تفرضه الموجات، بل قرارًا مصيريًا يعكس نضج المؤسسة، ويكشف قدرتها الحقيقية على عبور المستقبل. وهو في جوهره، ليس مجرد إدخال أدوات رقمية على العمليات، بل تغييرٌ شامل في طريقة التفكير، ونمط تقديم الخدمات، وآلية اتخاذ القرار، بالاستفادة من التكنولوجيا الحديثة لتقديم قيمة أكبر للمستفيد، بكفاءة أعلى، ومرونة أشمل.

إنه ليس مشروعًا يُضاف إلى الخطط، بل عقليةٌ تتجسّد في كل إجراء، وإرادةٌ تواجه التعقيد بالشجاعة لا بالتردد.

كم من جهةٍ اقتنت أحدث الأنظمة، لكنها ظلت رهينة البيروقراطية؛ لأن طريقة التفكير لم تتغير، ولم تتجدد أدوات القرار فيها. فليست التقنية بذاتها من يصنع التحوّل، بل وعي المؤسسة بها، وجرأتها على توظيفها وتطويعها، وقيادتها بمنطق جديد وروح متجددة.

وهنا تتجلّى أهمية القيادة الواعية، القادرة لا على إدارة التغيير فحسب؛ بل على إشعاله. القائد الحقيقي لا ينتظر خارطة الطريق، بل يصنعها. يمنح الثقة، ويرسم الرؤية، ويفتح النوافذ أمام فرق العمل لتبدع وتتفوّق، بدل أن تنغلق خلف جدران اللوائح.

ومن قلب هذا المشهد المتحوّل، يبرز الذكاء الاصطناعي لا كترفٍ عصري؛ بل كأداة حيوية لإعادة تشكيل القرار المؤسسي. بقدرته على تحليل البيانات، ورصد الأنماط، وتوليد البدائل، يتحوّل إلى محرّك فاعل يعيد تعريف كفاءة الأداء، ويختصر الزمن، ويقلّص الهدر، ويمنح القرار عمقًا لم يكن متاحًا من قبل.

لم تعد المؤسسات في سباق على امتلاك الأدوات، بل في سباق على الذكاء في إدارتها، والقدرة على تسخيرها بمنطق استباقي. فما كان يُنجز في سنوات، بات يُختصر في أشهر. والسؤال: هل يليق بنا أن نُواصل السير بخوف، بينما العالم يركض بثقة نحو المستقبل؟

نحن بحاجة إلى نمط تفكير جديد، لا يرى في التحوّل الرقمي تهديدًا للاستقرار، بل فرصةً للتجديد. تفكير يُبنى على الشفافية والمعرفة، يُعلي من قيمة الموظف كشريك في الإنجاز، ويضع المواطن في قلب الأولويات، ويرى في التقنية مخرجًا ذكيًا لا عبئًا إداريًا.

السؤال لم يعد: هل نرغب في التحوّل الرقمي؟ بل: هل نمتلك الجرأة لنبدأ به فعلاً؟ هل نملك القادة الذين يُشعلون الفكرة، لا أولئك الذين يُطفئون جذوتها بالتردد؟ هل نحرّر التقنية من الأقفاص لنقود بها، لا أن نتذرع بها؟

القرار لم يعد خيارًا إداريًا مؤجلًا؛ بل أصبح اختبارًا حقيقيًا لوعي المؤسسة وشجاعتها. فنحن لا نعيش زمن الانتظار، بل زمن المُبادرة. ومن لا يملك الجرأة ليصنع قراره الآن، سيجد نفسه غدًا أسير قرارات الآخرين.

التحوّل الرقمي ليس مشروعًا من ضمن المشروعات؛ بل مستقبلٌ يُصنع الآن، ونافذة من ضوء لا تفتح مرتين. فإما أن ننهض إليه بخطى ثابتة، أو ننسحب من مشهد الغد بصمتٍ لا يسمعه أحد!

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

التحول الصامت في كهرباء العراق.. الطاقة الشمسية تقود انتفاضة الألواح

7 أغسطس، 2025

بغداد/المسلة: يسير العراق في مسار تناقضي يُشبه السير على حبل مشدود؛ فالدولة التي تقف على بحيرة نفط وتحتل موقعًا متقدمًا في منظمة “أوبك” تجد نفسها عاجزة عن تزويد مواطنيها بالكهرباء بصورة مستقرة، حيث تراجعت بنية الطاقة بفعل سوء الحوكمة، وتبخر الاستثمارات، وتراكم الإخفاقات الإدارية.

ويتفاقم هذا التناقض مع حلول كل صيف، إذ تتجاوز ذروة الطلب على الكهرباء ضعف القدرة الإنتاجية المتاحة، مما يدفع المواطنين للبحث عن حلول ذاتية؛ فبينما تتأرجح الشبكة الوطنية بين الأعطال والانقطاعات، تبدأ الشمس – الخصم الحارق – بالتحول إلى حليف محتمل عبر تقنيات الألواح الشمسية.

ويبدو أن الطاقة الشمسية لم تعد ترفًا بيئيًا أو خيارًا نخبويًا، بل ضرورة وجودية لشرائح واسعة من العراقيين. فالمزارع عبد الله العلي، الذي كان يدفع قرابة مليون دينار شهريًا لفواتير الكهرباء، استطاع تخفيضها إلى أقل من عُشر هذا الرقم بعد تركيب الألواح، مشيرًا إلى استقرار الخدمة ومردودها المجدي.

وفي المناطق الريفية، تنمو هذه التجربة كحل واقعي لتشغيل أنظمة الري وتلبية الاحتياجات اليومية، بعيدًا عن تعقيدات الشبكة الوطنية.

وتتحول الشمس إلى رأسمال متاح للجميع، لكن بثمن ابتدائي مرتفع. فمتوسط تكلفة النظام الشمسي يتراوح بين 5 و10 ملايين دينار، وهو مبلغ يفوق القدرة الشرائية للكثيرين، وإن كان يُعوَّض خلال ثلاث سنوات وفق حسابات المستخدمين. وهنا تظهر الحاجة إلى دعم مؤسسي، حيث بدأت الحكومة بتوفير قروض منخفضة الفائدة، في محاولة لدمج هذا التوجه في سياسات الطاقة المستدامة.

ويُلفت خبراء الطاقة إلى أهمية دمج هذه الأنظمة ضمن البنية الكهربائية الوطنية، إذ إن الاعتماد الكامل على أنظمة منفصلة قد يعمق أزمة “الجزُر الكهربائية” ويؤجل الحل الجذري. ومع ذلك، فإن هذه الخطوة تمثل فتحًا شعبيًا في مسار الاعتماد على الذات وتخفيف انبعاثات الكربون، وربما تشكل النواة الأولى لما يمكن أن يكون مستقبل الطاقة في العراق.

وقال المواطن علي العبدلي: “ما نحتاجه ليس فقط كهرباء باردة، بل دولة تدفئنا بثقة واستقرار… الطاقة الشمسية أعطتنا شيئًا من الكرامة التي سُلبت حين انقطعت الكهرباء عشرين عامًا”.

ورأى الخبير في السياسات البيئية سعد الخفاجي أن ما يحدث في العراق هو انتقال قسري نحو الطاقة المتجددة بسبب عجز النظام التقليدي، داعيًا إلى “تأميم الطاقة الشمسية” ضمن تخطيط وطني، كي لا تتحول إلى سوق فوضوي آخر يراكم الانقسام بين من يملك ومن لا يملك.

 

 

 

 

اطرح سؤالك على ChatGPT

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

مقالات مشابهة

  • عهد جديد يبدأ.. ChatGPT-5 مجاناً للجميع وسط منافسة شرسة من عمالقة التقنية
  • التحول الصامت في كهرباء العراق.. الطاقة الشمسية تقود انتفاضة الألواح
  • الإعفاء فقط لمن يصنع داخل أمريكا .. ترامب يفرض 100% رسومًا على رقائق التكنولوجيا
  • راشد السالمي يصنع درّاجة كهربائية بأيادٍ إماراتية
  • “شمس” تعزز التحول الرقمي لدعم رواد الأعمال
  • محافظ المركزي يبحث آليات تفعيل التحول الرقمي في البلديات
  • وفد من "جامعة التقنية" يشارك في زيارة خليجية إلى روسيا
  • جامعة التقنية تشارك في رحلة طلابية خليجية إلى روسيا
  • عقد ورشة عمل التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي بالتعاون مع شركة TITCO
  • جولة لطلبة "جامعة التقنية" في حرم الجامعة الروسية للعلوم الإنسانية