منذ أن بدأ الإنسان يفكر في دمار الأرض وقتل الأبرياء سعى جاهدا نحو إنتاج أنواع عديدة من الأسلحة التي تضمن له هذه النزعة الشيطانية في السيطرة والهيمنة على العالم؛ فطور أنواعا عدة من أدوات الموت والخراب والدمار على مدى عقود من الزمن.

استطاعت بعض الحكومات أن تخوض تجربة أسلحتها في أراضي الدول الأخرى، ونجحت في الإيقاع بملايين الضحايا.

ثم طورت نوعا جديدا وجربته مرة أخرى في أماكن أخرى، ومن تكرار هذه التجارب أصبح لديها ترسانة قوية من الأسلحة استطاعت أن تسوقها للدول الراغبة في حماية نفسها، أو دفع الضرر عنها.

ومضت العقود الزمنية في طريقها، والإنسان مستمر في إنتاج الأسلحة واختلاق الخلافات؛ من أجل بيع وفير من العتاد العسكري بأنواعه المختلفة، والمتحد في تصفية البشر، وهلاكهم ودمار أراضيهم.

ومع القرن الحادي والعشرين استطاع الخبراء والمطورون والعلماء في مجال التسليح أخذ زمام الأمور في الحروب الحديثة إلى منعطف آخر، والخروج بوجه أكثر قبحا من الماضي. فالتكنولوجيا الحديثة التي تستخدم اليوم أخرجت الحروب من عباءة الأمس، بل اتخذت أسلوبا مغايرا لما درجت عليه العادة في زمن البنادق والخنادق.

ولعل الأحداث الأخيرة خير شاهد على حجم التقنيات المستخدمة في إدارة الحرب والأجيال الحديثة منها، والأساليب المبتكرة في حسم بعض الأمور بقدرة فائقة لم يكن البعض يتوقع الوصول إليها بهذه السرعة المتناهية.

في الماضي كانت الحرب تحسم أمرها في طريقين: إما في ميادين القتال واستسلام أحد الأطراف المتنازعة، أو من خلال اللجوء إلى الهدنة وتوقف القتال بشروط الأقوى. أما اليوم فالحرب لها حسابات مختلفة وتقنيات حديثة وعلم يدرس في الأكاديميات العسكرية الأكثر شهرة حول العالم.

في الماضي كان الجنود هم من يدفعون الثمن باهظا في الميادين وساحات القتال، أما اليوم فالأبرياء من المدنيين هم أول ضحايا النزاعات المسلحة ما بين الأقطاب المتناحرة أو المتحاربة.

إن صفحة الماضي وإن طويت فإنها كانت هي الشرارة الأولى في نشوء عالم يقبع على صفيح ساخن، وصفحة الماضي هي التي مهدت كثيرا نحو تجويد نوعية الأسلحة ذات القدرات الفائقة على إزهاق الأرواح، وإيقاع أكبر قدر من الخسائر. أما إدارة الحروب الحالية فهي جزء من العلم والمعرفة التي تدخل فيها بعض المخططات العددية والعمليات الحسابية المعقدة التكتيكية التي يتفق عليها في مراكز القيادة والتحكم والعمليات.

لقد وفرت التقنيات القتالية الحديثة على صناع القرار سرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة والحاسمة سواء في إصدار الأوامر في التقدم أو الانسحاب أو في إطلاق النيران نحو الأهداف في الوقت المناسب.

لقد تنوعت الأسلحة وتطورت بشكل لافت للنظر؛ فقد دخلت على خط المواجهة نوعيات منتقاة من «الطائرات المسيرة» ذات الكفاءة القتالية العالية سواء في إصابة الأهداف أو حمل الأسلحة من الصواريخ والقنابل وغيرها. وتعددت استخدامات هذه الطائرات ما بين الرصد، وجمع المعلومات، والهجوم، والدخول في أماكن يصعب على العنصر البشري الدخول إليها.

أيضا منظومة الصواريخ شهدت تطورا عملاقا ولافتا للنظر على اختلاف سرعاتها، ودقة إصابتها للأهداف، وصعوبة اعتراضها بسهولة، فمنها ما هو قادر على قطع المسافات الطويلة في غضون دقائق معدودة، وإصابة الهدف بدقة، إضافة إلى الجيوش تستخدم حاليا أنواع من الطائرات الشبحية التي تعجز أجهزة الرصد عن تحديد أماكنها، ولديها قيمة فعلية في تحويل مسار المعارك على أرض الواقع.

إن بين صفحتي الأمس واليوم فوارق لا تعد ولا تحصى، ولكن مع كل هذه الإمكانيات يحدث الكثير من الأخطاء التي تودي بحياة الأبرياء في مناطق النزاع خاصة ما بين المدنيين. فبعض أجهزة التشويش تعمل على انحراف الصواريخ عن أهدافها، وبالتالي تسقط في أماكن مدنية مأهولة بالسكان فتوقع الضحايا بينهم.

إن تجارة الموت أصبحت رائجة في العالم؛ فسوق السلاح يشهد ارتفاعا كبيرا بين الدول خاصة أن الدول تزيد سنويا من ميزانيات التسليح خاصة مع احتدام المنافسة في تصنيف الجيوش عالميا وفق أسس محورية مهمة مثل امتلاكها للتكنولوجيا، والمهارة العالية، والعتاد المتطور وغيرها.

ومع كل هذا الزخم العالمي والاهتمام الدولي المتزايد بشراء الأسلحة المتطورة تقنيا، والمزودة بالتكنولوجيا الرقمية التي تساعد في ضرب الأهداف بسهولة؛ تسعى الجيوش إلى تأهيل مواردها البشرية بشكل يضمن لها الاستفادة من تلك الأسلحة التي تمتلكها سواء في الهجوم أو الردع العسكري.

وإذا كان الجنود لهم ميادينهم في ساحات القتال فإن هناك جيشا جرارا يقبع خلف شاشات الحواسيب المتطورة لا يقل أهمية عن الذين يخوضون معاركهم في السهول والجبال وأماكن الخطر؛ فهم جنود مجهولون، لكنهم يؤدون مهام قتالية بالغة في الأهمية في علم الحروب الإلكترونية.

لقد أصبحت الأسلحة الحديثة نقيضا للماضي كتلك التي كانت مستخدمة في «الحربين الأولى والثانية»، بل أصبحت أكثر شدة ودقة واحترافية في تحديد الأهداف، وإصابتها إصابة مباشرة في غضون وقت قصير.

الأمر الآخر والمهم أن الدول أصبحت تمتلك أجهزة استخباراتية عالية في الأداء وجمع المعلومات، وتقوم بمهام تساعد على إحداث اختراقات قاتلة في صفوف الخصوم. ولعل ثمة شواهد عديدة حدثت مؤخرا أذهلت العالم باحترافيتها، وسرعتها في التنفيذ الدقيق؛ وذلك بفضل تجنيد العملاء في جسد الأعداء.

ما يعنينا هنا أن العتاد العسكري الحالي وما تخبئه الدول من إمكانيات يفوق الخيال، فأسلحة الموت على اختلاف قوتها وأنواعها تتوزع ما بين «سلاح ناري ونووي، وكيميائي، وبيولوجي»، وغير ذلك من أسلحة الدمار الشامل.

يبقى أن نشير إلى أن العلوم العسكرية في العالم لها أسس وقواعد وأنظمة تحددها الإمكانيات المتاحة. والتسليح الدولي جزء من السعي للدفاع عن النفس أو للسيطرة على العالم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ما بین

إقرأ أيضاً:

رغم كونها الدولة الأكثر زيارة في العالم.. كيف نجت فرنسا من الاحتجاجات ضد السياحة التي عصفت بجيرانها؟

استقبلت فرنسا أكثر من 100 مليون شخص في عام 2024، لكن الاحتجاجات السياحية كانت قليلة ومتباعدة. اعلان

في اليونان، يرسم السكان المحليون رسومات الجرافيتي على الجدران. وفي إيطاليا والبرتغال وإسبانيا، لجأوا إلى استخدام مسدسات المياه والاحتجاجات الجماهيرية للتعبير عن غضبهم بسبب العدد الكبير من المهاجرين.

في حين بدأت المشاعر المعادية للسياحة تتصاعد في جميع أنحاء أوروبا، إلا أن دولة واحدة تتجلى بوضوح في صمتها النسبي. إنها الدولة الأكثر زيارة في العالم: فرنسا.

على الرغم من أنها تستقبل حوالي 100 مليون مسافر سنويًا، إلا أن فرنسا نادرًا ما تتصدر عناوين الصحف بسبب الاحتجاجات ضد السياحة - وهو ما يتناقض تمامًا مع جيرانها الذين يعبّرون عن إحباطهم المتزايد إزاء المدن المزدحمة وارتفاع الإيجارات وسوء السلوك.

لا يوجد ما يمنع فرنسا من مواجهة ردود الفعل السلبية ضد السياح، كما أن المخاوف من هكذا ردات فعل ليست بلا مبرر. غير أن الالتزام بالسياحة المستدامة، إلى جانب البنية التحتية المتينة واستراتيجية توزيع الزوار على مختلف المناطق والمواسم، جميعها عوامل مؤثرة في الحد من هذه المخاطر.

فرنسا اتخذت نهجًا طويل الأمد

على عكس العديد من الدول التي تسعى جاهدة الآن لكبح جماح السياحة الجماعية، بدأت فرنسا في تمهيد الطريق منذ سنوات.

جعلت وكالة تنمية السياحة في فرنسا (أتو فرانس) الاستدامة ركيزةً أساسيةً لاستراتيجيتها. وبموجب خارطة طريق مدتها عشر سنوات - "خطة فرنسا للوجهة" - خصصت الحكومة 1.9 مليار يورو في عام 2021 لتشجيع السفر الأكثر مراعاةً للبيئة ومسؤولية.

وهذا يعني الدفع باتجاه السفر بالسكك الحديدية بدلاً من الرحلات الجوية القصيرة، والاستثمار في المدن متوسطة الحجم، وتشجيع الزوار على تجاوز المدن المعتادة، مثل باريس ونيس.

وعززت فرنسا جهودها هذا العام، مع تعهد جديد بالاستثمار في سياحة أكثر مراعاةً للبيئة وشمولاً وذكاءً رقمياً. ويأمل قادة السياحة أن يؤدي هذا الاستثمار إلى إقامات أطول، وحشود أقل، وتجارب أكثر فائدة.

تقول فيرونيكا ديكواترو، رئيسة قسم الأعمال التجارية بين المستهلكين والتوريد في أوميو، وهو محرك بحث سفر أوروبي: "لقد استثمرت السلطات الفرنسية في السفر المستدام لسنوات".

وتضيف: "ينصب التركيز الآن على تحسين جودة التجارب السياحية، وتوزيع أعداد الزوار على مدار العام لمكافحة السياحة المفرطة، والتركيز على ممارسات السياحة البيئية والرقمية والاجتماعية والشاملة".

قوة القطارات

تمتلك فرنسا واحدة من أوسع شبكات السكك الحديدية في أوروبا - 28,000 كيلومتر من المسارات، بما في ذلك 2,800 كيلومتر من خطوط السكك الحديدية عالية السرعة.

تقول ديكواترو: "تُعدّ فرنسا من بين أكثر الدول سهولةً في الوصول للسياحة بالسكك الحديدية".

وتوضح أن المدن التي لا يتجاوز عدد سكانها 20,000 نسمة لديها محطات قطار. وبفضل قطارها عالي السرعة، يُمكنك الوصول من باريس إلى مرسيليا في ثلاث ساعات.

هذا النوع من الوصول يُعيد تشكيل أنماط السياحة، ويُعيد تشكيل السياسات أيضًا.

في عام 2023، حظرت فرنسا رسميًا الرحلات الجوية الداخلية على بعض المسارات التي يُمكن قطعها في أقل من ساعتين ونصف بالقطار. ورغم أن تأثيرها على المناخ غير واضح، إلا أن هذه الخطوة عززت السفر بالقطار، ومن المُرجح أنها شجعت الرحلات إلى مناطق ربما كانت غائبة عن الأنظار.

Related حتى الحبس له فاتورة.. فرنسا تدرس إلزام السجناء بدفع تكاليف احتجازهم والعائلات المتضرر الأكبرارتفاع قياسي منذ عقدين.. المستشفيات العامة في فرنسا تسجل خسائر بنحو 3 مليارات يوروجنوب فرنسا يواجه أضخم حرائق الغابات منذ نصف قرن وسط تحذيرات من تدهور الأحوال الجوية

السياح مُشتتون عمدًا

بينما تمتاز إسبانيا بساحل كوستا برافا، وتشتهر إيطاليا بمدينة البندقية، تجمع فرنسا كل هذه المزايا معًا، وهذا ما يميزها.

تقول مارين برات، مصممة فعاليات السفر والأعمال في "لوار سيكريتس": "يتوزع السياح في فرنسا. إنهم لا يقصدون مكانًا واحدًا فقط، بل يسافرون إلى عدة مناطق".

وتضيف برات: "يزداد عدد الناس الذين يرغبون في السفر بعيدًا عن الطرق التقليدية. إنهم يرغبون في رؤية مناطق مختلفة - ليس فقط المناطق الكلاسيكية، مثل باريس ونورماندي وجنوب فرنسا. الآن، يمكنهم أن يروا على إنستغرام أنه يُمكنهم السفر على بُعد ساعة ونصف من باريس واكتشاف القرى الساحرة وفنون الطهي والمدن النابضة بالحياة بسهولة".

ميزة ثقافية

يأتي إرث فرنسا في استضافة الغرباء ثماره اليوم. إذ تقول برات: "لطالما كانت فرنسا ملتقى للثقافات لقرون. من الطبيعي أن يزور فرنسا الناس من جميع أنحاء العالم... إنه جزء كبير من اقتصادنا".

هذا التاريخ الطويل من الاستضافة، إلى جانب بنية تحتية سياحية قوية، من المرجح أن يكون قد ساهم في حماية فرنسا من بعض المشاكل التي تشهدها أماكن أخرى.

وكما تشير برات، فقد ازداد عدد الوافدين من أسواق جديدة مثل الهند وجنوب شرق آسيا وأستراليا وأفريقيا في السنوات الأخيرة، فهم يجدون المزيد من الأنشطة خارج المدن الكبرى وينجذبون إليها أيضًا.

وتضيف: "نحاول الترويج لمزيد من التجارب المحلية. نحن منخرطون بشكل كبير في منطقتنا. نريد الترويج لمزيد من صانعي النبيذ العضوي أو الحيوي، والمزيد من الأطعمة المحلية والعضوية، والأشخاص الذين يعملون بهذه الطريقة".

وتقول فيرونيكا ديكواترو إن بيانات شركتها تدعم ذلك.

وتضيف: "كثيرًا ما يختار المسافرون باريس كوجهة أولى لهم." ولكن من هناك، كما تقول، يتوسعون، مضيفةً أن مرسيليا وستراسبورغ تنموان بسرعة، بفضل تحسن الاتصالات ووجود المزيد من التجارب التي يمكن للمسافرين تجربتها عند وصولهم إلى هناك.

هل يُمكن للتنظيم أن يُجنّب فرنسا الانتقام؟

لم تنجُ فرنسا من الاحتكاكات إذ إن الإضرابات المتكررة، في قطاع السكك الحديدية والطيران وغيرها، لا تزال جزءًا من يوميات الدولة الأوروبية. كما يُمكن أن يُشكّل الازدحام والتحديث العمراني مشاكلَ مُلحّة.

في غضون ذلك، جذبت دورة الألعاب الأولمبية العام الماضي اهتمامًا كبيرًا إلى مدينة الأضواء، لدرجة أن أكثر من 50 مليون شخص زاروها في عام 2024 وحده.

في وقتٍ سابق من هذا الصيف، بدأ سكان مونمارتر يُدقّون ناقوس الخطر بشأن تزايد حشود السياح. قال أحد السكان لوكالة "رويترز": "يأتي الناس لثلاث ساعات، يستمتعون، يشترون قبعةً أو كريبًا، ثم يغادرون، كما لو كانوا في مدينة ملاهي". بينما تأمل السلطات أن يُساعد التنظيم في درء الأسوأ

في حين أن تأجير أماكن الإقامة قصيرة الأجل قد تسبب في أزمات سكنية في مدن مثل لشبونة وبرشلونة، إلا أن السلطات في فرنسا كانت أسرع في التحرّك.

بموجب قانون صدر العام الماضي - قانون "لوي لو مور" - يمكن للحكومات المحلية وضع حد أقصى لإيجارات العطلات، وخفض عدد ليالي استئجار المساكن (من 120 إلى 90 ليلة)، وتغريم مُلّاك العقارات الذين يتجاهلون القواعد.

سواءً أكان الأمر يتعلق بقوانين تُنظّم الإيجارات قصيرة الأجل أو خطة رئيسية لنمو أكثر استدامة، يبدو أن نظام السياحة الفرنسي صامد. في عصر السياحة المفرطة، قد يكون السلاح السري للبلاد هو أنها خططت لهذه اللحظة منذ البداية.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة

مقالات مشابهة

  • تعرف على الدولة الخليجية التي تصدرت دول العالم في جذب الاستثمار الأجنبي
  • فيما يندفع العالم إلى الهاوية النووية... أين المعارضة؟
  • مجلس أوروبا: حرب غزة بلغت مرحلة كارثية ووقف نقل الأسلحة لـ”إسرائيل” ضرورة عاجلة
  • مسؤول أوروبي يدعو أعضاء مجلس أوروبا لوقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل
  • خريطة للدول التي اعترفت بدولة فلسطينية وتلك التي تعتزم القيام بالخطوة
  • MEE: كيف تزدهر صناعة السلاح الإسرائيلية على دماء غزة والضفة الغربية؟
  • د. شيماء الناصر تكتب: العالم على حافة الانهيار البيئي
  • أستراليا تنضم للقائمة.. العالم يعترف بالدولة الفلسطينية
  • بزشكيان : على الدول الإسلامية تكثيف جهودها والتعاون الجاد لوقف الجرائم الإسرائيلية في غزة، ورفع الحصار
  • رغم كونها الدولة الأكثر زيارة في العالم.. كيف نجت فرنسا من الاحتجاجات ضد السياحة التي عصفت بجيرانها؟