يمانيون | تحليل
في تطور بالغ الدلالة على حجم المأزق العسكري الذي تواجهه واشنطن في البحر الأحمر، كشفت إحاطة صحفية نادرة لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) عن تفاصيل صادمة، قدّمت للمرة الأولى اعترافاً صريحاً بحجم الاستنزاف الذي تتكبّده القوات الأمريكية في مواجهتها المفتوحة مع العمليات اليمنية المستمرة، والتي وصفتها الإحاطة بأنها “تستنزف الذخائر والأصول الاستراتيجية، وتُربك أولويات واشنطن العسكرية على امتداد الجغرافيا العالمية”.

الذخائر الأمريكية… نزيف يومي بلا أفق
أبرز ما ورد في الإحاطة هو الاعتراف بأن العمليات الأمريكية في البحر الأحمر تُصنَّف كـ”عمليات طارئة خارج جدول التخطيط العسكري”، مما يفرض على البنتاغون تخصيص تمويلات إضافية غير مدرجة في الميزانية العامة، لتغطية كلفة ضخمة تتمثل في استخدام صواريخ الاعتراض والذخائر الباهظة بشكل شبه يومي، في مواجهة الهجمات اليمنية المنهجية.

هذه الاعترافات تُعدّ أول إقرار رسمي بأن اليمن – كقوة غير نظامية – ينجح في فرض استنزاف مستمر ضد أقوى منظومة عسكرية في العالم، وهو ما يمثل سابقة خطيرة في تاريخ حروب ما بعد الحرب الباردة..

فبدلاً من حسم المعركة سريعاً كما راهنت واشنطن، تحوّل البحر الأحمر إلى ساحة نزيف متواصل يبتلع الذخائر الدقيقة والموارد المالية الثقيلة، دون أن يلوح في الأفق أي انتصار ملموس.

الأسطول الأمريكي تحت الضغط.. إرهاق للقطع وتآكل للجاهزية
ولم تقتصر الإحاطة على جانب الذخائر، بل أكدت أن الأسطول الأمريكي البحري بات يعاني من ضغط عملياتي غير مسبوق، بفعل انتشار طويل ومستمر في البحر الأحمر وخليج عدن، هو الأطول منذ الحرب العالمية الثانية.

توضح الإحاطة أن السفن الأمريكية، عند عودتها من مهامها، تحتاج إلى عمليات صيانة شاملة تمتد لعدة شهور، ما يؤثر بشكل مباشر على جاهزيتها القتالية، ويُضعف قدرتها على الانتقال إلى جبهات أخرى ذات أولوية استراتيجية، كالمحيط الهادئ الذي كان محور الاهتمام الأمريكي في السنوات الأخيرة.

هذه الحقيقة تشير بوضوح إلى أن العمليات اليمنية نجحت – دون امتلاك أساطيل أو حاملات طائرات – في إعادة توزيع العبء العسكري الأمريكي قسراً، عبر استنزاف القطع البحرية في البحر الأحمر، وتعطيل مرونتها التشغيلية على المستوى العالمي، وهو ما قد يؤثر لاحقاً على توازن الردع في ملفات بعيدة جغرافياً كالصين وكوريا الشمالية.

البحر الأحمر.. من جبهة ثانوية إلى مركزية في العقيدة العسكرية الأمريكية
من دلالات التحوّل الاستراتيجي العميق، أن الإحاطة وضعت البحر الأحمر الآن في تصنيف “مسرح عمليات رئيسي”، متقدماً على المحيط الهندي ومنطقة الهند-الهادئ التي كانت محور أولويات البنتاغون منذ أكثر من عقد.

بكلمات أخرى، نجحت صنعاء في قلب معادلات التموضع العسكري الأمريكي، لتجعل من البحر الأحمر – الذي لطالما كان ممرّاً تجارياً ثانوياً في الحسابات الاستراتيجية – ساحة صراع أولى، تفرض على الولايات المتحدة إعادة توزيع قواتها، وتكريس موارد ضخمة للحفاظ على وجود دائم، هو في جوهره دفاعي وتكتيكي، وليس هجومي أو حاسم.

وهذا التحول هو إنجاز استراتيجي كبير لليمن، التي استطاعت بقوة صورايخها وطائراتها المسيرة، أن تفرض تغييراً في العقيدة العسكرية للقوة الأولى في العالم، وتجعلها في موقع رد الفعل المستمر، بدل المبادرة.

نزيف بلا رؤية.. لا حسم ولا أهداف واضحة
ورغم فداحة الأكلاف، جاءت الإحاطة خالية من أي تصور عملي للحسم أو تحقيق اختراق عسكري يعيد واشنطن إلى موقع السيطرة.

فقد تجنّبت تصريحات البنتاغون الحديث عن “نصر”، أو حتى عن تقليص العمليات اليمنية، بل شددت فقط على “ضرورة تأمين الموارد ومواصلة إدارة الصراع”، وهو ما يعكس إقراراً ضمنياً بأن معركة البحر الأحمر تحولت إلى نزاع طويل الأمد بلا ملامح واضحة للحسم.

ويعتبر هذا أحد أخطر مظاهر الورطة التي تواجهها واشنطن: إذ تنزف اقتصادياً وعسكرياً في جبهة لا تملك فيها أهدافاً محددة قابلة للقياس أو التحقّق، ولا حتى حليفاً يُعوّل عليه على الأرض، في ظل عجز حلفائها الإقليميين عن مواجهة القوات اليمنية أو تأمين الملاحة بشكل مستقل.

التعتيم والتكلفة الحقيقية.. جبل جليد لا يُكشف
على الرغم من أن الإحاطة قدّمت رقماً تقديرياً لبعض الكلفة، إلا أن الميزانية العسكرية الأمريكية تخضع لما يُعرف بـ “السرية العملياتية”، وهو ما يعني أن الرقم الحقيقي للنزيف المالي قد يكون أعلى بكثير مما أُعلن.

ويؤكد خبراء أن البنتاغون يتعمّد إخفاء الأرقام الحقيقية ليس فقط لحجب نجاح العمليات اليمنية، بل أيضاً لمنع الداخل الأمريكي من إدراك حجم الورطة التي تورّطت فيها البلاد.

هذا التعتيم المتعمد يجعل من الصعب على المؤسسات الرقابية الأمريكية والمجتمع المدني والصحافة تتبع مسار الأموال المهدورة على عمليات فاشلة، وهو ما يزيد من هشاشة الموقف السياسي والإعلامي للحكومة في الداخل، خاصة مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية.

اليمن يعيد تعريف مفهوم الردع
من الواضح أن ما يحدث في البحر الأحمر لم يعد مجرد مناوشات مع سفن تجارية، بل هو تغيير جذري في موازين الردع.. اليمن، الذي لم يكن محسوباً على قائمة القوى البحرية، أصبح اليوم يفرض على واشنطن واحدة من أعقد المعارك العسكرية غير التقليدية، ويدفعها إلى تبديد مواردها دون أن يحقق لها ذلك مكاسب سياسية أو ميدانية.

وباتت القوات المسلحة اليمنية تُنظر إليها من قبل البنتاغون كـ”خصم استراتيجي”، يملك قدرة فريدة على خوض حروب استنزاف طويلة، ضمن بيئة بحرية معقدة، دون الحاجة إلى قواعد عسكرية خارجية أو حلفاء إقليميين، وهو ما يعيد تعريف مفهوم الردع في القرن الحادي والعشرين.

الخلاصة:

إحاطة البنتاغون لم تكن مجرد تقرير تقني، بل شهادة علنية على أن الولايات المتحدة تواجه مأزقاً عسيراً في البحر الأحمر، حيث تخوض حرب استنزاف بلا نهاية، أمام خصم صاعد يُجيد اللعب تحت ضغط، ويُحسن استغلال نقاط ضعف أضخم آلة عسكرية في التاريخ.

المعادلة اليوم باتت واضحة: اليمن لا يواجه أمريكا من موقع الندية المادية، بل من موقع الإرادة والتكتيك طويل النفس، وهذا ما يجعل من البحر الأحمر مختبراً مفتوحاً لانهيار كثير من الأساطير العسكرية الأمريكية.

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: العملیات الیمنیة فی البحر الأحمر وهو ما

إقرأ أيضاً:

بعد وعيد ترامب لمدريد.. جنرال أمريكي يدعو لنقل القاعدة العسكرية الأمريكية في إسبانيا إلى المغرب

زنقة 20 | الرباط

تعيش العلاقات الأمريكية الإسبانية توترا كبيرا ، بعد التصريحات التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال قمة الناتو في لاهاي.

ترامب وجّه صراحة تهديدا إلى إسبانيا إذا لم ترفع ميزانية الدفاع إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2035، كما فعلت جميع دول الناتو.

وصف ترامب، في مؤتمر صحفي خلال القمة، موقف إسبانيا بأنه “أمر فظيع” يصدر من “البلد الوحيد الذي لا يدفع”، مهدداً بأن الولايات المتحدة ستفرض عليها رسوماً جمركية مضاعفة في الاتفاقيات التجارية المقبلة، قائلاً: “سوف نتفاوض مباشرة مع إسبانيا على صفقة تجارية، وسنجعلهم يدفعون مرتين”.

توتر العلاقات بين واشنطن و مدريد ، دفعت مسؤولين أمريكيين كبار إلى دعم تصريحات ترامب و التوجه نحو فرض عقوبات صارمة خاصة في الجانب العسكري.

Time to relocate NAS Rota and Moron Air Base…to Morocco. https://t.co/8pKIUStLN4

— Robert Greenway (@RC_Greenway) June 27, 2025

في هذا الصدد دعا الجنرال روبرت غرينواي، نائب مساعد الرئيس الأمريكي السابق والمدير الأول لإدارة شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمجلس الأمن القومي الأمريكي، الرئيس الأمريكي إلى نقل القاعدة الأمريكية في الجنوب الإسباني و المعروفة بقاعدة “روتا” إلى المغرب.

و نشر غرينواي مقطعا للرئيس الامريكي يهاجم فيه إسبانيا خلال مؤتمر الناتو ، وعلق عليه بالقول : “حان الوقت لنقل قاعدة روتا الجوية وقاعدة مورون الجوية إلى المغرب.”

غرينواي كان قد عبر أيضا عن دعمه لنقل مقر القيادة الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) إلى المغرب بدل ألمانيا.

مقالات مشابهة

  • اليوم انطلاق بطولة كأس الجاليات اليمنية الأمريكية الخامسة
  • قائد القوات الأمريكية بالمحيط الهادئ: الصين تعزز قدراتها العسكرية بسرعة
  • دوي انفجار في بئر السبع بعد رصد إطلاق صاروخ من اليمن
  • كريستيانو رونالدو يُودّع البحر الأحمر.. فيديو
  • مجلس الشيوخ الأمريكي يرفض تقييد صلاحيات ترامب العسكرية ضد إيران
  • سقوط صاروخ أطلق من اليمن خارج الأجواء الإسرائيلية
  • بعد وعيد ترامب لمدريد.. جنرال أمريكي يدعو لنقل القاعدة العسكرية الأمريكية في إسبانيا إلى المغرب
  • البنتاغون يكشف ميزانية الدفاع 2026.. تركيز على ردع الصين وتعزيز القدرات العسكرية
  • ترامب يفرض رقابته على أكبر صفقة صلب في أمريكا.. «يو إس ستيل» تحت إدارته الأمنية