المقاعد الستّة.. فتيل نزاع لتطيير الانتخابات؟
تاريخ النشر: 30th, June 2025 GMT
يعود إلى الواجهة الجدل المزمن بشأن تعديل قانون الانتخاب ، خصوصًا في ما يتعلق بدور اللبنانيين غير المقيمين. فالخلاف لا يدور فقط حول كيفية تصويتهم، بل حول فلسفة التمثيل، ومبدأ المساواة، وتوازن القوى داخل النظام السياسي اللبناني الطائفي والمعقد.
ووفق جدول أعمال الجلسة العامة المقررة اليوم، لناقشة وإقرار جدول اعمال يتراوح عدد بنوده بين 9 و 12 مشروع واقتراح قانون، يغيب قانون الانتخاب، إلا أن الترقب سيد الموقف لما ستكون عليه الجلسة لا سيما وان نواب أحزاب القوات اللبنانية والكتائب التقدمي الاشتراكي ونواب الارمن ، والتغيير والمعارضة تقدموا في 9 أيار 2025، باقتراح قانون معجل مكرر لتعديل قانون الانتخاب وإلغاء المقاعد الستة المخصصة للمغتربين مقابل السماح لهم بالاقتراع في مكان قيدهم أي أن يصوّت كل ناخب للمقاعد المخصصة لدائرته، إلا أن الرئيس نبيه بري ارتأى ان لا يوضع الاقتراح على جدول الأعمال
ينص قانون الانتخاب رقم 44/2017 في المادة 122 على تخصيص ستة مقاعد نيابية لغير المقيمين، يتم إضافتها إلى عدد مقاعد مجلس النواب ليصبح 134 نائبًا في الدورة التالية للأولى التي يُطبَّق فيها هذا القانون.
أما المادة 112، فتُحدد توزيع هذه المقاعد الستة على أساس جغرافي (قارات)، وهو ما يخلق قيدًا واضحًا على حرية اقتراع المغتربين، الذين يُفترض أن يصوّتوا لمرشحين لا علاقة لهم بمناطقهم أو توجهاتهم السياسية الأصلية، بل فقط لانتمائهم الطائفي وموقعهم الجغرافي في المهجر.
لكن الواقع التشريعي تغيّر بفعل التأجيلات المتكررة لتنفيذ هذه المواد. ففي انتخابات 2018 و2022، صوّت اللبنانيون المنتشرون في دول العالم للمرشحين في دوائرهم الأصلية في لبنان، ما مكّنهم من التأثير فعليًا في نتائج الانتخابات في أكثر من دائرة.
تقنيًا، حصر تصويت المغتربين بستة نواب يُفقدهم الكثير من قدرتهم على التأثير، تقول مصادر سياسية فتوزيعهم الجغرافي لا يراعي حجم الكتل الانتخابية الفعلية في الخارج، ولا التنوع الطائفي أو السياسي للمغتربين. فمثلًا، قد يتركّز آلاف الناخبين اللبنانيين في دولة واحدة دون أن تكون لهم أي خصوصية في التمثيل ضمن "مقعد القارة"، ما يحد من فعالية التصويت ويجعله أقرب إلى الطابع الرمزي منه إلى التمثيل الواقعي.
أضف إلى ذلك، أن اعتماد القيد الطائفي في اختيار نواب الاغتراب الستة يتناقض مع المنطق المدني لتمثيل المغتربين، ويفتح المجال للمحاصصة السياسية على حساب الكفاءة، أو الديناميكية الانتخابية الحقيقية التي أظهرها الناخب اللبناني في الخارج خلال السنوات الماضية.
في المشهد السياسي، ينقسم الفاعلون إلى معسكرين: المعسكر المؤيد لتعديل القانون: يضم قوى حزبية وتغييريين يرون أن حصر المغتربين بستة نواب فيه تقليص متعمد لصوت الانتشار. هؤلاء يطالبون بالعودة إلى ما جرى في 2018 و2022: تمكين المغترب من التصويت للمرشحين في دائرته الانتخابية الداخلية، وليس فقط لنواب الاغتراب. حجتهم أن المواطنة لا تتجزأ، وأن اللبناني في الخارج له من الحق ما للمقيم تمامًا، وأن الأصوات المغتربة شكّلت فرصة للتجديد السياسي وكسر الاحتكار. المعسكر الرافض لتعديل القانون: يضم قوى أساسية متمسكة بصيغة الستة نواب، معتبرة أن توسيع اقتراع المغتربين يشكّل خللًا في التوازن السياسي الداخلي. تعلل هذا الموقف بكون بعض الأحزاب غير قادرة على العمل بحرية في الخارج بسبب تصنيفات أمنية أو سياسية، ما يُفقدها تكافؤ الفرص في الحملة الانتخابية، كما تشير إلى الضغوط السياسية والإعلامية التي قد تمارسها دول مضيفة على الناخبين.
وفيما ينص الدستور على المساواة بين المواطنين ويدعو إلى احترام حقوقهم السياسية. ومن هذا المنطلق، فإن حصر اقتراع فئة من المواطنين (أي المغتربين) بعدد محدد من النواب، بينما يتمتع المقيمون بحق التصويت لكل مقاعد المجلس، يمكن اعتباره تمييزًا سلبياُ، تقول المصادر نفسها. لكن في المقابل، يرتكز النظام اللبناني على توازنات طائفية دقيقة، ما يجعل بعض الأطراف تعتبر أن أي تعديل قد يؤدي إلى اختلال في هذا التوازن.
يطرح ذلك إشكالية دستورية في قلب النظام اللبناني: كيف نوازن بين مبدأ المساواة الفردية ومبدأ العدالة الطائفية في التمثيل؟
يُتداول اليوم باقتراح قانون معجّل مكرّر، مقدم من عدد كبير من الكتل النيابية، يدعو إلى تعديل المواد المتعلقة باقتراع المغتربين وإلغاء المقاعد الستة المخصصة لهم، بهدف تثبيت حقهم في التصويت للدوائر الـ15 في لبنان. وإذا طُرح هذا الاقتراح على الجلسة العامة، فقد يؤدي إلى تغيير جذري في بنية المشاركة السياسية للانتشار اللبناني. إلا أن السير بهذا التعديل سيواجه معارضة شرسة من الكتل التي ترى فيه تهديدًا استراتيجيًا، ما قد يعطل إقراره أو يدفع باتجاه تسوية وسطية
وعليه فإن السجال حول حق المغتربين في التصويت ليس مسألة فنية أو إجرائية، بل هو مرآة لصراع أعمق حول مستقبل التمثيل النيابي، وعلاقة الدولة بالانتشار، وحدود النظام الطائفي اللبناني. وبين من يرى في الاغتراب فرصة لبناء دولة مدنية أكثر شفافية، ومن يرى فيه تهديدًا لمواقع نفوذ مكتسبة، تبقى المعركة الدستورية والقانونية والسياسية مفتوحة على احتمالات كثيرة والخطر يبقى قائماً من امكانية تطيير انتخابات ايار العام 2026.
المصدر: خاص "لبنان 24" مواضيع ذات صلة المفوضية الأوروبية: نحث كل الأطراف على ضبط النفس والسعي لنزع فتيل التصعيد في الشرق الأوسط Lebanon 24 المفوضية الأوروبية: نحث كل الأطراف على ضبط النفس والسعي لنزع فتيل التصعيد في الشرق الأوسط 30/06/2025 10:01:41 30/06/2025 10:01:41 Lebanon 24 Lebanon 24 العاهل البحريني: نثمن دور السعودية في طرح مبادرات لنزع فتيل الحروب Lebanon 24 العاهل البحريني: نثمن دور السعودية في طرح مبادرات لنزع فتيل الحروب 30/06/2025 10:01:41 30/06/2025 10:01:41 Lebanon 24 Lebanon 24 وزير الدفاع الباكستاني: مستشارا الأمن القومي في الهند وباكستان تواصلا لنزع فتيل الأزمة دون تحقيق تقدم Lebanon 24 وزير الدفاع الباكستاني: مستشارا الأمن القومي في الهند وباكستان تواصلا لنزع فتيل الأزمة دون تحقيق تقدم 30/06/2025 10:01:41 30/06/2025 10:01:41 Lebanon 24 Lebanon 24 باسيل: التيار شارك في الأقضية الستة وربح مع الناس وحلفائه بمقاعد بلدية واثبت أنه يكون محركا اساسيا مع الاهالي Lebanon 24 باسيل: التيار شارك في الأقضية الستة وربح مع الناس وحلفائه بمقاعد بلدية واثبت أنه يكون محركا اساسيا مع الاهالي 30/06/2025 10:01:41 30/06/2025 10:01:41 Lebanon 24 Lebanon 24 لبنان خاص مقالات لبنان24 قد يعجبك أيضاً البقاع تحت رحمة التجاوزات البيئية: مياه آسنة للرّيّ وحي سكني يتحوّل مكبًا للنفايات (فيديو) Lebanon 24 البقاع تحت رحمة التجاوزات البيئية: مياه آسنة للرّيّ وحي سكني يتحوّل مكبًا للنفايات (فيديو) 02:30 | 2025-06-30 30/06/2025 02:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 إليكم تسعيـرة المولدات الخاصة لشهر حزيران Lebanon 24 إليكم تسعيـرة المولدات الخاصة لشهر حزيران 02:16 | 2025-06-30 30/06/2025 02:16:35 Lebanon 24 Lebanon 24 باسيل وكرامي "عالموجة سوا" Lebanon 24 باسيل وكرامي "عالموجة سوا" 02:15 | 2025-06-30 30/06/2025 02:15:00 Lebanon 24 Lebanon 24 أخطر ما في الحرب الإسرائيلية – الإيرانية أنها لم تنتهِ Lebanon 24 أخطر ما في الحرب الإسرائيلية – الإيرانية أنها لم تنتهِ 02:00 | 2025-06-30 30/06/2025 02:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 الاشتراكي: الحاجة لتغيير قانون الانتخاب يجب أن يكون تلبية لتطلعات اللبنانيين Lebanon 24 الاشتراكي: الحاجة لتغيير قانون الانتخاب يجب أن يكون تلبية لتطلعات اللبنانيين 01:46 | 2025-06-30 30/06/2025 01:46:14 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة حزن عميق.. رحيل نجمة معروفة بشكل مفاجئ Lebanon 24 حزن عميق.. رحيل نجمة معروفة بشكل مفاجئ 03:04 | 2025-06-29 29/06/2025 03:04:19 Lebanon 24 Lebanon 24 السياح والمغتربون يتجنبون سيارات الأجرة في مطار بيروت… ما الأسباب؟ Lebanon 24 السياح والمغتربون يتجنبون سيارات الأجرة في مطار بيروت… ما الأسباب؟ 09:30 | 2025-06-29 29/06/2025 09:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 إنفجار يهزّ واشنطن العاصمة... هذه المعلومات الأولية (فيديو) Lebanon 24 إنفجار يهزّ واشنطن العاصمة... هذه المعلومات الأولية (فيديو) 14:46 | 2025-06-29 29/06/2025 02:46:51 Lebanon 24 Lebanon 24 ضحّى بحياته لإنقاذ طفله.. هكذا قضى محمد غرقاً! Lebanon 24 ضحّى بحياته لإنقاذ طفله.. هكذا قضى محمد غرقاً! 06:57 | 2025-06-29 29/06/2025 06:57:57 Lebanon 24 Lebanon 24 قاسم يحسم النقاش مبكراً Lebanon 24 قاسم يحسم النقاش مبكراً 10:00 | 2025-06-29 29/06/2025 10:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك عن الكاتب هتاف دهام - Hitaf Daham أيضاً في لبنان 02:30 | 2025-06-30 البقاع تحت رحمة التجاوزات البيئية: مياه آسنة للرّيّ وحي سكني يتحوّل مكبًا للنفايات (فيديو) 02:16 | 2025-06-30 إليكم تسعيـرة المولدات الخاصة لشهر حزيران 02:15 | 2025-06-30 باسيل وكرامي "عالموجة سوا" 02:00 | 2025-06-30 أخطر ما في الحرب الإسرائيلية – الإيرانية أنها لم تنتهِ 01:46 | 2025-06-30 الاشتراكي: الحاجة لتغيير قانون الانتخاب يجب أن يكون تلبية لتطلعات اللبنانيين 01:45 | 2025-06-30 الموسم السياحي معافى وهذه هي الادلّة فيديو سامر المصري يروي ما فعله به النظام السوري وينتقد زميله تيم حسن! (فيديو) Lebanon 24 سامر المصري يروي ما فعله به النظام السوري وينتقد زميله تيم حسن! (فيديو) 01:40 | 2025-06-28 30/06/2025 10:01:41 Lebanon 24 Lebanon 24 بالفيديو.. ماذا يحدث لجسمك بعد انفجار قنبلة نووية؟ Lebanon 24 بالفيديو.. ماذا يحدث لجسمك بعد انفجار قنبلة نووية؟ 04:10 | 2025-06-26 30/06/2025 10:01:41 Lebanon 24 Lebanon 24 بعد صور حملها العارية.. هكذا ردت الفنانة العربية على الهجوم عليها (فيديو) Lebanon 24 بعد صور حملها العارية.. هكذا ردت الفنانة العربية على الهجوم عليها (فيديو) 23:44 | 2025-06-25 30/06/2025 10:01:41 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان خاص إقتصاد عربي-دولي بلديات 2025 متفرقات أخبار عاجلة Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: قانون الانتخاب لنزع فتیل فی الخارج
إقرأ أيضاً:
إشراقات ذُرى الستّين العالية
في عنفوان شبابه خُيّل للشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف أنّه أقرب ما يكون إلى الستّين، لماذا؟ يجيب: «لأنّ الكلمات التي لم أقلها أغلى على قلبي من كلّ الكلمات التي قلتُها»، فهل تغدو الكلمات في سنّ الستّين عزيزة إلى هذا الحدّ؟ قد يكون ذلك ممكنا من حيث إن الستّين ذروة من ذرى العمر، لعلّها الذروة الأعلى، وهذه الذروة يميل فيها الإنسان إلى التأمّل، والإكثار من الصمت، ومراجعة شريط أحداث الحياة، بحلوها، ومرّها، وقد تكون تلك الأحداث غير قابلة للإفصاح عنها، لكنها تظهر في السلوك، فــ«في حياة كل إنسان أمور لا يتحدّث عنها، ولكنها تؤثّر في نمط معيشته، وفي مواقفه، وفي آرائه»، كما يقول الكاتب جبرا إبراهيم جبرا، على لسان إحدى شخصيّات رواياته، وغالبا ما يميل في هذا السن، إلى الزهد والقناعة، ربما لترفّعه عن توافه الأمور، وانطفاء الحماس، وخفوت وقدة شعلة الشباب، وغلبة الإحساس باللا جدوى، والاقتراب من خطّ نهاية الأحلام الكبيرة، وقد تقف ظروف خاصة خلف ذلك، فالعزلة التي فرضها على نفسه الكاتب الأمريكي جيروم ديفيد سالنجر(1919- 2010م) صاحب رواية (الحارس في حقل الشوفان) التي دامت حوالي خمسين سنة أمضاها في كوخ منعزل، بدأها منذ عام 1965 واستمرت حتى رحيله عام 2010 م، لها أسبابها، من بينها دخوله في علاقات عاطفية فاشلة، وزيجات انتهت بالانفصال، كذلك مشاركته في الحرب العالمية الثانية، وما تركت من أثار نفسية ليس من السهل أن تزول.
وفي أحيان كثيرة تقف خلف قرار العزلة عندما يتقدّم الإنسان في العمر «نفس عجزت عن تحقيق أهدافها»، كما نجد في تفسير عالم النفس سيجموند فرويد، لذلك يتوقّف عن الجري الذي يراه لا طائل منه، لكن هناك مَنْ يجد في سنّ الستّين رغبة إلى إعادة ترتيب أوراق عمره، استعدادا لانطلاقة جديدة بعد مروره بهذا المنعطف، رغم أن الكثيرين يعترضون على هذا المنطق، ويرون أن سنوات العمر تنحني أمام جبروت شباب الروح، وفي ذلك يقول الشاعر أحمد الصافي النجفي:
عمري بروحي لا بعدّ سنيني
فلأهزأنّ غدا من التسعين
عمري إلى السبعين يركض مسرعا
والروح باقية على العشرين
والأهم في ذلك شعور الإنسان نفسه، والمثل الفرنسي يقول «عمر الرجل كما يشعر» لا كما يبدو.
وقد قرأت مؤخرا منشورا لصديق من جيلي هو الشاعر والسينمائي (استناد حدّاد) كتبه بمناسبة عبوره خطّ الستين، و(استناد) من الشعراء الجميلين، لمع اسمه في الثمانينيات عندما أعدّ وأخرج فعالية تجمع أغلب الفنون من شعر وقصّة، وموسيقى، وباليه، وسينما، ومسرح، وفن تشكيلي في عرض واحد حمل عنوان(عربة الغجر) ومنذ عام 1984 وحتى بداية التسعينيات قدّم (12) عرضا تضمّنت (150) فقرة مختلفة، وخلال تلك السنوات كان في ذروة نشاطه الشعري، والمسرحي، والسينمائي، ولم يفتر حماسه حتى بعد مغادرته بغداد، واستقراره في مدينة (بيرث) الواقعة في أقصى جنوب غرب استراليا، وللاستقرار في مكان لذّة خاصّة لمَنْ تنقّل بين (150) بيتا وشقّة وغرفة، كـ(استناد)، لكنّ، من الواضح، في منشوره الجديد أن النار المستعرة أخذت تهدأ، والمياه الصاخبة بدأت تسير في الجدول بأناة، هل أنّه حين وضع قدمه على خطّ (الستّين) حصل له كلّ هذا أم أن التحوّلات جاءت تدريجيّا، حتى إذا ما بلغه خرج عن صمته؟ فقد اعتبر(الستين) نقطة فاصلة في حياته، لذا، نظر للمسألة من زاوية واقعيّة، فجرس الإنذار قد دقّ، وقطار العمر أطلق صفيره، لذا رأى أنه بحاجة إلى تغيير نمط حياته، ومغادرته (سجن الأحلام) هكذا أسماه، متهكّما على أحلامه «خصوصا تلك التي مرّت عليها أربعون سنة ولم تتحقّق!» كما يقول، مع احتفاظه «بقليل من الذكريات الجميلة وشطب كلّ ذاكرة للحرب، وأصدقاء الصدفة»، ومن الغريب أنّه أعلن في منشوره، الذي يمكننا أن نعتبره (بيانا شخصيّا) اعتزال كتابة الشعر، وطبعا، مثل هذه القرارات ليست جديدة، ففي الثمانينيات أعلن الشاعر بلند الحيدري اعتزاله الشعر، ثمّ كتب ونشر نصوصا عديدة، وفي عام 1983 م فاجأ الشاعر الكبير الشيخ عبدالله بن علي الخليلي الوسط الثقافي العُماني عندما ألقى في أمسية شعرية قصيدة أسماها «استقالة من دولة الشعر»، بعد تعرّضه لحادث، وقد أثارت تلك القصيدة جدلا واسعا:
مالي وللشعر يحدوني وأحدوه
غداة أوشك يسلوني وأسلوه
فناشده الكثيرون بالتراجع عن قرار(الاستقالة) الذي لم يستمرّ طويلا، فعاد (أمير البيان) إلى جمهور الشعر بقصائد رائعة.
وأرى أنّ قرارات الصديق استناد، تأتي لشعوره ببلوغ ذروة العمر الأخيرة، حيث إن كلّ مرحلة عمريّة بعد الأربعينيات ذروة، تتبعها منحدرات حادّة، استلهاما من قول الشاعر عبدالرزّاق عبدالواحد:
مضى ما مضى منك خيرا وشر
وظلّ الذي ظلّ طيّ القدر
وكم ذا تكابر والأربعون
ذرى كلّ ما بعدها منحدر
وهي وقفة مراجعات لابدّ لكلّ إنسان أن يتأمل، خلالها، ما مرّ من محطّات وهو ينظر من أعلى ذُرى الستّين الشاهقة.