في سابقة تكشف جانبا جديدا من مسار التصعيد الحوثي، لم تعد شحنات الأسلحة المهربة إلى اليمن تقتصر على الصواريخ والطائرات المسيّرة والمعدات العسكرية التقليدية، بل باتت تتضمن معدات تجسس متقدمة وتقنيات رقمية عالية الدقة تستخدم عادة في أنظمة الرقابة البوليسية.

 

آخر هذه الشحنات التي ضبطتها المقاومة الوطنية اليمنية، كشفت احتواءها على أجهزة تجسس واختراق للهواتف متخصصة في الاستخبارات الرقمية؛ ما يثير تساؤلات حول نوايا الحوثيين في بناء منظومة أمنية بوليسية داخل مناطق سيطرتهم.

 

وكشفت المقاومة الوطنية، في مؤتمر صحفي عقده متحدثها العميد ركن صادق دويد، محتويات شحنة الأسلحة، مميطًا اللثام عن جهاز تجسس إسرائيلي الصنع يُطلق عليه (توربو لينك) (Turbo Link)، وهو من منتجات شركة (سيلبيريت) (Cellebrite) الإسرائيلية، وهي شركة متخصصة في مجال الاستخبارات الرقمية.

 

وبحسب خبراء في مجال التقنية الرقمية، فإن هذا الجهاز "يُستخدم في التحقيقات الجنائية الرقمية واستخراج البيانات، حيث يمكنه سحب وتحليل البيانات من الهواتف المحمولة وغيرها من الأجهزة الإلكترونية، ويُعدّ مناسبًا جدًا لمن لا يمتلكون خبرات تقنية متقدمة في فتح الأجهزة المحمولة".

 

ووصف الخبراء، جهاز التجسس الإسرائيلي بـ"الأخطر"، كونه لا يقتصر عمله على ضرورة تواجد الهاتف في محيط الجهاز أو بالقرب منه، بل يمتد مداه لتغطية مساحة جغرافية بعينها؛ مما يجعل الهواتف كافة المتواجدة في ذلك النطاق الجغرافي عُرضة للاختراق وسحب جميع البيانات والمعلومات المتواجدة فيه.

 

كما يمكنه أيضا استرجاع الصور والفيديوهات والرسائل التي سبق وأن تخلص منها صاحب الهاتف المستهدف وقام بحذفها، فضلًا عن قدرته في اختراق كلمات المرور، والاطلاع كذلك على جميع محتويات ورسائل جميع تطبيقات المراسلة المتواجدة على الهاتف، دون علم الشخص صاحب الهاتف.

 

ومن بين معدات التقنية التي عُثر عليها، جهاز يُطلق عليه (IONSCAN 600)، وهو من إنتاج شركة (KSmiths Detection) البريطانية، للكشف عن المواد الكميائية، ويُستخدم هذا الجهاز في الغالب في المطارات ونقاط التفتيش الرئيسية بالإضافة إلى الحواجز الفاصلة بين الحدود البرية للدول، وذلك للكشف عن آثار المواد المتفجرة أو مواد ممنوعة مثل المخدرات، وذلك عبر تحليل كيميائي دقيق.

 

كما ضمت الشحنة، كاميرات تجسس صغيرة الحجم، يُمكن استخدامها في مراقبة الأفراد والمنازل سرًا، بالإضافة إلى مايكروفونات ومكونات صوتية صغيرة الحجم، كما عُثر ضمن محتويات الشحنة على أجهزة تنصت وتعقّب تعتمد على تقنيات عالية، إلى جانب وحدات اتصال سرية مُخصصة لأغراض المراقبة والتتبع.

 

إلى جانب كل ذلك، عُثر أيضًا على حاسوب محمول (لابتوب)، يحتوي على تطبيقات أمنية واستخباراتية متعددة تُستخدم في أنشطة المراقبة والتجنيد، فضلًا عن جهاز لكشف الكذب، يُستخدم في التحقيقات السرية وانتزاع المعلومات.

 

وفي هذا السياق، يقول متحدث القوات المشتركة المقدم وضاح الدبيش، إن: "هذه المعدات تُدين الحوثيين، وتؤكد خيانتهم للقضية الفلسطينية، وتفضح تناقضهم، فبينما تدّعي نصرتها لفلسطين من جانب، تتعامل وتتعاطى مع أدوات إسرائيلية المنشأ من جانبٍ آخر".

 

وأشار الدبيش إلى أن: "استخدام التكنولوجيا المعادية، للتجسس، بهدف قمع أبناء الشعب اليمني، يُعرّي الحوثيين أكثر، ويكشف حقيقة كذب شعارات التحرر والممانعة التي ترفعها، وتتغنى بها".

 

وقال المقدم الدبيش: "إننا اليوم أمام حقيقة ساطعة لاتدعُ مجالًا للشكّ، وهي أن ميليشيا الحوثيين ليس سوى أداة قمع وتجسس تعمل ضد اليمنيين، حتى وإن كان الثمن التعامل مع أدوات العدو الصهيوني".

 

واعتبر، بأنها "فضيحة مدوّية تهز دعاة الموت لإسرائيل"، لافتًا إلى أنه "بينما لا يتوقف الحوثيون عن المتاجرة بشعارات العداء لإسرائيل، تكشف الوقائع عن الوجه الحقيقي لميليشيا الخداع والتضليل".

 

وتُشير هذه المعطيات والكشف على مثل هذا النوع من التكنولوجيا، والتقنيات المتطورة، إلى توجه ميليشيا الحوثيين لبناء منظومة أمنية داخلية شديدة السيطرة، على غرار نماذج الحكم البوليسي، على غرار عدة دول من بينها إيران نفسها.

 

من جانبه، قال الباحث والمحلل في الشؤون الأمنية عاصم مجاهد: "ما تم ضبطه مؤخراً في شحنة الأسلحة الإيرانية المهربة إلى الحوثيين، خصوصاً تلك الأجهزة الأمنية ذات الاستخدامات الاستخباراتية وتحليل السلوك وكشف الكذب، لا يمكن قراءته إلا بوصفه انعكاسا صريحا لنمط حكم بوليسي يتشكل ببطىء نحو إنتاج نسخة يمنية مصغرة من منظومة الحرس الثوري، خاصة في بُناها الأمنية الداخلية".

 

ويرى مجاهد ، "أن الجماعة باتت مهووسة بما يدور داخل المجتمع نفسه، وأكثر قلقا من الانشقاق أو الرأي المخالف، فوجود جهاز مثل Turbo Link من إنتاج شركة إسرائيلية، يكشف حجم القفزة التي تسعى الجماعة لتحقيقها في بُنية العمل الأمني الداخلي".

 

 وأضاف: "أن تمتلك ميليشيا الحوثيين القدرة التي يمنحها لها هذا الجهاز على اختراق حماية الهواتف وقراءة الرسائل المشفرة، بل واسترجاع البيانات المحذوفة، يعني أنه بات يملك الوسائل لاختراق الحياة الشخصية على نطاق واسع، متجاوزًا أدوات الرصد الكلاسيكية نحو نظام رقابي شامل يُشبه ما تفعله الأجهزة الأمنية المغلقة في الدول القمعية".

 

وتابع مجاهد: "أضف إلى ذلك أجهزة مثل (IONSCAN 600) للكشف عن المواد الكيميائية، وأدوات تنصّت تعتمد على تقنيات GSM/GPS وبرمجيات تحليل نوايا مثل (EyeDetect)، وكلها تشير إلى مشروع متكامل لبناء جهاز أمني متعدد الوظائف، يُراقب السلوك لا النوايا فحسب، ويستبق التمرد قبل أن يعلن عن نفسه".

 

وذكر المحلل في الشؤون الأمنية، بأن: "هذا يعيدنا إلى صلب عقيدة الحرس الثوري الإيراني، الذي لم يكن جهازًا عسكريًا فحسب، بل مؤسسة أمنية شمولية تمارس هندسة الخوف داخل المجتمع، وتحتكر (الحقيقة) و(الولاء)، وما تفعله جماعة الحوثي كما أراه هو محاكاة متقدمة لهذا النموذج وليس فقط تقليدًا سطحيًا".

 

وقال عاصم مجاهد: "ثمة محاولات واضحة لبناء جهاز أمني داخلي يجمع بين السيطرة الأمنية الناعمة (المراقبة، التجسس، تصنيف الولاءات)، وبين القبضة الحديدية المعتادة".

 

ونوه بأن "ما يثير القلق ليس التكنولوجيا فقط، بل العقل الذي يديرها، عقل جماعة مذهبية مشبعة بعقيدة أمنية تتلقى دعما متصاعدا من طهران، باتت تملك أدوات رقابة تتعقب الأفراد على مستوى التفكير والنوايا لا الأفعال وحدها"، مُشيرًا إلى أنه: "لا نرى فقط تطورا في نوعية الدعم الإيراني، بل انتقال إلى مرحلة جديدة مرحلة بناء الدولة البوليسية بكل أدواتها".

 

وبحسب مجاهد، فإن هذا: "يشي بأمرين لا يقلان خطورة، الأول أن الحوثيين باتوا مؤهلين لخوض حرب استخباراتية متكاملة تشمل الميدان والمعلومة، والثاني أنهم بصدد بناء بيئة أمنية مغلقة تهيمن على الداخل بالقوة والتكنولوجيا".

 

ولوّح إلى أن: "أن بعض هذه الأجهزة من تصنيع إسرائيلي وبريطاني؛ ما يكشف عن براغماتية عالية في عمل الجماعة، لا مشكلة لديهم في تجاوز شعاراتهم العدائية طالما أنهم يستطيعون الحصول على أدوات السيطرة ولو من السوق السوداء".

 

وبيّن مجاهد: "وهذا يعيد تعريف الصراع في اليمن، لم يعد صراعا بين شرعية وميليشيا، أو حتى بين نفوذ إقليمي وآخر، بل صار صراعا حول من يملك السيطرة على المجال الداخلي على المجتمع".

المصدر: مأرب برس

إقرأ أيضاً:

تحقيق رسمي يكشف ملابسات وفاة غللو توت في تركيا

أطلقت السلطات التركية تحقيقا موسعا حول وفاة غللو توت بعد تحول الحادث من سقوط عرضي إلى شبهات جريمة قتل، عقب اعتقال ابنتها توغيان غولتر وصديقتها سلطان نور أولو، أثناء محاولتهما مغادرة تركيا، بالإضافة إلى ثلاثة مشتبه بهم آخرين.

تمهيد: فتحت قضية وفاة غللو توت ملفا أمنيا واسعا في إسطنبول ويالوفا، بعد ظهور أدلة جديدة أثارت الشكوك حول الحادث وأدت إلى تحريك النيابة العامة للتحقيق في احتمال وقوع جريمة قتل متعمدة.

داهمت السلطات الموقع واعتقلت المتهمين

شنت فرق إدارة أمن إسطنبول ويالوفا حملة صباحية في منطقة بيكوكما، وأسفرت عن القبض على توغيان غولتر وصديقتها سلطان نور أولو، بعد التأكد من استعدادهما لمغادرة البلاد، وأظهرت تسجيلات كاميرات المراقبة خروج الفتاتين من المبنى حاملتين حقائبهما، قبل توقيفهما مباشرة.

وأضافت السلطات أن المعتقلين الآخرين شملوا سائق السيارة الذي نقل المتهمتين من يالوفا إلى إسطنبول، ومالك المنزل الذي أقامتا فيه، إضافة إلى شاب قاصر يدعى إيريم يبلغ من العمر 17 عاما، تم الإفراج عنه لاحقا.

تحويل القضية إلى جريمة قتل عمد

أعلنت النيابة العامة في يالوفا رسميا تحويل القضية إلى تحقيق في جريمة قتل عمد، بعد ظهور أدلة جديدة تؤكد وجود شبهات جنائية، بما في ذلك احتمال محاولة الهروب من البلاد. 

جرى نقل توغيان وسلطان إلى مستشفى يالوفا للتعليم والبحث لإجراء الفحوص الطبية اللازمة، ثم أحيلتا إلى إدارة الأمن لتقديم إفاداتهما بصفتهما متهمتين.

أدلة مادية تعزز فرضية القتل المتعمد

كشف مراسل محلي أن النيابة العامة التركية ستستلم تقريرا حاسما يوضح ما إذا كان سقوط غللو توت عرضيا أو متعمدا، موضحا أن التحقيقات تضمنت عدة أدلة قوية، منها فصل سلك كاميرات المراقبة في شقة غللو توت، وتحديدا في منطقة الصالة.

وكذلك وجود نظام أمني متطور يضم قفلا متقدما وكاميرات أمان مثبتة في خمس نقاط مختلفة، ضبط المتهمتين مع حقائبهما أثناء محاولتهما مغادرة المبنى الواقع في بيكوكما، إسطنبول.

وأشار التحقيق إلى أن هذه الأدلة المادية تعزز فرضية وقوع جريمة قتل عمد، وأن التحريات مستمرة للوصول إلى جميع الملابسات المحيطة بالحادث.

السلطات التركية تتابع سير التحقيق

تواصل النيابة العامة في تركيا إجراءاتها القانونية لمراجعة جميع التسجيلات والتقارير المادية، مع الاستماع إلى إفادات جميع المتهمين والمشتبه بهم، لضمان الوصول إلى الحقيقة الكاملة وراء وفاة غللو توت. 

وأكدت الجهات الرسمية أن القضية أصبحت تحت إشراف قضائي كامل، وأن أي محاولة للتهرب من التحقيق ستواجه إجراءات صارمة.

انقلاب سيارة نقل أموال في حدائق أكتوبر يؤثر على 10 ملايين جنيه انقلاب تروسيكل في الصف يصيب 9 عمال ويشعل الفوضى المرورية نجاة أولاد شقيقة الفنان مصطفى بسيط من حادث أتوبيس مدرسي بلا إصابات الحريق المأساوي في برادفورد يؤدي لمقتل امرأة وأطفالها إطلاق نار على قوات حفظ السلام اللبنانية يثير توترا عند الخط الأزرق سقط من السماء على الأرض .. مأساة شاب تهز قرية سلامون بسوهاج مأساة صعقة كهربائية تهز كركوك وفاة امرأة وإصابة عامل وسط المدينة اليوم بلاغ رسمي يسلط الضوء على اتهامات التحريض في قضية الفنان سعيد مختار سقوط مأساوي من الطابق السادس أمام الجامعة الأمريكية يروع التجمع النيابة العامة المغربية تعلن تفاصيل فاجعة فاس.. مقتل 22 شخصا بانهيار بنايتين

مقالات مشابهة

  • مقتل أحمد الدباشي “العمو” خلال مداهمة أمنية، وسط اشتباكات متجددة في صبراتة
  • الدورة الكاملة للقيمة… اقتصاد يبني مجتمعات أكثر مرونة
  • الجثة المفقودة.. الاحتلال يتحدث عن أدلة حول مكان غويلي
  • ترتفع لـ15 كيلومترًا وتضبط المخالفات البيئية.. الأمن البيئي يستعرض مُسيرة مزودة بتقنيات الذكاء الاصطناعي
  • شحنات لا تصل...كيف استغل الحوثيون المهرة لتهريب السلاح والخبراء
  • واشنطن: الحوثيون يلجؤون إلى الترهيب لإخفاء فشلهم في إدارة المناطق الخاضعة لهم
  • تحقيق رسمي يكشف ملابسات وفاة غللو توت في تركيا
  • زيلينسكي: الضمانات الأمنية الأمريكية لأوكرانيا يجب أن يوافق عليها الكونجرس
  • يبني مدرسة بمنزله لتعليم أبنائه المهارات المالية
  • اجتماعات أمنية إسرائيلية طارئة بعد هتافات مؤيدة لغزة في عرض عسكري سوري