توسيع بريكس.. انتصار للصين وروسيا أم طلقة تحذيرية للغرب؟
تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT
بسبب الخلافات البينية بين دول في "بريكس" وتنافسها على النفوذ العالمي وشراكة بعض هذه الدول الأمنية مع الولايات المتحدة، فإن توسيع المجموعة قبل أيام لا يمثل انتصارا للصين وروسيا، لكنه بمثابة طلقة تحذيرية للغرب كي ينهي سباته الاستراتيجي في دول "الجنوب العالمي".
تلك القراءة قدمها الباحث سي. راجا موهان، في تحليل بمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية (Foreign Policy) ترجمه "الخليج الجديد"، مشيرا إلى أن منتدى "بريكس"، الذي يضم 5 اقتصادات ناشئة كبرى هي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، أعلن عن توسيع التكتل بـ6 أعضاء جدد.
ففي ختام قمة "بريكس" بجوهانسبرج، في 24 أغسطس/ آب الجاري، دعت المجموعة السعودية والإمارات ومصر وإيران وإثيوبيا والأرجنتين للانضمام إليها بداية من مطلع يناير/ كانون الثاني المقبل.
واعتبر موهان أن "توسيع بريكس لا يبشر بصعود نظام عالمي ما بعد الغرب، ولا يمثل انتصارا كبيرا للصين وروسيا ومحاولاتهما لبناء كتلة مناهضة للغرب بين دول الجنوب العالمي، أو أن بريكس هي جوهر حركة عدم الانحياز الجديدة".
وقال إن "توسيع قائمة الأعضاء لا يحول بريكس إلى كتلة قوية، بل إن هذا التوسع من شأنه أن يقوض التماسك الضئيل بين دول المجموعة قبل التوسع، فالمواجهة الجيوسياسية المتنامية بين الصين والهند تلقي بظلالها بالفعل على المجموعة وأي محاولة لإنشاء أجندة متماسكة".
و"ومع الأعضاء الجدد تأتي صراعات جديدة، فمصر وإثيوبيا على خلاف حاد حول مياه نهر النيل، والسعودية وإيران عدوان إقليميان على الرغم من محاولتهما بوساطة بكين تحقيق السلام. وستزيد خطوط الصدع هذه وغيرها من صعوبة تحويل الوزن الاقتصادي المشترك لدول بريكس إلى قوة سياسية مؤثرة في الشؤون العالمية"، كما أردف موهان.
وأضاف: "أولئك الذين يعتقدون أن بريكس حركة عدم انحياز جديدة هم على حق عن غير قصد في جانب واحد، وهو أنها ستكون مجموعة غير فعالة،؟ ولن تحول الخطابة الصاخبة حول القضايا العالمية إلى نتائج ملموسة وعملية".
اقرأ أيضاً
الإمارات: الانضمام إلى بريكس لن يضر بعلاقاتنا مع الغرب
شراكة مع واشنطن
كما أن "مصر والسعودية والإمارات هم شركاء أمنيون وثيقون للولايات المتحدة، وحتى لو كانت لديهم خلافاتهم مع واشنطن، فمن غير المرجح أن يتخلوا عن الضمانات الأمنية الأمريكية مقابل وعود صينية غير مختبرة"، كما أضاف موهان.
وتابع: "في خطابه أمام قمة جوهانسبرج، دعا الرئيس الصيني شي جين بينج دول بريكس إلى "ممارسة التعددية الحقيقية" و"رفض محاولة إنشاء دوائر صغيرة أو كتل حصرية".
وأردف: "حسنا، أصبحت الهند بالفعل جزءا من اثنتين من "دائرتين صغيرتين"، الأولى هي الحوار الأمني الرباعي مع أستراليا واليابان والولايات المتحدة؛ والأخرى هي منتدى يجمع الهند مع إسرائيل والإمارات والولايات المتحدة. وفي جوهانسبرج، دعا رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى إنشاء "سلاسل توريد مرنة وشاملة"، وهو تعبير ملطف واضح للحد من الاعتماد الاقتصادي على الصين".
موهان رأى أن "التنافس بين دول بريكس على النفوذ العالمي ربما يكون أكثر أهمية بالنسبة للمجموعة من مصلحتها المشتركة المفترضة في مواجهة الغرب، وبدلا من تشكيل مسرح جديد للتنافس مع الغرب، فإن منتدى بريكس سيكون مسرحا للتنافس في حد ذاته".
وزاد بأن "هذه ليست المرة الأولى التي تحاول فيها روسيا والصين الترويج لتحالف مناهض للغرب، والتاريخ يخبرنا أن موسكو وبكين تبالغان في تقدير احتمالات توحيد المجتمعات غير الغربية ضد الغرب".
اقرأ أيضاً
توسيع "بريكس" بـ6 أعضاء بينهم 3 دول عربية.. ماذا يعني؟
إشراك الجنوب العالمي
لكن إعلان توسع "بريكس"، بحسب موهان، "يخبر الغرب بأنه يجب عدم اعتبار (نفوذه في دول) الجنوب العالمي أمرا مفروغا منه، بل يجب على صناع القرار الغربيين أن يشركوا نخب جنوب العالمي ويجدون طرقا أفضل لإعادة إشراك الدول النامية".
وأضاف أن "أعظم التهديدات التي يواجهها الغرب الحديث من العالم غير الغربي جاءت مع صعود النزعة القومية في آسيا وأفريقيا، إذ ساعد إنهاء الاستعمار (الغربي) والمنافسة مع الكتلة الشيوعية لكسب الأصدقاء في الجنوب العالمي الغرب على استعادة الأرض".
واستدرك: "لكن بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في 1991، سرعان ما تم نسيان الدروس المستفادة من الحرب الباردة (1947-1991)، وتحول الغرب إلى السخرية من الجنوب العالمي وتوبيخه، وهنا تدخلت الصين وروسيا، مستغلتين الاستياء المناهض للغرب في الجنوب العالمي".
وللحفاظ على "تفوقه العالمي"، دعا موهان الغرب إلى أن "ينزل من القاعدة العالية التي وضعت نفسها عليها منذ نهاية الحرب الباردة، وأن يتصارع في الوحل مع التحدي الصيني والروسي".
وتابع أن "الغرب نجح في التغلب على التحديات التي واجهت تفوقه العالمي خلال مرحلة طويلة من المنافسة بين القوى العظمى، عندما وجد طرقا أكثر تعاونا لإشراك النخب غير الغربية، وهو ما يمكن فعله الآن. وقد يكون توسع بريكس فاشلا، لكنه بمثابة طلقة تحذيرية مفادها أنه يتعين على الغرب إنهاء سباته الاستراتيجي في الجنوب العالمي".
اقرأ أيضاً
بريكس أصبحت بحجم فريق كرة قدم.. 8 خبراء بالمجلس الأطلسي يحللون المشهد
المصدر | سي. راجا موهان/ فورين بوليسي- ترجمة وتحرير الخليج الجديد
المصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: بريكس توسيع أعضاء جدد الصين روسيا الغرب الجنوب العالمی بین دول
إقرأ أيضاً:
أميركا وروسيا والصين… وإيران
لدى أميركا أسباب عديدة للعداء مع إيران، وفي طليعتها اليوم موقف إيران العدائي الجذري من كيان الاحتلال ودعمها المبدئي لحركات المقاومة، وتقارب واشنطن الملف النووي الإيراني في إحدى زواياه من هذا المنطلق، كذلك هناك الهوية الاستقلالية الصارمة للنظام السياسي الحاكم في إيران، ونجاحه في بناء دولة متطورة على الصعيد الصناعي والتقني رغم الحصار والعقوبات من جانب دول الغرب، بحيث باتت الرقم الصعب في معادلات المنطقة ومثالاً على الفارق بين الدول التي تتمسك باستقلالها وتلك التي تخضع للمشيئة الأميركية، لكن في العداء الأميركي لإيران جانب حيوي يتصل بتحديات دولية كبرى تتصل بتراجع مكانة أميركا العالمية والخشية من تشكل مركز آسيوي صاعد تمثل إيران نقطة التقاطع الجيواستراتيجي فيه بين روسيا والصين. وبمقدار ما يمثل ضرب الصعود الإيراني مصدر قوة لكيان الاحتلال ومنحه مكانة القوة القيادية في المنطقة، يمثل تخلصاً من نموذج استقلالي تنموي صاعد، لكنه يمثل إطاحة كاملة بكل فرص تحول الصين وروسيا إلى قوتين لهما طابع عالمي ومكانة دولية عظمى، لأن إسقاط إيران يعني عزل روسيا وتحويلها إلى مجرد قوة إقليمية في أقصى الشمال، وعزل الصين وتحويلها قوة إقليمية في أقصى الشرق، بحيث يبدو واضحاً أنه بدون إيران لا مستقبل لنظام عالميّ جديد متعدّد الأقطاب، فقد منحتها الجغرافيا صفة لا يملكها سواها هي موقع قلب الشرق.
عندما طوّر الأميركيون ومن خلالهم حلف الناتو مصطلح الحزام الشمالي، كانوا يقصدون إيران ومن حولها تركيا وباكستان، كقوس يضمّ دولاً كبرى إقليمياً وسكانياً وجغرافياً واقتصادياً وعسكرياً تشكل حاجزاً يمنع الصين وروسيا من الوصول إلى الخليج والبحر المتوسط، وشكلت خسارة أميركا لإيران بعد الثورة الإسلامية سبباً لانهيار هذا الحزام الجيواستراتيجيّ، بل أكثر من ذلك سبباً لإعادة تموضع تركيا الواقعة بين إيران وروسيا بما يتيح إقامة توازن بين مصالحها وسياساتها كعضو في حلف الناتو وبين مقتضيات الجغرافيا السياسية والاقتصادية، بحيث إن الافتراق حول سورية لم يدفع تركيا للابتعاد عن روسيا وإيران ولا دفع بهما إلى ذلك، أما باكستان الواقعة بين الصين وإيران فقد تأثرت بالمتغيّرات من حولها وباتت أقرب لجسر صينيّ إيرانيّ منها لدولة تدور في الفلك الأميركي، وإذا لم يكن إسقاط إيران سبباً لاستعادة الحزام الشمالي، فإن الخشية من فوالق التقسيم بعد سقوط إيران وامتدادها نحو تركيا وباكستان سوف يدفع بهما إلى التقرّب أكثر من أميركا و”إسرائيل”
روسيا والصين ليستا بوارد الدخول على خط الحرب إلى جانب إيران، سواء بقيت حرباً إسرائيلية إيرانية أو تحوّلت إلى حرب أميركية إسرائيلية على إيران، لكن روسيا والصين تدركان أهمية إيران وموقعها ودورها، وتدركان حجم الخسارة المترتبة على ترك واشنطن وتل أبيب تستفردان بتدمير قدراتها.
إن الحديث هنا يدور عن دولة كاملة المواصفات عضو في الأمم المتحدة كاملة الشرعيّة، وصاحبة قدرات استثنائيّة، تربطها بكل من روسيا والصين معاهدات تعاون استراتيجي ومن ضمنها أشكال للتعاون الدفاعيّ، فهل يمكن أن تكتفي روسيا والصين بموقف يدعو لخفض التصعيد، وإبداء الرئيس فلاديمير بوتين الاستعداد للوساطة؟
إيران تقاتل بالنيابة عن كل قوى التحرر والحرية والاستقلال، وهي دولة عظمى قادرة على الصمود، ولن تُهزم في هذه الحرب مهما كانت التضحيات، لكن مصداقية روسيا والصين التي اهتزت كثيراً خلال حرب إبادة غزة، بحيث إن دولاً أوروبية غربية مثل إسبانيا قررت تجميد العلاقات التجارية مع «إسرائيل» وبعضها مثل إيرلندا قرّر تعليق العلاقات السياسية والدبلوماسية، بينما بقيت الصين وروسيا عند حدود سقف الموقف الخليجيّ، بالدعوة لوقف الحرب والوساطة والمواقف الإنشائية العامة، كأنما تمّ تلزيم المنطقة من موسكو وبكين لدول الخليج وعقلية تاجر الشنطة، ولا يمكن تجاوز سقف الموقف الخليجي، وكثيرة هي التساؤلات التي أثارها سقوط سورية حول مصداقية بكين وموسكو في تحالفاتهما، فهل نشهد ما يسقط صفة المصداقيّة عن مواقف روسيا والصين نهائياً مع الحرب ضد إيران، أم أنهما سوف تظهران قدراً من الشجاعة بالضرب على الطاولة والقول إن هذه الحرب العدوانيّة بلا مبرر شرعي وقانوني هي حرب ممنوعة، وإن هذه الحرب هي حرب بالواسطة على الصين وروسيا ولن يسمح لأميركا و”إسرائيل” بالفوز بها، وليس مطلوباً لقول ذلك دخول الحرب بل توفير ما تحتاجه إيران لتصبح أكثر قدرة على المواجهة.