هل يجوز إطعام الطعام ونحر الماعز والخراف في المولد النبوي .. الإفتاء تجيب
تاريخ النشر: 11th, August 2025 GMT
أكدت دار الإفتاء المصرية في فتوى رسمية عبر موقعها الإلكتروني، أن ما يقوم به بعض المسلمين عند دخول شهر ربيع الأول من نحر الماعز والخراف، وإقامة الولائم، وإطعام الطعام، تعبيرًا عن الفرح بذكرى مولد النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، أمرٌ مشروع شرعًا، بل هو من قبيل الطاعات التي تدل على محبة النبي وتعظيمه، وهذه المحبة ركن أصيل من أركان الإيمان.
وأوضحت الدار أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف هو مظهر من مظاهر التعظيم والاحتفاء بالنبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وهو أمر مقطوع بمشروعيته لما فيه من إظهار الفرح بمن أرسله الله رحمة للعالمين.
وجاء في نص الفتوى ما نقله الحافظ السخاوي في كتابه الأجوبة المرضية (1/1116، ط. دار الراية): ما زال أهل الإسلام من سائر الأقطار والمدن العظام يحتفلون في شهر مولده صلى الله عليه وآله وسلم، ويشرّفونه ويكرمونه، ويقيمون الولائم البديعة المشتملة على مظاهر البهجة، ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويظهرون السرور ويزيدون في أعمال الخير، ويقرؤون المولد الشريف، وتظهر عليهم من بركاته كل فضيلة، وقد ثبت ذلك بالتجربة.
وأضافت دار الإفتاء أن العلماء نصوا على أن الصدقة في هذه المناسبة من العبادات المحبوبة، مستشهدة بما قاله الإمام الحافظ أبو شامة المقدسي في كتابه *الباعث على إنكار البدع والحوادث* (1/23، ط. دار الهدى): البدع الحسنة متفق على جواز فعلها واستحبابها ورجاء الثواب لمن حسنت نيته فيها، ومن أحسن ما استحدث في زماننا من هذا الباب: ما كان يُفعل بمدينة إربل كل عام في اليوم الموافق لمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، من الصدقات وأعمال المعروف، وإظهار الزينة والفرح، فإن ذلك – مع ما فيه من الإحسان للفقراء – يدل على محبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمه، ويجسد الشكر لله تعالى على بعثه رحمة للعالمين.
وبذلك، شددت الفتوى على أن مثل هذه الأعمال ليست بدعًا مذمومة، وإنما تدخل في إطار البدعة الحسنة التي أقرها العلماء، وأن إظهار السرور في ذكرى المولد النبوي عبر إطعام الطعام، والولائم، والصدقات، هو سلوك محمود يجمع بين محبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وفعل الخير للمحتاجين.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: المولد النبوي دار الإفتاء إطعام الطعام بدعة حسنة محبة الرسول صلى الله علیه وآله وسلم المولد النبوی دار الإفتاء
إقرأ أيضاً:
حكم وجود الممرضة مع الطبيب في عيادة خاصة دون محرم .. الإفتاء تجيب
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا مضمونه: ما حكم وجود الممرضة مع الطبيب في عيادة واحدة دون مَحْرَم في المدينة وبعض القرى؟
وأجابت دار الإفتاء المصرية عن السؤال قائلة: لا مانع شرعًا من وجود الممرضة مع الطبيب في عيادةٍ واحدةٍ دون مَحْرَمٍ، مع مراعاة الالتزام بالآداب الشرعية، والقاعدة في ذلك: أن الأعمال التي قد تقتضي طبيعتُها وجود الرجل مع المرأة في مكانٍ واحدٍ لا مانع منها إذا أُمِنَت الريبة وانتفت الخلوة المحرمة؛ وضابطها: أن ينفرد الرجل بالمرأة في مكانٍ بحيث لا يمكن الدخول عليهما، فليس كل انفرادٍ واختلاءٍ يُعَدُّ خلوةً مُحَرَّمةً.
الاختلاط بين الرجال والنساء
الذي عليه عمل المسلمين سلفًا وخلفًا أن مجرد وجود المرأة مع الرجل في مكانٍ واحدٍد ليس حرامًا في ذاته، وأن الحرمة إنما هي في الهيئة الاجتماعية إذا كانت مخالفة للشرع الشريف؛ كأن يُظهر النساءُ ما لا يحل لهن إظهاره شرعًا، أو يكون الاجتماع على منكرٍ أو لمنكر، أو يكون فيه خلوةٌ محرَّمة، ونص أهل العلم على أن الاختلاط المحرم في ذاته إنما هو التلاصق والتلامس، لا مجرد اجتماع الرجال مع النساء في مكانٍ واحد.
وعلى ذلك دلَّت السنة النبوية الشريفة؛ من ذلك: ما رواه الشيخان عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: "لَمَّا عَرَّسَ أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ دَعَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم وَأَصْحَابَهُ، فَمَا صَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا وَلَا قَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ إِلَّا امْرَأَتُهُ أُمُّ أُسَيْدٍ"، وترجم له البخاري بقوله: (باب قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس).
قال العلامة ابن بطال في "شرحه على البخاري" (6/ 53، ط. الرشد): [وفيه: أن الحجاب (أي: انفصال النساء عن الرجال في المكان والتعامل المباشر) ليس بفرضٍ على نساء المؤمنين، وإنما هو خاصٌّ لأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ كذلك ذكره الله في كتابه بقوله: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الأحزاب: 53]] اهـ.
وجاء في "الصحيحين" أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه في قصة أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه في إطعامه الضيف: "أنهما جعلا يُرِيانِه أنهما يأكلان، فباتا طاويَين".
وفي رواية ابن أبي الدنيا في (قِرى الضيف) من حديث أنس رضي الله عنه: "أن الرجل قال لزوجته: أثردي هذا القرص وآدِمِيه بسمنٍ ثم قَرِّبيه، وأمري الخادم يطفئ السراج، وجعلت تَتَلَمَّظُ هي وهو حتى رأى الضيفُ أنهما يأكلان". وظاهره أنهم اجتمعوا على طبقٍ واحد، وقد قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «قَدْ عَجِبَ اللهُ مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ»، ونزل فيهما قولُه تعالى: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ [الحشر: 9].
ما تنقطع به الخلوة المحرمة وضابطها
لا يلزم لكي يجوز الاجتماع مع المراة في مكانٍ واحد أن يوجد معها زوجٌ أو خصوص مَحْرَمها -والمقصود بالمَحْرَم: هو كل من لا يجوز له الزواج من المرأة المُعَيَّنة على التأبيد؛ بسبب قرابة، أو رضاع، أو مصاهرة-، بل يكفي أن يوجد معهما ثالث؛ ذكرًا كان أو أنثى، ما دام مميزًا وممن يستحيا منه، وذلك بشرطِ أمن الفتنة.
وقد روى مسلم في "الصحيح" عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا يَدْخُلَنَّ رَجُلٌ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا عَلَى مُغِيبَةٍ -وهي من غاب زوجها عن المنزل- إِلَّا وَمَعَهُ رَجُلٌ أَوِ اثْنَانِ».
قال الإمام النووي في "المجموع" (7/ 69-70، ط. المنيرية): [والمشهور هو جواز خلوة رجل بنسوة لا محرم له فيهن؛ لعدم المفسدة غالبًا؛ لأن النساء يستحيين من بعضهن بعضا في ذلك] اهـ.
وقال أيضًا (4/ 174-175): [واعلم أن المَحْرَم الذي يجوز القعود مع الأجنبية مع وجوده يشترط أن يكون ممن يُستَحى منه، فإن كان صغيرًا عن ذلك؛ كابن سنتين وثلاث ونحو ذلك، فوجوده كالعدم بلا خلاف] اهـ.
حكم وجود الممرضة مع الطبيب في عيادة خاصة دون محرم
أما عن الأعمال التي قد تقتضي طبيعتُها وجود الرجل مع المرأة في مكانٍ واحدٍ فإنه لا مانع منها إذا أُمِنَت الريبة وانتفت الخلوة، فمجرد وجود الرجال مع النساء في مكانٍ واحدٍ ليس حرامًا في نفسه، بل المُحَرَّم هو أن ينفرد الرجل مع المرأة في مكانٍ بحيث لا يمكن الدخول عليهما، فليس كل انفرادٍ واختلاءٍ يُعَدُّ خلوةً مُحَرَّمةً؛ فقد روى الشيخان في "الصحيحين" وغيرهما عن أنَس بن مالك رضي الله عنه قال: جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، فَخَلاَ بِهَا، فَقَالَ: «وَاللهِ إِنَّكُنَّ لأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ»، وفي بعض الروايات: "فَخَلا بِهَا فِي بَعْض الطُّرُق أَوْ فِي بَعْض السِّكَك"، وبوَّب الإمام البخاري على ذلك بقوله: (باب مَا يَجُوزُ أَنْ يَخْلُوَ الرَّجُلُ بِالمَرْأَةِ عِنْدَ النَّاسِ).
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (9/ 333، ط. دار المعرفة): [وفيه أن مفاوضة المرأة الأجنبية سرًّا لا يقدح في الدين عند أمن الفتنة] اهـ.
وقال المُلَّا على القاري في "مرقاة المفاتيح" (9/ 3714، ط. دار الفكر): [وفيه تنبيهٌ على أن الخلوة مع المرأة في زقاق ليس من باب الخلوة معها في بيت] اهـ.
وقال الإمام ابن دقيق العيد في "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" (2/ 181، ط. السنة المحمدية) في شرح ما رواه الشيخان في "الصحيحين" من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إيَّاكُمْ والدُّخُولَ على النِّسَاءِ»: [مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ المَحَارِم، وَعَامٌّ بِالنِّسْبَةِ إلى غَيْرِهِنّ، ولا بد مِن اعتبارِ أمرٍ آخَرَ؛ وهو أن يَكُونَ الدُّخُولُ مُقْتَضِيًا لِلْخَلْوَةِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَقْتَضِ ذَلِكَ فَلا يُمْتَنَعُ] اهـ.
ضابط الخلوة المحرَّمة
وضابط الخلوة المحرَّمة؛ كما قال الشيخ الشَّبْرامَلِّسي الشافعي في "حاشيته على نهاية المحتاج" (7/ 163، ط. دار الفكر): [اجتماعٌ لا تُؤمَن معه الرِّيبَة عادةً، بخلاف ما لو قُطِع بانتفائها عادةً فلا يُعدُّ خلوة] اهـ، ومجرد إغلاق الباب إغلاقًا مِن شأنه أن يسمَح لأيِّ أحدٍ بفتحه، والدخول في أي وقتٍ لا يجعله من باب الخلوة المحرَّمة.
وأوضحت بناءً على ذلك: فمجرد وجود الممرضة مع الطبيب في عيادةٍ واحدةٍ دون مَحْرَمٍ لا حرج فيه ما دام لا يؤمن مِن دخول أحد عليهما، وكان ذلك في حدود الآداب الإسلامية.