حين يظل عادل الترتير إحدى حكايات أبي العجب
تاريخ النشر: 14th, August 2025 GMT
لم يتغيرّ كثيرا عن أول مرة رأيته فيها، فكل الناس تتغير ما عداه، كان استثناء في الشكل والمضمون؛ فقد ظل حيويا بحماس عجيب وغريب حتى آخر أيامه حينما زرناه في المستشفى، فلم أر في حياتي إنسانا تماهى فيه ما هو شخصي بما هو مسرحي وفني كما في شخصيته، ولم أر من أحبّ الحياة بمثل شغفه. في ظل هذا الحب للفن وحيوية الروح، ظلت فلسطين حاضرة في حياته، كما ظلت العروبة دوما حاضرة من خلال التراث الذي استلهم منه أجمل الحكايات.
عرفته عام 1994، في بداية كتابتي عن المسرح والحركة المسرحية الفلسطينية، كان ذلك في مسرح «السراج»، في مدينة رام الله. كان قد بدأ سلسلة حكايات «أبو العجب» قبل ذلك بعام، كأنه اختار جمهور الأطفال والفتيان، للاستثمار بوعيهم في زمن صار يرى وطنه يدخل تحولات غير مضمونة النتائج بالنسبة للبقاء والتحرر الفعلي.
توطدت علاقتنا من خلال اهتمامي بالمسرح، ومن خلال حماس الشاب إبراهيم النجار مدير المسرح بالفن، حيث صرنا نلتقي، وكلما تعرف على الفنان عادل الترتير صرت أكتشف جوانبه ومواهبه المتعددة؛ فقد فوجئت مرة وقد ذهبنا لجلب ديكورات معينة، بأنه هو من يصممها ويصنعها في غرفة صغيرة، فهو النجّار والحداد، والفنان الممثل والكاتب والمخرج؛ فصرت بعدها أناديه بأبي العجب، خاصة أنه يعمل حكايات أبي العجب أصلا. تلك الشخصية التي استدعاها من التاريخ، فصار عادل وأبو العجب معا.
في ربيع عام 1994، شارك عادل الترتير في مهرجان مسرح الطفل، وما زلت أذكر كيف مزج ما بين الدمى وبين الشخصيات، كذلك في استثمار «صندوق العجب» المعروف في تراثنا العربي والعالمي، وكم كان مبدعا في إدخالنا جو المسرحية، المقدمة للصغار ويحضرها الكبار.
كان في قمة حيويته في التمثيل كونه محبا للمسرح، وللمسرح الحكواتي بشكل خاص، كونه حكواتيا بامتياز.
لقد لفت عادل الترتير أنظارنا نحن الشباب في ذلك الوقت إلى التمثيل، والحيوية معا؛ فكانت جديته في العمل ومحبته للمسرح من أهم مفاتيح الإبداع.
قبل عام 1994، كان الترتير قد بدأ رحلته بأكثر من عقدين، فلم يكن قد مرّ على احتلال ما تبقى من فلسطين عام 1967 غير بضع سنوات حين اختار المسرح طريقا له، مدفوعا بحب الفن والوطن، حيث كان المسرح الفلسطيني الفتيّ أوائل السبعينيات في طور التشكّل، حيث إن نكبة عام 1948 لم تتح المجال للتطور الطبيعي للمسرح في حواضر فلسطين التاريخية خاصة في يافا وحيفا والقدس.
بدأ الفنان الراحل عادل الترتير حياته الفنية في فترة متقاربة لهزيمة عام 1967، فحين ساهم في تأسيس فرقة «بلالين» عام 1971، كان ابن عشرين عاما، وبعد خمس سنوات أسس فرقة صندوق العجب.
لذلك يعد الترتير، أحد رواد المسرحين الفلسطيني والعربي بعد عام 1967، وهو العام المفصلي ليس في التاريخ السياسي العربي، بل والثقافي والفني كذلك، حيث كان تأسيس فرق الحكواتي الفلسطينية واللبنانية والأردنية بأسماء متشابهة في تلك الفترة.
وبالنسبة لنقاد المسرح والمؤرخين، فسيكتشفون أثر هزيمة عام 1971 على جيل عادل الترتير فلسطينا وعربيا، حيث إنه في ظل الصدمة القومية سياسيا، بدأت تتكون على الجبهة الثقافية ظواهر جديدة في الفن والأدب؛ ففي بحثي عن الحركة المسرحية الحديثة والمعاصرة، لاحظت أن هناك تطويرا للمسرح الفلسطيني شكلا ومضمونا. وحين ازدادت معرفتي بالفن والوعي والدولية، وجدت أن المسرح في الضفة الغربية، بحكم إقامتي في القدس، رغم ما تعيشه البلاد من احتلال وحصار، إلا أنه يتميز بتحرر إبداعي نجم عن التجريب لا التقليد، وهو ما بدأ يصيب المسرحيين في عدد من الدول العربية، وكل ذلك قادم من صدمة هزيمة عام 1967، التي راحت تؤجج الشعور والفكر للصمود وعدم الاستسلام.
لذلك، كان عادل الترتير من جيل التجريب الحرّ المرتبط ليس فقط بالتفكير النقدي، بل بمقاومة الاحتلال الذي لم يكن يتورع عن منع العروض المسرحية، بعدها صار يكشف أساليب الفنانين بالاحتيال على ما كان يسمى بالرقابة العسكرية.
على الجانب الآخر، كان هناك فنانون في الشتات يبتكرون الإبداع، والذين حين التقوا بفناني الأرض المحتلة عام 1967 وفلسطين المحتلة عام 1948، أبدعوا، متابعين ما تراكم من إبداع سابق.
في ظل تحولات عام 1993، لم يجد عادل الترتير نفسه جزءا من هذا التغيير، فقد ظل يتعامل مع الواقع كما هو، لذلك لم يسع وراء التمويل الأجنبي، مكتفيا بما يستطيع إنتاجه.
لم يفقد إيمانه بالمسرح، كوسيلة وعي وتثقف وارتقاء بالأمم، كما لم يفقد أمله في العودة إلى مدينته اللد، بل كانت حياته انعكاسا لهذا الأمل، وفي كل مرة نلتقي فيها، ولو لدقائق، كنت أندهش من هذه الحيوية، حتى وهو يدخل عقد السبعينيات، بل وحتى وهو يحدثني عن المرض.
كنت وما زلت أرى بالفنان الكبير عادل الترتير إنسانا فلسطينيا يسعى للتحرر، وإنسانا عالميا يؤمن بأهمية دور المسرح في الحياة، فلم يكن ليجد نفسه خارج المسرح.
ينتسب الترتير الذي ولد لاجئا في مدينة رام الله عام 1951، بعد ثلاثة أعوام على نكبة فلسطين عام 1948، لمدينة اللد. ولا بدّ أن عائلته عانت شظف العيش خارج اللد، لذلك مثّل الوطن ولجيله الكثير. ولا تبعد حكاياه عن حياة أبناء شعبه، تلك التي أعاد إنتاجها فنيا من خلال المسرح.
اشترك الترتير في أهم المسرحيات الفلسطينية التي تم إنجازها في حقبتي السبعينيات والثمانينيات، كما في مسرحية «لما انجنينا» ومسرحية «تغريبة سعيد بن فضل الله»، ومسرحية من يعلق الجرس، ومسرحية الحقيقة، ومسرحية القبعة والنبي. أما دخول عادل الترتير لشكل المونودراما، كما في « راس روس» التي قدمها أوائل الثمانينيات، فلربما يحتاج إلى بحث، للوقوف وراء المنطلقات الذاتية والموضوعية.
رحل أبو العجب، بلا عالم صار كله عجبا، رحل الفنان والمناضل الفلسطيني عادل الترتير وهو يشهد معنا الإبادة التي تتم في غزة للبشر والحجر والشجر، رحل وفي نفسه الاستمرار بالحلم الوطني بالعودة، وبحياة مسرحية مزدهرة، كأنه يوصينا بأن طريق التحرر والوحدة يمرّ من الثقافة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: من خلال عام 1967
إقرأ أيضاً:
برلمان الجزائر يؤكد ضرورة ربط التنمية الاقتصادية بالسلام وحل عادل للقضية الفلسطينية
وجه ناصر بطيش، رئيس وفد البرلمان الجزائري، في كلمته خلال أعمال منتدى الجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط: الشكر إلى جمهورية مصر العربية على حفاوة الاستقبال، مهنئا مصر على رئاسة الجمعية.
ونوه بطيش بأن هذه الجمعية تشكل مناسبة خاصة لنا في ظل ما تشهده العلاقات المصرية الجزائرية مؤخرا من تطور كبير يعزز العلاقة الثنائية والتعاون المشترك بين البلدين.
وقال بطيش، إن انعقاد هذا المنتدى يأتي تحت شعار تعزيز التعاون الاقتصادي بين ضفتي المتوسط في ظل الاحتفال بالذكرى الثلاثين لإطلاق عملية برشلونة، وهى محطة مهمة وتاريخية.
ولفت إلى أن منطقتنا تواجه اليوم تحديات كبيرة، تؤكد أن الأمن والتنمية مترابطان، وتعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول الأورومتوسطية ضرورة لا غنى عنها، وتقليص الفجوة بين الشمال والجنوب.
وأشار إلى أن تحقيق هذه الأهداف يظل مرهونا بتحقيق السلام والأمن في الفضاء الأورومتوسطي، فالمنطقة تواجه تحديات غير مسبوقة، وتأتي القضية الفلسطينية في صدارة هذه التحديات، واستمرار الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين يقوض جهود السلام والأمن في المنطقة.
وقال إن الجزائر تؤكد أن الأمن والاستقرار لن يتحقق إلا بحل القضية الفلسطينية وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس وفقا لحدود 1967 وقرارات الشرعية الدولية.
وأكد على ضرورة مكافحة الهجرة غير الشرعية، ومواجهة التغيرات المناخية، مشددا على أن الأمن في المتوسط أمن مشترك لا يمكن لأي بيئة أن تحققه بمفردها، ويجب دعم الحلول السياسية للمنازعات واحترام سيادة الدول.
وقال إن تحقيق التعاون الاقتصادي في المتوسط يتطلب تعزيز الجهود لتحقيق هذه الأهداف، ويجب سد الفجوات والاختلالات التنموية بين دول الجنوب والشمال، وتحويل التحديات الاقتصادية من عبء إلى فرصة، وتقاسم المنفعة والمصالح المتبادلة المشتركة.
وأوضح أن الجزائر تؤمن بضرورة إقامة مشروعات اقتصادية تنموية مشتركة، وتولى الجزائر أهمية لتحقيق إصلاحات في الداخل وفتح المجال للاستثمارات واعتمدت قانون الاستثمار الجديد، وتعمل على تعزيز التحول للأخضر، وتحرص على تعزيز التجارة والاستثمارات مع دول المتوسط، مشيرا إلى أهمية تعزيز جهود التكامل والتعاون.
ودعا إلى مقاربة شاملة للأمن تتجاوز النظرة الضيقة، ومعالجة عميقة للأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تغزي الهشاشة في المجتمعات والهجرة لدى شبابنا، وتعزيز التعاون والشراكات في مجالات الطاقة المتجددة والنقل والتحول البيئي والتكنولوجيا، وزيادة الاستثمارات الأوروبية في دول الجنوب، وضمان أن تتحول التبادلات الاقتصادية لمنافع حقيقية للدول والشعوب، وتعزيز الحوار البرلماني الفعال بين الدول.
وأكد أن الاحتفال بذكرى إطلاق عملية برشلونة ليس مجرد دعوة لإحيائها ولكن أيضا لاستمرار وتعزيز الشراكات الأورومتوسطية.
جاء ذلك خلال كلمته في منتدى الجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط وقمة الرؤساء، المنعقد بمقر مجلس النواب المصري اليوم السبت، برئاسة النائب محمد ابوالعينين، ويشارك فيه رؤساء ونواب رؤساء وممثلي برلمانات دول الاتحاد من أجل المتوسط، فضلًا عن رؤساء عدد من المنظمات الإقليمية والدولية والمؤسسات التي تتمتع بصفة مراقب لدى الجمعية.