لجريدة عمان:
2025-08-14@17:55:13 GMT

حين يظل عادل الترتير إحدى حكايات أبي العجب

تاريخ النشر: 14th, August 2025 GMT

حين يظل عادل الترتير إحدى حكايات أبي العجب

لم يتغيرّ كثيرا عن أول مرة رأيته فيها، فكل الناس تتغير ما عداه، كان استثناء في الشكل والمضمون؛ فقد ظل حيويا بحماس عجيب وغريب حتى آخر أيامه حينما زرناه في المستشفى، فلم أر في حياتي إنسانا تماهى فيه ما هو شخصي بما هو مسرحي وفني كما في شخصيته، ولم أر من أحبّ الحياة بمثل شغفه. في ظل هذا الحب للفن وحيوية الروح، ظلت فلسطين حاضرة في حياته، كما ظلت العروبة دوما حاضرة من خلال التراث الذي استلهم منه أجمل الحكايات.

عرفته عام 1994، في بداية كتابتي عن المسرح والحركة المسرحية الفلسطينية، كان ذلك في مسرح «السراج»، في مدينة رام الله. كان قد بدأ سلسلة حكايات «أبو العجب» قبل ذلك بعام، كأنه اختار جمهور الأطفال والفتيان، للاستثمار بوعيهم في زمن صار يرى وطنه يدخل تحولات غير مضمونة النتائج بالنسبة للبقاء والتحرر الفعلي.

توطدت علاقتنا من خلال اهتمامي بالمسرح، ومن خلال حماس الشاب إبراهيم النجار مدير المسرح بالفن، حيث صرنا نلتقي، وكلما تعرف على الفنان عادل الترتير صرت أكتشف جوانبه ومواهبه المتعددة؛ فقد فوجئت مرة وقد ذهبنا لجلب ديكورات معينة، بأنه هو من يصممها ويصنعها في غرفة صغيرة، فهو النجّار والحداد، والفنان الممثل والكاتب والمخرج؛ فصرت بعدها أناديه بأبي العجب، خاصة أنه يعمل حكايات أبي العجب أصلا. تلك الشخصية التي استدعاها من التاريخ، فصار عادل وأبو العجب معا.

في ربيع عام 1994، شارك عادل الترتير في مهرجان مسرح الطفل، وما زلت أذكر كيف مزج ما بين الدمى وبين الشخصيات، كذلك في استثمار «صندوق العجب» المعروف في تراثنا العربي والعالمي، وكم كان مبدعا في إدخالنا جو المسرحية، المقدمة للصغار ويحضرها الكبار.

كان في قمة حيويته في التمثيل كونه محبا للمسرح، وللمسرح الحكواتي بشكل خاص، كونه حكواتيا بامتياز.

لقد لفت عادل الترتير أنظارنا نحن الشباب في ذلك الوقت إلى التمثيل، والحيوية معا؛ فكانت جديته في العمل ومحبته للمسرح من أهم مفاتيح الإبداع.

قبل عام 1994، كان الترتير قد بدأ رحلته بأكثر من عقدين، فلم يكن قد مرّ على احتلال ما تبقى من فلسطين عام 1967 غير بضع سنوات حين اختار المسرح طريقا له، مدفوعا بحب الفن والوطن، حيث كان المسرح الفلسطيني الفتيّ أوائل السبعينيات في طور التشكّل، حيث إن نكبة عام 1948 لم تتح المجال للتطور الطبيعي للمسرح في حواضر فلسطين التاريخية خاصة في يافا وحيفا والقدس.

بدأ الفنان الراحل عادل الترتير حياته الفنية في فترة متقاربة لهزيمة عام 1967، فحين ساهم في تأسيس فرقة «بلالين» عام 1971، كان ابن عشرين عاما، وبعد خمس سنوات أسس فرقة صندوق العجب.

لذلك يعد الترتير، أحد رواد المسرحين الفلسطيني والعربي بعد عام 1967، وهو العام المفصلي ليس في التاريخ السياسي العربي، بل والثقافي والفني كذلك، حيث كان تأسيس فرق الحكواتي الفلسطينية واللبنانية والأردنية بأسماء متشابهة في تلك الفترة.

وبالنسبة لنقاد المسرح والمؤرخين، فسيكتشفون أثر هزيمة عام 1971 على جيل عادل الترتير فلسطينا وعربيا، حيث إنه في ظل الصدمة القومية سياسيا، بدأت تتكون على الجبهة الثقافية ظواهر جديدة في الفن والأدب؛ ففي بحثي عن الحركة المسرحية الحديثة والمعاصرة، لاحظت أن هناك تطويرا للمسرح الفلسطيني شكلا ومضمونا. وحين ازدادت معرفتي بالفن والوعي والدولية، وجدت أن المسرح في الضفة الغربية، بحكم إقامتي في القدس، رغم ما تعيشه البلاد من احتلال وحصار، إلا أنه يتميز بتحرر إبداعي نجم عن التجريب لا التقليد، وهو ما بدأ يصيب المسرحيين في عدد من الدول العربية، وكل ذلك قادم من صدمة هزيمة عام 1967، التي راحت تؤجج الشعور والفكر للصمود وعدم الاستسلام.

لذلك، كان عادل الترتير من جيل التجريب الحرّ المرتبط ليس فقط بالتفكير النقدي، بل بمقاومة الاحتلال الذي لم يكن يتورع عن منع العروض المسرحية، بعدها صار يكشف أساليب الفنانين بالاحتيال على ما كان يسمى بالرقابة العسكرية.

على الجانب الآخر، كان هناك فنانون في الشتات يبتكرون الإبداع، والذين حين التقوا بفناني الأرض المحتلة عام 1967 وفلسطين المحتلة عام 1948، أبدعوا، متابعين ما تراكم من إبداع سابق.

في ظل تحولات عام 1993، لم يجد عادل الترتير نفسه جزءا من هذا التغيير، فقد ظل يتعامل مع الواقع كما هو، لذلك لم يسع وراء التمويل الأجنبي، مكتفيا بما يستطيع إنتاجه.

لم يفقد إيمانه بالمسرح، كوسيلة وعي وتثقف وارتقاء بالأمم، كما لم يفقد أمله في العودة إلى مدينته اللد، بل كانت حياته انعكاسا لهذا الأمل، وفي كل مرة نلتقي فيها، ولو لدقائق، كنت أندهش من هذه الحيوية، حتى وهو يدخل عقد السبعينيات، بل وحتى وهو يحدثني عن المرض.

كنت وما زلت أرى بالفنان الكبير عادل الترتير إنسانا فلسطينيا يسعى للتحرر، وإنسانا عالميا يؤمن بأهمية دور المسرح في الحياة، فلم يكن ليجد نفسه خارج المسرح.

ينتسب الترتير الذي ولد لاجئا في مدينة رام الله عام 1951، بعد ثلاثة أعوام على نكبة فلسطين عام 1948، لمدينة اللد. ولا بدّ أن عائلته عانت شظف العيش خارج اللد، لذلك مثّل الوطن ولجيله الكثير. ولا تبعد حكاياه عن حياة أبناء شعبه، تلك التي أعاد إنتاجها فنيا من خلال المسرح.

اشترك الترتير في أهم المسرحيات الفلسطينية التي تم إنجازها في حقبتي السبعينيات والثمانينيات، كما في مسرحية «لما انجنينا» ومسرحية «تغريبة سعيد بن فضل الله»، ومسرحية من يعلق الجرس، ومسرحية الحقيقة، ومسرحية القبعة والنبي. أما دخول عادل الترتير لشكل المونودراما، كما في « راس روس» التي قدمها أوائل الثمانينيات، فلربما يحتاج إلى بحث، للوقوف وراء المنطلقات الذاتية والموضوعية.

رحل أبو العجب، بلا عالم صار كله عجبا، رحل الفنان والمناضل الفلسطيني عادل الترتير وهو يشهد معنا الإبادة التي تتم في غزة للبشر والحجر والشجر، رحل وفي نفسه الاستمرار بالحلم الوطني بالعودة، وبحياة مسرحية مزدهرة، كأنه يوصينا بأن طريق التحرر والوحدة يمرّ من الثقافة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من خلال عام 1967

إقرأ أيضاً:

راغب علامة يصل نقابة الموسيقيين للتحقيق في أزمة الساحل .. فيديو

خاص

وصل الفنان اللبناني راغب علامة إلى مقر نقابة المهن الموسيقية بالقاهرة، استجابة لقرار استدعائه للتحقيق على خلفية أزمته الأخيرة في الساحل الشمالي.

وعقدت النقابة، برئاسة الفنان مصطفى كامل، مؤتمرًا صحفيًا حضره علامة، لبحث ملابسات الواقعةؤ وأكد خلاله احترامه للنقابة قائلاً: «دي بيتي، وأنا تحت أمرهم في أي وقت».

وعن أزمة حفل الساحل الشمالي، قال راغب علامة: “في ناس طلعت على المسرح، وهو أمر يزعجني لكني معرفش أصد الناس، والمفروض الجهة المنظمة يقدموا حماية لنا، المواقف دي محرجة ليا وللنقابة، أنا بقدر محبة الناس كتير لكن المسرح لازم يكون مساحة للفنان يغني، والنهاردة من النقابة بقول لكل الجهات المنظمة يسمحوا لينا المسرح يكون مكان نغني ومكان تاني للصور”.

يُذكر أن الفنان اللبناني أحيا مؤخرًا حفلًا غنائيًا في منطقة الساحل الشمالي بحضور عدد كبير من الجمهور والمشاهير، إلا أن مقاطع الفيديو التي ظهر فيها وهو يرقص مع فتيات على المسرح، أثارت انتقادات واسعة على مواقع التواصل.

https://cp.slaati.com//wp-content/uploads/2025/08/X2Twitter.com_dtgCmkwMmCKxBw76_1920p.mp4

اقرأ أيضاً

معجبة تثير جدلاً واسعاً خلال حفل راغب علامة في الساحل الشمالي.. فيديو أول تعليق من راغب علامة بعد منعه من الغناء في مصر

مقالات مشابهة

  • معرض وفعاليات المدينة كذاكرة على الشاشة: حكايات المدينة والناس
  • تعلن محكمة خمر أنه تقدم اليها الاخ عادل زاهر بطلب تصحيح اسم
  • حكايات الشجرة المغروسة.. خلاص العالم والثالوث في بشارة الملاك للعذراء بعظة البابا الأسبوعية
  • راغب علامة يصل نقابة الموسيقيين للتحقيق في أزمة الساحل .. فيديو
  • فى ذكراه.. قصة زيجات سناء شافع وبدايته الفنية
  • غدًا.. حكايات شعبية ورسم وعروض عرائس للأطفال في احتفالات الثقافة بوفاء النيل
  • يحيى الفخرانى: «الملك لير» باق فى مصر
  • «ترحال» يجمع المواهب السعودية والعالمية
  • جينيفر لوبيز تتحدى الصرصور على المسرح وتواصل حفلها في كازاخستا. .. فيديو