تركيا تقرّب المسافة مع حفتر.. تحولات هادئة تعيد رسم خريطة النفوذ في ليبيا
تاريخ النشر: 26th, August 2025 GMT
شهدت مدينة بنغازي شرقي ليبيا٬ التي تعد مقر اللواء المتقاعد خليفة حفتر، خلال الأيام الماضية، حراكاً سياسياً وأمنياً لافتاً تمثل في لقاءات رفيعة المستوى بين مسؤولين أتراك وقيادة قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، في خطوة غير مسبوقة تعكس تحولاً تدريجياً في السياسة التركية تجاه شرق ليبيا، بعدما ظلت أنقرة لعقود أقرب إلى حكومة طرابلس وحلفائها.
اللقاء الأبرز أعلن عنه أمس الاثنين بين رئيس جهاز المخابرات التركي إبراهيم قالن واللواء حفتر، في اجتماع وُصف بأنه الأول من نوعه، ونُشرت صوره عبر وسائل إعلام تركية مقربة من الحكومة. ورغم غياب أي بيان رسمي من الجانب التركي، أكدت القيادة العامة التابعة لحفتر أنّ الاجتماع تناول ملفات التعاون المشترك وسبل مكافحة الهجرة غير النظامية، بحضور نجلي حفتر، صدام وخالد.
حضور عسكري في بنغازي
لم يقتصر الحراك التركي على لقاء حفتر. فقد استقبل٬ صدام حفتر، الذي يشغل منصب نائب القائد العام لما يُعرف بـ"الجيش الوطني الليبي"، السفينة الحربية التركية "جزيرة الحنّة" في ميناء بنغازي. ورافق الوفد التركي في الزيارة السفير التركي لدى ليبيا غوفين بيغيتش، وعدد من كبار مسؤولي وزارة الدفاع، بينهم الفريق إلقاي ألتينداغ، إلى جانب القنصل التركي في بنغازي سركان كيرامانلي أوغلو.
وبحسب المكتب الإعلامي لقيادة حفتر، فقد ناقش الجانبان على متن البارجة ملفات التعاون العسكري والبحري وتبادل الخبرات الفنية والتقنية. كما أجرت السفينة التركية تدريبات بحرية قبالة سواحل بنغازي بمشاركة زوارق تابعة لقوات حفتر، في مشهد يعكس مستوى غير مسبوق من التنسيق الميداني بين الطرفين.
وفي وقت لاحق، زارت الفرقاطة التركية "تي جي غي قنالي أدا" المدينة نهاية الأسبوع الماضي، بعد توقفها في طرابلس ضمن جولة ليبية. وكان في استقبال الوفد التركي صدام حفتر مجدداً، برفقة ضباط كبار من شرق ليبيا. وتزامناً مع هذه الزيارات، أصدرت وزارة الدفاع التركية بياناً أكدت فيه أنّ اجتماعات وفدها العسكري مع صدام حفتر ناقشت "جهود التعاون في إطار ليبيا واحدة وجيش واحد".
???? رست الفرقاطة البحرية التركية TCG Kınalıada (F-514) في #بنغازي وهي أول سفينة حربية تركية تزور شرق ليبيا الذي يسيطر عليه حفتر
استقبل السفينة صدام حفتر نجل خليفة حفتر pic.twitter.com/2JmTjfAf7i — المرصد العسكري ⧨ (@Military_OSTX) August 24, 2025
أنقرة بين طرابلس وبنغازي
ولم يكن الحراك التركي الأخير في شرق ليبيا معزولاً عن تطورات مشابهة في الغرب. ففي 18 آب/أغسطس الجاري، رافقت السفينة التركية نفسها وفداً عسكرياً رفيعاً إلى طرابلس، حيث التقى وكيل وزارة الدفاع في حكومة الوحدة الوطنية عبدالسلام الزوبي. وبحث اللقاء حينها توسيع التعاون العسكري في مجالات التدريب وتطوير القدرات البحرية والجوية والدفاع الجوي.
ويرى مراقبون أن هذه التحركات تعكس سياسة تركية جديدة تقوم على الموازنة بين الطرفين الليبيين المتنافسين٫ حكومة طرابلس من جهة، وقيادة حفتر في الشرق من جهة أخرى، في محاولة لتثبيت نفوذ أنقرة عبر استراتيجية "الجمع بين الأضداد".
تحول استراتيجي بالمواقف
وبحسب صحيفة "فكر تورو" التركية فإن هذه التطورات تعد "تحول لافت – وإن كان هادئاً – في العلاقات التركية الليبية خلال النصف الأول من عام 2025"، معتبرة أنها تؤشر إلى إعادة تموضع أنقرة في خريطة النفوذ داخل ليبيا.
وبحسب الصحيفة، يقوم هذا التقارب على ركيزتين أساسيتين٬ دخول تركيا في مسار تعاون أمني مباشر مع قوات حفتر، التي طالما اعتبرتها أنقرة خصماً لدوداً في السابق.
وتشكيل مجلس النواب في طبرق لجنةً لمراجعة اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية والتعاون الأمني التي وقعتها حكومة طرابلس مع تركيا عام 2019.
وترى الصحيفة أن أنقرة تبنت في السنوات الأخيرة نهجاً براغماتياً قائماً على المصالح الاقتصادية والدبلوماسية المتعددة الأطراف، ما قادها إلى الانفتاح على شرق ليبيا بعد أن كان يمثل الجبهة المناوئة لها خلال الحرب الأهلية.
وخلصت الصحيفة إلى أن هذا التحول "يفتح الباب أمام مرحلة جديدة قد تعيد رسم ملامح النفوذ التركي في ليبيا ضمن معادلة أكثر توازناً وواقعية".
العلاقة التركية الليبية
العلاقة بين أنقرة وليبيا ليست وليدة اللحظة. ففي أعقاب ثورة 17 شباط/فبراير 2011، سارعت تركيا للاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي "ممثلاً وحيداً للشعب الليبي"، وكانت أول دولة تعيّن سفيراً لها في طرابلس.
لكن تدهور الوضع الأمني دفع أنقرة إلى تعليق نشاط سفارتها في طرابلس عام 2014، قبل أن تعود إليها مطلع 2017، في حين واصلت قنصليتها في مصراتة عملها دون انقطاع.
كما دعمت تركيا مسار الحوار الذي أفضى إلى الاتفاق السياسي الليبي في الصخيرات عام 2015، وحافظت على اعترافها بالمجلس الرئاسي باعتباره السلطة التنفيذية الشرعية الوحيدة.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2019، وقعت حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج مع أنقرة مذكرتي تفاهم حول ترسيم الحدود البحرية والتعاون الأمني والعسكري، في خطوة أثارت جدلاً إقليمياً واسعاً، خصوصاً مع اليونان ومصر وفرنسا.
كما شاركت أنقرة في مؤتمر برلين مطلع 2020، مؤكدة التزامها بالحل السياسي تحت رعاية الأمم المتحدة. وفي الوقت نفسه، دعمت حكومة طرابلس عسكرياً عبر إرسال مستشارين وأسلحة، ما ساعدها على صد هجوم حفتر على العاصمة عام 2019.
???? // العلاقات بين تركيا وحكومة حفتر قديمة وليست وليدة اليوم
كان هناك لقائات قبل 6 أشهر https://t.co/DGn8HbU8Qx pic.twitter.com/XGT4UzUghS — المرصد العسكري ⧨ (@Military_OSTX) August 25, 2025
توازنات جديد
غير أن المشهد تغير منذ العام 2023، مع سلسلة لقاءات رفيعة المستوى جمعت مسؤولين أتراكاً مع شخصيات من الشرق الليبي، بينها رئيس مجلس النواب عقيلة صالح وصدام حفتر. وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد استقبل صالح في أنقرة نهاية 2023، في مؤشر على رغبة بلاده بفتح قنوات جديدة للحوار مع خصوم الأمس.
وبدأ هذا الانفتاح في نيسان/أبريل الماضي، عندما استقبلت أنقرة رسمياً صدام حفتر بصفته آمراً للقوات البرية، وهو ما اعتُبر "إعلاناً غير مباشر" عن مرحلة جديدة من التوازن التركي بين شرق وغرب ليبيا.
ويربط البعض هذا التحول أيضاً بسياق أوسع يتعلق بصراع النفوذ في شرق المتوسط. فمع انقسام المنطقة بين داعمي طرابلس وداعمي بنغازي، بدا أن أنقرة تتحرك لترتيب أوراقها بما يضمن مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية، خصوصاً في ملفات الطاقة والهجرة والأمن البحري.
وتسعى تركيا من خلال هذا التوازن الجديد إلى تجنب خسارة أي طرف ليبي، والحفاظ على موقعها كوسيط محتمل، خاصة مع تعثر المسار السياسي الأممي واستمرار الانقسام المؤسساتي.
وتعكس الزيارة المفاجئة لرئيس الاستخبارات التركية إلى بنغازي، وتزامنها مع المناورات البحرية المشتركة، مرحلة إعادة تموضع تركية في ليبيا، تقوم على الانفتاح على جميع الأطراف دون استثناء.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية بنغازي ليبيا حفتر طرابلس تركيا ليبيا تركيا طرابلس بنغازي حفتر المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حکومة طرابلس شرق لیبیا صدام حفتر
إقرأ أيضاً:
تركيا تكشف عن صفقة الـF-35… مقاتلات بمليارات الدولارات عالقة في مستودعات أمريكية مأرب برس
يتجدد الخلاف بين أنقرة وواشنطن مع استمرار احتجاز 4 مقاتلات من طراز F-35 تعود ملكيتها لتركيا داخل مستودع بقاعدة عسكرية في ولاية كاليفورنيا منذ عام 2019، رغم تسديد أنقرة كامل قيمتها.
ووفق صحيفة يني آكيت التركية، فإن بقاء هذه الطائرات على الأراضي الأمريكية يشعل نزاعاً سياسياً وقانونياً متصاعداً بين البلدين، وسط اتهامات تركية لواشنطن بعدم تنفيذ التزاماتها التعاقدية.
وتتحمل الولايات المتحدة كلفة الصيانة السنوية للطائرات المتوقفة، فيما يواصل المسؤولون الأتراك المطالبة بتحريك الملف وإعادة الطائرات أو تنفيذ الاتفاق الأصلي.
وفي سبتمبر الماضي، لمح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إمكانية تسليم المقاتلات، لكنه ربط ذلك بخطوات “تخدم المصالح الأمريكية” من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، دون توضيح ماهية هذه الخطوات.
من جانبه، أعرب السفير الأمريكي في أنقرة والمبعوث الخاص إلى سوريا، توماس باراك، عن أمله في حل الملف قبل نهاية العام، رغم عدم اتخاذ البنتاغون أي خطوة عملية لبيع المقاتلات لدول أخرى كما أعلن سابقاً.
وتعود جذور الأزمة إلى عام 2017، عندما مضت تركيا في شراء منظومة الدفاع الجوي الروسية S-400 رغم اعتراضات أمريكية شديدة، ما دفع واشنطن إلى استبعاد أنقرة من برنامج الـF-35 وفرض عقوبات بموجب قانون CAATSA، إضافة إلى إلغاء مذكرة التفاهم المشتركة في البرنامج والاكتفاء بالشركاء الآخرين.
وتبقى قضية المقاتلات المحتجزة إحدى أعقد نقاط التوتر في العلاقات التركية–الأمريكية مع غياب أي مؤشرات لحل وشيك.