عربي21:
2025-12-09@18:36:55 GMT

نحو إقامة إسرائيل الكبرى؟

تاريخ النشر: 31st, August 2025 GMT

عندما كنت يافعا عثرت على كتاب "بروتوكولات حكماء صهيون"، فالتهمته التهاما، وكان ذلك الكتاب أول علاقة لي بفلسطين وبالعالم. وعندما تقدمت في السن، اطلعت على روايات متعددة حول صحة هذا الكتاب، فتجنبت الاعتماد عليه حتى أتجنب سوء فهم تاريخ الصراع وأسسه السياسية والأيديولوجية، وتوصلت بعد ذلك إلى ضرورة التمييز بين اليهودية كدين والصهيونية كأيديولوجية استعمارية.

لكن ما يجري اليوم على مرأى ومسمع من الجميع يثير الدهشة، ويخلط المفاهيم، ويرفع الستار عن مشهد مربك. فالحديث عن إسرائيل الكبرى لم يعد مجرد رواية تلمودية، وإنما تحول إلى خطة قائمة يعمل على تنفيذها جيش وساسة وأحبار ومخابرات ودعم أمريكي وأموال تنفق ودماء تسيل. فهل الأمر مجرد تهديد سياسي أم هو اختيار استراتيجي سيفرض نفسه في المرحلة القادمة؟

اعتبر نتنياهو نفسه مكلفا بمهمة "مقدسة"، لن تقف فقط عند احتلال مدينة غزة بعد طرد سكانها، وإنما تمتد نحو توسيع جغرافية الكيان وفق الحدود التي يدعي اليهود بأن التلمود قد نص عليها، ومنحها الله لهم لتكون "مملكتهم". هذه الخريطة الوهمية يطلقون عليها "إسرائيل الكبرى"، وتضم لبنان والأردن وأجزاء واسعة وحيوية من سوريا والعراق ومصر. وهناك من يضيف إلى هذه السردية مناطق شاسعة من السعودية وضم بقية دول الخليج.

اعتبر نتنياهو نفسه مكلفا بمهمة "مقدسة"، لن تقف فقط عند احتلال مدينة غزة بعد طرد سكانها، وإنما تمتد نحو توسيع جغرافية الكيان وفق الحدود التي يدعي اليهود بأن التلمود قد نص عليها، ومنحها الله لهم لتكون "مملكتهم"
عندما يستمع المرء إلى هذه الرواية قد يراها خيالية وغير واقعية، رغم أن الواقع بدأ يمهد لها تدريجيا وبشكل حثيث. فقادة الكيان يتحدثون عن شرق أوسط "جديد"؛ هذا الكيان الذي يرفض حتى الآن رسم حدوده نهائيا، ويعيش مستوطنوه في هيجان مستمر، إذ تتعاظم استفزازاتهم، وتتسع دائرة اغتصابهم لأراضي الفلسطينيين، وقد تضاعفت وتيرة اقتحام حرمة المسجد الأقصى حتى اكتسحه الآلاف منهم دفعة واحدة وبقيادة وزرائهم. هم يتحدثون عن اقتراب موعد بناء هيكلهم على أنقاض المسجد الأقصى المهدد، معلنين لأول مرة بأن المسجد اليوم أصبح تحت قبضتهم، شأنه في ذلك شأن الضفة الغربية. وعندما سئل بعض قادتهم: ألا تخشون رد فعل مليار ونصف مسلم في حال الإقدام على هدم المسجد الأقصى؟ أجابوا: "لم يعد يخيفوننا هؤلاء، سيغضبون ويحتجون، ثم ينسون ويتعاملون مع الواقع الجديد".

عندما استعمل مجرم الحرب نتنياهو كلمة "إسرائيل الكبرى" لأول مرة، أصدرت 31 دولة إسلامية بيانا مشتركا للتنديد بذلك، وهو موقف لا يتجاوز البعد الرمزي دون أن يغير أي شيء على أرض الواقع، وهنا يكمن الفارق بين ما يفعله الكيان وما يسير عليه العالم العربي والإسلامي. هم يخططون وينفذون أهدافهم عبر مراحل، في حين يتحدث المسلمون كثيرا وسرعان ما ينسون ما تحدثوا عنه. يعمل العدو على تحقيق التراكم وتغيير الجغرافيا، ويستثمر عناصر القوة من فكر ومال وحيلة وميزان قوى وتخطيط بعيد المدى وتعبئة مستمرة، في حين يتعامل العرب والمسلمون مع الأحداث والوقائع بارتجال، واستخفاف، ورعونة، وأحيانا بلا مبالاة.

سارع الكيان منذ اللحظة الأولى نحو استغلال الوضع المتدهور في سويا، لم يعبأ بفرحة السوريين بسقوط نظام الأسد، وإنما سارع نحو القضاء على ما تبقى من سلاح ومخابر ومستودعات. كما استغل النعرات الطائفية، وهيمن على شريط استراتيجي ممتد داخل سوريا، إذا كانت الأنظمة العربية والإسلامية عاجزة عن حماية فلسطين والفلسطينيين، هل فكرت فيما سيحصل لأوطانها خلال السنوات القليلة القادمة؟ وسمح لقطعان المستوطنين باقتحام الأراضي السورية لزيارة ما اعتبروا قبر النبي يوسف، ثم وضعوا حجر الأساس لمستوطنة ينوون إقامتها في الفترة القادمة. وفي هذا السياق يخطئ النظام الجديد في دمشق إذا ظن بأن التطبيع مع الكيان والدخول في شراكة قد يبعد عنه الخطر، فهذا الكيان لا يحسن سوى سياسة الابتلاع والافتراس، ولا شيء غير ذلك.

لنستمع جيدا لما صرح به المبعوث الأمريكي إلى لبنان عندما أكد أن إسرائيل ستتوسع، وتعتبر أن اتفاق سايس بيكو قد انتهى، ولن تلتزم به، وتعتبر أن الحدود التي تم رسمها لم يعد لها معنى، وستتحرك بكل حرية. وبرر توم باراك هذا النزوع الاستعماري بقوله إن إسرائيل مضطرة إلى ذلك، وهو ما تدعمه الإدارة الأمريكية الحالية، أو على الأقل لن تنوي التحفظ على هذه السياسة.

إذا كانت الأنظمة العربية والإسلامية عاجزة عن حماية فلسطين والفلسطينيين، هل فكرت فيما سيحصل لأوطانها خلال السنوات القليلة القادمة؟ الأسوأ قادم، وما أقدمت عليه تركيا عندما أوقفت تعاونها الاقتصادي مع تل أبيب، وأغلقت أجوائها في وجه طيران العدو، قد يكون خطوة أولى نحو إجراءات أكثر حزما يحتمل أن تقدم عليها بعض الدول.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه إسرائيل نتنياهو الفلسطينيين العربي إسرائيل فلسطين نتنياهو عرب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إسرائیل الکبرى

إقرأ أيضاً:

بين الكاتب والمكتوبجى

الصحافة حرفة قبل أن تكون رسالة، فكيف يمكن لمن يمارس تلك الحرفة أن يحمل تلك الرسالة وقد أصابه القلق والخوف من أن يعضه الجوع، وأن يكون مصيره التشرد؟ الواقع الذى يعيشه من يمتهن الصحافة الآن هو الدافع الأول لطرح السؤال، وقبل أن نخوض فى هذا الواقع، أعرض بعض ما قيل عن تلك المهنة ورسالتها.
قيل عن الصحافة إنها رسالة خالدة، وأنها ركن من أعظم الأركان التى تشيد عليها دعائم الحضارة، وأن كل أمة متمدنة يجب عليها أن تحترم الصحافة، وقيل عنها: لا شىء يدل على أخلاق الأمة ومكانتها مثل الجرائد، فهى المنظار الأكبر الذى ترقب فيه حركاتها وسكناتها، هى رائد الإصلاح ورياح التقدم، إنها لسان الأمة وبرهان ارتقائها، فأمة بدون صحافة لا عين لها فتبصر، ولا قلب لها فتشعر.. ما سبق قليل من كثير يوضح أهمية الرسالة فى حياة أى أمة.
ورغم سمو تلك الرسالة فقد عانت الصحافة ومن يمارسها على مر تاريخها فترات عصيبة من التعنت والاضطهاد والقسوة، تشتد وتلين حسب سياسات السلطة الحاكمة، فاخترع الحكم العثمانى مثلًا دور «المكتوبجى» ليمارس الرقابة على الصحف رغم جهله باللغة العربية، وكان من غرائب هذا «المكتوبجى» ما سجله «سليم سركيس» خلال توليه تحرير جريدة «لسان الحال» فى بيروت عما عاناه هو وغيره فى كتابه «غرائب المكتوبجى عام 1896».
ومن غرائب هذا «المكتوبجى» كما يحكى «سركيس» عن تلك الفترة في بيروت، أنه عندما طبع يوسف أفندى حرفوش كتابًا فى الأمثال وورد فيه المثل الشهير «الحركة فيها بركة»، أمر بحذف المثل زاعمًا أن لفظ الحركة تفيد الثورة!، ومن غرائبه أيضًا عندما كتبت جرائد بيروت أن أحمد أفندى سلطانى زايل «أى تارك ومغادر» الثغر لزيارة شقيقه محمد أفندى سلطانى المقيم فى الأستانة، حذف المراقب النون والياء من سلطانى وصار الاسم «محمد أفندى سلطا»، لأن السلطان لا يكون إلا لعبدالحميد!، ومما ذكره «سركيس» فى كتابه: أنه عندما ضجر عبدالقادر أفندى القبانى صاحب «ثمرات الفنون» من كثرة حذف المقالات، زار «المكتوبجى» راجيًا منه أن يحدد لهم خطة يسيرون عليها فى تحرير صحفهم وأن يريهم القانون الذى يخضعون له، فنظر إليه وقال: ألا تدرى أين القانون؟ فأجاب قبانى أفندى سلبًا، فوضع إصبعه على دماغه وقال: إن القانون هنا!
تلك العلاقة بين الكاتب والمكتوبجى يمكنها أن تمر رغم صعوبتها ووحشتها، يمكن التعايش معها وتفهمها رغم قسوتها ومرارتها، ولكن الأَمَّر الذى لا يمكن أن يمر هو حال من يمارسون تلك المهنة الآن، فقد أصبح قطاع عريض منهم يطارده شبح التشرد، وبات شغلهم الشاغل البحث عن عمل خارج نطاق تلك المهنة لسد حاجتهم وحاجة أولادهم قبل أن يعضهم الفقر.
لا يخفى على أحد أن هناك قطاعًا عريضًا ممن يمارس مهنة الصحافة الآن يكافح من أجل البقاء فى مواجهة ارتفاع جنونى للأسعار متسلحًا برواتب متدنية تسير كالسلحفاة فى سباق غير متكافئ مع سرعة هذا الجنون المتصاعد، وبينما لم يصل الكثير والكثير منهم إلى الحد الأدنى للأجور الذى أقره القانون، يجد البعض أنفسهم فى مواجهة مُلَّاك صحف لا يشعرون بهم ولا يألمون لهم، مُلَّاك لديهم أجندات ومصالح ومكاسب مختلفة، يشهرون أسلحة التهديد بالإغلاق وإعلان الإفلاس إذا لزم الأمر.
فى النهاية: أعلم أن هناك من يكره الصحافة كما السلطان عبدالحميد الثانى عندما قال بعد خلعه من عرش السلطنة: «لو عدت إلى يلدز لوضعت محررى الجرائد كلهم فى آتون كبريت»، وأعلم أن هناك من يتوجس خيفة من أرباب القلم كما نابليون الأول عندما قال إنه يخاف من ثلاث جرائد أكثر من مائة ألف جندى، ومنهم من يسير على نهج «نقولا الثانى» قيصر روسيا عندما قال: «جميل أنت أيها القلم ولكنك أقبح من الشيطان فى مملكتى».. وبين تلك الكراهية والخوف أو التفاهم، يوجد صحفى يريد أن يأكل ويشرب، يريد أن يعيش مطمئنًا بدلًا من تهديده بشبح التشرد أو الخوف من عضة جوع.
أخيرًا: الصحافة لسان الأمة والمرآة التى تريها نفسها اليوم وغدًا وبعد غد.. وما يعانيه قطاع كبير ممن يمارسون تلك المهنة لابد أن يكون له حل عاجل.

[email protected]

مقالات مشابهة

  • مصطفى بكري يهاجم ساويرس بعد زيارته الكيان الصهيوني: لقاء القتلة الملوثة أيديهم بالدم «عار وفضيحة»
  • من السيطرة المطلقة إلى القلق.. تحولات في تعامل الكيان الصهيوني مع الأمن السيبراني
  • معاريف: إسرائيل لن تزود الأردن بـ 50 مليون متر مكعب من المياه متفق عليها
  • بين الكاتب والمكتوبجى
  • إسرائيل الكبرى: المجازفة الأكبر!
  • الكيان الصهيوني ومشروع تقسيم السودان
  • وهم إسرائيل الكبرى
  • طبيعة الصراع مع الكيان الصهيوني في ندوة بجامعة الحديدة
  • عندما يتحوّل الملعب إلى وطن (2)
  • باحث: إقامة إسرائيل منطقة عازلة محاولة لاحتلال مزيد من الأراضي السورية