في لحظة فارقة من عمر المأساة الإنسانية في غزة، خرجت نائبة رئيس المفوضية الأوروبية، تيريزا ريبيرا، لتصف العمليات العسكرية الإسرائيلية بأنها "إبادة جماعية"، متهمة القارة العجوز بالعجز عن اتخاذ موقف موحد. 

كلمات ريبيرا لم تكن مجرد تصريح سياسي عابر، بل جاءت كصرخة في وجه صمت أوروبي طال أمده، بينما تتوالى الأرقام المفجعة عن آلاف الشهداء، وتبرز مأساة المرأة الفلسطينية كأقسى تعبير عن الوجه المظلم للحرب.

أوروبا بين العجز والانقسام

أكدت ريبيرا، في كلمة ألقتها بجامعة العلوم السياسية الفرنسية، أن ما يحدث في غزة يكشف "فشل أوروبا" في التحرك والتحدث بصوت واحد، رغم تصاعد الاحتجاجات في المدن الأوروبية ودعوات مجلس الأمن لوقف فوري لإطلاق النار.
وأضافت في تصريحات لموقع بوليتيكو: "إذا لم تكن إبادة جماعية، فهي تشبه إلى حد كبير التعريف المستخدم للتعبير عن معناها".

ورغم أن المفوضية الأوروبية اكتفت حتى الآن بالتحذير من انتهاكات حقوق الإنسان دون استخدام مصطلح "الإبادة الجماعية"، إلا أن أصواتًا داخل البرلمان الأوروبي اتهمت إسرائيل صراحة بارتكابها. لكن الموقف ما زال منقسمًا، بين رفض ألماني حاد لهذا الوصف ودفاع إسرائيلي يصف هذه الاتهامات بأنها "أكاذيب تروجها حماس".

تل أبيب ترد: "دعاية لحماس"

رفضت وزارة الخارجية الإسرائيلية تصريحات ريبيرا، واعتبرتها “لا أساس لها وغير مقبولة”، وجاء في بيانها: "بدلاً من تكرار أسطورة الإبادة الجماعية، كان الأجدر بها أن تطالب بالإفراج عن الرهائن ونزع سلاح حماس".

لكن هذه التصريحات لم توقف سيل الانتقادات الدولية، حيث اعتبرت الجمعية الدولية للباحثين في قضايا الإبادات أن العمليات الإسرائيلية تدخل ضمن "جرائم الإبادة الشاملة"، داعية إلى وقف الحرب وتحقيق العدالة الانتقالية ودعم إعادة إعمار غزة.

المرأة الفلسطينية.. صمود يفوق حدود المعاناة

في خضم هذا الجدل السياسي، تبقى الحقيقة الأكثر فظاعة هي أن النساء الفلسطينيات يتحملن العبء الأكبر من حرب مستمرة منذ ما يقرب من عامين. فالمشهد في غزة اليوم يتجاوز الخراب المادي ليصل إلى تقويض نسيج الحياة الأسرية والاجتماعية، حيث فقدت المرأة الزوج والأب والابن، وأصبحت فجأة معيلة لأطفال يتامى أو مرضى.

على مدى 22 شهرًا، تحولت المرأة الفلسطينية إلى أيقونة صمود تواجه الجوع والمرض والحرمان. وسط مجاعة ضارية، كانت تقسم كسرة الخبز على أطفالها وتخرج بحثًا عن حفنة دقيق أو شربة ماء تنقذ بها حياة من تبقى.

أرقام مفزعة: نساء غزة في قلب الكارثة

التقارير الأممية تقدم صورة دامية لحجم المأساة:

28 ألف امرأة شهيدة منذ اندلاع العدوان، بمعدل امرأتين تُقتلان كل ساعة.

690 ألف امرأة وفتاة محرومات من أبسط المستلزمات الصحية.

50 ألف امرأة حامل بلا رعاية صحية مناسبة.

180 ولادة يوميًا في ظروف تفتقر لأبسط مقومات الأمان.

17 ألف أم ثكلى و15 ألف أرملة.

162 ألف إصابة بالأمراض المعدية بين النساء.

2000 امرأة وفتاة أصبن بإعاقات دائمة.

هذه الأرقام لا تكشف فقط حجم المأساة الإنسانية، بل تعكس أيضًا كيف تحولت النساء إلى خط الدفاع الأول عن الحياة في مواجهة آلة حرب لا ترحم.

غزة.. مقبرة النساء والأطفال

تشير إحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني وهيئة الأمم المتحدة للمرأة إلى أن النساء والأطفال يشكلون نحو 70% من ضحايا العدوان.
فمنذ بداية الحرب، قُتل أكثر من 61 ألف فلسطيني، بينهم 28 ألف امرأة، فيما جُرح أكثر من 111 ألف شخص، 69% منهم نساء وأطفال.

كما أن 70% من المفقودين أي نحو 14 ألف إنسان هم من النساء والأطفال، لتتحول غزة بحق إلى "مقبرة جماعية" لا تفرق بين صغير وكبير.

الأمهات الحوامل.. ولادة في الجحيم

ربما تكون أكبر صور المأساة هي ما تعانيه النساء الحوامل. فهناك 50 ألف امرأة حامل في غزة يجدن أنفسهن بلا رعاية صحية، وسط انهيار كامل للقطاع الطبي.
تجبر نحو 180 امرأة يوميًا على الولادة في ظروف غير إنسانية، بعضها دون تخدير أو إشراف طبي، مما يعرض حياة الأمهات والأطفال للخطر. إنها صورة صادمة تجسد حجم الانهيار الصحي تحت وقع القصف والحصار.

عنف جنسي وانتهاكات جسيمة

ولم تتوقف الجرائم عند القتل والدمار، فقد رصدت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة انتهاكات واسعة ضد النساء الفلسطينيات، شملت التعرية القسرية والتحرش والتهديد بالاغتصاب والاعتداء الجسدي، أبرزها ما جرى في مستشفى كمال عدوان بعد اقتحامه.

هذه الممارسات وصفتها منظمات حقوقية بأنها تمثل انتهاكًا صارخًا للحق في الحياة والكرامة الإنسانية، وترقى إلى جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وفق القانون الدولي.

المرأة.. الجندي المجهول في معركة البقاء

كما قال الرئيس المصري الراحل أنور السادات ذات يوم مخاطبًا الأمهات الثكالى والزوجات المترملات: "أنتن حارسات القضية". هذا الوصف يبدو اليوم أكثر دقة في حالة فلسطين، حيث تحولت المرأة إلى الجندي المجهول الذي يحرس الأرض والذاكرة، ويقف وحيدًا في مواجهة حرب تستهدف وجوده.

من بين الأنقاض، تحمل الأمهات أطفالهن الجوعى وتبحث الأرامل عن مأوى، فيما تصر الفتيات على التمسك بالتعليم رغم انهيار المدارس. إنها ملحمة إنسانية تكتبها النساء الفلسطينيات بدمائهن وصبرهن، لتظل فلسطين حية رغم كل محاولات الاقتلاع.

الرياضة الفلسطينية.. دماء على المستطيل الأخضر

حتى الرياضة لم تسلم من آلة الحرب، حيث سقط 774 شهيدًا من الرياضيين منذ بداية الحرب. أصوات الاستغاثة خرجت من الملاعب المدمرة، فيما دوّى صمت الاتحاد الأوروبي لكرة القدم حتى كسرت تغريدة النجم المصري محمد صلاح الحاجز، مطالبة بإنقاذ الأرواح.

أوروبا أمام اختبار أخلاقي

تصريحات ريبيرا قد تكون بداية لصحوة أوروبية، لكنها تكشف أيضًا عمق الانقسام بين قوى تدعو للعدالة وحقوق الإنسان، وأخرى تتمسك بالصمت أو الانحياز لإسرائيل. وبين هذا وذاك، يظل صوت الضحايا في غزة أعلى من كل الخطابات.

غزة تنزف وأوروبا تتردد

بين وصف "الإبادة الجماعية" ورفض تل أبيب، وبين صرخات الأمهات الفلسطينيات وصمت المؤسسات الدولية، تبقى الحقيقة أن غزة تنزف بلا توقف.
المرأة الفلسطينية، بألمها وصمودها، أصبحت رمزًا للثبات في مواجهة الموت، وحارسة للذاكرة الوطنية. أما أوروبا، فهي اليوم أمام امتحان أخلاقي وتاريخي.. إما أن تقف مع العدالة والإنسانية، أو تسجل في صفحات التاريخ كقارة صامتة أمام إبادة تُرتكب على مرأى ومسمع العالم.

طباعة شارك غزة المأساة الإنسان النساء الجرائم أوروبا إسرائيل

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: غزة المأساة الإنسان النساء الجرائم أوروبا إسرائيل المرأة الفلسطینیة إبادة جماعیة ألف امرأة فی غزة

إقرأ أيضاً:

التمكين الاقتصادي للنساء اليمنيات.. ركيزة أساسية للنهوض المجتمعي

 

 

الأسرة /خاص
شهدت العاصمة صنعاء الأسبوع الماضي انعقاد المؤتمر الوطني الثالث للمرأة المسلمة تحت شعار “ذكرى ميلاد الزهراء” بتنظيم من اللجنة الوطنية للمرأة. هذا الحدث لم يكن مجرد مناسبة للاحتفاء بالمرأة، بل شكل منصة مهمة لمناقشة قضايا جوهرية تتعلق بدور النساء في التنمية، وعلى رأسها التمكين الاقتصادي الذي يُعد اليوم أحد أبرز التحديات والفرص أمام المرأة اليمنية وقد أثري المؤتمر على مدى أيام بالعديد من الرؤى وأوراق العمل المقدمة من قبل المختصين والتي تشكل أساسا لتحقيق التمكين الاقتصادي للنساء وما يشكله ذلك من أهمية في عملية البناء التنموي.
بين التحديات والفرص
تواجه النساء في اليمن ظروفاً معقدة نتيجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تمر بها البلاد والتي كانت نتاجا لأحد عشر عاما من العدوان السعودي الأمريكي المتواصل على البلد. ومع ذلك، أثبتت المرأة قدرتها على الصمود والمشاركة الفاعلة في مختلف المجالات، بدءاً من الزراعة والحرف اليدوية وصولاً إلى التجارة الصغيرة والمبادرات المجتمعية.
ومن أبرز التحديات التي تواجه التمكين الاقتصادي للمرأة ضعف البنية التحتية، ومحدودية فرص العمل وانخفاض نسبة مشاركة النساء في سوق العمل الرسمي.
لكن بحسب مختصين، تحولت تلك التحديات أمام إرادة المرأة اليمنية إلى فرص خصوصا مع وجود طاقات بشرية هائلة ومهارات متوارثة في الصناعات التقليدية، وإمكانية الاستفادة من برامج التدريب والدعم المتاح من قبل المؤسسات الرسمية والمجتمعية والاهتمام المتنامي من قبل الدولة والحكومة.
أهمية التمكين
التمكين الاقتصادي الذي كان محور المؤتمر لا يعني فقط توفير فرص عمل للنساء كما يقول المختصون، بل يشمل بناء قدراتهن وتعزيز استقلاليتهن المالية وإشراكهن في صنع القرار الاقتصادي. وأهميته تتجلى في مكافحة الفقر، فعندما تحصل المرأة على مصدر دخل ثابت فإنها تسهم مباشرة في تحسين مستوى معيشة أسرتها.
كما أن تعزيز الاستقرار الاجتماعي يتمثل في ان المرأة المُمكَّنة اقتصادياً تصبح أكثر قدرة على مواجهة الأزمات ودعم المجتمع.
وتفتح المشاركة الاقتصادية الباب أمام النساء للمطالبة بحقوقهن في مجالات أخرى كالتعليم والصحة والسياسة وكل ذلك يسهم في تحريك عجلة التنمية حيث تؤكد الدراسات العالمية أن إشراك النساء في الاقتصاد يزيد من الناتج المحلي الإجمالي ويعزز النمو المستدام.
آليات التمكين
خلال المؤتمر الثالث للمرأة المسلمة، طُرحت عدة رؤى حول كيفية تعزيز دور المرأة في الاقتصاد اليمني ومنها التأكيد على أهمية التدريب المهني من خلال توفير برامج تدريبية متخصصة في مجالات الزراعة والحرف اليدوية وتقنيات العصر الحديث.
ومن آليات التمكين- كما أكد المشاركون في المؤتمر- دعم المشاريع الصغيرة عبر منح قروض ميسرة وتمويل متناهي الصغر للنساء الراغبات في إنشاء مشاريع خاصة.
بالإضافة إلى التعليم والتأهيل من خلال الاستثمار في تعليم الفتيات والنساء لضمان مشاركتهن الفاعلة في سوق العمل.
إلى جانب التشبيك والتعاون عبر إنشاء جمعيات واتحادات نسوية لتبادل الخبرات والدفاع عن مصالح النساء العاملات.
وكذلك الاستفادة الإيجابية من التكنولوجيا الرقمية والتي من شانها فتح المجال أمام النساء للاستفادة من التجارة الإلكترونية والعمل عن بُعد، وهو ما يخفف من القيود الجغرافية والاجتماعية.
في دائرة الضوء
أعاد المؤتمر الوطني الثالث للمرأة المسلمة في صنعاء تسليط الضوء على قضية التمكين الاقتصادي للنساء اليمنيات باعتبارها حجر الزاوية في بناء مجتمع أكثر عدلاً واستقراراً. فالمرأة ليست مجرد نصف المجتمع، بل هي المحرك الأساسي للتنمية، وإذا ما أُتيحت لها الفرصة لتوظيف قدراتها وإمكاناتها، فإنها ستسهم في إخراج اليمن من أزماته نحو مستقبل أكثر إشراقاً.

مقالات مشابهة

  • قمة المرأة المصرية تسلط الضوء على بناء الذات وهندسة الحياة المهنية في عالم الفرص والتحديات
  • برلمانية: الأونروا خط الدفاع الإنساني الأخير عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين ولا بديل عنها
  • ياسمين عبدالعزيز: "المرأة الحديدية" عنوان مناسب لفيلم يصف قصة حياتي
  • التمكين الاقتصادي للنساء اليمنيات.. ركيزة أساسية للنهوض المجتمعي
  • المرأة العربية تعقد ورشة عمل إقليمية لمناقشة تطوير قوانين الأسرة
  • علماء يكشفون المشروب الأفضل لصحة عظام المرأة مع التقدم في السن
  • مظهر شاهين يحذّر من فوضى الطلاق الشفهي: نساء معلّقات بين الشرع والقانون
  • مشروع "لها ومعها" من الخوف للقوة قصة تلخص رحلة آلاف النساء في مواجهة العنف
  • دعم النساء.. مركز الملك سلمان قدم خدمات لـ200 مليون امرأة في 79 دولة
  • الفائز بـيوروفيجن يعيد الكأس بسبب مشاركة الاحتلال.. دولة إبادة جماعية