فى ظل تصاعد التوترات فى المنطقة، بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فى استخدام كافة أوراق الضغط الممكنة على مصر، فى محاولة لإرغامها على التراجع عن مواقفها الرافضة للتوسع العسكرى الإسرائيلى فى غزة، ودعمها المتزايد للمقاومة الفلسطينية سياسيًا ودبلوماسيًا.
ومن بين أوراق الضغط التى لوح بها نتنياهو مؤخرا، التلميح بإعادة النظر فى اتفاقيات الغاز بين تل أبيب والقاهرة، وهى اتفاقيات وصفت طوال السنوات الماضية بأنها شريان اقتصادى مشترك، ومكسب للطرفين فى ظل تغيرات سوق الطاقة العالمية.
تعد اتفاقية تصدير الغاز الإسرائيلى إلى مصر من أبرز أوجه التعاون الاقتصادى بين البلدين منذ توقيعها عام 2018، حيث تستخدم لتغذية مصانع الإسالة فى إدكو ودمياط، ومن ثم إعادة تصديره إلى أوروبا، ما يمنح مصر مركزًا إقليميًا فى سوق الطاقة.
غير أن تصريحات بعض المسئولين الإسرائيليين التى نسبت إلى دوائر قريبة من نتنياهو ووسائل إعلام عبرية بشأن «إعادة تقييم جدوى استمرار هذه الاتفاقيات» فهمت على أنها رسالة ضغط سياسى بغطاء اقتصادى، تهدف إلى إضعاف الدور المصرى فى الملف الفلسطينى، وخصوصا ما يتعلق بجهود مصر المستمرة فى وقف إطلاق النار، ورفضها الصريح لتهجير الفلسطينيين أو تغيير الخريطة الجيوسياسية.
الرد المصرى جاء غير مباشر لكنه حازم. فالرئاسة المصرية ووزارة الخارجية تمسكتا بمواقفهما الثابتة، مؤكدة أن الأمن الإقليمى لا يمكن أن يبنى على حساب القضية الفلسطينية، وأن الضغط الاقتصادى لن يغير من المبادئ التى تحكم الموقف المصرى.
الموقف المصرى يرفض محاولات الابتزاز الاقتصادى وأن الاتفاقيات يجب ألا تستخدم كأداة سياسية، وإلا فإن الطرفين سيتضرران، خصوصا فى ظل حاجة إسرائيل إلى مصر لتسويق غازها وسط عزلة متزايدة.
نتنياهو لم يعد لديه الكثير من الأوراق، خصوصا بعد تراجع الدعم الدولى لحربه على غزة، وتعاظم الانتقادات من واشنطن والاتحاد الأوروبى، وتزايد عزلة حكومته المتطرفة داخليا.
ولذلك، فإن التلويح بإلغاء أو تعديل اتفاق الغاز مع مصر يبدو أقرب إلى ورقة «تهديد نفسى» منها إلى قرار حقيقى، خصوصا أن إسرائيل تعتمد على مصر كممر استراتيجى لإعادة تصدير غازها، كما أن السوق المصرى يعد من القنوات القليلة المتبقية أمامها فى ظل الظروف الدولية الراهنة.
تحاول إسرائيل عبر نتنياهو خلق معادلة جديدة فى العلاقات مع مصر، تقوم على الضغط والتهديد بدلًا من الشراكة والتنسيق، لكن القاهرة – بخبرتها العميقة – تعرف كيف تفك شفرات هذا الخطاب، وتتعامل معه بما يحفظ مصالحها وسيادتها.
وبينما تتصاعد وتيرة المواجهة السياسية، يبقى السؤال مطروحًا: إلى متى يمكن لنتنياهو اللعب بأوراق الاقتصاد فى ظل واقع سياسى ينهار من الداخل.
ولماذا لا يتعلم نتنياهو ان طريق الضغط على مصر لن يؤدى إلى نتيجة خاصة وهو يعلم تماماً ان الدولة المصرية لديها الخبرة الكاملة فى التعامل مع مثل هذه الضغوط ولديها ايضاً ثوابت فى الأمن القومى وعقيدة لا تتزحزح فى قواتها المسلحة على مستوى عدم التفريط فى شبر واحد من أرضها وامنها القومى.
يتمتع رئيس وزراء إسرائيل بغباء سياسى مركب نتيجة فشله فى ملف غزة وأصبح عبئاً على إسرائيل نفسها والمظاهرات من ابناء شعبه تكاد تدخل إلى غرفة نومه.
مصر من الممكن ان تستغنى عن غاز إسرائيل ولكنها ابداً لن تغير ثوابتها تجاه القضية الفلسطينية.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الغاز الإسرائيلى الملف الفلسطيني لفت نظر ياسر شورى رئيس الوزراء الإسرائيلي غزة
إقرأ أيضاً:
مفهوم الحق
التباين بين المجتمعات تحكمها الظروف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وهى التى تؤثر فى سلوك الإنسان وثقافته؛ فالإنسان الذى يعيش فى الغابة يختلف عن الإنسان الذى يعيش فى الجبال أو الذى يعيش على الساحل، هذه الأماكن تعكس بعض السلوك الضرورى لاستمرار الحياة. ولعل النسبة العليا من البشر يعيشون فى السهول والوديان اعتقاداً منهم أن الحياة فى تلك البيئة أسهل له. والمجتمع المصرى من تلك المجتمعات التى عاشت ومازالت تعيش فى وادى النيل، وأن المجتمع المصرى منذ القدم لم يغير لغته غير ثلاث مرات تقريباً، ولم يغير دينه غير مرتين أو أكثر. والمصريون هم الذين يجعلون من حكامهم آلهة. ورغم الظروف التى مروا بها ورغم قهر حكامهم الأجانب الذين حكموا مصر فى بعض الأزمنة ظلت مصر على خريطة العالم، ولم تندثر ولم يمحها الزمن. وأن المواطن المصرى على مر التاريخ يأبى الضعف والهدم لأنه اعتاد البناء منذ فجر الأهرامات.. وتراثه الثقافى عطر بمفهوم الحق القائم على العدل. وهذا هو المبدأ الذهبى الذى يقوم عليه بنيان الاستقرار والاستقلال والأمان. ويشمل العدل الكامل بتحقيق مصالح الجميع، فلا ظالم أو مظلوم فى مجتمع العدل. والعدل مثل الشمس تغيب لكنها لا تموت، وسوف تفضح أى ظالم مهما طال الليل.