مصر.. لماذا تراهن دول الخليج بقوة على الساحل الشمالي؟
تاريخ النشر: 17th, October 2025 GMT
(CNN)-- منذ ستينيات القرن الماضي، كان الساحل الشمالي لمصر وجهةً سياحيةً شهيرةً لدى النخبة الثرية في البلاد، أما الآن، فيشهد ساحله المتوسطي، الممتد على طول 650 ميلاً، تحولاً عقارياً سريعاً وغير مسبوق.
وعلى مدار العقدين الماضيين، تم ضخ ما يُقدر بـ 70 مليار دولار في الساحل الشمالي لمشاريع على مستوى المدن، بما في ذلك منتجعات سياحية وأحياء سكنية ومناطق صناعية، ومن المتوقع ضخ استثمارات إضافية لا تقل عن 150 مليار دولار في العقود المقبلة، وفقاً لتحليل أجرته شركة برايس ووترهاوس كوبرز الشرق الأوسط.
وتأتي هذه الأموال بشكل رئيسي من دول الخليج، التي استثمرت 59 مليار دولار في مصر منذ 2021، وفقاً لشركة نايت فرانك للاستشارات العقارية.
وتُشير التقارير إلى أن قطر تُناقش حاليًا مشروعًا سياحيًا بقيمة 3.5 مليار دولار هناك، وفي 2025، حصلت مصر على أكبر استثمار أجنبي منفرد في تاريخها، حيث خُصص 35 مليار دولار من صندوق الثروة السيادية الإماراتي لمشاريع عقارية، بما في ذلك 24 مليار دولار لحقوق تطوير رأس الحكمة على الساحل الشمالي.
وستُطوّر شركة "مُدن القابضة"، ومقرها أبوظبي، شبه الجزيرة التي تبلغ مساحتها 170 كيلومترًا مربعًا- وهي تقريبًا بنفس مساحة العاصمة الأمريكية، واشنطن- ومن المتوقع أن تضم مساكن ومنتجعات ومتاجر وأماكن ترفيه ومرافق عامة مثل المستشفيات والمدارس.
ويتماشى هذا مع سعي الحكومة المصرية لتنويع اقتصادها، على أمل أن تُسهم المنتجعات الفاخرة الجديدة في جذب 30 مليون سائح سنويًا بحلول 2030، بزيادة عن الرقم القياسي الذي بلغ 15.7 مليون زائر دولي في 2024.
وأظهر تقرير صادر عن "نايت فرانك"، نُشر في سبتمبر/ أيلول، أن نصف الأفراد ذوي الثروات الكبيرة في الخليج يبحثون عن منازل لقضاء العطلات في مصر، ويُعدّ الساحل الشمالي أحد أكثر أسواق العقارات رواجًا في البلاد، بعد العاصمة الإدارية الجديدة.
وقال فيصل دوراني، رئيس قسم الأبحاث لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في "نايت فرانك" الشرق الأوسط: "أي شيء يُسهّل الاستثمار الداخلي يُعدّ أمرًا رائعا ليس فقط لمصر، بل لجميع أنحاء المنطقة، هذه أسواق ناشئة، وتلعب المعنويات دورًا بالغ الأهمية في تعزيز نشاط سوق العقارات"، وأضاف: "من الصعب حقًا قياس هذا الشعور الإيجابي".
"الاضطرابات المالية"
وقال تيموثي قلدس، نائب مدير "معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط" في واشنطن، إن "الوضع المالي المتدهور في مصر كان دافعا رئيسيا لهذا الاستثمار: فعلى مدار العقد الماضي، دأبت دول الخليج، إلى جانب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي، على إنقاذ مصر خوفًا من تبعات انهيارها، على صعيد الأمن الإقليمي وتأثيره على التجارة العالمية".
ويشير تحليل أجراه معهد تشاتام هاوس، وهو معهد سياسي مستقل مقره المملكة المتحدة، إلى أنه بين 2013 و2016، قدمت الإمارات والسعودية والكويت حوالي 30 مليار دولار كمساعدات لمصر، بهدف تحقيق الاستقرار الاقتصادي في أعقاب "الربيع العربي".
لكن بعد 3 أزمات مالية، يقول المحللون إن المستثمرين الخليجيين يبحثون الآن عن عوائد على استثماراتهم.
وقال قلدس إن تطوير رأس الحكمة سيشمل منطقة حرة، مع ترتيبات ضريبية وجمركية خاصة بها، ذلك سيشجع الاستثمار، لكنه يحذّر من أنه "يزيد من التساؤلات حول الحفاظ على سيادة الدولة على الأراضي المصرية، بسبب هذه التنازلات الكبيرة للقوى الإقليمية".
وتمتلك مصر حصة مبدئية قدرها 35% في المشروع، وهناك شفافية محدودة بشأن هيكل الصفقة أو المبلغ الذي ستدفعه للبنية التحتية، كما ذكر قلدس.
ووفقًا للدكتور عبدالخالق إبراهيم، نائب وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية المصري، فإن الحكومة "مسؤولة عن توفير البنية التحتية الرئيسية للمشروع، بما في ذلك الكهرباء والاتصالات وإمدادات المياه".
وأضاف لشبكة CNN في رسالة بريد إلكتروني: "إنشاء مجتمعات جديدة سيؤثر إيجابًا على الاقتصاد الكلي من خلال خلق فرص عمل وفرص استثمارية وأنشطة اقتصادية".
ارتفاع أسعار العقارات
رغم المخاوف، تواصل أسعار العقارات في الساحل الشمالي لمصر ارتفاعها: ففي يونيو/ حزيران، ارتفعت أسعار الفلل بنسبة 15.8% على أساس سنوي، ليصل متوسط سعر المتر المربع إلى 20 ألف جنيه مصري (420 دولارًا أمريكيًا).
وفي الشهر الماضي، طُرحت أولى العقارات في رأس الحكمة للبيع على الخارطة، حيث أفادت التقارير بمبيعات بلغت 10 مليارات جنيه مصري (210 ملايين دولار أمريكي) خلال أول 48 ساعة.
وهناك عدة عوامل وراء هذا الازدهار: انخفاض قيمة العملة العام الماضي، مما دفع المزيد من الناس إلى الاستثمار في العقارات للحفاظ على مدخراتهم، في حين أن التغييرات التشريعية الأخيرة التي سمحت للأجانب بتملك العقارات في مصر زادت الطلب، لا سيما بين المشترين الخليجيين.
بالإضافة إلى ذلك، أدى التضخم الجامح إلى ارتفاع تكاليف البناء.
ويُعد مشروع مراسي الساحل الشمالي أحد أكبر المشاريع التشغيلية في المنطقة، وهو وجهة متعددة الاستخدامات سكنية وسياحية وتجارية، على بُعد حوالي 93 ميلاً غرب الإسكندرية، وشيدته شركة إعمار العقارية، شركة التطوير العقاري التي تتخذ من دبي مقراً لها، والتي تقول إن عقاراتها تُباع الآن بأسعار تصل إلى 13,500 دولار أمريكي للمتر المربع.
وقال محمد علي راشد العبار، مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة "إعمار" العقارية: "إذا نظرنا إلى بداياتنا، فسنجد أن أسعار الشقق كانت 60 ألف دولار أمريكي، أما الآن، فقد حقق البعض أرباحاً تفوق قيمتها الحقيقية بخمسة أضعاف"، وأضاف: "نتيجة للتضخم، وجودة ما نبنيه، والمنافسة، ترتفع قيمة المشروع".
وذكر أن إعمار استثمرت 4 مليارات دولار أمريكي في مراسي الساحل الشمالي، التي توظف حوالي 20 ألف شخص في الموقع، وقد استقبلت بالفعل حوالي 4 ملايين سائح منذ إبريل/ نيسان.
وقال العبار إن الحكومة وافقت مؤخرا على خطط توسعة مشروع مراسي باستثمارات إضافية بقيمة مليار دولار، مضيفا أن من المتوقع أن يبدأ البناء في الأشهر المقبلة.
الإماراتالسعوديةالكويتمصراستثمار وتمويلالاقتصاد المصريالحكومة السعوديةالحكومة الكويتيةالحكومة المصريةالربيع العربينشر الجمعة، 17 أكتوبر / تشرين الأول 2025تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2025 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: استثمار وتمويل الاقتصاد المصري الحكومة السعودية الحكومة الكويتية الحكومة المصرية الربيع العربي الساحل الشمالی الشرق الأوسط دولار أمریکی ملیار دولار فی مصر
إقرأ أيضاً:
70 مليار دولار لانتشال غزة من تحت الركام
البلاد (جنيف)
في مشهدٍ يختزل مأساة غير مسبوقة، تغص شوارع غزة بجبالٍ من الركام تمتد على مدى كيلومترات، حيث تشير تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن تكلفة إعادة إعمار القطاع ستصل إلى نحو 70 مليار دولار، في واحدة من أضخم عمليات الإعمار في التاريخ الحديث.
وقال المتحدث باسم البرنامج جاكو سيليرز خلال مؤتمر صحفي في جنيف، إن الحرب خلّفت ما لا يقل عن 55 مليون طن من الأنقاض، موضحاً أن نحو 80% من مباني القطاع تدمّرت أو تضررت، فيما بلغت نسبة الدمار في مدينة غزة وحدها 92%. وأضاف أن عملية الإعمار قد تمتد “لعقد أو أكثر”، مشيراً إلى أن إزالة الركام تمثل التحدي الأكبر في المرحلة الأولى.
وأشار البرنامج إلى أن حجم الدمار الهائل يعني أن حصيلة القتلى الفعلية قد تكون أعلى بكثير من الأرقام المعلنة، نظراً لاحتمال وجود العديد من الجثث تحت الأنقاض. كما دعا إلى تمويل عاجل لإزالة الركام وإعادة تأهيل البنية التحتية وضمان تدفق المساعدات الإنسانية.
وفي السياق ذاته، أكد مسؤول في بلدية غزة أن إسرائيل دمّرت نحو 95% من الشاحنات والمعدات الثقيلة، ما جعل جهود الإزالة شبه مستحيلة دون دعم دولي مباشر. كما أوضح أن الحرب دمّرت 193 ألف مبنى بالكامل، وتسببت في خروج معظم المستشفيات عن الخدمة باستثناء 16 تعمل جزئياً.
وأوضح المسؤول أن المدينة وحدها تضم أكثر من 50 مليون طن من أنقاض المباني السكنية والمنشآت الصناعية، بينما تعرّض نحو 90% من شوارعها للدمار الكامل، مما يجعل من “إزالة الركام” أولوية مطلقة قبل أي عملية إعادة إعمار.
ورغم حجم الكارثة، قال سيليرز إن الأمم المتحدة تلقت مؤشرات إيجابية بشأن التمويل من عدة دول عربية وأوروبية والولايات المتحدة، ما يمنح بصيص أمل لبدء عملية إعادة الإعمار تدريجياً، وسط تقديرات بأن غزة ستحتاج سنوات طويلة لتعود للحياة مجدداً.