يقف على بعد خطوات من أهرامات الجيزة صرح مهيب يروي قصة من الإصرار المصري على مجد لا يشيخ، قصة بدأت قبل أكثر من عقدين وتحولت إلى مشروع يوصف اليوم بأنه أعظم متحف أثري في العالم، إنه المتحف المصري الكبير، الذي تستعد مصر لافتتاحه رسميا في الأول من نوفمبر المقبل، في احتفالية عالمية ينتظرها عشاق الحضارة من كل أنحاء الأرض.

تعود بداية المشروع إلى عام 2002، عندما أطلقت مصر مسابقة عالمية لتصميم متحف يليق بحضارتها التي تمتد لأكثر من سبعة آلاف عام. أكثر من 1500 مكتب هندسي من 83 دولة قدم تصاميمه، لكن الجائزة الكبرى ذهبت إلى مكتب إيرلندي قدم رؤية معمارية تجمع بين الحداثة وروح الفراعنة.

اختير موقع المتحف بعناية عند هضبة الجيزة، بحيث يطل مباشرة على الأهرامات الثلاثة، في حوار بصري بين الماضي والمستقبل، بين الحجر القديم والزجاج الحديث، وبين مجد الأجداد وطموح الأحفاد.

وفي عام 2005؛ تم وضع حجر الأساس بحضور رسمي ودولي واسع، ليبدأ فصل جديد من رحلة البناء التي ستستغرق قرابة عشرين عاما، وتتحول إلى ملحمة هندسية وثقافية غير مسبوقة في العالم العربي.
لم يكن الطريق نحو الحلم مفروشا بالورود؛ فبين اضطرابات التمويل العالمي، والتغيرات السياسية التي شهدتها مصر في العقد الماضي، تعثر المشروع أكثر من مرة.

لكن الإصرار على استكماله ظل حاضرا؛ إذ أدركت الدولة المصرية أن هذا المتحف ليس مجرد مبنى، بل مشروع وطني للهوية ورسالة حضارية للأجيال القادمة.

وبفضل شراكات دولية واسعة، تم وضع خطط دقيقة لاستكمال البناء وفق أعلى المعايير الهندسية العالمية، مع مشاركة آلاف الخبراء والمهندسين وعلماء الآثار من مصر والعالم.

ويمتد المتحف المصري الكبير على مساحة تتجاوز نصف مليون متر مربع، ليصبح أكبر متحف أثري في العالم مخصص لحضارة واحدة.
وفي مدخله الرئيسي، يقف شامخا تمثال رمسيس الثاني الضخم بارتفاع 12 مترًا، الذي نُقل في عملية دقيقة من ميدان رمسيس عام 2018 ليقف شامخًا في “البهو العظيم”، كأنه يستقبل زواره بابتسامة من يعرف أن مجده خالد.

وتعكس الواجهة الزجاجية المائلة أهرامات الجيزة، وكأنها تقول إن الماضي لا يزال يطل على الحاضر. أما التصميم الداخلي فيستند إلى محور بصري يمتد من بوابة الدخول حتى الهرم الأكبر، في مشهد يحبس الأنفاس ويجعل الزائر يعيش تجربة زمنية فريدة.

ويمكن القول انه وراء كل قطعة أثرية معروضة في المتحف حكاية إنقاذ ومعاناة وجهد علمي خارق.

ومنذ عام 2010، بدأت فرق أثرية مصرية ودولية نقل مئات آلاف القطع من المتاحف والمخازن والمواقع الأثرية، في عملية وُصفت بأنها أكبر عملية نقل وترميم أثرية في القرن.

وحتى اليوم، تجاوز عدد القطع المنقولة إلى المتحف 100 ألف قطعة، خضعت جميعها للفحص والترميم في معامل هي الأكبر من نوعها في الشرق الأوسط، والمزودة بأحدث تقنيات التحليل والحفظ.

ومن بين هذه الكنوز، تبرز المجموعة الكاملة لتوت عنخ آمون، التي تُعرض لأول مرة مجتمعة منذ اكتشافها في وادي الملوك عام 1922، بعد قرن كامل من لحظة العثور عليها على يد البريطاني هوارد كارتر.
وتتوزع القطع في قاعات ضخمة صممت بعناية لتروي رحلة الإنسان المصري منذ فجر التاريخ وحتى نهاية العصور الفرعونية، في عرض بصري وتفاعلي يعيد تعريف المتاحف التقليدية.

لا يكتفي المتحف بعرض الآثار، بل يقدم تجربة رقمية متكاملة تجمع بين التقنيات التفاعلية والواقع الافتراضي، ما يسمح للزائر بأن يعيش مغامرة داخل المقابر الملكية أو يشاهد مراحل بناء الأهرامات كما لو كان في قلب الحدث قبل آلاف السنين.

ويضم المشروع مركزًا للبحوث الأثرية والترميم، ومسرحًا حديثًا، ومكتبة متخصصة، وساحات خضراء ومناطق ترفيهية، ليصبح وجهة ثقافية وسياحية متكاملة تستقبل ملايين الزوار سنويًا.

وتستعد القاهرة لحدث يوصف بأنه أكبر احتفال ثقافي في القرن الحادي والعشرين، مع افتتاح المتحف رسميًا في الأول من نوفمبر المقبل.

وسيحضر الافتتاح قادة وزعماء ومؤرخون وفنانون من مختلف أنحاء العالم، في احتفالية تجمع بين الإبهار الفني والرمزية الحضارية، تعكس مكانة مصر كأرض للثقافة والخلود.

وسيشمل الحفل عروضًا ضوئية وموسيقية ضخمة تستلهم روح الحضارة المصرية القديمة، وتبث مباشرة إلى مئات الملايين حول العالم.

ويعد افتتاح المتحف المصري الكبير تتويجا لاستراتيجية مصر في إحياء الذاكرة الحضارية وبناء بنية ثقافية جديدة تعيد للعالم الثقة في قوتها الناعمة.

الحضارة المصرية ليست مجرد صفحات في كتب التاريخ

فمن موكب المومياوات الملكية عام 2021 إلى افتتاح المتحف الكبير، تسعى القاهرة إلى تأكيد أن الحضارة المصرية ليست مجرد صفحات في كتب التاريخ، بل طاقة حية تلهم الحاضر وتبني المستقبل.

ومن المتوقع ان يسهم المتحف في زيادة عدد السياح إلى أكثر من 15 مليون سنويا، وسيحول منطقة الأهرامات إلى مركز عالمي للثقافة والتراث؛ بما ينعكس إيجابًا على الاقتصاد المصري وعلى صورة مصر في العالم.

وبينما يستعد العالم لفتح أبواب المتحف المصري الكبير، يدرك الجميع أن ما سيعرض خلف جدرانه ليس مجرد آثار من الماضي، بل شهادة على قدرة الإنسان المصري على التحدي والبناء.

ومن أول فكرة على الورق، إلى افتتاح طال انتظاره، امتدت رحلة المتحف على مدى أكثر من عشرين عامًا، لتجسد في النهاية جوهر مصر: بلد يعرف كيف يحول التاريخ إلى مستقبل.

طباعة شارك مصر المتحف المصري المتحف المصري الكبير تقرير التاريخ أهرامات الجيزة

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: مصر المتحف المصري المتحف المصري الكبير تقرير التاريخ أهرامات الجيزة المتحف المصری الکبیر أکثر من

إقرأ أيضاً:

أحمد غنيم: العالم في انتظار الافتتاح الكبير للمتحف المصري

أكد أحمد غنيم، الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف المصري الكبير، أن الافتتاح المرتقب للمتحف بات محل ترقب عالمي واسع، مشيرًا إلى أن الجميع ينتظر لحظة الإعلان عن هذا الحدث التاريخي الذي تأجل أكثر من مرة، آملاً أن يتم هذه المرة بنجاح كامل.

العالم يترقب حدثا استثنائيا..افتتاح المتحف المصري الكبير يقترباشتعال ذاتي.. كواليس احتراق سيارة أمام المتحف المصري الكبير| صور

وأوضح غنيم خلال حواره على قناة القاهرة الإخبارية أن العمل داخل المتحف يسير بوتيرة متسارعة استعدادًا للحدث، حيث تعمل الفرق المختلفة بشكل مكثف لوضع اللمسات الأخيرة على قاعات العرض وتنظيم استقبال المقتنيات الأثرية، وفي مقدمتها قناع الملك توت عنخ آمون الذي يُعد من أبرز القطع المنتظر عرضها خلال الافتتاح.

وأضاف أن هناك جهودًا كبيرة تُبذل لتحسين مسار الزوار بالتنسيق مع الجهات المعنية، بهدف تقديم تجربة متكاملة للضيوف خلال فعاليات الافتتاح، مشددًا على أن جميع التفاصيل تُدار بدقة عالية لضمان خروج الحدث بالصورة التي تليق بمكانة مصر الحضارية.

وأشار إلى أن مشروع المتحف المصري الكبير استغرق أكثر من عشرين عامًا من التحضير والتنفيذ، موضحًا أن الفكرة انطلقت منذ تسعينيات القرن الماضي، وواجهت العديد من التحديات سواء على المستوى الإداري أو المالي. وأكد أن ما تحقق حتى الآن يُعد إنجازًا ضخمًا بجهود مصرية خالصة، إلى جانب تعاون مع مكاتب استشارية عالمية ودعم فني ومادي من دولة اليابان، التي ساهمت في تقديم قرض ومساندة تقنية لإنجاح المشروع.

وأكد أن المتحف المصري الكبير يمثل رمزًا عالميًا للحضارة المصرية، ومع افتتاحه الوشيك ستشهد مصر والعالم حدثًا ثقافيًا غير مسبوق يعكس ريادة الدولة في صون التراث الإنساني وعرضه بأحدث الأساليب المتحفية المعاصرة.

https://www.youtube.com/live/VRCnkmpOzj0?si=sMBbuB8SLcO3QMBt

طباعة شارك المتحف المصري الكبير قناع الملك توت عنخ آمون المتحف المصري

مقالات مشابهة

  • المتحف المصري الكبير يكشف موعد افتتاح قاعة توت عنخ آمون
  • منى صالح تكشف استعدادات افتتاح المتحف المصري الكبير يشهدها العالم
  • المتحف المصري الكبير.. قصة تحويل التاريخ إلى مستقبل
  • المتحف المصري الكبير يعلن افتتاح قاعة توت عنخ آمون في نوفمبر
  • المتحف المصري الكبير يستعد لاستقبال قادة العالم
  • أحمد غنيم: العالم في انتظار الافتتاح الكبير للمتحف المصري
  • مدبولي يكشف لصدى البلد آخر استعدادات الحكومة لافتتاح المتحف المصري الكبير
  • موعد افتتاح المتحف المصري الكبير
  • محافظ الجيزة يبحث استعدادات الفنادق والجهات التنفيذية لافتتاح المتحف المصري الكبير