الأسرة.. قالت دار الإفتاء المصرية إن من مظاهر توطيد الإسلام لعلاقة الاحترام والتوقير والتعاطف في الأسرة أو في المجتمع ككل: وجوب النفقة على الأب الكبير الفقير العاجز عن الكسب على ولده -أو ابنته-؛ مثل أن يكون مريضًا مرضًا مزمنًا أو كبير سن لا يقدر على الكسب، وكذلك وجوب النفقة على الابن تجاه أحد والديه -أو كلاهما- إذا كان في نفس الحال.

توطيد الإسلام لعلاقة الاحترام  والتعاطف في الأسرة والمجتمع:

وأوضحت أن الإنسان مأمورًا بتوقير وإجلال من هو أكبر منه، موضحة أن أولى الناس بهذا الإجلال والتوقير الوالدين، فقد جمعا بين الكبَر والتفضل على الابن، بالإضافة إلى أن الشريعة قد أمرت بإكرامهما وإجلالهما، ولا خلاف أنَّ عقوق الوالدين أو أحدهما من كبائر الذنوب.

توقير واحترام الأسرة:

وورد عن أنسٍ رضي الله عنه، قال: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم عن الكبائر، قال: «الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ» متفقٌ عليه، كما أن طاعتهما وبرهما والإحسان إليهما وحسن معاملتهما أمورٌ واجبة مؤكدة جاءت مقرونة بتوحيد الله عزَّ وجلَّ؛ قال تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ [الإسراء: 23].

هجر الوالدين وعدم الحفاظ على الأسرة:

وقالت الإفتاء إن هجر الوالدين في كبرهما وتركهما دون رعاية حتى يصابا بأذى عقوق وكبيرة من كبائر المحرمات.

الأسرة:

كما أن الشريعة الإسلامية قد أولت الوالدين في مرحلة الكِبَر عناية خاصة، لما يكونان فيه من ضعف وحاجة إلى الرعاية المادية والمعنوية؛ فبعد أن أمر الحق سبحانه ببر الوالدين في جميع الأحوال، خص كبرهما بوصية مستقلة، فقال سبحانه: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: 23]؛ آمرًا بالإحسان، ولين القول، والصبر على ما قد يظهر منهما من ضعف أو عجز، وجعل ذلك من أعظم القُرُبات.

بر الوالدين ولم شمل الأسرة:

وجعل الله سبحانه أجر بر الوالدين والإحسان إليهما أو أحدهما -سيما في الكبر- كأجر الحج والعمرة والجهاد في سبيله، فقد أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَقَالَ: إِنِّي أَشْتَهِي الْجِهَادَ، وَإِنِّي لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «هَلْ بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ وَالِدَيْكَ؟» قَالَ: أُمِّي، قَالَ: «فَاتَّقِ اللهَ فِيهَا، فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ فَأَنْتَ حَاجٌّ وَمُعْتَمِرٌ، وَمُجَاهِدٌ، فَإِذَا دَعَتْكَ أُمُّكَ فَاتَّقِ اللهَ وَبِرَّهَا». [أخرجه البيهقي في شُعب الإيمان]

وجعل سيدنا رسول الله ﷺ السعي على حاجاتهما وطلب رضاهما جهاد في سبيل الله؛ فقد جاء رجل إلى النبي ﷺ يستأذنه في الجهاد فقال ﷺ: «أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟»، قال: نعم، قال: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ». [أخرجه مسلم]

الأسرة

قال سيدنا رسول الله ﷺ: « أَلا أُخْبِرُكُمْ بأَكْبَرِ الكَبائِرِ؟» قالوا: بَلَى يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: «الإشْراكُ باللَّهِ، وعُقُوقُ الوالِدَيْنِ». [متفق عليه]

كما أنه لا يرفع إثم العقوق اكتفاء الأولاد بالإنفاق على الوالدين دون سؤال ولا عناية ولا مؤانسة، حتى إنه لتمر الأعوام تلو الأعوام، دون أن يرى الوالدان أولادهم ولا أحفادهم، فللوالدين حق أسري نفسي إلى جوار حقهم المادي؛ ردًّا لإحسانهم بالإحسان، وبرًا بهم بعد أن بذلوا زهرة شبابهم وأموالهم وأقواتهم وأوقاتهم، وكما أن إدخال السرور على الوالدين إحسان مبرور، كذلك إحزانهما نفسيًّا من العقوق؛ يقول ابن عمر رضي الله عنهما: «بكاء الوالدين من العقوق». [الأدب المفرد]

والبر بهما لا يقف عند حدود النفقة فحسب، بل يشمل حسن السؤال عنهما، ومجالستهما، وتطييب خاطرهما، ومؤانستهما في وحدتهما، وإدخال السرور عليهما؛ فإن في ذلك قربة عظيمة لا يعدلها كثير من أعمال البر والطاعات.

 

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الأسرة اهمية الأسرة بناء الاسرة والمجتمع الأسرة والمجتمع ترابط الأسرة

إقرأ أيضاً:

التراحم الاجتماعي لمواجهة التحديات.. قضية الإسلام الأولى

التراحم الاجتماعي لمواجهة التحديات.. قال الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية السابق: إن قضية التراحم بين العالمين هي قضية الإسلام الأولى، وقد حث الإسلام في تكامله على الرحمة ودعا إلى التراحم والرفق في الأمور كلها.

فقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].

وقال صلى الله عليه وسلم مخبرًا عن نفسه: «إنما أنا رحمة مهداة». 

التراحم المجتمعي

وأوضح عبر موقع دار الإفتاء الرسمى، أن التشريع الإسلامي إنما يجسد موضوع الرحمة والتراحم المجتمعي، وهو ما يلاحظ من استقراء التشريع وتتبعه بشكل كامل.

شوقي علام بعد تعيينه بمجلس الشيوخ: جعلنا الله عند حسن ظن قيادتنا وشعبناشوقي علام: التعليم حق أصيل للطفل وتتحمل مسئوليته الأسرةشوقي علام: حماية السائح ليست فقط التزامًا قانونيًا بل واجب شرعي عليناشوقي علام: الصحابة تركوا الآثار في البلاد المفتوحة دون المساس بها

مكانة الرحمة والتكافل في الإسلام
وأضاف ان التشريع في أمره ونهيه إنما يحقق المصلحة في جانب الأوامر ويدفع المفسدة في جانب النواهي، وكلاهما رحمة للعالمين، فضلًا عن أن المنظور الشرعي يلحظ مصلحة الخلق في الدنيا والآخرة، فالإسلام في نظرته إلى التراحم إنما ينظر إليها نظرة كليةً شاملة، بحيث نشعر أن التشريع يحيط الإنسان بالرحمة منذ ولادته وحتى يوم الدين.


وتابع: والتطبيق العملي للتشريع في إجراءاته المتنوعة يهتم بقضية التكافل والتراحم، نجد ذلك مبثوثًا في أمور الشريعة كلها، كالإعانة للطوائف المحتاجة، كما نرى أن تشريعات الزكاة جاءت متكاملة لتصب في صالح المحتاجين، والحكمة منها هي كفاية المحتاج، حيث لا يشعر بالتهميش والدونية؛ بما يدفعه للتفاعل مع المجتمع مؤثرًا فيه ومتأثرًا به إيجابًا لا سلبًا.


ونوه ان هذه الطوائف المحتاجة في مجملها هي طوائف مستهلكة قابلة للاستهلاك بشكل عام فكلما ملكت مالًا استهلكته، ومردود ذلك جيد عند الاقتصاديين لما يمثله من دوران عجلة الاقتصاد فيرتد أثر ذلك على المجتمع بعمومه، ولهذا قال الرسول الكريم: «ما نقصت صدقة من مال».

 فالمعطي وإن كان له فضل العطاء، فإن ثمرة الصدقة تعود إلى المتصدق بدورها، عن طريق دوران عجلة الإنتاج وانتعاش الاقتصاد وحركة السوق، وذلك لب نظرية التشغيل التي نادى بها الاقتصادي الإنجليزي جون ماينرد كينز لإعادة دوران عجلة الاقتصاد بعد الكساد الكبير، وهو كذلك ثمرة نظرية الزكاة في الإسلام، عن طريق تزويد الفقراء والمحتاجين بالصدقات بما يخلق لديهم القدرة على الاستهلاك ومن ثم تشغيل عجلة الإنتاج.


وذكر أن تشريعات الزكاة تشمل ثمانية مصارف حددها العلماء، ومصرف في "سبيل الله" يتسع لجملة الخير كله، وقد بحثنا حكم إعطاء الزكاة للاجئين والمتضررين من السيول والكوارث في دار الإفتاء، فوجدنا الفقهاء بحثوه بحثًا ماتعًا اعتبروا فيه المتضرر كالمنقطع مثله مثل ابن السبيل حتى يجتاز ظرفه الطارئ هذا، وعليه قِيس المتضررون من الكوارث والسيول على مصرف ابن السبيل.

الحث على التراحم والتكافل
ولفت الى أن هناك نصوص كثيرة تحث على التراحم والتكافل، وهي من الكثرة بحيث يصعب حصرها، حيث يصف ربنا نفسه بالرحمة ابتداءً، وعليه يبتدئ المسلم عمله صغيرًا كان أو كبيرًا بـ "باسم الله الرحمن الرحيم"، وكل عمل الإنسان يجب أن يكون مشتقًّا من الرحمة ليثمر التراحم، حيث: «الراحمون يرحمهم الرحمن»، وهذا التعبير الرائع يصلح عنوانًا لكل إنسان مسلم، بحيث يجب أن تكون حياته رحمة وتراحمًا مع غيره.

 فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رؤوفًا رحيمًا، لم يضرب حيوانًا ولا نباتًا ولا جمادًا، كان يحث عل الرفق في كل شيء، والرفق من ثمرات التراحم واستحضاره يولد الرحمة بكل ما في الوجود حتى الجماد؛ دخلت امرأة النار في هرة حبستها، ودخلت بَغِيٌّ الجنةَ في كلب سقته. ثم يرتفع صلوات ربي عليه وسلامه بالرحمة إلى ذراها عندما يعامل الإنسان إلى درجة أنه لم يضرب زوجًا ولا ولدًا ولا خادمًا ولم يضرب على الجملة أحدًا بيده قط، وإنما هي يد الكرم والعطاء والرحمة، التي ترتكز في النفوس فتجد ثمرة ذلك على سلوك المسلم العام.


واختم كلامه قائلًا: تأتي إلى دار الإفتاء أسئلة كثيرة عن الزكاة والصدقات والإعانات، بما يعكس شعورًا جمعيًّا بضرورة التعاون والتكافل والتراحم، والوعي بهذه القضية يعكس ثقافة المجتمع ومدى حضور النموذج النبوي الموروث من رسولنا الكريم، والإنسان المسلم نموذج حضاري خُلق لنفع المجتمع فتجده ملبِّيًا كل نداء للخير.

طباعة شارك مكانة الرحمة والتكافل في الإسلام الزكاة الحث على التراحم والتكافل التراحم الرحمة التراحم الاجتماعى

مقالات مشابهة

  • الإفتاء: العنف الأسري ضد الزوجة والأبناء لا علاقة له بالإٍسلام
  • علي جمعة: الإسلامُ اهتم ببر الوالدين.. وطاعتَهما من أفضل القُرُبات
  • بر الوالدين.. لماذا أوجب الإسلام تقديم الشكر والعرفان لهما؟
  • دماء الشهداء.. وقود النصر وبذور الخلود
  • التراحم الاجتماعي لمواجهة التحديات.. قضية الإسلام الأولى
  • رسائل الإسلام للتجار والاعتدال في البيع والشراء
  • الإفتاء: الإنسان مأمور بتوقير وإجلال من هو أكبر منه والأولى الوالدين
  • عقوبة القتل في الإسلام ومصير فاعله في الآخرة
  • هل يجوز تأخير الإنجاب بسبب عدم القدرة على القيام بمسؤولية رعاية الأولاد؟