برج آزادي رمز طهران الأبيض بين التاريخ والحداثة
تاريخ النشر: 18th, October 2025 GMT
في قلب العاصمة الإيرانية طهران، يقف برج آزادي شامخا كأحد أبرز معالم المدينة وأكثرها رمزية. بارتفاع يبلغ نحو 45 مترا وتصميم فريد مكسوٍّ بالرخام الأبيض، لا يُعد البرج مجرد إنجاز معماري، بل رمزا سياسيا وثقافيا يجسد فصولا من تاريخ إيران الحديث.
شُيّد البرج عام 1971 في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، ويصادف يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول الجاري الذكرى الـ54 لتدشينه.
كان يُعرف في بداياته باسم "برج شهیاد"، أي "تذكار الشاه"، إذ أُقيم ضمن احتفالات إيران بمرور 2500 عام على تأسيس الإمبراطورية الفارسية، ليعكس حينها مجد التاريخ الفارسي ويُبرز سلطة الدولة. غير أن تغيّر المشهد السياسي بعد ثورة 1979 حمل للبرج معنى جديدا واسمه الجديد "برج آزادي"، أي "الحرية"، ليغدو رمزا لمرحلة مختلفة من تاريخ البلاد، وساحة رئيسية للتظاهرات والاحتفالات الوطنية.
صمّم برج آزادي المهندس الإيراني حسين أمانات، الذي لم يكن قد تجاوز الـ24 من عمره عندما فاز في المسابقة الوطنية لتشييده. استلهم أمانات رؤيته من مزيج معماري متوازن يجمع بين عناصر التاريخ والحداثة، فدمج في تصميمه:
الأقواس الإسلامية بانحناءاتها الرشيقة التي تعكس الطابع الروحاني للفن الإسلامي. الزخارف الساسانية المحفورة بعمق في الرخام، التي تشير إلى الإرث الفارسي. الرخام الأبيض من أصفهان -الذي يغطي الواجهة بالكامل- يضفي على البرج إشراقا وأناقة مميزة.وهكذا جاءت النتيجة بناء يجسّد الحداثة من دون أن يتنكر لجذوره، كجسر بصري يربط بين الماضي والحاضر، ويحكي من خلال حجَره قصة الهوية الإيرانية المتجددة.
ورغم أن معظم الزوار يكتفون بالتقاط الصور أمام برج آزادي أو في الساحة الواسعة المحيطة به، فإن ما يخبئه الداخل يروي قصة مختلفة تماما. فأسفل البرج، يقع متحف صغير يحتضن معروضات تاريخية ووثائق نادرة، إلى جانب قاعات للفنون ومكتبة تضيف للمكان طابعا ثقافيا متكاملا.
إعلانتتميز القاعات الداخلية بتصميمها الفريد على شكل أنفاق منحنية مكسوة بالحجر، تمنح الزائر إحساسا بالانتقال بين طبقات الزمن، وتتيح له اكتشاف أبعاد ثقافية وفنية ربما لا تبدو واضحة عند الاكتفاء بمشاهدة البرج من الخارج.
وتقول الطالبة مريم (22 عاما): "في زيارتي الأولى، اكتفيت بالصور في الساحة، لكن عندما دخلت المتحف تغيّر إحساسي كليا، شعرت أن المكان يروي تاريخا أعمق مما يبدو على الواجهة".
منذ الثورة الإيرانية عام 1979 وحتى اليوم، ظلت ساحة آزادي بمثابة القلب النابض لطهران؛ شهدت على ملايين التجمعات في لحظات مفصلية من تاريخ البلاد، من المظاهرات والاحتجاجات إلى الاحتفالات الوطنية التي توحد الإيرانيين حول رموزهم المشتركة.
إلى جانب دوره السياسي، أصبح البرج معْلما سياحيا بارزا. فعند قدوم الزائرين من مطارَي طهران، غالبا ما يكون أول ما تقع عليه أعينهم. وهو اليوم يزيّن البطاقات البريدية والملصقات الترويجية، ليصبح رمزا يعادل في أهميته برج إيفل لباريس أو ساعة بيغ بن للندن.
السائح البريطاني جيمس يصف تجربته قائلا "رأيت صورا كثيرة للبرج قبل زيارتي لطهران، لكن عندما وقفت أمامه ليلا بأضوائه الزرقاء والخضراء شعرت أنني أمام بوابة خيالية، لا مجرد نصب تذكاري".
برج آزادي اليوم ليس مجرد بناء رخامي شاهق، بل إنه مرآة للتحولات السياسية، وساحة للتعبير الشعبي، ومكان ثقافي يجمع بين الفنون والتاريخ. وهو أيضا نقطة التقاء بين الأجيال، بين من يتذكرون اسمه القديم "شهیاد"، ومن لا يعرفونه إلا كـ"آزادي".
يظل برج آزادي شاهدا صامتا على نصف قرن من تاريخ إيران المتقلب، فبين الأقواس والرخام والأنفاق الداخلية، يحكي قصصا عن السلطة والثورة، وعن الفن والمعمار، وعن هوية بلد يبحث دائما عن الحرية في قلب عاصمته.
زيارة برج آزادي ليست مجرد تجربة لمشاهدة معلم معماري شهير، بل رحلة داخل ذاكرة طهران الحديثة. من الرخام الأبيض إلى الأنفاق الداخلية، ومن الساحة الصاخبة إلى الأضواء الليلية، يقدم البرج مزيجا فريدا من التاريخ والثقافة والرمزية السياسية، إنه مكان لا بد أن يمر به كل من تطأ قدماه العاصمة الإيرانية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات من تاریخ
إقرأ أيضاً:
تحفّظ في إسرائيل وبرود في طهران.. هكذا استُقبل عرض ترامب للسلام مع إيران
قوبل عرض الرئيس الأميركي للسلام مع إيران بتحفّظ في إسرائيل وبرود في طهران، ورأت تحليلات أنه مناورة رمزية مرشحة لزيادة التوتر بدل تحقيق السلام. اعلان
أطلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب مبادرة غير مسبوقة خلال زيارته إلى الشرق الأوسط، حين دعا من على منبر الكنيست الإسرائيلي إلى "صفقة سلام" مع إيران، العدو اللدود لإسرائيل.
قال ترامب في كلمته: "سيكون من الرائع لو عقدنا صفقة سلام معهم. ألن يكون ذلك جميلًا؟ أعتقد أنهم يريدون ذلك".
وقدّم ما وصفه بـ"غصن الزيتون" لطهران، مشترطًا أن توقف دعمها لجماعات مثل حماس وحزب الله، وأن "تعترف بحق إسرائيل في الوجود".
هذا الطرح المفاجئ وما تبعه من ردود فعل متباينة، كان محور مقال تحليلي نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، رأت فيه أن مبادرة ترامب تحمل طابعًا رمزيًا أكثر من كونها خطة واقعية لتحقيق السلام.
تحفظ في تل أبيب وبرود في طهرانأوضحت الصحيفة أن ردّ الفعل الإسرائيلي كان متحفظًا، إذ رأى سياسيون أن كلام ترامب "بعيد عن الواقع" ويتناقض مع عقود من العداء لإيران التي تُعتبر تهديدًا وجوديًا للدولة العبرية.
أما في طهران، فقد قوبلت الدعوة الأميركية ببرود شديد ورفض قاطع. فقد تجاهلت القيادة الإيرانية دعوة ترامب لحضور اجتماع في شرم الشيخ للاحتفال بوقف الحرب في غزة.
وأكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن بلاده لا يمكنها التفاوض مع من "هاجم الشعب الإيراني وما زال يفرض عليه العقوبات"، في إشارة إلى القصف الأميركي لمنشآت نووية في فوردو وأصفهان ونطنز في حزيران/يونيو الماضي، واغتيال قائد فيلق القدس السابق الجنرال قاسم سليماني عام 2020.
Related ترامب يهدّد حماس: "بكلمة واحدة".. إسرائيل قد تعود للحرب في غزةترامب يمنح "CIA" تفويضاً لعمليات سرية في فنزويلا ويدرس تنفيذ هجمات بريةبعد دعوة ترامب للعفو عنه.. نتنياهو يمثل مجددا أمام المحكمة في قضايا الفساد مناورة رمزية وفرصة ضئيلة للسلامبحسب الغارديان، فإن مبادرة ترامب أقرب إلى مناورة سياسية منها إلى محاولة جدية لفتح صفحة جديدة مع طهران.
ونقلت عن نادر هاشمي، أستاذ سياسات الشرق الأوسط في جامعة جورجتاون، قوله إن "ترامب يريد أن يبدو دبلوماسيًا، لكنه سلك هذا الطريق من قبل، وانتهى الأمر بحرب جديدة".
وأضاف أن طهران "لا تثق إطلاقًا بالولايات المتحدة"، وأنها ستركز على تعزيز قدراتها الدفاعية والعسكرية بدلًا من التفاوض على اتفاق قد لا يصمد طويلًا.
كما نقلت الصحيفة عن عباس ميلاني، مدير الدراسات الإيرانية في جامعة ستانفورد، أن فرص التوصل إلى اتفاق "معدومة" طالما بقي المرشد الأعلى علي خامنئي في الحكم، واصفًا دعوة ترامب لمسؤولي النظام الإيراني بأنها "تشبه دعوة مشعل الحريق للاحتفال بنهاية الحريق".
انقسامات داخل النظام الإيرانيذكرت الغارديان أن عرض ترامب أثار نقاشًا غير معتاد داخل إيران، إذ تساءل بعض المسؤولين والمحللين: "لماذا لا نذهب ونتحدث؟".
ويرى ميلاني أن هذه الانقسامات كانت نادرة في الماضي، لكنها باتت اليوم أكثر وضوحًا مع تصاعد الاحتجاجات ضد القوانين الصارمة والأوضاع الاقتصادية المتدهورة.
ويضيف أن ترامب، وإن كان يتصرف بدافع الغريزة، "قد يكون ساهم في إشعال التوتر داخل النظام الإيراني"، وهو ما قد يشكّل مقدمة لتغيرات مستقبلية في بنية الحكم.
تصعيد محتمل ومستقبل غامضتخلص الغارديان إلى أن احتمال التصعيد يفوق فرص التهدئة. ونقلت عن المحلل سينا طوسي من مركز السياسة الدولية قوله إن إدارة ترامب تعتقد أن إيران ضعفت ويمكن الضغط عليها لانتزاع "تنازلات أكبر من مجرد اتفاق نووي".
لكن إيران، وفق طوسي، سترد بتقوية تحالفاتها مع الصين وروسيا ودول الجوار، ما قد يؤدي إلى تصعيد جديد في المنطقة.
ترى الغارديان في ختام مقالها التحليلي أن عرض ترامب للسلام، رغم نبرته التصالحية، لم ينجح في تبديد العداء التاريخي بين واشنطن وطهران، بل زاد من تعقيد المشهد.
ففي منطقة أنهكتها الحروب والنزاعات، لا يبدو أن خطابًا في الكنيست قادر على تغيير المسار.
ويبقى "عرض السلام" الذي طرحه ترامب، كما ترى الصحيفة، خطوة رمزية في شرق أوسط مثقل بالانقسامات، أكثر منه بداية حقيقية لمسار سلام طويل الأمد.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة