نورمان فنكلستين .. قوة المفارقة
تاريخ النشر: 18th, October 2025 GMT
قُدّر لنورمان فنكلستين أن يعيش «المفارقة» بكل قوة، سيولد فيها ويعيشها ويناضل من خلالها. إنها مفارقة اليهودي الأمريكي الذي يكتشف نفسه ابنًا لأبوين ناجيين من معسكرات الاعتقال النازية بعد أن أبيد معظم أفراد العائلة؛ لكنه مع ذلك، بل لأجل ذلك في الواقع، سيكرس حياته الأكاديمية للإطاحة بأسطورة الهولوكوست التي ترسَّخت بوصفها المرجع الثابت في الثقافة الأمريكية بعد حرب 1967، لتصبح الجذر الفكري والعاطفي لتحالف أمريكي إسرائيلي لا مثيل له بين دولتين في التاريخ، إلى حد اعتباره «زواجًا كاثوليكيًا» كما درج كثير من المعلقين السياسيين على وصفه.
دأب فنكلستين على كتابة مشروعه الأبرز «صناعة الهولوكوست.. تأملات في استغلال المعاناة اليهودية» بدافعٍ شخصي يرفض استغلال معاناة أبويه الناجيين من جيتو وارسو، مشيرًا إلى أن تذكر المحرقة النازية في السياقات الأمريكية قبل تلك الحرب الخاطفة (1967) بدا كما لو أنه قضية شيوعية، وهو ما جعل النخبة اليهودية تتجاهل ذكراها. لقد فضلت كبار الشخصيات اليهودية الالتزام تمامًا بالسياسة الرسمية الأمريكية خشيةً من أن تربط أسماؤها بشبهة اليسار السياسي أو بأي صلة بالأنشطة السوفييتية، وخاصة خلال الحملة المكارثية في السنوات الأولى من الحرب الباردة. لكن النقمة كانت تتنامى لدى الكثير من الناجين الذين رغبوا باستمرار وبحرقةٍ في حكاية مأساتهم دون أن يجدوا أذنًا صاغية من الأمريكيين. لم يصغِ لهم أحد، لم يفهمهم أحد، ولم يكن في الفضاء الأمريكي العام من يعير للضحية اليهودية أي اهتمامٍ يُذكر.
بيد أن هناك بعضًا من الناجين ممن أردوا الصمت بالفعل، ولم يرغبوا بالكلام عما حدث في معسكرات الاعتقال. يحكي فنكلستين كثيرًا عن أمه التي أثّرت على مسيرته النضالية كثيرًا، والتي نتعرف على ملامحها في مقال كتبه قبل عدة سنوات عنوانه «بيتٌ مسكون». لقد كانت أمه من أولئك اليهود الذين آثروا النسيان والصمت، لكن مشاهد الحرب الأمريكية على فيتنام أصابتها بالهستيريا. ورغم أن ابنها اليوم بات واحدًا من أهم المناظرين السياسيين، إلا أنها كانت ترفض انضمامه إلى فريق المناظرات بالمدرسة «إذ يقوم فن المناظرة على الدفاع عن جانبي القضية بنفس الحماس والمهارة. في نظرها، كان ذلك تدريبًا على الازدواجية الأخلاقية والتلاعب بالكلمات». لقد علمته أمه مثاليات الالتزام الأخلاقي تجاه آلام الآخرين، إذ كانت حين تفكر بمعاناة الأفارقة والفيتناميين والفلسطينيين تقول: «نحن كلنا ضحايا الهولوكوست»، وتلك كانت عقيدتها.
بالرغم من معاناة أبويه بات فنكلستين متهما بإنكار الهولوكوست (Holocaust denier) لدى الكثير من الصهاينة والمثقفين الأمريكيين. ولقد كتب: «يتراءى لي أحيانًا أن «اكتشاف» يهود أمريكا للمحرقة النازية كان أسوأ من نسيانها. صحيح أن أبواي كانا يطيلان التفكير في الأمر عندما يخلوان بأنفسهما، ولكن لم تكن المعاناة التي تحملاها لها ما يبررها عند الآخرين. أليس ذلك أفضل من الاستغلال الشديد حاليًا للضحايا اليهود؟».
وكم هو سهل طبعًا أن نتخيل هذا الانشقاق المبكر عن التيار اليهودي الجارف في الحياة الأمريكية، وخاصة بعيون اليوم، وببداهتنا الأخلاقية مفرطة في تصور الأمور! لكن الأمور لم تكن كذلك في سبعينيات القرن الماضي مع استشراس التأييد لإسرائيل، ولا حتى بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 1982، الحرب التي صدمت فنكلستين ودفعته إلى مساره اللاحق كما حدث مع مثقفين يهود آخرين. ففي ذلك الوقت كانت أقل كلفة يمكن للمعارض الواضح لإسرائيل في أمريكا أن يدفعها هي القضاء على مشواره المهني، وهو بالفعل ما نستطيع قوله عن فنكلستين بعد أن قضى عُشاق إسرائيل المتغلغلين في النظام الأكاديمي الأمريكي على مسيرته الرسمية أستاذًا في الجامعة. ولكنه بالرغم من ذلك فقد أصبحت «مكانته في تاريخ كتابة التاريخ مضمونة» على حد تعبير راؤول هيلبرج، المعروف بكونه المؤسس لدراسات الهولوكوست.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
خالد أبو بكر: تضحيات الشهداء كانت الأساس في استقرار الدولة وأمنها
قال الإعلامي خالد أبو بكر، إن ما تنعم به مصر اليوم من استقرار وأمن لم يكن ليتحقق لولا دماء الشهداء التي روت تراب الوطن، مؤكدًا أن اللحظة الراهنة تستوجب استحضار فضلهم والوفاء لأسرهم التي تحملت الفقد والألم بصبر وعزة.
وأضاف أبو بكر، مقدم برنامج آخر النهار، عبر قناة النهار، أن البرلمان القادم يجب أن يكون برلمان الوفاء، وأن يفتح أبوابه على مصراعيها لسيدات مصر من أسر الشهداء اللاتي يستحققن التقدير والاحترام، فهنّ "أصحاب الفضل علينا جميعًا"، لأن تضحيات أسرهن كانت الثمن الحقيقي لبقاء الدولة واستقرار مؤسساتها.
وشدّد الإعلامي على أن من بادر بترشيح سيدات من أسر الشهداء في القوائم الانتخابية يستحق التقدير، واصفًا الخطوة بأنها محترمة وتعبر عن وعي سياسي وإنساني كبير، مضيفًا أن الرئيس عبد الفتاح السيسي لطالما أكد في كلماته أن “سلام الشهيد هو البداية لكل إنجاز”، داعيًا إلى جعل ذلك تقليدًا دائمًا في كل المحافل الوطنية.