الكرة المصرية في غرفة الإنعاش .. وسوء التخطيط والمجاملات عرض مستمر
تاريخ النشر: 21st, October 2025 GMT
في مشهد يتكرر مع كل إخفاق رياضي، يجد اتحاد الكرة الكائن في شارع الجبلاية نفسه في مواجهة عاصفة من الغضب في الشارع الكروي.
ودع المنتخب مبكراً منافسات كأس العالم للشباب في تشيلي من الدور الأول بينما ذهب المنتخب المغربي بعيداً وتوج بالمونديال في إنجاز جديد للكرة المغربية التي فرضت نفسها كقوة صاعدة في القارة الإفريقية والعالم بعد نجاح الأندية المغربية في السيطرة على البطولات القارية.
التفوق المغربي لم يأتِ صدفة بل هو نتاج مشروع وطني شامل قاده الاتحاد المغربي برئاسة فوزي لقجع هذا التفوق اللافت فتح باب المقارنة مع الكرة المصرية التي كانت لعقود طويلة زعيمة القارة السمراء من حيث البطولات والإنجازات إلى أن تعاقب على الاتحاد مجالس إدارات تدرير المشهد بمبدأ الشللية والمحسوبيه علاوة على سوء التخطيط وغياب الرؤية والاستراتيجية للنهوض باللعبه.
إعداد باهت للفراعنةخروج الفراعنة مبكراً لم يكن مفاجأة للمتابعين بعد أداء باهت تقف ورائه عدة عوامل أولها قرار اتحاد الكرة بإقالة البرازيلي روجيرو ميكالي الذي قاد المنتخب الأولمبي للمركز الرابع في أولمبياد باريس 2024 وتعيين أسامة نبيه الذي لا يملك أي خبرات على مستوى قطاع الناشئين بخلاف أنه تولى المهمة قبل بطولة أفريقيا بثلاثة اشهر فقط.
ولم يوفر اتحاد الكرة برئاسة هاني أبوريدة الإعداد المناسب للمنتخب ولم يواجه أي منتخبات قوية سوى المغرب فقط بينما واجه منتخب نيو كالودينا المغمور في تشيلي بخلاف أن المنتخب لا يضم في الأساس عناصر أساسية في أنديتها وهناك نقص عددي واضح في عدة مراكز لم يتعامل معها الجهاز الفني بالشكل المطلوب.
وفجرت تصريحات أسامة نبيه المدير الفني لمنتخب الشباب حالة من الغضب الشديد في الأوساط الكروية بعدما رفض الاعتذار بعد أداء الفراعنة في المونديال بل ووصف ما حدث بأنه سوء توفيق وليس إخفاق كما يردد البعض.
ودافع نبيه عن اختياراته ولكنه تورط في انتقاد بعض اللاعبين مثل عمر خضر الذي انشغل بظروفه التعاقدية واحتمالية انتقاله للدوري السعودي بخلاف انتقاد بعض اللاعبين بداعي ضعف مردودهم مع أنديتهم وعدم استدعائهم للمنتخب في بطولة كأس العالم.
صمت الجبلايةلكن الأزمة الحقيقية تكمن في أن الجبلاية، بدلاً من الاعتراف بالإخفاق الهيكلي والفني الذي أدى إلى هذا الخروج المخيب للفراعنة بعد الخروج اكتفى أبوريدة ومجلسه بتصريحات تبريرية وإلقاء اللوم على سوء الحظ دون الاعتراف بوجود أزمة هيكلية في إدارة المنتخبات
ولم يعلن الاتحاد عن الأسباب الفنية الحقيقية للاخفاق ولم يكلف لأعضاء الجبلاية أنفسهم بتشكيل لجنة تقييم مستقلة لمحاسبة المسؤولين عن الإخفاق ما أثار غضب الجماهير التي طالبت بإصلاح شامل لمنظومة الكرة المصرية.
ليؤكد اليبراء أن المشكلة ليست في الجهاز الفني بل في المنظومة التي تدير المنتخبات بعقلية تقليدية لا تواكب تطور كرة القدم الحديثة.
سر تفوق المغاربةتعيش كرة القدم المغربية حالة من التوهج والانتعاش بعد الثورة الرياضية خلال السنوات الخمس الأخيرة، وإرساء مبادئ العدل والبعد عن المحسوبية والمجاملات.
استطاعت المغرب بفضل هذه الرؤية أن تصل بالمنتخب المغربي الأول لكرة القدم بأن يصبح أول منتخب عربي وإفريقي يصل لنصف نهائي كأس العالم 2022 ويحصل على المركز الرابع في البطولة.
وعلى صعيد البنية التحتية، استطاعت المغرب الحصول على شرف استضافة كأس العالم 2030، بالمشاركة مع إسبانيا والبرتغال، بعدما قدموا ملفًا مشتركًا، لتصبح ثاني بلد عربي وإفريقي بعد قطر وجنوب إفريقيا، يتشرف بإستضافة أكبر وأقوى مسابقة على مر تاريخ كرة القدم.
وتمتلك المغرب العديد من المواهب الشابة والتي يأتي على رأسها اللاعب آدم قاروال والذي يعتبره العديد من كشافة أندية أوروبا الكبرى بأنه لامين يامال الثاني، لما يمتلك من قدرات فنية عالية تُشبه مواطنه الذي فّضل اللعب لإسبانيا على تمثيل المغرب.
وتتسابق الأندية الأوروبية الكبرى على خطف العديد من مواهب المنتخب المغربي للشباب، بعد المستويات الكبيرة التي قدموها، حيث لمع المهاجم ياسر الزابيري، لاعب فاماليكاو البرتغالي، كأحد نجوم البطولة بفضل أهدافه الحاسمة، خصوصًا هدف الفوز أمام كوريا الجنوبية في دور الـ16 وهو الثالث له في أربع مباريات، مما جعله هدفًا قويًا لأندية فرنسا وإسبانيا وألمانيا.
وعلى الصعيد الدفاعي فقد تألق علي معمر ظهير أندرلخت البلجيكي، بأدائه القوي هجوميًا ودفاعيًا وفي حراسة المرمى أثبت يانيس بن شاوش، أنه من بين أبرز الحراس الصاعدين في البطولة وبالنسبة لخط الوسط فقد خطف جسيم ياسين الأضواء بأدائه الفني الراقي ورؤيته المميزة للعب وفي الهجوم واصل عثمان معما التألق بسرعته ومراوغاته وتوازنه، مشكلًا خطرًا دائمًا على دفاعات المنافسين.
كل هذه المواهب تخرجت من أكاديمية الملك محمد السادس لاكتشاف المواهب وتنشئتها بشكل رائع وهو ما ساهم في انتشارها على مستوى العالم.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: كأس العالم للشباب کأس العالم
إقرأ أيضاً:
النمسا بين فخّ التقشّف وسوء التخطيط: اقتصاد يعاقب الفقراء ويطرد الكفاءات
في لحظةٍ كان يُفترض أن تنهض فيها النمسا بإصلاحٍ اقتصادي حقيقي، يوازن بين العدالة الاجتماعية والقدرة التنافسية، اختارت الحكومة الطريق الأسهل والأفشل: ضرب الحلقة الأضعف في المجتمع.
بدلا من تحفيز النمو عبر جذب الاستثمارات الكبرى وتبسيط القوانين وتوسيع قاعدة الإنتاج، قرّرت السلطة معالجة العجز المالي عبر تقليص المساعدات الاجتماعية وحرمان أصحاب الدخل المحدود -خصوصا الحاصلين على الإقامات المؤقتة- من الحد الأدنى من الأمان المعيشي.
هذه ليست سياسة مالية، بل سياسة عقابية متنكرة بعباءة الإصلاح. فبدل أن تُصلح الدولة هيكل الاقتصاد، راحت تُصلح المواطن الضعيف بالضغط والإفقار. وهنا تكمن المفارقة القاتلة: الحكومة تتحدث عن "تشجيع العمل"، بينما العمل ذاته لم يعد يوفّر حياة كريمة. الأجور في النمسا لم تعد تكفي لتغطية أساسيات المعيشة، والتضخم يلتهم كل زيادة شكلية في الرواتب، وأسعار السكن والطاقة والغذاء تتضاعف بوتيرة تفوق قدرة أي أسرة متوسطة على الاحتمال.
بدل أن تكون الأولوية رفع الأجور أو دعم القوة الشرائية، تحوّلت المساعدات إلى أداة قمع اقتصادي. فالدولة تضغط على من هم أصلا في أضعف مواقعهم الاقتصادية وتجبرهم على الاندماج في سوق عمل مغلق، غير قادر على ضمان كرامة الإنسان. والنتيجة ليست إصلاحا بل مزيدا من الفقر والتهميش وانفصالا عميقا بين الخطاب الرسمي والواقع الاجتماعي.
المشكلة أعمق من المساعدات، فالنمسا تخسر رأسمالها الحقيقي: العقول والكفاءات. خلال أحد عشر عاما غادر البلاد أكثر من 170 ألف خبير -أطباء، مهندسين، مختصين- كانوا جزءا من العمود الفقري لسوق العمل. هذه ليست هجرة طبيعية بل نزيف استراتيجي يهدد مستقبل القدرة التنافسية للدولة. حتى الوافدون من الاتحاد الأوروبي يغادر نصفهم خلال أربع سنوات فقط، ما يعني أن بيئة العمل نفسها أصبحت طاردة.
اتحاد الصناعيين النمساوي حذّر صراحة: المشكلة ليست في الاندماج ولا في الكسل الاجتماعي، بل في نظامٍ اقتصادي بيروقراطي خانق؛ ضرائب مرتفعة، قوانين معقّدة، غياب للرؤية الصناعية والاستثمارية، فكيف يمكن أن تنجح دولةٌ تُضيّق على اليد العاملة وتطرد المستثمر في الوقت ذاته؟
الأرقام وحدها كفيلة بتفنيد الخطاب الرسمي؛ تحليل صادر عن معهد "Momentum" يُظهر أن المواطن الذي يريد الحفاظ على نفس مستوى المعيشة الذي كان عليه عام 2020، يحتاج إلى ما يقارب 7000 يورو إضافية سنويا، أي بزيادة شهرية تُقدّر بـ562 يورو، معظمها في الغذاء والسكن والطاقة.
النمسا اليوم تتصدر أوروبا الغربية في غلاء المعيشة؛ الزيادة في ألمانيا لا تتجاوز 470 يورو، وفي سويسرا 139 فقط. الفرق ليس في القدر، بل في الإدارة الاقتصادية الرشيدة التي غابت عن فيينا.
وفق منظمة "Volkshilfe"، يعيش أكثر من 1.5 مليون شخص في النمسا تحت خط الفقر أو على حافته، أي نحو 17 في المئة من السكان. في فيينا وحدها هناك 150 ألف شخص يعتمدون على المساعدات الاجتماعية، نصفهم تقريبا من غير النمساويين.
ومع القرارات الجديدة التي ستُطبق عام 2026، والتي تقضي بإلغاء المساعدات للحاصلين على الحماية الفرعية، سيُحرم أكثر من عشرة آلاف شخص من نحو 1800 يورو شهريا، ليستبدلوا بـ300 يورو فقط في نظام الرعاية الأساسية.
إنه قرار يحمل بذور أزمة اجتماعية- أمنية متكاملة: ديون متراكمة، أسر عاجزة عن دفع الإيجار، وموجة فقر قد تُشعل الشارع.
منظمات المجتمع المدني كـ"كاريتاس" و"دياكوني" حذرت مبكرا من انفجارٍ اجتماعي وشيك، لأن هذه السياسة لا تُصلح الاقتصاد بل تخلق مجتمعا منقسما ومتوترا. فحين يُسحق الفقراء، وتُغلق أبواب الفرص أمام الوافدين والمهاجرين، وحين تغادر العقول المنتجة البلاد؛ تُصبح الدولة أقل أمنا وأقل استقرارا وأقل جاذبية لأي استثمار حقيقي.
الحل لا يبدأ من تقليص المساعدات بل من إعادة هندسة الاقتصاد النمساوي على أسس تنموية واقعية:
- خفض الضرائب على العمل والإنتاج لزيادة جاذبية الاستثمار وتشجيع التوظيف.
- تحفيز الشركات الكبرى عبر شراكات إنتاجية وتسهيلات بيروقراطية مدروسة.
- إطلاق خطة وطنية للابتكار والتدريب تستثمر في الإنسان لا تعاقبه.
- تبني سياسات ضريبية تصاعدية عادلة تعيد التوازن بين الأرباح الكبرى والطبقات الوسطى والدنيا.
- دعم سوق الإسكان والطاقة بآليات تسعير رقابية تمنع التضخم المحلي المصطنع.
بهذا فقط يمكن للنمسا أن تسد العجز دون أن تسحق إنسانها، فالدول لا تنهض بتقليص الخبز عن أفقر مواطنيها، بل بخلق بيئة اقتصادية تُنتج أكثر وتظلم أقل.
وما لم تدرك الحكومة أن العدالة الاجتماعية هي العمود الفقري للاستقرار الوطني، فإنها -شاءت أم أبت- تدفع النمسا نحو انحدارٍ بطيءٍ في اقتصادٍ بلا روح ومجتمعٍ بلا أمل