رغم مرور أكثر من عشرة أيام على تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، لا تزال بوابة غزة الجنوبية ــ معبر رفح ــ مغلقة، في مشهد يجسّد هشاشة التفاهمات السياسية واستمرار الصراع على إدارة الممر الذي يمثل شريان الحياة الوحيد لسكان القطاع المحاصر منذ نحو عقدين.

بعد أن سيطر الجيش الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني من المعبر في مايو/أيار الماضي، توقفت حركة السفر والمساعدات بالكامل، وسط تبادل للاتهامات بين الأطراف الثلاثة المعنية: إسرائيل، وحركة حماس، والسلطة الفلسطينية، فيما تتوسط مصر لضمان آلية تشغيل جديدة برعاية الاتحاد الأوروبي.

بوابة معطّلة على حدود الهدنة

منذ السابع من مايو/أيار 2024، حين اجتاح الجيش الإسرائيلي مدينة رفح التي كانت الملاذ الأخير للنازحين من شمال ووسط القطاع، أحكم قبضته على الجانب الفلسطيني من المعبر، فأُغلق تمامًا في وجه المرضى والطلاب والعالقين. وتحول بعدها إلى ساحة تجاذب سياسي بين تل أبيب والقاهرة والسلطة الفلسطينية وحركة حماس.

وبحسب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فإن إعادة فتح المعبر "مشروطة بترتيبات أمنية تضمن عدم استخدامه لأغراض عسكرية من قبل حماس"، في حين تصف الحركة هذا الشرط بأنه "ابتزاز سياسي ينسف جوهر اتفاق وقف النار".

من جهتها، أعلنت السفارة الفلسطينية في القاهرة نيتها استئناف العمل في المعبر جزئيًا لتمكين العالقين من العودة إلى غزة، غير أن إسرائيل رفضت التنفيذ وأبقت الجانب الفلسطيني مغلقًا "حتى إشعار آخر".

شاحنة مساعدات إنسانية تعبر البوابة المصرية لمعبر رفح متجهة للتفتيش قبل دخولها غزة، في 20 أكتوبر 2025. Mohammed Arafat/AP آلية تشغيل جديدة قيد النقاش

تشير مصادر دبلوماسية إلى أن الأطراف المعنية تبحث صيغة جديدة لإدارة المعبر، تقوم على إشراف السلطة الفلسطينية بمساندة بعثة الاتحاد الأوروبي للمساعدة الحدودية (EUBAM Rafah)، على أن تحتفظ إسرائيل بصلاحيات المراقبة التقنية عبر منظومة تفتيش وكاميرات متصلة مباشرة بوحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق (COGAT)، فيما تتولى مصر التنسيق الأمني والإشراف اللوجستي.

ووفق خطة العمل التي تم التوصل إليها خلال مفاوضات شرم الشيخ برعاية مصر وقطر وتركيا وبإشراف أمريكي، ستُفتح البوابة تدريجيًا أمام المساعدات الإنسانية أولًا، ثم أمام حركة الأفراد، مع إعطاء الأولوية للمرضى والطلاب وحملة الإقامات الأجنبية.

لكن الخطة ما زالت تواجه عقبات سياسية وأمنية، أبرزها إصرار إسرائيل على "تجريد غزة من السلاح" قبل الانتقال إلى المرحلة الثانية من الهدنة، وهو ما يعطل تنفيذ البنود الميدانية حتى الآن. ويقول مراقبون إن الدولة العبريية تسعى إلى تحويل المعبر لـ"نقطة رقابة مشروطة" تضمن استمرار السيطرة غير المباشرة على القطاع دون الحاجة لوجود عسكري دائم داخله.

غزة بين الحصار والسياسة

أعاد إغلاق المعبر معاناة الغزيين إلى نقطة الصفر، إذ تحول الأمل بعودة الحركة الإنسانية إلى انتظار مفتوح، فيما تتسع الفجوة بين الخطاب السياسي والواقع الميداني.

ووفق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فقد سُجِّلت 47 خرقًا إسرائيليًا منذ دخول اتفاق الهدنة حيز التنفيذ، أسفرت عن مقتل 38 فلسطينيًا وإصابة أكثر من 140 آخرين في عمليات قصف مدفعي وجوي طالت مناطق مختلفة من القطاع خلال الأسبوع الأول من الاتفاق.

ويرى محللون أن استمرار هذه الانتهاكات يعكس هشاشة الاتفاق وتعدد الأطراف التي تحاول استثماره سياسيًا. وفي ظل غياب جدول زمني واضح لفتح المعبر، تتعمّق المأساة الإنسانية في قطاع يعاني من نقص حاد في الدواء والغذاء والكهرباء والمياه.

Related ترامب بعد اشتباكات غزة: حماس على الأرجح لم تكن متورطة ووقف إطلاق النار ساروقف إطلاق النار في غزة.. ترامب يهدد بالقضاء على حماس إذا خرقت الاتفاقفانس يصل إلى إسرائيل.. ونتنياهو يبحث مع رئيس الاستخبارات المصرية "خطة غزة" أصوات من غزة: بين حلم السفر وإرادة البقاء

رصدت "يورونيوز" شهادات عدد من سكان غزة حول رؤيتهم لإعادة فتح معبر رفح، وجاءت الأصوات متباينة بين من يرى في السفر فرصة للحياة والتعليم والعلاج، ومن يعتبر البقاء في غزة شكلاً من أشكال المقاومة والصمود في وجه النكبة المستمرة.

يبدأ حمزة صقر، طالب في الثامنة عشرة من عمره، حديثه بنبرة تجمع بين الأمل والخذلان، مستعيدًا حلمه المؤجل منذ عام 2023. يقول: "أنهيت الثانوية العامة في عام 2023 بمعدل 73% في الفرع الأدبي، وكان حلمي أن أتابع تعليمي في أوروبا، وأشارك في مؤتمرات تعليمية وثقافية، وأرى العالم من منظور أوسع. الحرب سرقت من أعمارنا، لكنها لم تسلب أحلامنا. أريد السفر لا هروبًا، بل لأعود إنسانًا يعرف العالم".

وبينما يحلم حمزة باجتياز المعبر نحو أفقٍ أوسع، يختار آخرون البقاء رغم قسوة الواقع. يقول عبد المنعم أبو صخر: "وضعي المادي والصحي صعب، لكنني سأبقى في مكاني، حتى لو فوق الركام. لن أغادر، أريد أن أعيش وأموت في وطني".

رجل فلسطيني يحمل صندوقاً من المساعدات الغذائية التابعة لبرنامج الأغذية العالمي في خان يونس جنوب قطاع غزة، في 20 أكتوبر 2025. Jehad Alshrafi/AP

ويتقاطع موقفه مع ما يقوله عدلي عياد، الذي يرى في البقاء معنى للحياة بعد الحرب: "ولدت في هذه البلاد، فكيف لي أن أتركها وأسافر؟ لا أستطيع العيش خارجها، فهنا أعيش أفضل، حتى وسط الدمار".

ومن مدينة دير البلح في وسط القطاع، يعبّر أحمد أبو السبح عن الموقف ذاته، لكن بنبرةٍ أكثر تحديًا: "انهدم منزلي واستشهد عدد من أفراد عائلتي، وضحّيت بكثير من الأشياء. كيف أترك وطني وأرحل؟ سأموت هنا ولن أغادر. وإن سافرت يومًا، فسأسافر إلى أرضنا المحتلة، لا إلى الخارج".

لكن بين الرغبة في الرحيل والإصرار على البقاء، تظهر أصواتٌ أخرى تملي عليها الضرورة وجهتها. تقول خديجة أبو صفية، المصابة مع أطفالها الثلاثة: "أتمنى أن تُتاح لي الفرصة للسفر من أجل تلقي العلاج، فغزة تفتقر إلى الدواء والرعاية الطبية. أنا وأطفالي الثلاثة مصابون، ووضعنا صعب للغاية. أرجو أن يُفتح المعبر لنتمكن من الخروج للعلاج، وبعد أن نتعافى سنعود بالتأكيد إلى غزة".

خروقات متكررة وتصدّع في مسار الهدنة

في تصعيد جديد يهدد استقرار الهدنة الهشة في قطاع غزة، شنّ الجيش الإسرائيلي، صباح الأحد 19 تشرين الأول/أكتوبر 2025، سلسلة غارات جوية وقصفًا مدفعيًا على مناطق متفرقة من القطاع، أسفرت عن سقوط 45 قتيلًا وعشرات الجرحى، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية.

وتبرّر إسرائيل هذه الهجمات بأنها "ردّ على خرق حماس للهدنة" فيما وصفت حركة حماس القصف بأنه "محاولة لإعادة رسم موازين القوى ميدانيًا وفرض وقائع جديدة قبل أي مفاوضات لاحقة".

Related مأساة جديدة في غزة.. جثثٌ من إسرائيل بلا هوية والصحة تعجز عن كشف وجوه أصحابهاالغارديان: مشروع مدعوم من أوروبا وأمريكا في مجلس الأمن لتفويض قوة دولية في غزة تحت قيادة مصردعوة لفتح جميع المعابر لإغراق غزة بالمساعدات... برنامج الأغذية العالمي: مكافحة المجاعة ستتطلب وقتًا معبر رفح مرآة التوازنات الجديدة

يرى محللون أن تكرار الخروقات خلال الأيام الأخيرة ينذر بانهيار الهدنة في أي لحظة، لا سيما أن البنود الأمنية المتعلقة بانسحاب القوات الإسرائيلية من مدينة رفح لم تُنفَّذ بعد.

يقول الباحث السياسي سامي عفيفي إن قضية معبر رفح "تجاوزت بُعدها الإنساني لتتحول إلى ملف تفاوضي يعكس موازين القوى بعد الحرب". ويوضح أن إسرائيل "تحاول فرض واقع جديد يقيّد حركة حماس حتى في الملفات المدنية"، بينما تسعى السلطة الفلسطينية "لاستعادة حضورها في غزة عبر بوابة المعبر".

ويضيف عفيفي أن مصر تواجه "معادلة دقيقة بين التزاماتها الأمنية وضغوطها الإنسانية"، فهي لا تستطيع فتح المعبر منفردة من دون توافق دولي، لكنها تدرك أن استمرار الإغلاق يهدد بانفجار الوضع.

وحتى إشعار آخر، يبقى معبر رفح مغلقًا أمام آلاف المرضى والطلاب والعائلات التي تنتظر على أمل العبور. الهدنة ما زالت معلّقة على أسلاك السياسة، فيما تتكدس الأحلام خلف بوابة من حديد، بانتظار أن يتحول اتفاق الورق إلى واقعٍ يفتح طريق الحياة من جديد.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة

المصدر: euronews

كلمات دلالية: دونالد ترامب إسرائيل حركة حماس غزة فرنسا دراسة دونالد ترامب إسرائيل حركة حماس غزة فرنسا دراسة رفح معبر رفح قطاع غزة إسرائيل نزوح فلسطين الصراع الإسرائيلي الفلسطيني دونالد ترامب إسرائيل حركة حماس غزة فرنسا دراسة الصحة روسيا بنيامين نتنياهو بحث علمي حماية الحيوانات نيكولا ساركوزي فتح المعبر حرکة حماس معبر رفح فی غزة

إقرأ أيضاً:

وفد حماس في مصر وويتكوف وكوشنر في إسرائيل

بعد يوم من التصعيد الإسرائيلي العنيف في غزة على خلفية هجوم منسوب لحماس، تستضيف مصر وفدا من الحركة بينما يسافر المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى إسرائيل، في محاولة للحفاظ على اتفاق وقف الحرب وبحث مستقبل القطاع.

ويلتقي وفد من حركة حماس مسؤولين مصريين في القاهرة لبحث الحوار الفلسطيني الذي تعتزم مصر استضافته، الهادف إلى مناقشة مستقبل غزة بعد الحرب، حسبما أفاد مصدر مطلع وكالة "فرانس برس"، الإثنين.

وأوضح المصدر أن وفد حماس سيعقد خلال اليومين المقبلين لقاءات مع المسؤولين المصريين تتعلق بـ"الحوار الفلسطيني الفلسطيني الذي سترعاه مصر قريبا".

وأشار إلى أن الحوار يهدف إلى "توحيد الجسم الفلسطيني ومناقشة القضايا الرئيسية المهمة، بما في ذلك مستقبل قطاع غزة، وتشكيل لجنة الكفاءات المستقلة التي ستتولى إدارة القطاع"، مؤكدا أن حماس "تعهدت للوسطاء بتمكين لجنة الكفاءات المستقلة".

كما وصل الموفدان الأميركيان ويتكوف وكوشنر إلى إسرائيل، الإثنين، لإجراء محادثات مع مسؤوليها حول متابعة تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرم الأسبوع الماضي، غداة تصعيد ميداني هدّد بتقويضه.

وذكرت متحدثة باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن الأخير التقى المبعوثين الأميركيين.

وقالت شوش بيدروسيان: "اجتمع نتنياهو في وقت سابق اليوم مع المبعوث الخاص ستيف ويتكوف وصهر الرئيس الأميركي جاريد كوشنر لمناقشة التطورات والتحديثات في المنطقة"، كما أشارت الى أنه سيلتقي في إسرائيل نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، من دون أن تحدد موعدا لذلك.

ودخل وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ في العاشر من أكتوبر، بضغط من الرئيس الأميركي دونالد ترامب وبناء على خطة من 20 بندا طرحها، بعد حرب مدمرة استمرت عامين.

وتنص الخطة على وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن الإسرائيليين والمعتقلين الفلسطينيين، وانسحاب إسرائيلي من مناطق عدة، وفي مرحلة لاحقة تسليم إدارة القطاع إلى لجنة من التكنوقراط المستقلين بإشراف "مجلس سلام" يرأسه ترامب.

وأكدت حماس أنها لا تعتزم المشاركة في حكم القطاع خلال المرحلة الانتقالية، مع تشديدها على ضرورة بحث مستقبل القطاع.

وقال الناطق باسم الحركة حازم قاسم لـ"فرانس برس"، الأحد، إن الحركة تجري اتصالات مع السلطة الفلسطينية بقيادة حركة فتح والفصائل الأخرى، من أجل "بلورة موقف وطني لتجاوز الملفات الشائكة والوصول لموقف وطني موحد حول القضايا الرئيسية المهمة".

وذكر المصدر المطلع أن وفد حماس سيلتقي، يوم الإثنين، مسؤولين مصريين وقطريين لبحث "الخروق الإسرائيلية، خصوصا عشرات الغارات الجوية التي أسفرت عن عشرات الشهداء في قطاع غزة الأحد".

وأضاف أن الوفد "سيناقش البدء بالمرحلة الثانية لاتفاق وقف النار، وفتح معبر رفح الحدودي بين مصر والقطاع، وزيادة المساعدات للقطاع وفق الاتفاق الذي ينص على إدخال 400 شاحنة يوميا، واستكمال الانسحابات الإسرائيلية من القطاع".

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تتسلم من الصليب الأحمر جثماني رهينتين
  • ترامب مهددا بتأديب حماس : حلفاء بالشرق الأوسط مستعدون لإرسال قوات لغزة إذا انتهكت الهدنة
  • فانس يصل إلى إسرائيل لـ"إنقاذ" اتفاق الهدنة في غزة
  • مكتب نتنياهو: معبر رفح مغلق حتى إشعار آخر
  • وفد حماس في مصر وويتكوف وكوشنر في إسرائيل
  • يديعوت أحرونوت: إسرائيل تستعد لاستقبال جثمان أحد رهائن غزة الليلة
  • إسرائيل تعيد فتح معبر كرم أبو سالم لإدخال المساعدات إلى غزة
  • عودة النار إلى غزة.. إسرائيل تخرق الهدنة وتقصف نازحين ومدارس
  • صحيفة تكشف سبب استمرار نتنياهو في منع فتح معبر رفح