واشنطن تُجرب وبورتسودان تُقرر: ما الذي يجري فعلاً خلف الأبواب المغلقة؟
تاريخ النشر: 24th, October 2025 GMT
واشنطن تحاول اختبار قدرتها على التأثير بعد تراجع مكانتها في الإقليم، لكن بورتسودان تمتلك أوراق ضغط سياسية، عسكرية، واقتصادية، وتتحرك بثقة دولة فرضت واقعاً جديداً على الأرض
كتب – مكاوي الملك
أولاً.. لا تصدقوا الشائعات ولا أبواق الخيبة. دعكم من الضجيج وأبواق الدعم السريع وإعلام الإمارات. السودان تجاوز أخطر المنعطفات، وما يجري اليوم ليس ارتباكاً بل جزء من معركة كبرى يُعاد فيها رسم موازين القوة.
في الساعات الأخيرة تصاعدت الأحاديث حول اجتماعات تُعقد في واشنطن بشأن السودان. تنوّعت الروايات بين من يزعم وجود مفاوضات “غير معلنة” مع المتمردين وبين من يروّج لفكرة “تسوية أمريكية وشيكة”، لكن الحقيقة مختلفة تماماً عن هذه الصورة الضبابية.
أولاً: ما الذي يجري فعلاً في واشنطن؟
ما يجري ليس تفاوضاً مباشراً أو غير مباشر بين الحكومة السودانية والدعم السريع، بل نشاط دبلوماسي مكثف وضغط سياسي تمارسه واشنطن على الأطراف الإقليمية الداعمة للحرب، خاصة بعد أن بدأت الخرطوم تنسج شراكات قوية مع موسكو وطهران وبكين.
الولايات المتحدة أدركت أن السودان يقترب من محور الشرق، خصوصاً في ملفات حساسة مثل:
• الموانئ على البحر الأحمر
• التعاون العسكري والاستخباراتي
• مشاريع البنية التحتية والطاقة
هذه التحركات أثارت قلق واشنطن التي ترى في البحر الأحمر ممراً استراتيجياً بالغ الأهمية، لذلك تحاول إعادة الإمساك بخيوط الملف السوداني قبل أن تفقد تأثيرها في المنطقة.
ثانياً: النفي الرسمي.. خطوة محسوبة
أصدر مجلس السيادة الانتقالي بياناً نفى فيه وجود أي مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع الدعم السريع في واشنطن. النفي الرسمي كان مقصوداً للحفاظ على مرونة السودان السياسية ومنع إعطاء أي طرف شرعية، مع إبقاء الباب مفتوحاً لأي تحرك يخدم مصالح السودان العليا أو يضغط على الأطراف الإقليمية الداعمة.
هذا ما يُعرف بـ “الضغط التكتيكي” — استخدام أدوات الدبلوماسية والمعلومات لاختبار مواقف الآخرين دون الالتزام العلني بأي تفاوض أو اتفاق.
ثالثاً: ما بين العلن والعمق
في العلن، الموقف السوداني واضح: لا تفاوض قبل وقف دعم الإمارات للدعم السريع وضمان سيادة السودان كاملة غير منقوصة.
وفي العمق، هناك تحركات سياسية واستخباراتية دقيقة تهدف إلى:
• إحكام الضغط على داعمي الدعم السريع إقليمياً
• اختبار نوايا واشنطن بعد صمتها السابق تجاه الجرائم في دارفور والخرطوم والجزيرة
• إعادة توجيه ميزان القوى بما يخدم مصالح السودان
رابعاً: أمريكا تُجرب.. والسودان يُناور
الولايات المتحدة تحاول اختبار قدرتها على التأثير بعد تراجع مكانتها في الإقليم، لكن بورتسودان تمتلك أوراق ضغط سياسية، عسكرية، واقتصادية، وتتحرك بثقة دولة فرضت واقعاً جديداً على الأرض.
الجيش السوداني اليوم هو الفاعل المركزي، وقد أفشل مشاريع السيطرة على السودان التي عملت عليها بعض القوى الإقليمية والدولية عبر الدعم السريع والمرتزقة. أي تحرك أو تفاهم يجب أن يتم وفق شروط بورتسودان.
خامساً: الدرس الأهم
النفي الرسمي لا يعني السكون، بل الدهاء السياسي. بورتسودان تتعامل بذكاء استراتيجي مع المشهد: لا تُغلق الباب أمام أحد، لكنها لا تسمح لأحد أن يُملي شروطه.
المعركة الآن على محورين:
1. عسكرياً: السيطرة على الأرض وتحرير المدن من الدعم السريع
2. سياسياً: إدارة التوازنات الإقليمية والدولية دون التنازل عن السيادة
سادساً: السودان اليوم رقم صعب
السودان لم يعد كما كان يُنظر إليه في السنوات الماضية؛ يمتلك عمقاً جغرافياً واستراتيجياً، موقعاً مؤثراً في ممر البحر الأحمر، جيشاً صامداً وشعباً واعياً.
بورتسودان اليوم تُقرر… وواشنطن تُجرب. كل خطوة تُحسب بدقة، لأن القرار الوطني أصبح في يد السودان وحده، لا في يد الداعمين أو الوسطاء.
الخلاصة:
• ما يجري في واشنطن ليس تفاوضاً، بل اختبار سياسي واستخباراتي.
• النفي الرسمي جزء من خطة تكتيكية للحفاظ على السيادة دون منح شرعية لأي طرف.
• السودان يُعيد رسم قواعد اللعبة الإقليمية بذكاء وثبات.
السيادة خط أحمر، والحكومة لا تتفاوض إلا بشروط الوطن.
السودان لا يُفاوض على أرضه، بل يُفاوض الآخرين على احترام سيادته.
أمريكاالسودانبورتسودانالمصدر: تاق برس
كلمات دلالية: أمريكا السودان بورتسودان الدعم السریع فی واشنطن
إقرأ أيضاً:
الخارجية تنفي إجراء مفاوضات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في واشنطن
نفى الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية السودانية، في تصريح لقناة العربية، صحة الأنباء التي تحدثت عن مفاوضات بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في العاصمة الأميركية واشنطن.
وأكد المتحدث أن الحكومة السودانية لم تفوض أي جهة داخلية أو خارجية للتفاوض مع قوات الدعم السريع، مشدداً على أن موقف الدولة “ثابت وواضح” في التعامل مع التمرد المسلح وفقاً للضوابط الوطنية والسيادية.
وأوضح أن ما يُتداول في بعض وسائل الإعلام عن محادثات غير مباشرة “عارٍ تماماً من الصحة”، داعياً إلى تحري الدقة في تناول القضايا المتعلقة بالسيادة الوطنية.
تأتي هذه التصريحات في وقت تتزايد فيه الضغوط الإقليمية والدولية لإنهاء الحرب في السودان، التي اندلعت بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، وتسببت في أزمة إنسانية واسعة النطاق شردت الملايين وأدت إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والخدمية.
وكانت الولايات المتحدة والسعودية قد استضافتا في وقت سابق محادثات جدة التي جمعت ممثلين عن الطرفين بوساطة دولية، لكنها توقفت عدة مرات بسبب خروقات ميدانية وانعدام الثقة بين الجانبين.
ويأتي نفي الخرطوم الأخير وسط تداول تقارير إعلامية عن تحركات دبلوماسية جديدة في واشنطن تهدف إلى استئناف المسار السياسي ووقف إطلاق النار، وهي تقارير تنفيها الحكومة السودانية بشكل قاطع وتؤكد أن أي مباحثات مستقبلية يجب أن تتم وفق رؤية وطنية خالصة تحفظ سيادة السودان ووحدة أراضيه.
المصدر: العربية
الوسومالخارجية السودانية واشنطون