مقدمة

لم تكن قصة "العجل الذهبي" سوى منشور رمزي على فيسبوك، يفسّره العقل الأدبي كرمزية ضد عبادة السلطة، لكن في مصر في عهد السيسي، تتحوّل الرمزية إلى جريمة، والكلمة إلى تهديد للأمن القومي.

الكاتب والباحث القبطي هاني صبحي، صاحب القلم الجريء في نقد الواقع المصري، اختفى قسريا بعد ساعات فقط من نشر منشوره الشهير عن "العجل الذهبي"، لتظهر بعدها التهمة المعروفة مسبقا: الانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين!

تهمة "معلبة" وجاهزة في كل ملف يخص صاحب رأي حر، سواء كان إسلاميا أو قبطيا أو علمانيا، المهم أنه لا يُسبّح بحمد النظام.



تفاصيل الاختفاء: الكلمة جريمة في عرف السلطة

فجر الأربعاء الماضي، اقتحم أفراد من الأمن الوطني منزل الكاتب في منطقة المرج في القاهرة دون إذن قضائي، بحسب شهادات أسرته. طلبوا منه النزول معهم "لدقائق"، ثم انقطع الاتصال به تماما، وأُغلق هاتفه، واختفت صفحته على فيسبوك بعد دقائق من نشره عبارة: "بيقبضوا عليّا دلوقتي".

منذ ذلك الحين، لم تُعلن وزارة الداخلية أي بيان، ولم تردّ على بلاغات الأسرة، بينما نفى قسم شرطة المرج وجوده من الأساس، ما يعني -وفق منظمات حقوقية- أن ما حدث هو اختفاء قسري مكتمل الأركان.

المنشور الذي أشعل الأزمة كان مجرد تأمل أدبي في قصة "العجل الذهبي" في الديانات السماوية، كتبه صبحي كرمز لعبادة القوة والسلطة، لكن النظام قرأه على طريقته الخاصة، فاعتبره "إهانة ضمنية للرئيس"، خصوصا بعدما تداول بعض النشطاء منشوراته بجانب صور لتمثال ذهبي نُسب للسيسي، في مقارنة ساخرة أثارت استياء الأجهزة.

من "باحث قبطي" إلى "إخواني متطرف": عبث السلطة في صياغة التهم

السخرية السوداء في القضية أن هاني صبحي -وهو باحث قبطي معروف بكتاباته الفكرية والإنسانية" اتُّهم بـالانضمام إلى جماعة الإخوان و"نشر أخبار كاذبة"، وهي التهم التقليدية التي تُستخدم ضد المعارضين من كل التيارات.

منظمات حقوقية مثل مركز الشهاب لحقوق الإنسان أكدت أن التهمة "مفبركة بالكامل"، وأن ما جرى لا علاقة له بالأمن القومي، بل هو "عقاب سياسي على حرية التعبير".

في الحقيقة، النظام المصري لم يعد يرى فرقا بين معارض علماني أو يساري أو قبطي أو إسلامي، فالمعيار الوحيد للبقاء هو الولاء، كل من ينتقد -ولو بلغة الرمزية- يصبح خطرا، وكل من يصمت يُكافأ.

السلطة التي تخاف من قلم كاتب يكتب عن "العجل الذهبي" هي سلطة فقدت شرعيتها الأخلاقية قبل السياسية.

إعادة إنتاج دولة الخوف

قضية هاني صبحي ليست إلا حلقة جديدة في سلسلة طويلة من القمع الممتد منذ 2013. النظام الذي رفع شعار "مكافحة الإرهاب" حوّله إلى أداة لتصفية الخصوم وإخراس العقول، وكل من يخرج عن النص يُدرج في خانة "التهديد للأمن القومي"، ثم تُجهّز أوراق الاتهام: انتماء إلى جماعة محظورة، ونشر أخبار كاذبة، أو تمويل أجنبي.

بهذه الصيغة المكرّرة، ينجح النظام في شيطنة المثقفين وتحويلهم إلى "خونة" في عيون الرأي العام، بينما يغيبون في الزنازين المظلمة بلا محاكمة أو محامٍ.

اللافت أن هاني صبحي لم يكن ناشطا سياسيا بالمعنى التقليدي، بل كاتب فكر وأدب، كتب عن الضمير والحرية والهوية. لذلك كان اعتقاله رسالة مزدوجة: واحدة للمثقفين، وأخرى لكل من يظن أن الاختلاف في الدين أو الخلفية قد يحميه من بطش الدولة الأمنية.

خاتمة

إن اعتقال كاتب قبطي بتهمة "الانضمام إلى الإخوان" هو أكثر من مفارقة؛ إنه تجسيد لانهيار المنطق في دولة تُدار بالهواجس الأمنية لا بالقانون.

منذ سنوات، والسلطة تصنع "أعداء وهميين" لتبرير استمرارها، وكلما قلّ النقد ازدادت قبضتها خشية من الكلمة. لكنّ التاريخ علّمنا أن الأفكار لا تُحبس، وأن الكلمة لا تُدفن، وأن الرموز-مهما كانت رمزية- تبقى أقوى من الجدران والسجون.

السؤال الذي يبقى معلقا أمام ضمير القارئ: إلى متى يظل الخوف حاكما لمصر، وإلى متى تظل التهمة الجاهزة بديلا عن الحقيقة؟

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء مصر هاني صبحي اعتقاله مصر اعتقال اخوان هاني صبحي مدونات قضايا وآراء مدونات قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة صحافة سياسة مقالات سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العجل الذهبی هانی صبحی

إقرأ أيضاً:

الملاكمة العراقية تصل المربع الذهبي في دورة الألعاب الآسيوية

الملاكمة العراقية تصل المربع الذهبي في دورة الألعاب الآسيوية

مقالات مشابهة

  • الإخوان..ضحية الإمارات وورقتها الرابحة !
  • الإخوان... ضحية الإمارات وورقتها الرابحة !
  • الملاكمة العراقية تصل المربع الذهبي في دورة الألعاب الآسيوية
  • «سنبهر العالم».. أحمد موسى: مصر جاهزة لافتتاح المتحف المصري الكبير
  • هنبهر العالم.. أحمد موسى: مصر جاهزة لافتتاح المتحف المصري الكبير
  • حملة أمنية موسعة ضد النساء في مصر.. 70 فتاة قيد الإخفاء القسري
  • مسيحيون لكن إخوان!.. هكذا يرى النظام المصري معارضيه!
  • تعلن المحكمة التجارية بالأمانة للمنفذ ضده هاني محمد جعوان عن أمر الحجز الصادر
  • ترامب: قوة الاستقرار في قطاع غزة ستكون جاهزة قريبا