الفاشر تباد.. مشاهد مروعة من دارفور تشعل غضب السودانيين
تاريخ النشر: 28th, October 2025 GMT
أثارت مشاهد مروعة لإعدامات ميدانية وانتهاكات واسعة ضد المدنيين في مدينة الفاشر (شمالي دارفور) موجة غضب عارمة على منصات التواصل الاجتماعي، بعد يومين من إعلان قوات الدعم السريع سيطرتها على المدينة، وسط تحذيرات حقوقية دولية من جرائم وصفت بأنها ترقى إلى مستوى الإبادة.
وتوالت خلال اليومين الماضيين فيديوهات موثقة لما يجري في الفاشر، أظهرت مشاهد صادمة لإعدامات ميدانية جماعية أمام الكاميرات، في انتهاك صارخ للقوانين الإنسانية الدولية، مما أثار استنكارا واسعا لدى السودانيين ومتابعي الشأن السوداني على المنصات الرقمية.
واتهمت القوة المشتركة للحركات المسلحة التي تقاتل إلى جانب الجيش السوداني قوات الدعم السريع بقتل أكثر من 2000 مواطن أعزل بمدينة الفاشر خلال اليومين الماضيين، مشيرة إلى أن معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ، في تصعيد دموي غير مسبوق.
ونشرت منصات تابعة لقوات الدعم السريع مشاهد أخرى تظهر احتجاز أعداد غفيرة من الرجال بلباس مدني، وقالت إنهم أسرى تابعون للجيش السوداني والحركات المسلحة، في خطوة أثارت جدلا حول مصير هؤلاء المحتجزين وسط مخاوف من تعرضهم لانتهاكات.
قلق أمميوفي هذا السياق، أعرب مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عن قلقه البالغ، مؤكدا تلقيه تقارير عن إعدامات بإجراءات موجزة للمدنيين الذين يحاولون الفرار، مع مؤشرات على وجود دوافع قبلية لعمليات القتل، واحتجاز مئات الأشخاص أثناء محاولتهم الفرار من المدينة.
وأشار المكتب الأممي إلى تقارير بوقوع العديد من الوفيات بين المدنيين، بمن فيهم متطوعون إنسانيون محليون، مؤكدا صعوبة تقدير عدد الضحايا المدنيين في هذه المرحلة، بسبب انقطاع الاتصالات والعدد الكبير من الأشخاص الفارين من المدينة.
وفي أعقاب سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة، اتجهت أعداد كبيرة من السكان إلى النزوح من الفاشر باتجاه مناطق خارجة عن سيطرة الدعم السريع، وفق ما تظهره مشاهد تداولتها المنصات السودانية، في مشهد إنساني قاسٍ يعكس حجم المأساة التي يعيشها أهالي المدينة.
إعلانوأفادت المنظمة الدولية للهجرة بأن أكثر من 26 ألف شخص فروا خلال يومين فقط من الفاشر باتجاه منطقتي ميليت وطويلة، في موجة نزوح جماعي غير مسبوقة تضاف إلى ملايين النازحين السودانيين منذ اندلاع الحرب قبل عامين تقريبا.
في المقابل، أصدرت قوات الدعم السريع بيانا نفت فيه الانتهاكات، مؤكدة حرصها التام على حماية المدنيين داخل مدينة الفاشر بعد ما وصفته بـ"تحريرها"، والتزام قواتها بالقوانين والمواثيق الدولية، في تصريح قوبل بسخرية واسعة من قبل السودانيين على المنصات.
غضب سودانيورصد برنامج شبكات (2025/10/28) جانبا من تعليقات السودانيين على هذه المشاهد المروعة والتقارير عن الانتهاكات التي تنفذها قوات الدعم السريع بالفاشر، حيث كتب غالب معبرا عن فداحة ما يحدث:
ما حدث وما يحدث حتى هذه اللحظة في الفاشر لم تشهد له البشرية مثيلا، إبادة مع سبق الإصرار ألا ينجو أحد مع التنكيل والقتل بالتشفي والتلذذ بالقتل
بدوره، وصف مازن الوضع المأساوي الذي يعيشه سكان المدينة، موضحا حجم المعاناة التي يواجهونها. فغرد:
في الوقت الذي أقوم فيه بكتابة هذه الرسالة ثمة مواطنٌ يُقتل قصفا أو تصفية..الناس في مدينة الفاشر يموتون بأبشع أنواع الطرق، يبادون دون أي سبب، لا يستطيعون حتى النزوح، الموت يلوح في كل شبر في تلك المدينة
أما سارة فحملت الجيش السوداني جزءا من المسؤولية عما حدث، مشيرة إلى نمط متكرر من الانتكاسات، فكتبت:
كل انتكاسات الجيش السوداني خلال هذه الحرب كانت تحدث عندما يمد يده للسلام
في المقابل، اتخذ راحات موقفا مختلفا، داعيا إلى التركيز على الحلول بدلا من نظريات المؤامرة، فغرد:
السودان لا يسقط بسبب نظريات عبثية ومزاعم غير مدعومة. الفاشر تحتاج لقلوب مخلصة تدعو للسلم والعمل، لا إلى البحث عن مؤامرات وهمية. أبسط الإيمان هو الفعل، لا الافتراء
وفي تصريح يعكس حجم الكارثة الإنسانية، قال وزير الصحة بإقليم دارفور بابكر حمدين إن آلاف المدنيين سقطوا في مدينة الفاشر خلال اليومين الماضيين، مؤكدا استحالة تحديد رقم محدد للضحايا بسبب كثافة العدد وانقطاع الاتصال، وأن جميع المستشفيات بالفاشر خرجت عن الخدمة.
وفي السياق الصحي، أفادت شبكة أطباء السودان بأن قوات الدعم السريع اختطفت 6 من الكوادر الطبية بالفاشر وتطالب بفدية مالية لإطلاق سراحهم، في انتهاك جديد يضاف إلى سجل الانتهاكات بحق الطواقم الطبية والإنسانية منذ اندلاع الحرب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات قوات الدعم السریع مدینة الفاشر
إقرأ أيضاً:
لماذا تصر قوات الدعم السريع وحلفاؤها على السيطرة على الفاشر؟
وسط تصاعد الأحداث في إقليم دارفور غربي السودان، برزت مدينة الفاشر كعقدة الصراع في الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وإصرار قائد هذه القوات محمد حمدان دقلو (حميدتي) على السيطرة على الفاشر تجلى خلال الأشهر الماضية؛ إذ لم يكتف بحصار المدينة، بل حولها إلى هدف إستراتيجي ومركز ثقل في معادلة القوة العسكرية والسياسية بدارفور، حسب آراء خبراء ومحللين تحدثوا للجزيرة نت.
وجاء ذلك في ظل سيطرة قوات الدعم السريع أمس الأحد على المدينة وانسحاب قوات الجيش السوداني منها بعد معارك طويلة وضارية، تخللها حصار خانق وإغلاق تام للمنافذ الإنسانية، مما دفع الجيش للانسحاب من مواقع رئيسية لأسباب وصفها مصدر عسكري للجزيرة بأنها "تكتيكية"، غير أن محللين يرون في هذا التطور نقطة تحول تعيد رسم حدود النفوذ في الإقليم المضطرب.
وترتبط أهمية مدينة الفاشر عسكريا وإستراتيجيا بكونها العاصمة التاريخية لدارفور، وهي آخر مركز رئيسي للجيش السوداني في الإقليم، فضلا عن قربها من شمال السودان وتمثل قاعدة انطلاق لأي جهود لاستعادة السيطرة على المناطق الأخرى.
ويعد الإصرار على الفاشر نتاجا لتداخل الأبعاد التاريخية والسياسية والرمزية للمدينة في الصراع على دارفور؛ فالفاشر تمثل آخر قلاع القوات النظامية في الإقليم، ورمزا للسيادة المركزية منذ توحيد دارفور مع السودان عام 1916.
كما أن موقعها الإستراتيجي يجعلها نقطة ارتكاز لأي طرف يسعى لإحكام قبضته على جغرافيا غربي البلاد، ويمنح المنتصر ورقة ضغط فعّالة في أي مفاوضات مستقبلية، بما في ذلك سيناريوهات الانفصال أو إعادة توزيع السلطة والنفوذ السوداني.
ومن هذه الزوايا تتضح تفسيرات الإصرار على الفاشر من منظورات متعددة، إذ يقول المدير الأسبق لمركز البحوث والدراسات الإستراتيجية بالقوات المسلحة السودانية اللواء ركن أسامة عبد السلام إن "الفاشر، برمزياتها التاريخية وكونها عاصمة شمال دارفور، كانت الجزيرة الوحيدة التي بقيت معزولة في محيط تسيطر عليه القوات المتمردة".
إعلانوأضاف عبد السلام -في تصريحات للجزيرة نت- أن "السيطرة على الفاشر تعني استكمال السيطرة على معظم إقليم دارفور". مشددا على أن "إسقاط الفاشر يضع القوات النظامية خارج معادلة الوجود الفعلي في مناطق متعددة، ويمنح هذه المليشيات موطأ قدم أوسع"، معتبرا أن هذا يفسر الإصرار الكبير على المدينة من قبل حميدتي والدعم السريع.
والأسباب السابقة يؤكدها أيضا الكاتب والمحلل السياسي ضياء الدين بلال "فالسبب الأساسي والمركزي لإصرار حميدتي على الفاشر هو السيطرة الكاملة على دارفور". مستدركا بأن حميدتي "بسيطرته على الفاشر سيكون أحكم السيطرة على الإقليم ككل"
ويذهب بلال أكثر في ذكر أسباب إصرار الدعم السريع على وجوده في مدينة الفاشر، ومن ذلك "وجود مؤشرات لمحاولات انفصال أو تكرار التجربة الليبية في السودان، وذلك بأن يحكم حميدتي سيطرته على هذه المنطقة ويهيمن عليها". مؤكدا أن "السيطرة على الفاشر تمثل ورقة ضغط تفاوضية مهمة عندما تقام المفاوضات القادمة"، حسب تصريحاته للجزيرة نت.
كيف استولى الدعم السريع على الفاشر؟
يسوق المحللون والخبراء العديد من الأسباب التي أسهمت في سيطرة الدعم السريع على الفاشر، ومن ذلك الدعم الخارجي الذي أسهم في ترجيح ميزان القوة لصالحها عبر توفير المرتزقة والأسلحة الحديثة والمسيرات، وأضافوا كذلك العائق الجغرافي والعزلة التي عانت منها الفاشر فلم يتمكن الجيش السوداني من كسر الحصار أو توفير الإمداد الكامل.
ويشرح اللواء عبد السلام هذه الأسباب بأن الدعم السريع اعتمد على الدعم الإقليمي المكثف لتحقيق أهدافه، مبينا أن هذا "الدعم الإقليمي ترافق مع أجندة سياسية وعسكرية، ولهذا تراهن القوى الإقليمية على سقوط الفاشر وتدفع ثمنا باهظا عبر الاعتماد على المرتزقة والأسلحة والمسيرات".
ويتابع عبد السلام بأن "الجيش لم يتراجع تماما، بل قاتل حتى الرمق الأخير وظل يحاصر مدة طويلة رغم الهجمات المتكررة والقاسية"، موضحا أن "الاعتماد المطول على الضربات الجوية مكلف للغاية مقارنة بخيار فتح طريق بري". مشيرا إلى أن القوات السودانية ظلت محرومة من الطعام والدواء، مما قيّد قدرتها على الصمود.
ويوافق هذا الرأي ما ذهب إليه بلال، وأضاف أن "القوات المشتركة (من الحيش السوداني والقوات الإقليمية المتحالفة معه) ظلت تقاتل بالفاشر لأكثر من عام ونصف العام، وتم شن أكثر من 267 هجوما على المدينة".
ويبيّن المحلل السياسي أن الدعم السريع "تمكن من الحصول على إمدادات دائمة عبر مثلث ليبيا وجنوب السودان وتشاد، مما منحه أسلحة متطورة كالطائرات المسيرة". في حين "عانت قوات الجيش من القطيعة اللوجستية وانعدام الدعم إلا عبر الإسقاط الجوي، الذي أصبح معقدا وخطرا مع قدرة المليشيا على الحصول على مضادات طيران حديثة".
ويلفت بلال إلى أن "جغرافيا الفاشر وبعدها عن أقرب مركز حكومي" شكّلا عائقا أمام الإمداد والتواصل، مما أسهم في ترجيح كفة الدعم السريع في هذه المعركة.
مستقبل المدينة وإقليم دارفور
يرتبط مستقبل الفاشر وإقليم دارفور كله بمدى قدرة القوى المسيطرة على تحويل السيطرة العسكرية إلى نظام حكم وسيادة فعلية، مع القدرة على توفير برامج اقتصادية أو أمنية وخدمية مستقرة، وبلورة رؤية شاملة لإعادة بناء المؤسسات المحلية وضمان الحقوق الفردية والجماعية.
إعلانويتفق المحللان على أن مستقبل المنطقة بات رهنا بتطورات الصراع وتحركات القوى الإقليمية. ولذلك يقول المدير الأسبق لمركز البحوث والدراسات الإستراتيجية بالقوات المسلحة السودانية إن "المليشيات المسيطرة لا تملك برنامجا سياسيا أو اقتصاديا أو أمنيا متكاملا.
وأضاف عبد السلام أن هذه القوات تعد "أدوات لنهب الثروات بواسطة القوى المسلحة أو عصابات التعدين العشوائي، ولم تقدم برامج تنموية لسكان المناطق المحتلة". مشددا على أن "الأمن تحول إلى خدمة لحماة النهب بدلا من حماية المواطنين، في حين تغيب مشاريع استثمارية حقيقية أو شراكات تنموية".
ويستدرك على ما ضياء الدين بلال بأن "حميدتي يريد جعل دارفور نقطة ارتكاز للتمدد في كردفان، وتصبح ورقة تفاوضية رئيسية إذا دخل في مفاوضات، أما إذا لم يفاوض فإنه يسعى لتأسيس نموذج قريب من النموذج الليبي في السودان".
وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى فرار أكثر من مليون شخص من الفاشر خلال الحصار الذي فرضته قوات الدعم السريع منذ 18 شهرا، وبقاء ما يقرب من 250 ألف مدني وسط أزمة غذائية خانقة وانهيار شبه كامل للخدمات الصحية والمعيشية، مع نقص شديد في الأدوية والمستلزمات في المستشفيات نتيجة القصف.
وتواجه قوات الدعم السريع وحلفاؤها اتهامات بالمسؤولية عن موجات من أعمال العنف بدوافع عرقية في دارفور خلال الحرب، وخلصت الولايات المتحدة العام الماضي إلى أن تلك القوات ارتكبت إبادة جماعية.
لكن قيادتها تنفي إصدار أوامر بمثل هذه الهجمات، وتقول إن الجنود المارقين المخالفين للأوامر سيمثلون للعدالة.