منظور عالمي: مخاوف متزايدة من سيطرة إسرائيل على غزة
تاريخ النشر: 28th, October 2025 GMT
بعد عامين على حرب غزة أعلنت وزارة الصحة في القطاع أن حصيلة القتلى في الجانب الفلسطيني تجاوزت 67 ألفًا، وأن أكثر من 90% من المنازل هناك تضررت. وفي أغسطس أكدت منظمة الصحة العالمية وجهات أخرى أنّ غزة تمرّ بحالة مجاعة، إلا أن إسرائيل لم تسمح للوكالات الإنسانية الدولية بإدخال الإمدادات سوى لنحو نصف الأيام خلال الشهرين الماضيين.
يتضح بصورة متزايدة أنّ عددا متناميا من الدول يوجّه انتقادات لإجراءات إسرائيل. ففي سبتمبر اعترفت عدة دول من «الشمال العالمي» منها المملكة المتحدة وكندا وأستراليا وفرنسا بدولة فلسطين مجددةً التأكيد على ضرورة حلّ الدولتين للصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، وهو الحلّ العالق منذ مدة. وفي يونيو فرضت المملكة المتحدة وأربع دول أخرى عقوبات على إسرائيل، ومنعت وزيرين إسرائيليين من اليمين المتطرف من دخول أراضيها. كما برزت دعوات من بعض المثقفين الإسرائيليين الليبراليين تحثّ الغرب على وقف التعاون مع إسرائيل.
وربما جاء طرح الرئيس الأمريكي ترامب لمبادرة سلام في أواخر سبتمبر جزئيًا استجابة لهذا المسار فيما تتقدّم مفاوضات السلام بين إسرائيل وحماس كبرى فصائل المقاومة المناهضة لإسرائيل في غزة. غير أنّ تحركات إسرائيل التي وسّعت منذ سبتمبر عملياتها العسكرية للسيطرة على مدينة غزة لا توحي باستعداد مستقبلي للتعايش مع فلسطين؛ فقد أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بوضوح رفضَه السيادةَ الفلسطينية قائلا: «لن تكون هناك دولة فلسطينية» فيما يمضي قُدُمًا في تكريس الحكم المباشر على غزة.
وبحسب استطلاعٍ حديث أُجري في إسرائيل أواخر أغسطس؛ لم يؤيد سوى 6% من المستطلَعين اليهود نقل غزة إلى السلطة الفلسطينية ـ التي تدير حاليًا الضفةَ الغربية وحدها ـ فيما أيّد نحو نصف المستطلَعين مواصلة توسيع العمل العسكري في غزة.
على الجانب الآخر يتزايد الضغط الإسرائيلي على الضفة الغربية يوميًا؛ إذ قُتل نحو 500 فلسطيني، وتعرّض 4,889 شخصًا للهدم أو التهجير من منازلهم في عام 2024 وحده. كما يبدو أنّ موافقة الحكومة الإسرائيلية في 20 أغسطس على إقامة توسعات استيطانية واسعة النطاق في الضفة الغربية خطوةٌ استراتيجية تهدف إلى قطع الطريق على قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة في تلك المنطقة.
توسّع الطموحات الإقليمية
في الآونة الأخيرة تبدو إسرائيل أكثر وعيا بتفوّقها الكاسح في الإقليم، وواثقةً ـ إلى حدّ الإفراط ـ بأن لديها القدرة على قيادة البنية الجديدة للشرق الأوسط بوصفها أكبر قوّة مهيمنة منفردة. ففي 16 سبتمبر نشر موقع تايمز أوف إسرائيل تدوينة لكاتبٍ ضيفٍ يرى أن إسرائيل غدت قوّة عالمية، لا مجرد قوّة إقليمية في الشرق الأوسط. كما أبدت وسائل إعلام غربية وعربية مخاوف من تحوّل إسرائيل إلى دولةٍ مهيمنة (Pax Hebraica) في أعقاب الهجوم على إيران في يونيو.
النشوة التي أشاعها «الانتصار» العسكري في غزة داخل إسرائيل تُذكّر بأجواء ما بعد حرب 1967 المعروفة بحرب الأيام الستة؛ وذلك لما انطوت عليه من تحوّلٍ كبير في طموحات إسرائيل الترابية.
بالنسبة إلى إسرائيل ـ التي قامت بهجرةٍ يهودية إلى فلسطين هربًا من الاضطهاد في أوروبا، وسعيًا لبناء «وطن قومي للشعب اليهودي» ـ؛ كان التحدّي الأكبر عقب التأسيس هو الدفاع عن الأرض. وخلال حرب 1948، التي أفضت إلى قيام الدولة، قامت بطرد السكّان الفلسطينيين الأصليين وتجاوزت حدود خطة التقسيم التي أقرّتها الأمم المتحدة في العام السابق مكتسبةً بذلك حدودها الراهنة. وإذ كانت محاطة بدول عربية تنكر وجود الدولة الصهيونية، وتدعو إلى «رميهم في البحر»؛ بذلت إسرائيل كل ما في وسعها للاحتفاظ بالأرض.
إلا أنّ هذا النهج تبدّل تمامًا في حرب 1967؛ ففي ستة أيامٍ فقط حقّقت إسرائيل نصرًا كاسحًا، فسيطرت على شبه جزيرة سيناء من مصر، وهضبة الجولان من سوريا، وقطاع غزة والضفة الغربية من فلسطين. وقد أُعيدت سيناء إلى مصر مقابل معاهدة سلام في إشارة إلى سياسة إسرائيل آنذاك: أولوية الدفاع عن «المتاخَم» (البرّ الرئيسي)، والسعي إلى السلام مع الجوار ولو على حساب التخلي عن الأراضي المحتلة.
لكنّ احتلال الضفة الغربية وغزة أعاد إحياء فكرة «إسرائيل الكبرى» التي شكّلت أساسًا من أسس الأيديولوجيا المُؤسِّسة. فبرز الصهيونيون الدينيون المتطرّفون الذين يرون الأرض بين النيل والفرات «وعدًا» للشعب اليهودي في كتابهم المقدّس، ليكتسبوا نفوذا سياسيا متعاظما. ونتيجة لذلك؛ لم تعد الأراضي المحتلة «أوراقَ مقايضة» لحماية المتاخَم، بل مناطق ينبغي ضمُّها إليه، ودمجُها فيه.
كشفت حرب غزة أنّ لدى إسرائيل قدرة عسكرية تمكّنها من انتهاج نزعة توسعية تتجاوز ما بعد حرب 1967. كما أثبتت المواجهة أنّ بوسعها إخضاعَ الأراضي الفلسطينية المحتلة وجيرانها معًا بالقوة العسكرية لا عبر تنازلات إقليمية. فبالهجمات الواسعة على تنظيم حزب الله في لبنان، وتخريب المنشآت العسكرية في سوريا بعد انهيار النظام، والغارات الجوية على إيران و«أنصار الله» (الحوثيين) في اليمن؛ نجحت إسرائيل في إضعاف قدراتهم العسكرية وتحييدها عن القيام بأعمال عدائية ضدها، وانتزاع تفوقٍ جويّ فوق أجوائهم.
ومع مصر ودول الخليج العربية غير المنخرطة في عداوات معها تحافظ إسرائيل على تفوّقها عبر نسج اعتماد اقتصادي متبادل. وتشمل الإجراءات تقديم دعم عسكري واستخباري وتكنولوجي من إسرائيل إلى الإمارات العربية المتحدة وغيرها من دول الخليج، فضلًا عن تصدير الغاز من حقولها في شرق المتوسط إلى مصر.
بعبارة أخرى؛ فإن (Pax Hebraica) تمثل طموحَ إسرائيل إلى تأمين تفوّقٍ مستقر عبر إغراء الدول المحتمل صداقتها بمنافع اقتصادية مع ممارسة ضغط عسكري كاسح على الدول غير الصديقة.
غير أنّ الفصل بين هاتين الفئتين ليس دائمًا واضحًا؛ فقد صدمت غارات إسرائيل الجوية على قطر في 9 سبتمبر دولَ الجوار، وكذلك الولايات المتحدة. وجاء الهجوم خلال محادثات وساطة مع حماس في قطر العضو في مجلس التعاون الخليجي، والمضيف لوجودٍ عسكري أمريكي كبير. وقد أظهر هذا التطور بوضوح أنّ حتى الدول الموالية لواشنطن وغير المعادية لإسرائيل ليست في مأمن من الضربات الإسرائيلية. ومن الممكن أيضًا أن يكون هذا الحادث قد دفع بعض دول الخليج العربية إلى تحويل «العدو الافتراضي» من إيران إلى إسرائيل.
إن التحوّل الجاري لإسرائيل إلى قوّة مهيمنة إقليميا لا يتحقق إلا بإخضاع دول المنطقة لتفوّقها العسكري الذي لا يلين. ومع ذلك؛ تحتاج المنظومة الدولية إلى قوى مهيمنة لصون قواعدها وفرضها. والأهم: هل بوسع دولة تكرّر انتهاك القانون الدولي، وترتكب أعمالا غير إنسانية أن تضطلع بدور قيادي في إرساء الاستقرار في إقليمها؟
كييكو ساكاي أستاذة بجامعة تشيبا
عن صحيفة The Mainichi اليابانية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الضفة الغربیة إسرائیل إلى
إقرأ أيضاً:
الأمم المتحدة: “إسرائيل” قتلت 40 طفلاً في الضفة الغربية منذ بداية العام
الثورة نت /..
أكدت الأمم المتحدة، أنّ قوات العدو الصهيوني قتلت منذ بداية العام الجاري 40 طفلاً فلسطينياً في الضفة الغربية المحتلة، في وقتٍ سجّلت فيه محافظة جنين العدد الأكبر من الضحايا، إذ بلغ عدد الشهداء فيها 65 فلسطينياً، أي ما يعادل نحو ثلث إجمالي الشهداء في الضفة منذ مطلع العام.
وأشارت الأمم المتحدة، يوم الأحد، إلى أنّ الاعتداءات الصهيونية طالت أيضاً التعليم، حيث تمّ تسجيل أكثر من 90 حادثاً مرتبطاً بالمدارس، ما أدّى إلى تعطيل الدراسة لأكثر من 12 ألف طالب بين تموز/يوليو وأيلول/سبتمبر الماضيين.
وفي سياقٍ متّصل، وثّقت الأمم المتحدة، أكثر من 86 هجوماً، نفّذها المستوطنون الصهاينة ضدّ الفلسطينيين خلال موسم قطف الزيتون، وتمّ استهداف 50 قرية في الضفة المحتلة منذ الأول من تشرين الأول/أكتوبر الجاري.
وقبل أيام أكدت وكالة “رويترز”، نقلاً عن مسؤولين فلسطينيين ومسؤولين في الأمم المتحدة، أنّ أعمال العنف المكثّفة التي يشنّها المستوطنون الصهاينة، والتي تستهدف موسم حصاد الزيتون الفلسطيني في الضفة الغربية، مستمرة من دون هوادة.
ومنذ بدء موسم الحصاد في الأسبوع الأول من شهر تشرين الأول/أكتوبر، وقع ما لا يقلّ عن 158 هجوماً في مختلف أنحاء الضفة الغربية.
ويواصل العدو الصهيوني اعتداءاته المختلفة في الضفة الغربية، يومياً، بين اعتقال وقتل وهدم وحرق وتضييق.