أعرب اللواء نبيل السيد، الخبير الاستراتيجي، عن بالغ قلقه من تطورات الأوضاع المتسارعة في السودان، واصفًا ما يحدث بأنه “أخطر مرحلة تمر بها الدولة السودانية منذ استقلالها”، بعد سقوط مدينة الفاشر آخر معاقل الحكومة السودانية في إقليم دارفور بيد ميليشيات الدعم السريع.

وأكد اللواء نبيل السيد أن ما يجري ليس مجرد صراع داخلي على السلطة، بل هو صراع له أبعاد إقليمية ودولية، تتداخل فيه أطراف تسعى إلى تفكيك السودان وإعادة رسم حدوده العرقية والقبلية، في تكرار لمأساة انفصال الجنوب عام 2011.

مخطط التقسيم الجديد.. من دارفور إلى كردفان

وأوضح اللواء نبيل السيد أن ميليشيات الدعم السريع، ، تنفذ اليوم ما وصفه بـ“المرحلة الثانية من مخطط التقسيم”، عبر السيطرة على دارفور بالكامل، تمهيدًا لإعلانها كيانًا منفصلًا عن الدولة الأم.

وأشار إلى أن السيطرة على الفاشر تمثل تحولًا استراتيجيًا خطيرًا، لأنها العاصمة الإدارية لولاية شمال دارفور، وأحد أهم المراكز الجغرافية التي تربط بين كردفان، وليبيا، وتشاد، وأفريقيا الوسطى، ما يمنح الميليشيات قدرة على التحكم في الإمدادات والطرق الحيوية، ويمنحها نفوذًا واسعًا على كامل الشريط الغربي للسودان.

وأضاف أن هذا التطور يعني أن “الجيش السوداني خسر أحد أهم خطوط دفاعه، وأن الدعم السريع أصبح يمتلك الآن مساحة استراتيجية تمكنه من الضغط العسكري والسياسي في أي مفاوضات مستقبلية”.

دور خارجي وتمويل مشبوه

وشدد اللواء نبيل السيد على أن ما يجري ليس بعيدًا عن أيادٍ خارجية، مشيرًا إلى أن هناك “دولاً تموّل ميليشيات الدعم السريع بالسلاح والعتاد، وتوفر لها الغطاء السياسي والإعلامي”، في محاولة لتمرير مشروع تقسيم السودان إلى ثلاث دويلات: شمال، وشرق، وغرب (دارفور).

وأوضح أن دعم تلك القوى للانفصاليين يأتي “في إطار مشروع أوسع لإضعاف المنطقة بالكامل، وإبقاء السودان ساحة مفتوحة للفوضى والاقتتال الداخلي، مما ينعكس مباشرة على الأمن القومي المصري والعربي”.

وقال اللواء نبيل السيد: “ما يحدث في دارفور ليس مجرد معركة على الأرض، بل هو إعادة رسم لخرائط النفوذ في قلب إفريقيا، ومن لا يرى ذلك فهو لا يدرك حجم المؤامرة.”

جرائم ضد الإنسانية 

عبّر الخبير الاستراتيجي عن صدمته من التقارير الإنسانية الواردة من الفاشر، مشيرًا إلى أن ميليشيات الدعم السريع ارتكبت جرائم بشعة.

وأوضح أن التقارير الصادرة عن القوة المشتركة المتحالفة مع الجيش السوداني تشير إلى إعدام أكثر من ألفي مدني في الفاشر خلال يومين فقط (26 و27 أكتوبر)، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن، مضيفًا أن الصور الملتقطة بالأقمار الاصطناعية تؤكد حجم الكارثة.

وقال اللواء نبيل السيد إن هذه الممارسات ليست أعمالًا عشوائية، بل “تطهير عِرقي متعمد” يهدف إلى تفريغ الإقليم من سكانه الأصليين وخلق واقع ديموغرافي جديد، يُستخدم لاحقًا كورقة ضغط لتبرير فكرة “الانفصال الذاتي”.

دارفور.. القلب الذي ينزف

توقف اللواء نبيل السيد عند الأهمية الاستراتيجية لإقليم دارفور، موضحًا أنه يمثل نحو ربع مساحة السودان، ويعد أحد أغنى المناطق بالموارد الطبيعية والمعدنية، فضلًا عن موقعه الجغرافي الذي يجعله بوابة السودان إلى إفريقيا الوسطى.

وقال اللواء نبيل السيد إن “الفاشر لم تسقط في يوم، بل بعد شهور من الحصار والتجويع والقتل، في ظل صمت دولي ”.

رسالة إلى المجتمع الدولي

وجّه اللواء نبيل السيد رسالة حادة إلى المجتمع الدولي، مؤكدًا أن الاكتفاء ببيانات الشجب والإدانة “لن يوقف حمام الدم”.

وطالب بضرورة فرض عقوبات فورية على قادة الدعم السريع، ووقف إمدادات السلاح القادمة إليهم، وإرسال بعثة مراقبة دولية لتوثيق الانتهاكات، مؤكدًا أن “ما يحدث في دارفور ليس حربًا أهلية بل جريمة ضد الإنسانية بكل المقاييس”.

السودان في مفترق طرق

اختتم اللواء نبيل السيد تحليله بالقول إن السودان يقف اليوم على حافة الانهيار الكامل، وإن ما يجري في دارفور ليس نهاية المعركة، بل بداية فصل جديد من الصراع على هوية الدولة ومستقبلها.

وقال: “إما أن يتوحد السودانيون خلف جيشهم وقيادتهم لإنقاذ الوطن، أو أن تنجح قوى التقسيم في تحويل السودان إلى خريطة من الدويلات المتناحرة.”

وختم مؤكدًا أن على العالم، وخاصة الدول العربية والإفريقية، أن تتحرك لإنقاذ السودان الآن، لأن سقوطه لن يهدد حدوده فقط، بل سيصيب الأمن القومي العربي والإفريقي في مقتل.

طباعة شارك السودان دارفور الجيش الفاشر الدعم السريع

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: السودان دارفور الجيش الفاشر الدعم السريع میلیشیات الدعم السریع السودان إلى فی دارفور ما یحدث

إقرأ أيضاً:

مخاوف على المدنيين بعد إعلان قوات الدعم السريع سيطرتها على الفاشر غرب السودان

جوتيريش: المعارك «تصعيد مروع للنزاع»

بورت سودان كوالالمبور "أ ف ب": تسود مخاوف متزايدة حيال الوضع الإنساني في مدينة الفاشر بغرب السودان، حيث فرّ السكان وعلق مئات الآلاف من المدنيين وسط انقطاع تام للاتصالات، غداة إعلان قوات الدعم السريع سيطرتها على المدينة الإستراتيجية في إقليم دارفور.

وكانت مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور في غرب السودان، آخر مدينة كبيرة بين أيدي الجيش بقيادة الفريق عبدالفتاح البرهان، وذلك بعد حصار استمرّ 18 شهرا.

ولم يصدر أي تعليق من الجيش السوداني على إعلان قوات الدعم السريع سيطرتها على مقر القيادة العسكرية في المدينة.

وفي حال تأكدت السيطرة، تكون قوات الدعم السريع قد أحكمت قبضتها على كامل إقليم دارفور، حيث أنشأت إدارة موازية تتحدى سلطة البرهان، الحاكم الفعلي للسودان منذ انقلاب العام 2021 والمتمركز في بورتسودان بشرق السودان.

ويحذّر محللون من أن هذا التطور قد يؤدي فعليا إلى تقسيم السودان، مع احتفاظ الجيش بالسيطرة على الشمال والشرق والوسط، فيما تهيمن قوات الدعم السريع على دارفور وأجزاء من الجنوب.

ورأى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الاثنين أن ما يجري في الفاشر "تصعيد مروّع للنزاع" في السودان، معتبرا أن "مستوى المعاناة التي نشهدها في السودان لا يمكن تحمّله".

وأظهرت صور ومشاهد نشرتها تنسيقية "لجان المقاومة-الفاشر" عبر حسابها على فيسبوك، مدنيين يفرّون من المدينة وجثثا متناثرة على الأرض قرب سيارات محترقة.

"آخر نفس"

وتعذّر على وكالة فرانس برس التحقق من مجريات الأحداث ميدانيا أو التواصل مع مدنيين في الفاشر من مصادر مستقلة.

وبحسب نقابة الصحفيين السودانيين، قُطعت كافة اتصالات "ستارلينك"، شبكة الإنترنت الوحيدة التي كانت تعمل في المدينة، ما أدخل الفاشر في "ظلام إعلامي تام".

وأوضحت تنسيقية "لجان المقاومة-الفاشر" أن المعارك تواصلت الإثنين في محيط مطار المدينة وفي مناطق عدة غربها، مؤكدة أن "نحن الذين بقينا داخل المدينة نحن من سيبقى هنا حتى آخر نفس يقاوم" وسط تقدم قوات الدعم السريع.

من جهته، دعا حاكم إقليم دارفور الموالي للجيش مني أركو مناوي في منشور على منصة إكس إلى حماية المدنيين المحاصرين في المدينة قائلا "نطالب بحماية المدنيين، والإفصاح عن مصير النازحين، وتحقيق مستقل في الانتهاكات والمجازر التي تقوم بها مليشيا (الدعم السريع) بعيدا من الأنظار".

ولفتت تنسيقية "لجان المقاومة-الفاشر" إلى أن الفاشر "إن سقطت فلن يكون السقوط بيد الأعداء وحدهم لكن بخيانة قيادات دارفور التي ظلت صامتة ومتشبثة بالسلطة".

وطالب منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة توم فليتشر، بتأمين ممرات آمنة للمدنيين، مؤكدا أن "مئات الآلاف من السكان محاصرون داخل المدينة في حالة من الرعب، يتعرضون للقصف والجوع، ولا يستطيعون الوصول إلى الغذاء أو الرعاية الطبية أو الأمان".

كذاك، دعا المبعوث الأمريكي إلى إفريقيا مسعد بولس، قوات الدعم السريع إلى فتح "ممرات إنسانية" لإجلاء المدنيين.

"القتل والسرقة"

ونشرت التنسيقية عبر صفحتها على فيسبوك فيديو يظهر امرأة ميتة ممددة على الأرض وعلّقت عليه بالقول "تجمعت المليشيات والمرتزقة من كل حدب في سبيل القتل والسرقة .. شعارهم قتل كل ما يتحرك داخل الفاشر وخارجها".

من جهتها، بثت قوات الدعم السريع في الساعات الماضية مقاطع مصوّرة تُظهر مئات الرجال بالزي المدني جالسين على الأرض ومحاطين بمقاتلين، وقدّمتهم على أنهم أسرى من صفوف الجيش أو القوات المشتركة الحليفة له.

وأعربت نقابة الصحافيين عن "قلقها العميق على سلامة الصحافيين الموجودين في مدينة الفاشر في ظل هذه الظروف الاستثنائية والصعبة".

وقالت إن الصحفي المستقل معمر إبراهيم محتجز لدى قوات الدعم السريع منذ الأحد، مؤكدة صحة صور متداولة على مواقع التواصل تُظهره محاطا بمقاتلين من تلك القوات.

وفي الأشهر الأخيرة، تحولت الفاشر إلى إحدى أبرز جبهات القتال في الحرب السودانية التي دخلت عامها الثالث وأودت بعشرات الآلاف وتسببت بتهجير نحو 12 مليونا، في ما وصفته الأمم المتحدة بأنه "أسوأ أزمة إنسانية في العالم".

وتقول المنظمة الدولية إن قوات الدعم السريع تحاصر نحو 260 ألف مدني داخل الفاشر، يعانون استشراء الجوع وانعدام الرعاية الصحية وانقطاع الاتصالات، فيما فرّ أكثر من مليون شخص من المدينة منذ اندلاع الحرب.

وقال غوتيريش إنه "حان الوقت ليقول المجتمع الدولي بوضوح لكل الدول التي تتدخل في هذه الحرب وتزوّد أطرافها الأسلحة أن تتوقف عن ذلك".

مقالات مشابهة

  • خبير استراتيجي: الوضع في السودان يتطلب "خطًا أحمر جديدًا" ودارفور تعيش "لعنة جغرافية"
  • ماذا تعني سيطرة الدعم السريع على الفاشر عسكريا وسياسيا؟
  • الاتحاد الأوروبي يحذر من كارثة إنسانية بعد سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر
  • كاتب سوداني: الدعم السريع يسعى لفرض واقع جديد في دارفور
  • خبير عسكري: سقوط الفاشر تحول بمعارك السودان لكنه لن ينهي الحرب
  • مطالب دولية بحمايتهم.. «الدعم السريع» يقتل مدنيين في الفاشر
  • كارثة إنسانية في السودان: البرهان يتعهد بالاقتصاص من الدعم السريع
  • مخاوف على المدنيين بعد إعلان قوات الدعم السريع سيطرتها على الفاشر غرب السودان
  • خبير عسكري يحذر من مأساة إنسانية في السودان (فيديو)