لماذا تصر قوات الدعم السريع وحلفاؤها على السيطرة على الفاشر؟
تاريخ النشر: 27th, October 2025 GMT
وسط تصاعد الأحداث في إقليم دارفور غربي السودان، برزت مدينة الفاشر كعقدة الصراع في الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وإصرار قائد هذه القوات محمد حمدان دقلو (حميدتي) على السيطرة على الفاشر تجلى خلال الأشهر الماضية؛ إذ لم يكتف بحصار المدينة، بل حولها إلى هدف إستراتيجي ومركز ثقل في معادلة القوة العسكرية والسياسية بدارفور، حسب آراء خبراء ومحللين تحدثوا للجزيرة نت.
وجاء ذلك في ظل سيطرة قوات الدعم السريع أمس الأحد على المدينة وانسحاب قوات الجيش السوداني منها بعد معارك طويلة وضارية، تخللها حصار خانق وإغلاق تام للمنافذ الإنسانية، مما دفع الجيش للانسحاب من مواقع رئيسية لأسباب وصفها مصدر عسكري للجزيرة بأنها "تكتيكية"، غير أن محللين يرون في هذا التطور نقطة تحول تعيد رسم حدود النفوذ في الإقليم المضطرب.
وترتبط أهمية مدينة الفاشر عسكريا وإستراتيجيا بكونها العاصمة التاريخية لدارفور، وهي آخر مركز رئيسي للجيش السوداني في الإقليم، فضلا عن قربها من شمال السودان وتمثل قاعدة انطلاق لأي جهود لاستعادة السيطرة على المناطق الأخرى.
ويعد الإصرار على الفاشر نتاجا لتداخل الأبعاد التاريخية والسياسية والرمزية للمدينة في الصراع على دارفور؛ فالفاشر تمثل آخر قلاع القوات النظامية في الإقليم، ورمزا للسيادة المركزية منذ توحيد دارفور مع السودان عام 1916.
كما أن موقعها الإستراتيجي يجعلها نقطة ارتكاز لأي طرف يسعى لإحكام قبضته على جغرافيا غربي البلاد، ويمنح المنتصر ورقة ضغط فعّالة في أي مفاوضات مستقبلية، بما في ذلك سيناريوهات الانفصال أو إعادة توزيع السلطة والنفوذ السوداني.
ومن هذه الزوايا تتضح تفسيرات الإصرار على الفاشر من منظورات متعددة، إذ يقول المدير الأسبق لمركز البحوث والدراسات الإستراتيجية بالقوات المسلحة السودانية اللواء ركن أسامة عبد السلام إن "الفاشر، برمزياتها التاريخية وكونها عاصمة شمال دارفور، كانت الجزيرة الوحيدة التي بقيت معزولة في محيط تسيطر عليه القوات المتمردة".
إعلانوأضاف عبد السلام -في تصريحات للجزيرة نت- أن "السيطرة على الفاشر تعني استكمال السيطرة على معظم إقليم دارفور". مشددا على أن "إسقاط الفاشر يضع القوات النظامية خارج معادلة الوجود الفعلي في مناطق متعددة، ويمنح هذه المليشيات موطأ قدم أوسع"، معتبرا أن هذا يفسر الإصرار الكبير على المدينة من قبل حميدتي والدعم السريع.
والأسباب السابقة يؤكدها أيضا الكاتب والمحلل السياسي ضياء الدين بلال "فالسبب الأساسي والمركزي لإصرار حميدتي على الفاشر هو السيطرة الكاملة على دارفور". مستدركا بأن حميدتي "بسيطرته على الفاشر سيكون أحكم السيطرة على الإقليم ككل"
ويذهب بلال أكثر في ذكر أسباب إصرار الدعم السريع على وجوده في مدينة الفاشر، ومن ذلك "وجود مؤشرات لمحاولات انفصال أو تكرار التجربة الليبية في السودان، وذلك بأن يحكم حميدتي سيطرته على هذه المنطقة ويهيمن عليها". مؤكدا أن "السيطرة على الفاشر تمثل ورقة ضغط تفاوضية مهمة عندما تقام المفاوضات القادمة"، حسب تصريحاته للجزيرة نت.
كيف استولى الدعم السريع على الفاشر؟
يسوق المحللون والخبراء العديد من الأسباب التي أسهمت في سيطرة الدعم السريع على الفاشر، ومن ذلك الدعم الخارجي الذي أسهم في ترجيح ميزان القوة لصالحها عبر توفير المرتزقة والأسلحة الحديثة والمسيرات، وأضافوا كذلك العائق الجغرافي والعزلة التي عانت منها الفاشر فلم يتمكن الجيش السوداني من كسر الحصار أو توفير الإمداد الكامل.
ويشرح اللواء عبد السلام هذه الأسباب بأن الدعم السريع اعتمد على الدعم الإقليمي المكثف لتحقيق أهدافه، مبينا أن هذا "الدعم الإقليمي ترافق مع أجندة سياسية وعسكرية، ولهذا تراهن القوى الإقليمية على سقوط الفاشر وتدفع ثمنا باهظا عبر الاعتماد على المرتزقة والأسلحة والمسيرات".
ويتابع عبد السلام بأن "الجيش لم يتراجع تماما، بل قاتل حتى الرمق الأخير وظل يحاصر مدة طويلة رغم الهجمات المتكررة والقاسية"، موضحا أن "الاعتماد المطول على الضربات الجوية مكلف للغاية مقارنة بخيار فتح طريق بري". مشيرا إلى أن القوات السودانية ظلت محرومة من الطعام والدواء، مما قيّد قدرتها على الصمود.
ويوافق هذا الرأي ما ذهب إليه بلال، وأضاف أن "القوات المشتركة (من الحيش السوداني والقوات الإقليمية المتحالفة معه) ظلت تقاتل بالفاشر لأكثر من عام ونصف العام، وتم شن أكثر من 267 هجوما على المدينة".
ويبيّن المحلل السياسي أن الدعم السريع "تمكن من الحصول على إمدادات دائمة عبر مثلث ليبيا وجنوب السودان وتشاد، مما منحه أسلحة متطورة كالطائرات المسيرة". في حين "عانت قوات الجيش من القطيعة اللوجستية وانعدام الدعم إلا عبر الإسقاط الجوي، الذي أصبح معقدا وخطرا مع قدرة المليشيا على الحصول على مضادات طيران حديثة".
ويلفت بلال إلى أن "جغرافيا الفاشر وبعدها عن أقرب مركز حكومي" شكّلا عائقا أمام الإمداد والتواصل، مما أسهم في ترجيح كفة الدعم السريع في هذه المعركة.
مستقبل المدينة وإقليم دارفور
يرتبط مستقبل الفاشر وإقليم دارفور كله بمدى قدرة القوى المسيطرة على تحويل السيطرة العسكرية إلى نظام حكم وسيادة فعلية، مع القدرة على توفير برامج اقتصادية أو أمنية وخدمية مستقرة، وبلورة رؤية شاملة لإعادة بناء المؤسسات المحلية وضمان الحقوق الفردية والجماعية.
إعلانويتفق المحللان على أن مستقبل المنطقة بات رهنا بتطورات الصراع وتحركات القوى الإقليمية. ولذلك يقول المدير الأسبق لمركز البحوث والدراسات الإستراتيجية بالقوات المسلحة السودانية إن "المليشيات المسيطرة لا تملك برنامجا سياسيا أو اقتصاديا أو أمنيا متكاملا.
وأضاف عبد السلام أن هذه القوات تعد "أدوات لنهب الثروات بواسطة القوى المسلحة أو عصابات التعدين العشوائي، ولم تقدم برامج تنموية لسكان المناطق المحتلة". مشددا على أن "الأمن تحول إلى خدمة لحماة النهب بدلا من حماية المواطنين، في حين تغيب مشاريع استثمارية حقيقية أو شراكات تنموية".
ويستدرك على ما ضياء الدين بلال بأن "حميدتي يريد جعل دارفور نقطة ارتكاز للتمدد في كردفان، وتصبح ورقة تفاوضية رئيسية إذا دخل في مفاوضات، أما إذا لم يفاوض فإنه يسعى لتأسيس نموذج قريب من النموذج الليبي في السودان".
وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى فرار أكثر من مليون شخص من الفاشر خلال الحصار الذي فرضته قوات الدعم السريع منذ 18 شهرا، وبقاء ما يقرب من 250 ألف مدني وسط أزمة غذائية خانقة وانهيار شبه كامل للخدمات الصحية والمعيشية، مع نقص شديد في الأدوية والمستلزمات في المستشفيات نتيجة القصف.
وتواجه قوات الدعم السريع وحلفاؤها اتهامات بالمسؤولية عن موجات من أعمال العنف بدوافع عرقية في دارفور خلال الحرب، وخلصت الولايات المتحدة العام الماضي إلى أن تلك القوات ارتكبت إبادة جماعية.
لكن قيادتها تنفي إصدار أوامر بمثل هذه الهجمات، وتقول إن الجنود المارقين المخالفين للأوامر سيمثلون للعدالة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات السیطرة على الفاشر قوات الدعم السریع عبد السلام
إقرأ أيضاً:
الدعم السريع تعلن سيطرتها على مقر الجيش السوداني في الفاشر
أعلنت قوات الدعم السريع في السودان اليوم سيطرت على مقر قيادة الجيش في مدينة الفاشر، آخر مدينة يحتفظ بالسيطرة عليها في إقليم دارفور بغرب البلاد، بينما لم يصدر الجيش بيانا بعد حول الوضع الحالي.
وحاصرت قوات الدعم السريع شبه العسكرية المدينة على مدار الثمانية عشر شهرا الماضية، حيث تقاتل الجيش وحلفاء له من المتمردين السابقين والمقاتلين المحليين، بحسب ما نقلت وكالة "رويترز".
واستهدفت قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو موسى "حميدتي"، الذي كان يشغل منصب نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي، المدنيين بهجمات متكررة بالطائرات المسيرة والمدفعية، بينما أدى الحصار إلى انتشار المجاعة في أنحاء المدينة التي لا يزال يقطنها 250 ألف نسمة.
وستكون السيطرة على الفاشر، وهي عاصمة ولاية شمال دارفور، انتصارا سياسيا مهما لقوات الدعم السريع وقد تُعجّل بتقسيم البلاد عبر تمكين القوة شبه العسكرية من تعزيز سيطرتها على إقليم دارفور مترامي الأطراف، الذي اتخذته قاعدة لحكومة موازية شكلتها في صيف هذا العام.
ولطالما جرى التحذير من أن استيلاء قوات الدعم السريع على المدينة سيؤدي أيضا إلى هجمات عرقية، كما حدث عند سيطرتها على مخيم زمزم جنوبا.
وقالت قوات الدعم السريع الأسبوع الماضي إنها تسهّل خروج المدنيين والمقاتلين المستسلمين من المدينة، لكن أولئك الذين غادروا الفاشر أبلغوا عن عمليات سطو واعتداءات جنسية وقتل على يد جنود قوات الدعم السريع على الطريق.
وقالت بعثة من الأمم المتحدة الشهر الماضي إن قوات الدعم السريع ارتكبت جرائم متعددة ضد الإنسانية خلال حصار الفاشر. كما جرى اتهام الجيش بارتكاب فظائع.
وتُعدّ مدينة الفاشر مركزاً أساسياً للعمليات الإنسانية في ولايات دارفور الخمس، وخضعت منذ 10 أيار/ مايو 2024 لحصارٍ تفرضه قوات الدعم السريع، وسط تحذيراتٍ دولية من تداعياتٍ كارثية على المدنيين.
ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني و "الدعم السريع" في 15 نيسان/ أبريل 2023، قُتل نحو 20 ألف شخص وتشرد أكثر من 15 مليوناً بين نازحٍ ولاجئ، وفقاً لتقارير أممية ومحلية، في حين قدّرت دراسة أعدّتها جامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألف شخص.