«سيولد مسيح دارفور من رحم الرماد، يحمل على كتفيه خطايا القبائل، ويمشي في الأرض حافيا، مصلوب العينين على أوجاع الناس، لا يملك بيتا ولا وطنا، لكنه يحمل في صدره وعد الخلاص.
سيقول لهم: اغفروا، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون، لكنهم لن يسمعوا، لأن أصوات البنادق أعلى من صوت الرحمة».
المقطع السابق يمثل في حقيقته جوهر ومعنى رواية «مسيح دارفور» الصادرة قبل 14 عاما للكاتب السوداني بركة ساكن، والتي تتناول مأساة إقليم دارفور والانتهاكات المرتبطة بها، من جانب الجنجويد (ميليشيا آل دقلو الإرهابية) والسلطة المركزية.
قفزت إلى ذهني هذه الكلمات وسط طوفان الإحباط الممزوج بالقهر والمحمل بصور الانتهاكات والمجازر التي ترتكبها مليشيا آل دقلو الإرهابية بدعم من قوى استعمارية ودول إقليمية ضد سكان إقليم دارفور وفي القلب منه مدينة الفاشر.
ورغم أن الرواية التي تعد من أهم أعمال بركة ساكن، تعتبر شهادة أدبية على الفظائع الإنسانية التي ترتكبها ميليشيا الجنجويد في دارفور، إلا أن هذه الفظائع تتوارى أمامها خجلا جرائم المغول الذين اجتاحوا العالم الإسلامي في القرن الثالث عشر الميلادي، وحاصروا بغداد حاضرة الخلافة العباسية ثم اقتحموها
وقتلوا مئات الآلاف من السكان، وأحرقوا بيت الحكمة والمكتبات التي كانت من أعظم مراكز العلم في العالم الإسلامي، لتنتهي بذلك الخلافة العباسية بعد أن استمرت لأكثر من خمسة قرون.
وبرز اسم ميليشيات الجنجويد عام 2003 بعد أن قام نظام البشير - الترابي (الكيزان) بتسليحها كقوة موازية للجيش السوداني واستخدمها لقمع تمرد القبائل في الإقليم الذي يضم عشرات القبائل، بعضها عربية وبعضها إفريقية (فور، زغاوة، مساليت.. .) بعد أن اشتدت الصراعات فيما بينها على الأرض والماء والمراعي، مع الجفاف والتصحر اللذين ضربا الإقليم في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وكانت النتيجة مذابح وحرق قرى واغتصابات جماعية، أدت إلى مقتل أكثر من 300 ألف شخص وتشريد أكثر من 2.5 مليون، بحسب الأمم المتحدة.
ومنذ بداية المأساة دأبت ميليشيات الجنجويد، استخدام أسلوب «التطهير العرقي» ضد مجتمعات غير عربية في دارفور، عبر القتل، والاغتصاب، والحرق، والتهجير، وتم استخدام مدينة الفاشر كمسرح للضغط والإرهاب المدني من حصار وتجويع وقصف، إلى غير ذلك من أدوات تهدف لتفكيك المجتمع المدني وردعه، بالإضافة إلى أن قرب الفاشر من الحدود والمخيمات يجعلها مركزا للنازحين، ما يزيد من انتهاكات حقوق الإنسان ضد هؤلاء المشردين.
ويصف بركة ساكن، الجنجويد في ثنايا روايته بلغة رفيعة ودقة مؤلمة قائلا: «قوم عليهم ملابس متسخة مشربة بالعرق والأغبرة، يحيطون أنفسهم بالتمائم الكبيرة، لهم شعور كثة تفوح منها رائحة الصحراء والتشرد، رضعوا من ثدي الشمس الحارقة، ونشأوا على القتل، لا خلق ولا أخلاق لهم، الواحد منهم يطأ أخته وأمه لا حرمة لديه، أوباش أو أضل، على أكتافهم بنادق تطلق النار لأتفه الأسباب، نزعت من قلوبهم الرحمة، يكبرون تكبرا لا تأدبا، ولا يعرفون معنى للتكبير».
لينتهي به الوصف قائلا: «إنهم شر خالص، ليسوا قبيلة ولا عنصرا، يولد الإنسان خيرا، ثم يختار أن يكون إنسانا.. أو جنجويدا».
وفي النهاية فإن «مسيح دارفور» في رواية بركة ساكن ليس نبيا بالمعنى الديني، بل رمز للبراءة المصلوبة، يمثل كل ضحية سقطت في الحرب، وكل إنسان ظل يحلم بالسلام رغم أن العالم من حوله قد احترق، فهل نشهد انتصارا قريبا لهذه البراءة؟.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: ميليشيا الدعم السريع حرب السودان الفاشر ميليشيا آل دقلو الإرهابية الجنجويد برکة ساکن
إقرأ أيضاً:
المتحف المصري الكبير أحدث أعجوبة معمارية وثقافية في العصر الحديث على أعتاب الأهرامات
كأحدث أعجوبة معمارية وثقافية في العصر الحديث، يقف المتحف المصري الكبير شامخًا ، جامعًا بين عبق التاريخ وروح الحاضر.
ليقف على بُعد أمتار قليلة من أهرامات الجيزة، وموصلًا رسالة حضارية من قلب مصر إلى العالم.
ويعد هذا الصرح الفريد لا يُعد مجرد متحف لعرض الآثار، بل هو مدينة ثقافية متكاملة تعيد صياغة العلاقة بين الإنسان وتاريخه، وتُبرز عظمة الحضارة المصرية القديمة في ثوبٍ معاصرٍ يجمع بين الفن والهندسة والهوية.
مقتنيات وكنوز شاهدة على التاريخيضم المتحف المصري الكبير أكثر من 100 ألف قطعة أثرية تمثل مختلف العصور المصرية القديمة، من عصور ما قبل التاريخ حتى العصرين اليوناني والروماني. وتُعرض العديد من القطع لأول مرة بعد ترميمها في معامل حديثة تُعد الأكبر من نوعها في الشرق الأوسط.
ويُعد كنز الملك توت عنخ آمون أهم ما يميز المتحف، حيث تُعرض مقتنياته الكاملة لأول مرة منذ اكتشاف المقبرة في وادي الملوك عام 1922.
وقد خُصصت له قاعات فسيحة تعتمد على الإضاءة الذكية وتكنولوجيا العرض ثلاثي الأبعاد لتروي قصة الملك الذهبي بطريقة تفاعلية تجمع بين العلم والإبداع.
الحلم أصبح حقيقةبدأت فكرة إنشاء المتحف المصري الكبير في نهاية تسعينيات القرن الماضي، حين أعلنت مصر عن رغبتها في إقامة أكبر متحف في العالم مخصص لحضارة واحدة.
وجاءت المسابقة العالمية لتصميم المشروع عام 2002، لتشهد مشاركة أكثر من 1500 مكتب هندسي من نحو 80 دولة، قبل أن تفوز شركة هينغان بنغ المعمارية (Heneghan Peng Architects) الأيرلندية بالمركز الأول.
كان التصميم الفائز مستوحى من روح المكان ذاته، إذ يقوم على فكرة "الانتقال بين الحاضر والماضي"، مستعينًا بخطوط هندسية مستوحاة من الأهرامات المجاورة، ما يمنح الزائر إحساسًا بالامتداد الطبيعي للتاريخ.
ويشار إلى أنه يمتد المتحف على مساحة تُقدّر بـ نحو 490 ألف متر مربع، تشمل قاعات العرض الدائم والمؤقت، ومركزًا للترميم، ومكتبة أثرية متخصصة، ومنشآت تعليمية وثقافية ومناطق ترفيهية.
فيما يتكوّن الواجهة الخارجية من ألواح حجرية مثلثة الشكل، تلتقط أشعة الشمس بزاويا مدروسة لتمنح المبنى طابعًا متغيرًا على مدار اليوم، بينما تتجه خطوط التصميم بانسيابية نحو الأفق حيث تقف الأهرامات العظيمة، في مشهد بصري فريد يمزج بين عظمة الماضي وحداثة الحاضر.
في قلب المدخل الرئيسي، يستقبل الزائر تمثال رمسيس الثاني الشهير، الذي يبلغ ارتفاعه أكثر من 11 مترًا، وقد نُقل بعناية من ميدان رمسيس في القاهرة إلى موقع المتحف ليصبح أيقونة الاستقبال الكبرى للمكان.
مصر علي موعد مع التاريخ في افتتاح المتحف المصري الكبير
- بدأت مصر تخطط لإنشاء أكبر متحف للآثار في العالم منذ أكثر من عشرين عامًا ويجمع بين عبق الماضي وروح الحاضر.
- وضع حجر الأساس للمتحف المصري الكبير عند سفح أهرامات الجيزة، في موقع فريد يجمع بين أعظم رموز التاريخ الإنساني في عام 2002
- مر المشروع بعدة مراحل من البناء والتصميم، شارك فيها مئات الخبراء والمهندسين من مصر والعالم، حتى تحول الحلم إلى حقيقة ملموسة على أرض الجيزة.
- واجه المشروع تحديات كثيرة، لكن الإرادة المصرية لم تتراجع لحظة واحدة وفي كل عام، كانت تقترب الخطوة أكثر من الافتتاح الكبير.
- يقف المتحف المصري الكبير جاهزًا ليستقبل زواره من كل أنحاء العالم، واجهة زجاجية ضخمة تطل على الأهرامات، وقاعات عرض مجهزة بأحدث تقنيات الإضاءة والحفظ والعرض المتحفي.
- أكثر من خمسين ألف قطعة أثرية تعرض داخل هذا الصرح، من بينها المجموعة الكاملة للملك توت عنخ آمون لأول مرة في التاريخ، داخل قاعة مصممة لتأخذ الزائر في رحلة إلى قلب مصر القديمة.
- من أهم مقتنيات توت عنخ آمون التي ستعرض في المتحف ( التابوت الذهبي- قناع الملك- كرسي العرش- والخنجر).
- يضم المتحف تمثال الملك رمسيس الثاني الذي استقر في موقعه المهيب داخل البهو العظيم.
- في الأول من نوفمبر، تفتتح مصر أبواب المتحف المصري الكبير للعالم أجمع، افتتاح يعد صفحة جديدة في تاريخ الحضارة، واحتفاء بجهود أجيال عملت على صون تراث لا مثيل له.
- المتحف المصري الكبير ليس مجرد مبنى بل رسالة من مصر إلى العالم، بأن الحضارة التي بدأت هنا لا تزال تنبض بالحياة.
المتحف المصري الكبير
الفراعنة
مصر
العالم
الحضارة
توت عنخ امون
الرئيس السيسي
موكب الملوك
الجيزة
الأهرامات