هل يمكن لصرخة صوتية واحدة أن تمحو مدينة بأكملها؟
تاريخ النشر: 31st, October 2025 GMT
الصوت في أبسط معانيه هو اهتزاز ميكانيكي ينتقل عبر وسط ما، سواء كان هذا الوسط هواء، أو ماء، أو حتى جسم صلب.
فعندما تسمع صوت أقدام تتحرك في شقة الجيران، رغم أنهم غادروا المنزل منذ سنوات، فهذا الصوت عبارة عن اهتزاز تحرك في الجدران الإسمنتية، حتى وصل لك.
تجربة الكوبين والخيط، التي طالما لعبنا بها ونحن أطفال، من أبسط وأجمل الطرق لفهم كيف ينتقل الصوت، فعندما يتحدث أحد في الكوب الأول، تهتز قاعدته بفعل الموجات الصوتية التي يصدرها صوته، وهذه الاهتزازات تنتقل إلى الخيط المشدود المتصل بالكوب الثاني.
                
      
				
وبما أن الخيط مشدود، فإنه يهتز بالنمط نفسه الذي بدأ من الكوب الأول، فيرسل هذه الاهتزازات إلى الكوب الثاني الذي يهتز بدوره وينقلها إلى الهواء داخله، فتتحول مرة أخرى إلى صوت يُسمع بوضوح.
هذه التجربة البسيطة تُظهر بوضوح أن الصوت ليس إلا اهتزازات، أو قل موجات، تنتقل من مكان إلى آخر، وكل ما نسمعه في حياتنا اليومية، من أحاديث العمل إلى موسيقى، يعمل بالطريقة نفسها، اهتزاز يبدأ في مكان ما، وينتقل عبر وسط مادي، ثم يصل إلى أذننا ليترجم من اهتزاز فيزيائي إلى إحساس سمعي.
في هذا السياق، فإن الصوت إذن طاقة (ميكانيكية) تأتي إلى أذنينا في صورة موجة ضاغطة، حينما تصل إليها فإنها تضغط على طبلة الأذن، وتُنقل هذه الاهتزازات عبر عظام وأعصاب إلى الدماغ الذي يفسّرها على أنها صوت.
لقياس شدة الصوت، يستخدم العلماء وحدة اسمها الديسيبل، وهي طريقة ذكية للتعبير عن الأرقام الكبيرة بطريقة مبسطة، لأن الفرق بين أضعف صوت وأقوى صوت يمكن أن نسمعه ضخم جدا، ولذلك يستخدم العلماء اللوغاريتم لتحويل هذه الفروق الكبيرة إلى مقياس مفهوم.
بمعنى أوضح، كل زيادة بسيطة في الديسيبل تعني زيادة ضخمة في طاقة الصوت. على سبيل المثال:
إعلان 30 ديسيبلا: صوت همس هادئ. 60 ديسيبلا: حديث عادي بين شخصين. 85 ديسيبلا: ضوضاء مرور مزدحم، ومتوسط الصراخ البشري بجوارك. 95 ديسيبلا: مثقاب كهربائي بجوارك 129 ديسيبلا: الرقم القياسي لأعلى صرخة بشرية (البريطاني جيل دريك) 130 ديسيبلا: صفارة إنذار عالية أو حفلة صاخبة جدا. 150 ديسيبلا: صوت محرك طائرة قريب منك. 180 ديسيبلا: موجة ضغط قوية ضاربة.كل زيادة بنحو 10 ديسيبلات تعني أن الصوت أصبح أقوى 10 أضعاف تقريبا في الطاقة، لذلك لا تُخدع بأن الفرق بين 90 و100 ديسيبل بسيط، فهو في الحقيقة فرق هائل في شدة الصوت وتأثيره على الأذن.
كلما اشتد الصوت، تأثر الجسد، فمثلا من 85 إلى 120 ديسيبلا يبدأ الضرر التدريجي في الخلايا الشعرية داخل الأذن المسؤولة عن السمع، وإذا استمر الضجيج قد يظهر طنين مزمن أو فقدان مؤقت للسمع بعد التعرض الطويل.
في هذه الحالة، فإن الجسم قد يشعر بقلق أو دوار خفيف بسبب الاهتزازات القوية.
أما من 120 إلى 140 ديسيبلا، فيظهر ألم شديد فوري في الأذن، مع تمزق محتمل في طبلة الأذن، وتسارع في نبضات القلب وارتفاع في ضغط الدم نتيجة استجابة "الذعر الصوتي".
بعد ذلك، وعندما يرتفع الصوت عند الحدود من 150 إلى 180 ديسيبلا، يحدث تلف دائم في الأذن الداخلية وفقدان سمع لا يُشفى، مع نزيف في القناة السمعية أو داخل الأذن الوسطى، واهتزازات في الأعضاء الداخلية قد تتسبب في غثيان، أو فقدان توازن، أو حتى تمزق دقيق في الأنسجة.
في هذه الحالة، يشعر الشخص بأن الصوت لم يعد "يُسمع"، بل يُحس كضغط يضرب الجسم كله.
هذا الضغط الصوتي يكفي كذلك لكسر النوافذ الزجاجية الضعيفة والتسبب في أضرار داخلية بسيطة، وإذا ارتفع عن 180 ديسيبلا تسبب في أضرار هيكلية كبيرة للمباني الخفيفة، وانهيار أجزاء من الواجهات.
أما الصوت أقرب إلى 190 ديسيبلا (دون تجاوزها)، فيتسبب في اهتزازات قوية تجعل الهواء نفسه يبدو وكأنه يدفع الجسد، الذي يدخل في حالة "ارتباك في التوازن" بسبب الضغط المتناوب الشديد على الأذن الداخلية، وقد يُغمى على الشخص من شدة الضغط السمعي وحده.
بعد هذا المستوى، فإن شدة الصوت تؤدي إلى أضرار شديدة لمعظم المباني، وانهيار واسع للأبنية الضعيفة، وفي المستوى الأعلى تدمير شبه كامل للمنطقة السكنية في مكان الصوت المرتفع.
الآن لنتحدث عن انفجار بركان كراكاتوا، الذي وقع يوم 27 أغسطس/آب 1883 بإندونيسيا، وهو أحد أعنف الانفجارات البركانية في التاريخ المسجل، إذ أدى إلى تدمير معظم جزيرة كراكاتوا وتوليد موجات تسونامي هائلة تجاوز ارتفاعها 30 مترا وأودت بحياة أكثر من 36 ألف شخص.
كان الانفجار قويا لدرجة أن صوته سُمع على بعد يزيد على 4800 كيلومتر، في أماكن بعيدة مثل أستراليا والهند ومدغشقر، وقدّر العلماء شدته بما يصل إلى 194 ديسيبلا، مما يجعله الصوت الأعلى في التاريخ، هل يعني ذلك أنه عند تلك الحدود يمكن للصوت تدمير مدينة كما فعل البركان؟
إعلانليس بالضبط، فعند حوالي 194 ديسيبلا، يصل الصوت إلى الحد الأقصى الممكن في الهواء.
حينما ينتقل الصوت في الهواء، فإنه يصنع تضاغطات وتخلخلات، أي أن جزيئات الهواء التي يجري فيها الصوت تنضغط فتتقارب من بعضها بعضا، وتتخلخل، أي تتباعد عن بعضها بعضا.
لكن عندما يصبح الصوت قويا جدا، يصل الأمر إلى حد أن منطقة التخلخل تصبح فارغة تماما من الجزيئات، أي فراغ صغير داخل الموجة نفسها، عندها لا يمكن لجزيئات الهواء أن تبتعد عن بعضها أكثر من ذلك، لأنه لا شيء تبقى هناك.
في هذه اللحظة يتوقف الهواء عن "الاهتزاز" كموجة صوتية، ويبدأ في التحرك كله ككتلة واحدة، وهنا يتحوّل الصوت إلى موجة صدمة، أي انفجار فيزيائي حقيقي، وليس صوتا بمعناه العادي.
إذن، 194 ديسيبلا هو السقف الأعلى للصوت في الهواء، وبعده لا يصبح الصوت "أعلى"، بل ينفجر، ومن ثم فإن طاقة بركان كراكاتوا كانت أكبر بالتأكيد من حد الصوت الأعلى، فخلقت صوتا عاليا وصل إلى الحد الأقصى للصوت، وكذلك انطلقت نحو كونها موجة صدمية مدمرة.
الآن لنسأل: هل يمكن للصوت أن يمحو مدينة مثلا؟ الجواب العلمي المختصر: نعم، ولكن هناك استدراكا ضروريا، لأن ذلك الأثر لن يحدث بصفته "صوتا" بشريا أو طبيعيا قابلا للتولد في الجو، فقد تجاوز الأمر مرحلة الصوت، وأصبح موجة ضغط قوية جدا قادرة على تدمير مدينة ما، أو ما هو أكثر.
الصوت -كما نعرفه- هو موجات ضاغطة منتشرة، حسبما أسلفنا، وحتى لو كان عاليا فإنه يواجه قيودا في الطاقة المتاحة والانتشار والامتصاص تجعل فكرة التأثير على مدينة غير عملية، لكن عندما نتحدث عن انفجار، أو موجة صدمية، فهذا هو سبب التدمير، كما حدث في حالة البركان سالف الذكر.
ولتدمير مدينة تحتاج طاقة هائلة تُنتج موجة ضغط طاقتها تعادل طاقة انفجار كبير، وهي طاقة أكبر بكثير من أي مصدر صوتي طبيعي أو بشري ممكن، هذا ولم نتحدث عن التأثيرات الحرارية أو الإشعاعية التي تمتلك تأثيرا في هذا السياق.
في حالة قنبلة هيروشيما النووية (بقوة 15 ألف طن مكافئ لثلاثي نترو تولوين) على سبيل المثال، حدث دمار هائل في مركز المدينة، على نطاق مئات إلى آلاف الأمتار المربعة.
معظم المباني داخل الكيلومتر الأول من مركز الانفجار تدمرت أو تضررت بشدة. أما المناطق الأبعد، فقد شهدت حروقا وكسر زجاج وتضررا جزئيا، لكنه قادر على إخراجها عن العمل. هيروشيما لم تمحَ بالكامل، لكن مركزها تحوّل إلى خراب واسع.
التقارير التاريخية وشهادات الناجين، والذين كانوا على بعد كيلومترات من مركز الانفجار، تشير إلى أن ما سمعوه كان "دويا واحدا قصيرا أشبه بصوت فرقعة أو صفير حاد، ثم صمت تام". السبب في ذلك أن الانفجار وقع على ارتفاع نحو 600 متر فوق المدينة (انفجار جوي)، فكانت الموجة الصوتية والصدمة الحرارية والضوئية تصل في أجزاء من الثانية، تقريبا معا.
بعض الشهود على مسافة أبعد وصفوا الصوت بأنه يشبه "انفجارا معدنيا عميقا" أو "ضربة رعد هائلة" تبعها ظلمة وغبار.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات فی هذه
إقرأ أيضاً:
اختطافات مسعورة.. الحوثيون يشنّون موجة قمع جديدة في ذمار
تشهد مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي الإرهابية، المدعومة من إيران، موجة غير مسبوقة من حملات الاختطاف والملاحقات الأمنية، في ظل تصاعد الغضب الشعبي من سياسات النهب والتجويع والقمع التي تنتهجها الجماعة ضد المواطنين.
وفي أحدث فصول القمع، كشفت منظمة مساواة للحقوق والحريات عن تنفيذ الميليشيا، أمس الثلاثاء، حملة اختطافات واسعة في محافظة ذمار، طالت أكثر من 80 مواطناً من الشخصيات الاجتماعية والأكاديمية والتربوية، إضافة إلى مرضى وكبار في السن من مختلف مديريات المحافظة.
وقالت المنظمة في بيان لها، إن هذه الحملة تمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف التي تضمن حماية المدنيين وتصون حريتهم وأمنهم الشخصي. وأكد البيان أن الميليشيا الحوثية تمارس منذ سنوات سياسة قمع ممنهجة تستهدف كل من يعبّر عن رفضه لنهجها الاستبدادي، مشيرة إلى أن ما يجري في محافظة ذمار يضاف إلى سلسلة طويلة من الانتهاكات المروّعة بحق المدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
وأوضحت المنظمة أن استمرار هذه الجرائم يأتي في ظل صمت دولي مقلق يشجع الميليشيا على التمادي في انتهاكاتها، داعية الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية إلى التحرك العاجل لوقف هذه الممارسات، والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطفين، ومحاسبة المسؤولين عنها.
بدورها أكدت الحكومة اليمنية أن هذه الحملة تأتي امتداداً لسلسلة من الاعتقالات والانتهاكات الممنهجة التي تشنها الميليشيا في صنعاء وإب والحديدة وحجة والمحويت وعمران، ضمن سياسة متكررة تهدف إلى كسر إرادة المواطنين وتكميم أفواههم.
وقال وزير الإعلام والثقافة والسياحة، معمر الإرياني، في تصريح رسمي، إن "ما تقوم به ميليشيا الحوثي من اعتقالات تعسفية واختطافات عشوائية يؤكد حالة القلق والارتباك التي تعيشها الجماعة بعدما أدركت أن قبضتها الأمنية بدأت تتآكل، وأن صبر اليمنيين على جرائمها ونهبها الممنهج للثروات قد بلغ مداه".
وأشار الإرياني إلى أن الميليشيا، بدلاً من الاستجابة لمطالب الناس وإنهاء أسباب الاحتقان الشعبي، تلجأ إلى القمع والاختطاف والإرهاب، لتؤكد مجدداً أنها لا تمتلك مشروعاً وطنياً، وإنما مشروع خوف واستعباد يسعى لتكميم كل صوت معارض.
وأضاف الوزير أن الحملة الأخيرة "تكشف بوضوح طبيعة الميليشيا التي تحولت إلى عصابة تمارس الإرهاب المنظم بحق الشعب اليمني، وتعيش حالة عزلة متزايدة حتى داخل المجتمع الذي تزعم تمثيله"، لافتاً إلى أن الجرائم الممنهجة ضد المدنيين "لن تمنح الحوثيين إلا مزيداً من السقوط الأخلاقي والسياسي والانكشاف أمام الرأي العام المحلي والدولي".
ويرى نشطاء حقوقيون أن تصاعد هذه الحملة يعكس الانهيار المالي والأمني الذي تمر به الميليشيا الحوثية في ظل فقدانها السيطرة على الشارع، وتزايد التململ الشعبي من سياسات الإفقار وفرض الجبايات. معتبرين أن استخدام "الاختطاف الجماعي" بات وسيلة مكشوفة لإرهاب المجتمع وكبح أي تحرك شعبي، فيما تُبرر الجماعة جرائمها باتهامات باطلة تتعلق بـ"التخابر أو التآمر" في محاولة لإضفاء طابع قانوني زائف على ممارساتها القمعية.
وختم وزير الإعلام تصريحه بالتأكيد على أن هذه الممارسات القمعية "لن تنجح في كسر إرادة اليمنيين ولا في إسكات أصواتهم الحرة"، مشدداً على أن الشعب اليمني بات أكثر وعياً بجرائم الميليشيا وبزيف شعاراتها، وأكثر إصراراً على استعادة دولته ومؤسساته وكرامته الوطنية.
وأضاف أن بطش الحوثيين اليوم "هو آخر فصول مشروعهم الكهنوتي"، وأن سقوطهم بات "مسألة وقت لا أكثر"، مع تزايد الرفض الشعبي واحتدام الضغوط الدولية على داعميهم في طهران.
 الجالية المصرية في فرانكفورت تتابع باهتمام المتحف المصري الكبير عبر بث مباشر
الجالية المصرية في فرانكفورت تتابع باهتمام المتحف المصري الكبير عبر بث مباشر