ليانغ سوو لي **

 

مع اختتام الجلسة الكاملة الرابعة للجنة المركزية العشرين للحزب الشيوعي الصيني، حظيت "مقترحات صياغة الخطة الخمسية الخامسة عشرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية" باهتمام واسع داخليًا ودوليًا. فهذه الوثيقة لا ترسم فقط المسار الاستراتيجي لتنمية الصين في المستقبل، بل تجسد أيضًا جوهر الحوكمة في العصر الجديد، وهو الالتزام الدائم بمفهوم التنمية المتمحورة حول الشعب، بحيث تكون التنمية من أجل الشعب وبمشاركته ولمنفعته.

وفي هذا المنعطف التاريخي، تدخل مسيرة التحديث الصينية مرحلة جديدة من التنمية عالية الجودة، حيث تُمنح قضايا معيشة الشعب مكانة أكثر مركزية، ما يجعلها نافذة مهمة لفهم اتجاهات التنمية في الصين بالنسبة للمجتمع الدولي.

وعند النظر إلى مسيرة السنوات العشر الماضية، نجد أن الصين، من الإنجاز التاريخي المتمثل في بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل، إلى الدفع المستمر لنهضة الريف، ومن تحسين منظومة الخدمات العامة إلى الارتقاء المستمر بمستوى المعيشة، جعلت دائمًا "تحسين حياة الشعب" نقطة البداية والهدف النهائي لكل السياسات. وقد نصّت مقترحات الخطة الخمسية الخامسة عشرة على ترتيبات متكاملة تشمل التعليم والتوظيف والصحة ورعاية كبار السن والإسكان. فتعزيز إتاحة التعليم الجيد، وتطبيق سياسة أولوية التوظيف، وتحسين قدرات الخدمات الصحية، وتطوير نظام رعاية كبار السن، وتحسين نظام الإسكان المأمون، كلها تعكس انتقال الصين من تلبية الاحتياجات الأساسية إلى الارتقاء بجودة الحياة، ومن حل مشكلة "الوجود" إلى تحقيق "العيش الأفضل".

غير أن تعميق إحساس الشعب بالكسب والسعادة والأمن لا يتحقق فقط عبر التخطيط الاستراتيجي الشامل، بل يحتاج أيضًا إلى حلول دقيقة تراعي التفاصيل اليومية. ويُعد مشروع تجديد الأحياء السكنية القديمة في شانغهاي مثالًا واضحًا على ذلك. فقبل سنوات، كان بعض السكان في الأحياء القديمة يعانون من مشاكل عدم وجود مراحيض داخل المنازل، مما سبب صعوبات معيشية للسكان. ورغم أن هذا التحدي يبدو صغيرًا من منظور التخطيط الكلي، إلا أنه كان يرتبط مباشرة بكرامة الناس ونوعية حياتهم. وقد اختارت شانغهاي عدم اللجوء إلى قرارات إدارية سريعة أو حلول جاهزة، بل اتبعت نهج المشاورة المجتمعية، والتخطيط الدقيق، والمواءمة مع ظروف كل حي، مع احترام عادات السكان وارتباطهم ببيئتهم. وبهذا عولجت مشكلة استمرت لسنوات طويلة، مما يعكس فعليًا مفهوم "المدينة من أجل الشعب".

ويكشف هذا المثال عن تحول عميق في فلسفة الحوكمة الحضرية في الصين. فالمدينة ليست مجرد إطار مادي للتحديث، بل هي فضاء عيش ومأوى للناس. والغاية العليا لحوكمة المدن هي أن يتمتع الناس بحياة كريمة ومريحة وسعيدة. وكما أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ: "المدينة من أجل الشعب، ويشارك الشعب في بنائها، ويدير شؤونها، ويستفيد من خيراتها." وقد أصبح هذا المفهوم اليوم مرشدًا أساسيًا لتطوير المدن في الصين. وتوضح تجربة شانغهاي أن تطبيق هذا المفهوم يبدأ من معالجة أكثر القضايا إلحاحًا في حياة السكان، وتحويل نتائج التنمية إلى تحسين ملموس في حياتهم.

وفي المرحلة الجديدة، بات مفهوم "المدينة من أجل الشعب" ركيزة رئيسية في ممارسات التحديث الحضري. فمع تعزيز التحضر الجديد، تركز الصين على عدالة الخدمات العامة، وانفتاح وتشاركية الفضاء الحضري، وكفاءة نظم الحوكمة، بما يدفع التحول من "السكن المتاح" إلى "السكن الملائم للعيش". سواء عبر تطوير خدمات رعاية كبار السن، أو تحسين شبكات النقل العام، أو إنشاء الحدائق المجتمعية الصغيرة، أو بناء "دائرة الحياة في 15 دقيقة"، يظل الهدف واحدًا: جعل المدينة تستجيب لتطلعات الشعب إلى حياة أفضل.

وتقدم التجربة الصينية إلهامًا مهمًا للعالم: فالتحديث ليس مجرد مؤشرات اقتصادية، بل هو تطوير الإنسان ذاته؛ والمدينة ليست فضاءً لتمدد رأس المال، بل حاضنة لقيم الحضارة والتقدم. ومع التحديات المشتركة التي تواجهها المدن عالميًا، من الشيخوخة إلى الإسكان والحوكمة الاجتماعية، يبرز النموذج الصيني بوصفه مسارًا حوكميًا يضع حاجات الناس وتحقيق رفاهيتهم في المركز.

إن قيمة المدينة لا تُقاس بارتفاع أبراجها الشاهقة، بل بدفء خدماتها وكرامة عيش سكانها. ومع التنفيذ الفعلي لمقترحات الخطة الخمسية الخامسة عشرة، سيترسخ مفهوم "المدينة من أجل الشعب" أكثر فأكثر، وسيصبح إحساس الشعب بالكسب والسعادة والأمان أكثر واقعية واستدامة. وفي مسيرة التحديث الصينية، ستغدو مدننا أكثر ملاءمة للعيش، وأكثر مرونة وحيوية، وستصبح حياة شعبنا أكثر جمالًا وازدهارًا.

** إعلامية صينية

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

استشاري: الذكاء الاصطناعي أصبح جزءًا من ثقافتنا اليومية وأقرب إلينا من هواتفنا

قال المهندس أحمد حامد، استشاري التحول الرقمي، ومستشار عام النظم الأمنية بالجمعية المصرية للأمم المتحدة، إن مواقع التواصل الاجتماعي امتلأت في الأيام الأخيرة بصورٍ تُحول أصحابها إلى فراعنة وملوك قدماء بملامح دقيقة وتفاصيل مُدهشة، في مشهد يعكس مدى انتشار الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية وسهولة استخدامه من مختلف الأعمار، وبضغطة زر أصبح أي شخص قادرًا على رؤية نفسه في هيئة ملك من زمن الفراعنة، وهي ظاهرة تحمل جانبًا إيجابيًا يتمثل في شغف الناس بالتقنية وإبداعهم في التعبير عن هويتهم الثقافية، لكنها في الوقت نفسه تذكير بأن كل ابتكار يحمل وجهين: أحدهما فني مبهج يُعيد إحياء التاريخ بروح معاصرة، والآخر يتطلب وعيًا ومسؤولية في التعامل مع الأدوات الرقمية حتى لا تتحول المتعة إلى مصدر خطر أو استغلال.

وأضاف "حامد"، أن منصات الذكاء الاصطناعي شهدت موجة استخدام غير مسبوقة في مصر والعالم العربي بعد انتشار موضة “التحويل إلى فرعوني” قبل وبعد افتتاح المتحف المصري الكبير، وتُشير بيانات إلى أن تطبيقات تعديل الصور بالذكاء الاصطناعي تجاوزت مليارًا ومئتي مليون تنزيل حول العالم خلال عام واحد فقط، وهو رقم يعكس مدى انتشار هذه التكنولوجيا وسهولة الوصول إليها، حتى أصبحت متاحة في يد الجميع وليست حكرًا على المتخصصين أو الفنانين الرقميين، لكن هذه السهولة تحمل في طيّاتها جانبًا آخر لا ينتبه إليه كثيرون.

وأوضح أنه خلف الصور البراقة تكمن مشكلة حقيقية وهي من يملك الصورة بعد رفعها؟، فعند استخدام تطبيقات مجانية أو مواقع غير موثوقة، يمنح المستخدم بشكل غير مباشر حق استخدام صوره وملامحه للشركة المالكة للتطبيق، والتي قد تكون خارج الإطار القانوني المحلي أو لا تخضع لأي رقابة، وحذرت تقارير متخصصة من أن بعض هذه التطبيقات تستخدم الصور في تدريب خوارزمياتها أو تخزينها لفترات طويلة، مما يفتح الباب أمام احتمالات إساءة الاستخدام، من انتحال الهوية إلى إنتاج محتوى مزيف دون علم أصحاب الصور، وحيث أن بيانات الوجه من أكثر أنواع البيانات حساسية، فهي تُستخدم في أنظمة التعرف على الهوية والدخول الآمن، ويُمكن من خلالها بناء قواعد بيانات ضخمة أو إنشاء صور مزيفة شبيهة بالحقيقية.

نوه بأنه كلما أصبحت التقنية أسهل وأمتع، زاد احتمال إساءة استخدامها إذا غاب الوعي، والمطلوب ليس الامتناع عن استخدامها، بل التعامل معها بعقلانية ووعي رقمي حقيقي، ومن المهم أن نختار التطبيقات ذات السمعة الموثوقة والمصادر الرسمية المعروفة، وأن نقرأ بعناية سياسات الخصوصية قبل رفع أي صورة أو مشاركة أي بيانات شخصية، كما يُستحسن تجنّب رفع الصور العائلية أو الحساسة، واستخدام أدوات توليد الصور التي تعمل دون اتصال بالإنترنت كلما أمكن، مع ضرورة الفصل بين الترفيه والهوية الرقمية؛ فالوجه ليس مجرد صورة جميلة، بل بصمة رقمية قد تُستخدم بطرق لا يتوقعها صاحبها.

وأوصى بتفعيل المصادقة الثنائية في الحسابات التي تُستخدم لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، واستخدام بريد إلكتروني مُخصص للتطبيقات الترفيهية بعيدًا عن البريد الشخصي أو المهني، فضلًا عن حذف الصور من خوادم التطبيق بعد الانتهاء من المعالجة متى توفّر هذا الخيار، علاوة على تجنّب مشاركة الصور الناتجة على الملأ، خاصة صور الأطفال أو العائلة، واستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي معروفة المصدر التي تعمل على الجهاز نفسه، محذرًا من النسخ المزيفة المنتشرة في المتاجر غير الرسمية، لأنها قد تحتوي على برامج تجسس، مطالبًا بضرورة فصل الهوية الرقمية عن الجانب الترفيهي، وعدم السماح لأي تطبيق مجهول بجمع ملامح الوجه أو البيانات الشخصية.

كما أصدر توصيات للمؤسسات والجهات الإعلامية مفادها إطلاق حملات توعية رقمية حول مخاطر مشاركة الصور في تطبيقات الذكاء الاصطناعي غير الموثوقة، وإدراج التربية الرقمية في المدارس والجامعات لتعليم الأجيال الجديدة كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي بأمان، فضلًا عن سنّ لوائح وطنية واضحة تُنظم استخدام بيانات الوجه والهوية البصرية في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، علاوة على إنشاء منصة وطنية آمنة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي المحلية التي تراعي الخصوصية والقوانين الوطنية، وتشجيع التعاون بين خبراء الأمن السيبراني والمبرمجين والفنانين لإنتاج أدوات ذكاء اصطناعي تراعي الجمال والأمان معًا.

وأكد أن ظاهرة “التحول إلى فرعون” أثبتت أن الذكاء الاصطناعي صار أقرب إلينا من كاميرات هواتفنا، وأنه أصبح جزءًا من ثقافتنا اليومية، وبين روعة الصورة ومخاطرها الخفية يبقى الوعي هو خط الدفاع الحقيقي؛ حيث أننا نحتفل بالتكنولوجيا ونستخدمها لإحياء تراثنا لا لتُستغل ضدنا، فالتكنولوجيا في النهاية ليست ذكية بذاتها، بل بذكاء من يستخدمها.

لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا

لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا

الذكاء الاصطناعي أحمد حامد التحول الرقمي أحدث الموضوعات علاقات الأشهر الأخيرة من 2025 تحمل هدايا ومفاجآت مصيرية لبعض الأبراج أخبار السيارات هل تصدق.. السيارات الكهربائية تصدر انبعاثات تتجاوز سيارات البنزين زووم تعطي قُبلة لـ أبو الهول.. نرمين الفقي تنشر صورا أمام الأهرامات رياضة محلية لحظة بلحظة.. الأهلي والمصري البورسعيدي.. الدوري الممتاز أخبار مصر البرازيل تستعين بخبرة مصر في تطوير المتاحف

فيديو قد يعجبك:



قد يعجبك

أخبار مصر أمطار تصل القاهرة.. الأرصاد تعلن حالة الطقس الآن منذ 14 دقيقة قراءة المزيد أخبار مصر استشاري: الذكاء الاصطناعي أصبح جزءًا من ثقافتنا اليومية وأقرب إلينا من منذ 16 دقيقة قراءة المزيد أخبار مصر

مقالات مشابهة

  • أكثر من 79 ألف مستفيد.. مشروع سعودي جديد لدعم الشعب اليمني صحيًا
  • تحسين التعليم والشفافية فى تعيين المعلمين من ضمن أولوياتى
  • استشاري: الذكاء الاصطناعي أصبح جزءًا من ثقافتنا اليومية وأقرب إلينا من هواتفنا
  • نائب رئيس جمهورية الصين الشعبية يصل الدوحة للمشاركة في قمة التنمية الاجتماعية
  • محافظ الغربية: التعاون مع ممثلي الشعب يترجم توجيهات الرئيس ويعزز مسيرة التنمية
  • ما هي أبرز مميزات «أليكسا بلس» وكيف تستخدمها في حياتك اليومية؟
  • أدعية إيمانية يحتاجها المسلم في حياته اليومية
  • من فؤاد سركيس إلى مفتاح الحياة.. تفاصيل إطلالة سلمى أبو ضيف في افتتاح المتحف المصري
  • السيد: نعمل على تطوير شبكة مراكز التنمية الاجتماعية لتكون أكثر شمولاً واستجابة