لماذا فشل الإسلاميون العرب في بناء دولة
تاريخ النشر: 3rd, November 2025 GMT
منذ تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في مصر سنة 1928 والإسلاميون يدفعون أثمانا باهظة ويبذلون جهودا عظيمة وينفقون من مالهم ووقتهم وصحتهم الكثير، ولكنهم لم يتوفّقوا إلى "بناء دولة" ولا إلى تقديم نموذج في الحكم يمكن أن يُتّخذ مثالا تتأسّى به حركات سياسية أخرى مسكونة بأشواق التحرر وبفكرة العدالة وبمفهوم السيادة.
                
      
				
الإسلاميون هم أكثر من كافح ضد الاستبداد وأكثر من قدم تضحيات، ولكنهم لم يجنوا في كل قطر عربي إلا السجون والتعذيب والموت وتشريد العائلات؛ هل لكونهم لا يمتلكون تصورا واضحا حول الدولة؟ هل لأنهم غير منسجمين مع قضايا العصر وأسئلة الحداثة ومقتضيات التقدم ومعاني المدنية؟ هل لأنهم غيرُ مؤهلين لممارسة الحكم بما هو تصريف للشأن العام وخدمة لمصالح الناس وحماية لسيادة الأوطان؟
الإسلاميون هم أكثر من كافح ضد الاستبداد وأكثر من قدم تضحيات، ولكنهم لم يجنوا في كل قطر عربي إلا السجون والتعذيب والموت وتشريد العائلات
لقد كتب الإسلاميون كثيرا عن مفهوم الدولة في الإسلام، وكتبوا في الحرية وكتبوا في العدالة الاجتماعية، وكتبوا في الأخلاق، وكتبوا في فضل العلم وأفضلية العلماء، وفيهم من نبغوا في مختلف العلوم بل وفي أحدثها، وفيهم من هم أسماء بارزة في مختبرات بحث بدول أجنبية.. إذا لماذا يفشلون في بناء دولة تكون لها مكانة بين الدول وتتعامل مع الآخرين على قاعدة التعاون، دون تبعية ولا وصاية ودون حاجة لحماية خارجية؟ لماذا لم يستطيعوا اكتساب سلطة حقيقية حتى حين انتخبتهم الجماهير وفازوا بأغلبية في انتخابات نزيهة ومشهود لها داخليا وخارجيا بكونها شفافة؟ لماذا لم ينسجموا أو ينسجم معهم نسيج الجمعيات والمنظمات المدنية حتى اضطروا إلى إنشاء جمعيات ومنظمات كانت في الغالب خاصة بأنشطتهم كلما كان النشاط متاحا لهم؟
لماذا ظلوا دائما خارج "روح الدولة"، لا تتلبّسهم ولا يتلبسونها إنما يظلون يشعرون بغربتهم فيها وتُشعرهم بغربتهم عنها؟ والسؤال أيضا عن "روح" تلك الدول التي يفوز فيها إسلاميون، منذ متى سكنت تلك "الأرواح" تلك الدول؟ ولماذا هي أرواح متشابهة في نفورها من الإسلاميين؟
بعض الحركات الإسلامية تفوز في انتخابات ثم تعجز عن الحكم بمفردها أو عن الحكم بـ"هويتها"، فتضطر إما لـ"توافق" مع غيرها، وإما للحكم من وراء المشهد إلى حين، أو إلى "انتداب" من يحكم باسمها؛ تسلمه "الشرعية" وتظل تأمل ألا ينقلب عليها فينكل بها.
تابعنا ما حدث للجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر بعد فوزها الكاسح في انتخابات 1992، ثم ما حدث لجماعة حسن الترابي -وما أدراك من هو- مع عمر البشير، وما حدث لإخوان مصر بعد أن وصلوا إلى السلطة بانتخابات شفافة، وما حدث لحزب العدالة والتنمية في المغرب بعد أن وُرّط في خطيئة التطبيع، وما يتخبط فيه إسلاميو ليبيا، وأيضا ما انتهت إليه حركة النهضة التونسية بعد عقود من التضحية ومئات من الضحايا وبعد أن فازت بانتخابات شفافة، ثم وجدت نفسها في محنة هي أشد من محنة السجن كما قال أحد زعمائها حين كان رئيس أول حكومة بعد انتخابات 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2011. استمعنا أيضا إلى رئيس مجلس شورى حركة إخوان سوريا بعد سقوط نظام البعث الذي واجهوه منذ مجزرة حماة، سمعناه يقول إن حركته لم تُدْعَ للمشاركة في المرحلة الجديدة.
بعض قيادات الحركات الإسلامية "اكتشفت" أن التسويات لا يمكن أن تحصل مع الأنظمة، لأنها لا تملك قرارها إنما هي تابعة، وهي في الغالب ليست إلا أدوات في مختبرات دولية لتنفيذ ترتيبات متغيرة بحسب المصالح والتحالفات وموازين القوى، لذلك رأت أن تبحث عن خيط يصلها بتلك القوى الخارجية تتفاوض معها مباشرة وتقبل بالتعامل معها؛ على مبدأ "المشترك الإنساني" الذي يقبل به الإسلام ولا يتعارض مع مفاهيم كونية لدى تلك الدول الكبرى مثل الحريات والديمقراطية وحقوق الأقليات ومكانة المرأة.
وقد يكون "الربيع العربي" هو "ثمرة" ذاك النهج المُبتَكر (رسالة عدد من قيادات الحركة الإسلامية إلى الرئيس الأمريكي أوباما)، وقد ساعدت عدة دول صديقة لتلك الحركات ولتلك الدول الكبرى معا في تنشيط روح "الربيع" إعلاميا وماديا وديبلوماسيا، خاصة تركيا وقطر. ولكن لم يستقر "الربيع" طويلا، ولم تنجح الحركات الإسلامية الفائزة انتخابيا في الحفاظ على "انطباع" إيجابي لدى عموم الجمهور حولها، لقد اكتشفوا كما لو أنهم أُلقوا من شاهق في حقل أوحال وطُلب منهم أن يواصلوا النضال في دورة أخيرة، وعليهم أن يخرجوا منها لا سالمين فقط بل "أنقياء".
علينا أن نفكر جيدا في الأسباب الحقيقية وفي تداخل الذاتي والموضوعي ضمن وعي بسنن التاريح ومبدأ الأسباب، حيث تكون المآلات دائما في علاقة بالمقدمات، فلا يُجدي اعتماد "الجبرية السياسية" بإلقاء المسؤولية على الآخرين لتبرئة أنفسنا من كل خطأ أو خطيئة
لقد نكلت بهم وسائل إعلام انتدَبت ألسنة وأقلاما خصيصا لممارسة كل فنون السلخ والقذف والترذيل والتأثيم، لم يُتركوا في أجواء طبيعية هادئة تتكشف فيها إبداعاتُهم ومهاراتُهم، أو تنكشف فيها نقائصُهم ومعايبُهم، لم تكن معركة أفكار ولا معركة إرادات جربها الإسلاميون وصمدوا فيها، ولكن هذه المرة كانت المعركة وسخة جدا، رِبْحُها خسارة وخسارتُها عذاب.
وقبل المسارعة بتفسير الفشل أو تبريره، علينا أن نفكر جيدا في الأسباب الحقيقية وفي تداخل الذاتي والموضوعي ضمن وعي بسنن التاريح ومبدأ الأسباب، حيث تكون المآلات دائما في علاقة بالمقدمات، فلا يُجدي اعتماد "الجبرية السياسية" بإلقاء المسؤولية على الآخرين لتبرئة أنفسنا من كل خطأ أو خطيئة.
ثمة أسئلة لا يمكن أن يجيب عنها، اليوم، إلا بعض من كانوا مقربين من الشهيد محمد مرسي رحمه الله، وكذلك الأستاذ راشد الغنوشي نفسه، وأما سعد الدين العثماني المغربي فقد أجاب حين تورط في خطيئة الإمضاء على التطبيع. تلك الأسئلة متعلقة بما إذا كان قادة الحركات الإسلامية قد طُولبوا بالتطبيع لضمان بقائهم.
آخر خطاب للدكتور محمد مرسي رحمه الله، نجد فيه رسائل يفهمها الفاهمون، لقد طُلب منه ما لا تقبل به عقيدته، فاختار الشهادة على التطبيع. الغنوشي نفسه ظل يحاذر في تصريحاته ويحاول تعديل المزاج على المستوى السياسي وترك سخونة الموقف في الشارع، ولكنه لم يستسلم.
سيظل الإسلاميون يدفعون أثمانا مضاعفة في ظل غياب مشروع ثوري تحرري لا يكون سقفه إسقاط الأنظمة، ولا يكون ضمن منهجه الاستعانة بـ"الكبار"، وإنما يكون أفُقُه التحرر من الاستبداد داخليا، والتحرر من إملاءات الدول الكبرى، ومن اشتراطات الوسطاء الذين لا يلعبون إلا دور السّمسرة.
x.com/bahriarfaoui1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء الحكم التحرر التطبيع تطبيع اخوان اسلامي الحكم تحرر قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحرکات الإسلامیة تلک الدول ما حدث
إقرأ أيضاً:
الأمم المتحدة تدعو الدول الأعضاء إلى الامتناع عن استخدام القوة ضد أي دولة
دعا نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، اليوم الاثنين، جميع الدول الأعضاء إلى الامتناع عن تهديد أو استخدام القوة ضد أي دولة، وذلك تعليقا على تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعمل عسكري محتمل ضد نيجيريا بسبب "قتل المسيحيين"، على حد قوله.
وقال حق للصحفيين: "موقفنا الأساسي في هذا الشأن هو أن على الدول الأعضاء أن تضمن توافق أفعالها مع القانون الدولي، بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة، الذي يدعو صراحة جميع الدول الأعضاء إلى الامتناع عن التهديد أو استخدام القوة ضد السلامة الإقليمية لأي دولة أو بأي طريقة أخرى تتعارض مع مقاصد الأمم المتحدة".
وأضاف أن الأمم المتحدة مستعدة لمواصلة دعم جهود نيجيريا لمعالجة الأسباب الجذرية للعنف وحماية حقوق الإنسان.
ورفضت نيجيريا تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتنفيذ عمل عسكري أحادي الجانب على أراضيها، مؤكدة أن أي تدخل من هذا النوع "غير مقبول" ويستند إلى "تقارير مضللة" حول اضطهاد المسيحيين.
وقال دانيال بوالا، المتحدث باسم الرئيس النيجيري بولا تينوبو، لوكالة أنباء أمريكية أمس الأحد: "الولايات المتحدة لا يمكنها تنفيذ أي عملية عسكرية داخل نيجيريا من جانب واحد"، مشيراً إلى أن التهديد يعكس "أسلوب ترامب المعتاد في استخدام القوة لإجبار الآخرين على الحوار".