السوق السوداء تبتلع الدعم.. والشيكارة تختفىتسريب الأسمدة من الجمعيات.. وخلل فى المنظومة
لم تعد أزمة الأسمدة فى مصر مجرد مشكلة موسمية عابرة، بل تحولت إلى صداع دائم يطارد المزارعين مع كل موسم جديد فبين نقص المعروض وارتفاع الأسعار وتسريب الكميات المدعمة إلى السوق السوداء، يعيش الفلاح حالة من الترقب واليأس، بعد أن أصبحت الزراعة التى كانت يومًا مصدر رزق واستقرار عبئا ثقيلًا يهدد قدرته على الاستمرار.
ورغم تعدد القرارات الحكومية ومحاولات ضبط السوق، فإن جذور الأزمة ما زالت قائمة، تتراوح بين خلافات الحكومة وشركات الإنتاج حول نسب التوريد، وغياب الرقابة الفعالة على منظومة التوزيع، لتتحول الجمعيات الزراعية من نافذة أمل إلى بوابة للشكوى والمعاناة.
الأزمة ليست جديدة
يؤكد خبراء الاقتصاد الزراعى أن الأزمة الحالية ليست جديدة، لكنها تفاقمت فى الأشهر الأخيرة بسبب زيادة معدلات التصدير وارتفاع تكلفة الغاز الطبيعى الذى يمثل نحو 70% من تكلفة إنتاج الأسمدة النيتروجينية، فى وقت تراجعت فيه قدرة المزارعين على تحمّل الأسعار.
صوت الفلاحين
لم تقتصر أزمة الأسمدة على الأرقام والقرارات، بل انعكست بشكل مباشر على حياة المزارعين فى القرى والمحافظات المختلفة، حيث تروى شهاداتهم واقعًا مليئًا بالتحديات والخسائر.
عبد الرازق حسان، مزارع من قرية دلجا بالمنيا، يقول: إحنا بقينا نلف على الجمعيات كأننا بنشحت الشيكارة، بيقولوا الكمية خلصت أو لسه ما جاتش، وفى الآخر نضطر نشترى من السوق الحر الزراعة بقت خسارة مش مكسب.
أما محمد أبو الخير، مزارع قمح من كفر الشيخ، فيشير إلى أن الأزمة ليست فقط فى الأسعار بل فى التوقيت: السماد لما يتأخر عن ميعاده بيبوظ الموسم كله السنة اللى فاتت خسرت نص الإنتاج لأن السماد ما وصلش فى الوقت اللى الأرض كانت محتاجاه فيه وكل ده والفلاح هو اللى بيتحاسب لو الإنتاج قل.
ومن الفيوم تقول أمينة عبد الموجود، التى تزرع خضروات موسمية: إحنا بنزرع خيار وطماطم، والمحصول ده بياكل سماد كتير دلوقتى بنقلل الكمية عشان الأسعار نار، فالمحصول بيقل وجودته بتضعف فى الآخر التاجر بيشترى مننا بسعر قليل، واحنا اللى بنخسر تعبنا ومجهودنا كله.
ويضيف حسن الجمل، مزارع أرز من الدقهلية: كل سنة بنسمع وعود بحل أزمة السماد، لكن الجمعية تقول استلم شكارتين بدل ثلاث، والباقى روح اشتريه حر الأسمدة والمبيدات غالية، والمياه بقت تكلفتها عالية، والنتيجة إننا بنقلل المساحة المزروعة سنة بعد سنة.
ويختتم محمود عطية، مزارع من سوهاج، المشهد قائلًا: «المشكلة مش فى المصانع بس، المشكلة كمان فى الجمعيات الموظفين نفسهم ساعات ما يسلموش الكميات كاملة، ويدوها لتجار معينين».
أزمة هيكلية
أكد الدكتور جمال صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعى بجامعة القاهرة، لـ«الوفد»، أن أزمة الأسمدة الحالية ليست جديدة، بل هى أزمة متكررة منذ سنوات طويلة، إلا أن الجديد هذه المرة هو تفاقم مشكلة التصدير، موضحًا أن الأزمة نتاج مباشر لخلافات مستمرة بين الحكومة ممثلة فى وزارة الزراعة، وبين شركات إنتاج الأسمدة.
وأوضح «صيام» أن الأزمة تتركز فى الأسمدة النيتروجينية المدعومة، وليس الفوسفاتية أو البوتاسية، مشيرًا إلى أن هناك اتفاقًا رسميًا بين الحكومة والشركات يقضى بأن يتم تخصيص 55% من الإنتاج للسوق المحلي، مقابل تصدير 45%، إلا أن الشركات غالبًا لا تلتزم بهذه النسبة، حيث تميل إلى زيادة معدلات التصدير لما يحققه من عائدات مالية أكبر، وهو ما يؤدى إلى نقص المعروض محليًا وارتفاع الأسعار.
وأضاف أن هناك خللًا فى منظومة التوزيع أيضًا، إذ تتداخل أطراف عدة فى العملية مثل التجار والجمعيات التعاونية الزراعية، ما يفتح الباب أمام تسريب كميات من الأسمدة إلى السوق السوداء وحرمان المزارعين من حصصهم المقررة.
وفيما يتعلق بتأثير الأزمة على تكاليف الإنتاج الزراعي، أوضح أستاذ الاقتصاد الزراعى أن الأسمدة تمثل حوالى 15% من إجمالى تكلفة الإنتاج، وتختلف هذه النسبة بحسب نوع المحصول، مشيرًا إلى أن محاصيل الخضر مثل الطماطم والخيار من أكثر المحاصيل استهلاكًا للأسمدة، وهو ما يجعلها الأكثر تأثرًا بارتفاع الأسعار.
المدعم لا يكفي
وأشار إلى أن الحكومة تقرر للمزارع ثلاث شكاير سماد مدعومة لكل فدان، إلا أن الواقع العملى يشير إلى أن المزارع لا يستلم سوى شكارة أو اثنتين على الأكثر، بينما يضطر إلى شراء باقى احتياجاته من السوق الحرة بأسعار مرتفعة تصل أحيانًا إلى 1200 جنيه للشيكارة الواحدة، رغم أن السعر المدعوم يبلغ 450 جنيهًا فقط.
وتابع قائلاً إن هذه الزيادة تؤدى إلى ارتفاع تكاليف الزراعة بحوالى 10 إلى 15%، وهو ما ينعكس مباشرة على أسعار البيع للمستهلك النهائي، فضلًا عن تراجع ربحية المزارع الذى لا يستطيع فرض سعر أعلى على التاجر، لأن التاجر هو المتحكم الأساسى فى السوق.
إصلاح جذرى
وفى تقييمه لسياسات الدولة الحالية فى دعم الأسمدة، قال صيام إن السياسات القائمة بحاجة إلى إصلاح جذرى، مؤكدًا أن العلاقة الحالية بين الحكومة وشركات الأسمدة معقدة وغير متوازنة. فالحكومة تمنح الشركات غازًا طبيعيًا مدعومًا، وهو يمثل نحو 70% من تكلفة إنتاج الأسمدة النيتروجينية، مقابل التزام الشركات بتوريد حصص محددة من الأسمدة المدعومة للمزارعين، إلا أن رفع الحكومة الدعم الجزئى عن الغاز مؤخرًا أدى إلى زيادة تكاليف الإنتاج، ما دفع الشركات إلى رفع الأسعار والسعى نحو التصدير لتغطية التكاليف وتحقيق الأرباح.
واقترح صيام تحويل نظام الدعم من عينى إلى نقدي، بحيث يحصل المزارع على دعم مالى مباشر يعادل قيمة الأسمدة المدعومة، على أن يكون هذا الدعم مرتبطًا بمعدلات التضخم حتى لا يفقد قيمته الشرائية بمرور الوقت، قائلًا: من حق المزارع أن يتسلم ما يعادل قيمة الدعم نقدًا، لكن بشرط أن يتم تعديل هذا المبلغ سنويًا مع ارتفاع الأسعار، وإلا فلن يتمكن من شراء نفس الكمية فى العام التالي.
وأكد أن التحول إلى نظام الدعم النقدى مع استمرار الرقابة الحكومية الصارمة على السوق سيكون أكثر عدالة وفعالية، لكنه شدد على ضرورة استمرار الدعم بأى شكل، لأن تقليص استخدام الأسمدة يؤدى إلى انخفاض الإنتاج الزراعى بنحو 20% للفدان الواحد، وهو ما يهدد الأمن الغذائى القومي.
وحول الإجراءات الاقتصادية المطلوبة لضبط سوق الأسمدة، أوصى صيام بـ إلزام الشركات المنتجة بتوريد كامل حصتها للسوق المحلى وفق النسب المتفق عليها، إضافة إلى تشديد الرقابة على حلقات التوزيع للحد من التسريب إلى السوق السوداء، سواء من المصانع أو التعاونيات أو التجار.
كما أشار إلى أن بيع بعض شركات الأسمدة لجهات استثمارية أجنبية يستدعى إعادة النظر فى آلية إدارة القطاع لضمان استمرار إمدادات السوق المحلى دون تأثر، مؤكدًا أن افتتاح مصانع جديدة تابعة للدولة والقطاع العسكرى خطوة إيجابية لتعويض هذا النقص وتحقيق التوازن فى السوق.
واختتم صيام حديثه بالتأكيد على أن حل أزمة الأسمدة فى مصر يتطلب إصلاحًا هيكليًا شاملًا لمنظومة الإنتاج والدعم والتوزيع، يجمع بين تشجيع الاستثمار، وضمان العدالة للمزارعين، وحماية الأمن الغذائى الوطنى.
تسريب الأسمدة
أكد الدكتور عمر الدجوي، الأمين العام للجمعية المصرية لتجار وموزعى الأسمدة، أن سوق الأسمدة فى مصر يشهد اضطرابًا واضحًا خلال الفترة الأخيرة، نتيجة عدة عوامل متشابكة أبرزها تسريب كميات من الأسمدة المدعمة من الجمعيات الزراعية إلى السوق السوداء، رغم أن الجمعيات تتسلم حصصها كاملة من المصانع.
وأوضح الدجوى لـ«الوفد» أن أزمة الأسعار تعود بالأساس إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج داخل المصانع، ما أدى إلى اتساع الفجوة بين السعر الحر والمدعم، إذ يبلغ سعر الطن المدعم نحو 2800 جنيه، بينما يتجاوز السعر الحر 23 ألف جنيه، وهو فرق كبير يصعب على الفلاح تحمله، خاصة فى ظل تراجع الحالة الاقتصادية للمزارعين هذا العام.
وأشار إلى أن الموسم الزراعى الحالى لم يكن الأفضل للفلاحين، إذ شهدت المحاصيل انخفاضًا فى الأسعار وضعفًا فى الإنتاجية، ما انعكس على قدرتهم الشرائية واستهلاكهم من الأسمدة، قائلاً: «الفلاح اللى كان بيستخدم أربع شكاير سماد، بقى بيحط شكارتين بس، لأن حالته الاقتصادية لا تسمح، ولا يقدر يشترى السماد الحر بهذا السعر المرتفع».
وأضاف الدجوى أن حصة الأسمدة الحرة الموجهة للسوق المحلى لا تُطرح بمعدلات ثابتة، إذ تتأثر بقرارات التصدير، قائلاً: «أحيانًا بيتم وقف التصدير فيُطرح جزء من الحصة للقطاع الخاص، وأحيانًا يتم التصدير فيقل المعروض محليًا».
وفيما يتعلق بآلية التوريد بين وزارة الزراعة ومصانع الأسمدة، أوضح الأمين العام أن الاتحاد التعاونى الزراعى بالمحافظات يقوم بوضع برامج التوزيع بالتنسيق مع الوزارة، وتُرسل الكميات المحددة من المصانع مباشرة إلى الجمعيات الزراعية بكل منطقة وفق الجداول المعتمدة.
وردًا على الاتهامات الموجهة لبعض التجار باحتكار الأسمدة ورفع الأسعار، نفى «الدجوى» وجود أى ممارسات احتكارية، مؤكدًا أن الكميات المتاحة للقطاع الخاص محدودة للغاية ولا تكفى لتغطية الاستهلاك المحلي، مضيفًا: «ما فيش تاجر يقدر يخزن كميات، لأن التكلفة عالية جدًا، الطن النهاردة بـ24 ألف جنيه، والجرار الواحد بحوالى مليون ومتين ألف، فمن المستحيل أن يخزن تاجر 10 جرارات مثلًا بقيمة 20 مليون جنيه».
وشدد على أن ضعف السيولة لدى التجار وارتفاع الأسعار يمنع أى محاولة لتخزين أو احتكار الأسمدة، موضحًا أن الحل يكمن فى تثبيت الحصة المخصصة للقطاع الخاص بعد الجمعيات، بحيث تنزل بشكل منتظم إلى السوق دون تأثر بموجات التصدير أو الأسعار العالمية.
واختتم الدجوى حديثه بالتأكيد على أن استقرار سوق الأسمدة يتطلب تنسيقًا دائمًا بين الجهات المنتجة والموزعة والجهات الحكومية، لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه ومنع أى تسريب للسوق السوداء، مشيرًا إلى استعداد الجمعية للتعاون الكامل مع الدولة فى أى خطوة تهدف لضبط المنظومة.
بوادر انفراجة
أكد حسين أبوصدام، نقيب الفلاحين، أن الفلاحين يعيشون حالة من الضيق والمعاناة الشديدة فى ظل أزمة ارتفاع أسعار مستلزمات الزراعة، وعلى رأسها الأسمدة والمبيدات والبذور، إلى جانب ارتفاع إيجارات الأراضى الزراعية وتكاليف النقل والري.
وأوضح أبو صدام أن الأزمة لا تقتصر على الأسعار فقط، بل تمتد إلى تدنى أسعار المحاصيل الزراعية، مما جعل الفلاح يواجه خسائر متكررة، مؤكدًا أن انتشار الأمراض الزراعية مثل سوسة الطماطم زاد من أعباء المزارعين، خاصة فى ظل ارتفاع تكاليف المكافحة وانخفاض العائد من الإنتاج.
وأشار إلى أن من أبرز المشكلات التى تتلقاها من السوق الحر لأن السماد المدعم ما بيوصلش فى وقته أو بيقل، لكن الأسعار فى السوق الحر خيالية، الطن وصل لـ 23 ألف جنيه مقابل حوالى 2800 فقط فى الجمعيات، وده فرق كبير جداً بيرهق الفلاح ويزود التكلفة على الإنتاج».
وأضاف نقيب الفلاحين أن أزمة الأسمدة ترجع فى الأساس إلى نقص الكميات الواردة من المصانع، موضحًا أن بعض المصانع لا تعمل بكامل طاقتها الإنتاجية بسبب مشكلات فى إمدادات الغاز الطبيعي، وهو ما يؤدى إلى قلة المعروض فى السوق. وقال: «المصانع ما كانتش شغالة بكامل طاقتها فى الفترة اللى فاتت، فقلّت الكميات اللى بتوصل لوزارة الزراعة من السماد المدعم، وده خلا الفلاح يلجأ للسوق الحر بأسعار عالية جدًا».
وبيّن أن هذه الأزمة أثرت سلبًا على الموسم الزراعي، حيث اضطر كثير من الفلاحين إلى تخفيض كمية السماد المستخدمة لتقليل التكلفة، ما انعكس على جودة وإنتاجية المحاصيل. وأوضح أن قلة الإنتاج تؤدى فى النهاية إلى ارتفاع الأسعار على المواطن، مضيفًا: «لما الفلاح مش بيقدر يسمد الأرض كويس، الإنتاج بيقل، وده فى الآخر بيرفع الأسعار على المستهلك، يعنى الكل بيتضرر من نقص السماد».
وأشار أبو صدام إلى أن النقابة تعمل بشكل متواصل مع وزارة الزراعة والجهات المعنية لحل الأزمة وتخفيف الأعباء عن المزارعين، لافتًا إلى أن هناك مؤتمرًا زراعيًا موسعًا ستنظمه النقابة فى قرية الشيخ مسعود بمحافظة المنيا يوم 9 نوفمبر المقبل، بحضور نائب وزير الزراعة الدكتور مصطفى الصياد، لمناقشة مشكلات الفلاحين على أرض الواقع والاستماع إلى شكاواهم.
وأكد أن كل محافظة لها مشكلاتها الخاصة، فهناك مناطق تعانى من نقص المياه، وأخرى من ارتفاع أسعار الأسمدة أو سوء توزيعها داخل الجمعيات، مشيرًا إلى أن كل هذه القضايا تُعرض على المسؤولين ليتم التعامل معها بشكل فوري.
وفى ختام حديثه، طمأن نقيب الفلاحين المزارعين قائلاً: «الأيام اللى جاية هتشهد انفراجة فى أزمة الأسمدة، لأن المصانع بدأت تشتغل بكامل طاقتها بعد توفر الغاز، وده هيساعد على زيادة الكميات المطروحة فى الجمعيات وانخفاض الأسعار تدريجيًا».
كما شدد على أن المصانع لا تتحمل مسؤولية ارتفاع الأسعار فى السوق السوداء، لأنها تحصل على الغاز المدعم من الدولة وتبيع الأسمدة بسعر التكلفة تقريبًا، موضحًا أن السبب الحقيقى وراء الزيادات هو ممارسات بعض التجار فى السوق الحر واستغلالهم لحالة النقص المؤقت فى المعروض.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: موسم جديد نقص المعروض الأزمة ليست جديدة إلى السوق السوداء ارتفاع الأسعار نقیب الفلاحین أزمة الأسمدة من الأسمدة من المصانع السوق الحر مشیر ا إلى أن الأزمة مؤکد ا أن موضح ا أن فى السوق ا إلى أن على أن إلا أن وهو ما
إقرأ أيضاً:
أوبك بلس تعلن عن تجميد شتوي.. هل تنخفض أسعار النفط في الفترة القادمة؟
يشهد سوق النفط العالمي تقلبات حادة في ظل قرارات "أوبك بلس" الأخيرة برفع الإنتاج في ديسمبر بـ137 ألف برميل يوميا، مع فرض "تجميد شتوي" لثلاثة أشهر لتفادي تراجع الأسعار.
ونشر موقع "شيناري إيكونومتشي" تقريرا يسلّط الضوء على التقلبات التي يشهدها السوق وتأثير خفض سعر الفائدة في الولايات المتحدة والعقوبات الجديدة على شركات روسية.
وأشار الموقع في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن تحالف أوبك بلس قرر رفع الإنتاج في كانون الأول/ ديسمبر بـ137,000 برميل يوميًا بعد سلسلة زيادات استمرت 9 أشهر، وأعلن في الآن ذاته عن "تجميد شتوي" لثلاثة أشهر لحماية السوق من انهيار محتمل في الأسعار.
وقال الموقع إن ذلك يأتي في ظل تقلبات يشهدها السوق بسبب العقوبات النفطية المفروضة على روسيا وقرار الفدرالي الأمريكي خفض أسعار الفائدة. وفي هذا السياق، يتوقع البنك الدولي أن يصل سعر خام برنت إلى 60 دولارًا في 2026.
وجاء في البيان الرسمي للدول الثماني الأساسية في التحالف - السعودية وروسيا والعراق والإمارات العربية المتحدة والكويت وكازاخستان والجزائر وسلطنة عمان - أن هذه الخطوة اتُّخذت في ضوء في ضوء "توقعات اقتصادية عالمية مستقرة، وأساسيات سوق قوية في الوقت الحالي، كما تعكسه مستويات المخزونات النفطية المنخفضة".
فترة التريث
يوضح الموقع أن قرار التحالف تعليق زيادات الإنتاج في الربع الأول من العام القادم خطوة تقنية في جوهرها: خلال الشتاء تنخفض مستويات الطلب في بعض القطاعات.
ومع ذلك، تبقي "أوبك بلس" الباب مفتوحًا أمام أي تغييرات، إذ أكدت أن وتيرة إعادة ضخ الحصص المخفضة (1,65 مليون برميل يوميًا) "يمكن استئنافها جزئيًا أو كليا حسب تطورات السوق، وبصورة تدريجية".
يعني ذلك -وفقا للموقع- أن "أوبك بلس" فتحت الصنبور لكنها جاهزة لإغلاقه في أي لحظة، وهو ما سيتحدد خلال الاجتماع المقبل في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري.
العوامل المحركة للسوق
يتابع الموقع أن سوق النفط مازال يتسم بتقلبات حادة في ظل عدة عوامل تلقي بظلالها على الأسعار، من أهمها التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، وسياسة الرسوم الجمركية التي يفرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مع بروز عاملين كانا الأكثر تأثيرًا على الأسعار في الآونة الأخيرة:
العقوبات على روسيا: أدّى قرار الولايات المتحدة فرض عقوبات على شركتي النفط الروسيتين لوك أويل وروسنفت إلى ارتفاع الأسعار بنحو 5% خلال الشهر الماضي. والسبب بسيط: الخشية من صدمة في الإمدادات قادمة من أحد أكبر المنتجين في العالم.
قرارات الاحتياطي الفدرالي: قام الاحتياطي الفدرالي الأمريكي بخفض سعر الفائدة الأساسي بمقدار 25 نقطة أساس (بعد خفض مماثل في أيلول/ سبتمبر). هذه الخطوة تعتبر تقليدية في الولايات المتحدة، حيث إن الفائدة المنخفضة تعني قروضًا أقل تكلفة للشركات، الأمر الذي يدعم الاستثمار والنمو الاقتصادي، ومن ثم يزيد الطلب على النفط.
وفي هذا السياق، يقول كلاوديو غاليمبيرتي من شركة ريستاد إنرجي: "لقد فسّر المستثمرون تغيير السياسة النقدية باعتباره عاملًا داعمًا للطلب على المدى القصير والمتوسط".
شبح فائض الإمدادات
لفت الموقع إلى أنه رغم الدعم القادم من الاحتياطي الفدرالي الأمريكي، ما تزال المخاوف من فائض في المعروض وضعف في الطلب تخيّم على السوق.
وقد رسم البنك الدولي، في تقرير صدر الشهر الماضي، صورة متشائمة. إذ يتوقع أن ينخفض متوسط سعر خام برنت من 68 دولارًا في عام 2025 إلى نحو 60 دولارًا في عام 2026، وهو أدنى مستوى له خلال خمس سنوات.
وتعود الأسباب إلى تباطؤ استهلاك النفط في الصين، بالتوازي مع الزيادة المستمرة في الطلب على المركبات الكهربائية.
وحسب الموقع، ستظل الأنظار موجهة نحو تطورات الأوضاع في نيجيريا وفنزويلا لتقييم مسار السوق في المرحلة المقبلة.