غزة – يشعر إسماعيل عبد الغفور، كالعديد من النازحين من البلدات الشرقية في خان يونس جنوب قطاع غزة ، بحزن شديد مع كل عملية نسف تنفذها قوات الاحتلال الإسرائيلي، مستهدفة ما تبقى من المنازل والمباني السكنية.

وفي مايو/أيار الماضي، أجبرت الإنذارات الإسرائيلية الشاملة عبد الغفور (24 عاما) وعائلته على مغادرة منزلهم في بلدة القرارة جنوب شرق خان يونس، تاركينه قائما رغم الأضرار الجزئية التي لحقت به جراء القصف الجوي والمدفعي خلال الحرب السابقة.

غير أن هذا الشاب وأسرته غير موقنين أن المنزل سينجو هذه المرة، في ظل ارتفاع وتيرة عمليات النسف اليومية التي يقع دوي انفجاراتها في قلوبهم قبل أن تسمعها آذانهم، قلقا على المنزل المكون من 3 طبقات ويؤوي 3 أسر مكونة من 15 فردا، جلهم من النساء والأطفال.

مجزرة مبان ومساكن

 على بُعد عدة كيلومترات، يقيم عبد الغفور وعائلته في خيمة بمنطقة ميناء القرارة على شاطئ البحر غرب المحافظة، حيث يسمعون باستمرار دوي انفجارات هائلة، نهارا وليلا، ويقول للجزيرة نت "كل انفجار يملؤنا بالقلق من أن يكون قد استهدف منزلنا وحوله إلى أنقاض، محطما تعب سنوات والدي في بنائه وجمعنا جميعا تحت سقف واحد".

وعمل أمين عبد الغفور، والد إسماعيل، مدرسا لسنوات طويلة في مدارس حكومية وكان مشرفا في وزارة التربية والتعليم قبل تقاعده.

هذا الرجل هو الأكثر قلقا على ما يصفه نجله إسماعيل بـ"شقا العمر وتعب السنين"، وبدافع من خشيته على صحة والده خاطر إسماعيل بنفسه، وتسلل لبلدة القرارة، لكنه عاد من دون خبر يطمئن قلوب والده وأسرته على المنزل، الواقع في مناطق ما وراء "الخط الأصفر"، الخاضعة للسيطرة العسكرية الإسرائيلية، ويحظر على الغزيين الاقتراب منها أو العودة إليها، بموجب اتفاق وقف إطلاق النار.

ويقول عبد الغفور في حديثه للجزيرة نت إن "بلدة القرارة الزراعية المليئة بالأشجار والمنازل السكنية تحولت إلى منطقة تسكنها الأشباح واختفت منها ملامح الحياة، وحل مكانها الخراب والدمار"، ويضيف "شعرت بالوحدة والرعب وشاهدت غبارا كثيفا ناجما عن حركة الآليات وأعمدة الدخان تتصاعد نتيجة التجريف والتدمير".

إسماعيل عبد الغفور يصلح خيمة أسرته في منطقة مواصي خان يونس جنوب قطاع غزة (الجزيرة)ذكريات بين الأنقاض

لا يستطيع عبد الغفور تخيل ذكرياته وعائلته وقد طمرتها الجرافات العسكرية أو دمرتها عمليات النسف، ويظل يأمل في العودة إلى غرفته في المنزل نفسه، الذي غادره لأول مرة في مطلع ديسمبر/كانون الأول 2023، قبيل العملية العسكرية الإسرائيلية الواسعة التي اجتاحت المحافظة بأكملها، وانسحبت منها في أبريل/نيسان 2024، مخلفة وراءها دمارا هائلا.

إعلان

ومنذ ذلك الحين خاض عبد الغفور مع أسرته تجربة النزوح المريرة أكثر من 10 مرات، ويقول "أنهكنا النزوح، والمنزل بالنسبة لنا ليس مجرد حجارة، إنه حياة وذكريات وأحلام وآمال، ونحن أمام احتلال لا يرحم، وينتهج التدمير الشامل كسياسة تهجير".

وذاقت عائلة عبد الغفور من ويلات الحرب صنوفا، وتشير تقديرات إسماعيل إلى أنه فقد نحو 100 شهيد من أقاربه وعدد لا يحصى من الجرحى، علاوة على تدمير واسع في منازل العائلة وأراضيها الزراعية.

والخط الأصفر بمثابة حدود عسكرية إسرائيلية يميزها الاحتلال بمكعبات أسمنتية صفراء، وتقضم نحو 53% من مساحة القطاع المقدرة إجمالا بـ (360 كيلومترا مربعا)، وتبتلع مدينة رفح بأكملها، ومساحات واسعة من بلدات شمال القطاع، والبلدات الشرقية لمحافظة خان يونس، وتحول هذا الخط إلى "مصيدة قتل"، تسببت في استشهاد وجرح مئات الفلسطينيين.

ويشير توثيق وزارة الصحة في غزة إلى أن قوات الاحتلال قتلت 241 فلسطينيا وجرحت 609 آخرين، منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ في 11 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

أطفال نازحون من البلدات الشرقية في خان يونس يلهون وسط خيام متهالكة بمنطقة المواصي (الجزيرة)تدمير شامل

من جانبه، يقول المهندس حمدان رضوان رئيس بلدية بني سهيلا، كبرى بلديات شرق خان يونس، إن عمليات النسف الإسرائيلية التي يلاحظ ارتفاع وتيرتها على نحو خطير ومتصاعد في الآونة الأخيرة تستهدف كل مبنى أو منزل مكون من طابقين.

ويضيف في حديثه للجزيرة نت إن نحو 99% من مساحة البلدة تقع في نطاق مناطق "الخط الأصفر"، التي لا يمكن للسكان من الوصول إليها لخطورتها الشديدة، وقد ارتقى شهداء وأصيب سكان من البلدة خلال محاولتهم الوصول إلى منازلهم لتفقدها أو لجلب أمتعة مع حلول فصل الشتاء عليهم في ظل ظروف معيشية كارثية داخل خيام النزوح.

وتعرضت بلدة بني سهيلا خلال الحرب لتدمير واسع بنسبة يقدرها رئيس بلديتها بنحو 85%، تشمل المنازل السكنية والمنشآت العامة والخاصة والأراضي الزراعية والبنى التحتية، ويعبر عن خشيته من "أننا لن نجد أي مبنى قائم في البلدة لو استمرت عمليات النسف اليومية على وتيرتها الحالية".

ومن جهته، يقدر رئيس بلدية خزاعة شحدة أبو روك نسبة التدمير في البلدات الشرقية بنحو 90%، وتشمل بلدات عبسان الكبيرة وعبسان الجديدة وبني سهيلا والفخاري والقرارة، وكافة مناطق شرق خان يونس.

وفي خزاعة، أكد رئيس بلديتها للجزيرة نت أنه "لم يبق منها أي مبنى قائم"، ويقول أبو روك إن البلدة منكوبة تماما، والدمار فيها يشمل كل مفاصل الحياة، وطاول 4500 وحدة سكنيه، والبنية التحتية، والأراضي الزراعية، والمدارس ورياض الأطفال، ومقدرات ومباني البلدية.

رئيس بلدية بني سهيلا: الاحتلال يستهدف كل المباني والمنازل المكونة من طابقين وأكثر وينسفها (الجزيرة)تهجير ممنهج

وبدوره، يقول مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي الدكتور إسماعيل الثوابتة إن ما يحدث في بلدات وقرى شرق خان يونس هو تصعيد ممنهج بعد اتفاق وقف إطلاق النار، ويكشف عن نية الاحتلال استكمال مشروع التدمير العمراني والاجتماعي، رغم التزام الجانب الفلسطيني بوقف إطلاق النار.

إعلان

ويضيف الثوابتة في حديثه للجزيرة نت "هذا السلوك يمثل خرقا واضحا وصريحا للاتفاق، واعتداء يرقى إلى جريمة حرب وفق القانون الدولي الإنساني، ويثبت أن الاحتلال يتصرف بعقلية انتقامية هدفها إلغاء الحياة وتعطيل عودة الأهالي إلى منازلهم وبيئتهم الطبيعية".

ويشير إلى أن الهدف الإسرائيلي من وراء تكثيف عمليات نسف المباني والمساكن "هو منع عودة السكان وإحداث تهجير طويل المدى عبر تدمير البيئة العمرانية بالكامل، بحيث تصبح غير قابلة للسكن أو الإعمار السريع".

عاجل | مراسل #الجزيرة: الجيش الإسرائيلي ينسف مباني سكنية في مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة

— الجزيرة – عاجل (@AJABreaking) June 8, 2025

ويقول المسؤول الحكومي إن "الاحتلال يسعى لتحويل المناطق الشرقية لخان يونس إلى مناطق مدمرة وخالية، وهو ما يتقاطع مع سياسات تطهير ديمغرافي وتغيير جغرافي قسري، ويعكس رغبة الاحتلال في خلق واقع جديد على الأرض يمنع الاستقرار ويطيل أمد الأزمة الإنسانية، وهي عملية منظمة تستهدف المجتمع الفلسطيني ووجوده، وليس مجرد عمل عسكري عابر".

ووفق التقديرات الميدانية الأولية الموثقة لدى المكتب الإعلامي الحكومي فإن أكثر من 90% من المباني والمساكن والمنشآت في بلدات شرق خان يونس تعرضت لدمار كلي أو جزئي غير قابل للترميم السريع.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات شرق خان یونس للجزیرة نت عبد الغفور إلى أن

إقرأ أيضاً:

«جولة تحت سيطرة الاحتلال».. بي بي سي ترصد الدمار الشامل في غزة

نشرت شبكة بي بي سي البريطانية تقرير اليوم بعنوان «داخل غزة.. دمار شامل بعد عامين من الحرب» لتسلط الضوء علي مشهداً صادماً من قلب القطاع، حيث رافقت مراسلة الشبكة البريطانية لوسي ويليامسون قوات الاحتلال الإسرائيلية في جولة محدودة وخاضعة للرقابة في شرق مدينة غزة.

من موقع مرتفع مطل على المدينة، تصف ويليامسون المشهد بأنه «أفق رمادي بلا حياة»، يمتد من بيت حانون شمالاً حتى غزة المدينة، بعدما تحولت الأحياء السكنية إلى أنقاض لا تميز فيها لمعالم الحياة أو البنية العمرانية السابقة. تقول: «غزة التي عرفها الناس وظهرت على الخرائط اختفت تماماً».

جولة محكمة تحت سيطرة الاحتلال

وبحسب التقرير، فإن المنطقة التي زارتها الصحفية كانت من أوائل المناطق التي دخلها جيش الاحتلال الإسرائيلي في الأسابيع الأولى للحرب، وعاد إليها مراراً بعد إعادة تمركز حركة حماس في ما تبقى من معاقلها هناك.

وتؤكد بي بي سي أن الزيارة كانت «محكومة بالكامل» ولم يسمح للصحفيين بالوصول إلى الفلسطينيين أو إلى مناطق أخرى من القطاع، مشيرة إلى أن القوانين العسكرية الإسرائيلية تفرض الرقابة على المواد قبل نشرها، رغم احتفاظ الشبكة بسيطرتها التحريرية.

من جانبه، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي نداف شوشاني إن هذا الدمار «لم يكن هدفاً بحد ذاته»، بل نتيجة لأن «كل بيت تقريباً كان يحتوي على فتحة نفق أو سلاح أو موقع قناص»، على حد زعمه. 

استمرار انتهاكات لوقف إطلاق النار

في المقابل، نقل التقرير عن وزارة الصحة في غزة أن عدد الشهداء الفلسطينيين تجاوز 68 ألفاً منذ بدء الحرب، في حين تتهم حماس الجيش الإسرائيلي بارتكاب مئات الخروقات لاتفاق وقف إطلاق النار المستمر منذ نحو شهر، والذي استشهد خلاله أكثر من 240 شخصاً وفق الوزارة.

ويشير التقرير إلى أن القوات الإسرائيلية تعمل حالياً على ترسيم ما يعرف بـ«الخط الأصفر»، وهو حدود مؤقتة ناتجة عن خطة السلام الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب، لتقسيم مناطق السيطرة بين إسرائيل وحماس. ورغم الهدنة، يقول الجيش الإسرائيلي إنه ما زال يخوض اشتباكات شبه يومية على طول هذا الخط.

وتنص الخطة الأمريكية على نزع سلاح حماس وتسليم إدارة غزة إلى لجنة فلسطينية بإشراف دولي، لكن المتحدث الإسرائيلي أكد أن الجيش سيبقى في غزة «ما دامت هناك حاجة لضمان أمن المدنيين الإسرائيليين».

طباعة شارك غزة الاحتلال بي بي سي وقف إطلاق النار قطاع غزة

مقالات مشابهة

  • عاجل | مراسل الجزيرة: الاحتلال ينفذ عمليات نسف منازل وسط قصف مدفعي على المناطق الشرقية لمدينة خان يونس
  • "جودة البيئة": الاحتلال يواصل التدمير الممنهج للموارد الطبيعية والبيئية
  • «جولة تحت سيطرة الاحتلال».. بي بي سي ترصد الدمار الشامل في غزة
  • قوات الاحتلال تنفذ عمليات نسف شرقي مدينة خان يونس
  • الجزيرة ترصد بدء أعمال حفر لمشاريع استيطانية بالضفة والقدس
  • كاميرا الجزيرة ترصد معاناة النازحين الفلسطينيين في مخيم جباليا
  • الجزيرة ترصد إدلاء الناخبين في نيويورك بأصواتهم لاختيار عمدة المدينة
  • طائرات الاحتلال تشن غارات شرق خان يونس
  • عاجل | مصادر دبلوماسية للجزيرة: مشروع قرار أميركي بمجلس الأمن لرفع اسمي رئيس سوريا ووزير الداخلية من قائمة العقوبات