دار الإفتاء تكشف سر الاتزان بين الإنفاق والتصدق في الإسلام
تاريخ النشر: 7th, November 2025 GMT
أكدت دار الإفتاء المصرية أن الإسلام دين الوسطية والاعتدال، وأنه يدعو المسلم إلى تحقيق التوازن بين الإنفاق على حاجاته الخاصة والإنفاق في سبيل الله، بحيث يعيش حياةً متوازنة لا إفراط فيها ولا تفريط، مستندةً إلى الآيات القرآنية التي تُرسّخ مبدأ الاتزان في كل جوانب الحياة.
وأوضحت الدار أن الإنفاق عبادة مالية عظيمة، أمر الله بها عباده في مواضع كثيرة من كتابه الكريم، لكنها في الوقت ذاته يجب أن تكون مقترنة بالحكمة والاعتدال، فلا يصح للمسلم أن يبخل على نفسه وأهله، ولا أن يفرّط في ماله إسرافًا يُضعف قوته أو يُضيع من يعولهم.
واستشهدت الدار بقول الله تعالى:﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ [البقرة: 143]، لتؤكد أن الوسطية هي سمة الأمة الإسلامية، وهي المعيار الذي يضبط علاقة المسلم بربه وبالمال وبالناس.
بين التبذير والتقتير.. الاعتدال فريضة قلبية وسلوكية
قالت دار الإفتاء في بيانها إن المسلم مأمور بأن يكون إنفاقه على قدرٍ من الوسطية، فلا يكون بخيلًا يمنع الخير عن نفسه وعن غيره، ولا مسرفًا يبذر ماله بغير حساب.
وأضافت: "الاعتدال في الإنفاق ليس مجرد سلوك اجتماعي، بل هو عبادةٌ تُظهر حسن تدبير المسلم ووعيه بحدود الشرع، إذ قال الله تعالى:﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا﴾ [الإسراء: 29].
وأوضحت أن هذه الآية الكريمة تجمع منهج التوازن الكامل في الاقتصاد المالي، فالمؤمن لا يحرم نفسه وأسرته من النعمة، ولا يتباهى في الإنفاق رياءً أو مباهاة، بل ينفق حيث يرضى الله، وفي حدود ما يقدر عليه.
الإنفاق عبادة.. لكنه لا يعني التفريط في المسؤولية
بيّنت دار الإفتاء أن الإسلام لم يطلب من الفقير أو محدود الدخل أن يتصدق بما يُضعفه أو يوقعه في الحرج، بل جعل النية الصادقة في الإنفاق سببًا للأجر العظيم حتى ولو قلَّ المال.
وأضافت: "الله سبحانه وتعالى لا يكلف نفسًا إلا وسعها، فالمؤمن الصادق يُؤجر على نيته ورغبته في العطاء، ولو لم يملك إلا القليل، وقد جاء في الحديث الشريف: (سبق درهم مائة ألف درهم)، أي أن القليل من الصدقة مع الإخلاص أعظم أجرًا من الكثير المصحوب بالرياء أو الأذى."
وشددت على أن النفقة على الأهل من أعظم القربات، لقوله صلى الله عليه وسلم:"دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته على أهلك، ودينار أنفقته على فقير، ودينار أنفقته على مملوكك، أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك" [رواه مسلم].
وأشارت الدار إلى أن هذا الحديث يبين أن التوازن بين حاجة الإنسان الشخصية والتصدق من ماله هو التطبيق العملي للوسطية الإسلامية، التي تحفظ للنفس كرامتها وتغذي روح العطاء فيها في آنٍ واحد.
الوعي المالي عبادة.. ورسالة الإسلام في الاقتصاد الاجتماعي
أكدت دار الإفتاء أن الوعي في إدارة المال جزء من العبادة، لأن المال أمانةٌ استخلف الله بها الإنسان، فليس له أن يُهدره أو يُمسكه بخلاً، بل يسير على نهج التوازن الذي يحقق مقاصد الشريعة في عمارة الأرض وصلاح الفرد والمجتمع.
وقالت: "الإسلام جعل المال وسيلةً للبناء لا للهدم، وأداةً للعطاء لا للحرمان، فالإنفاق في سبيل الله لا يتعارض مع تلبية احتياجات النفس والأسرة، بل إن تحقيق الكفاية أساسٌ للتصدق السليم الذي يقوم على الاستقرار لا الاضطراب."
وأضافت أن الاعتدال المالي يُعد مظهرًا من مظاهر الوعي الديني الذي تسعى دار الإفتاء إلى نشره من خلال حملاتها التوعوية تحت شعار #هدفنا_الوعي_والتنوير وهاشتاج #اعرف_الصح، مؤكدة أن الغاية هي بناء إنسانٍ متوازنٍ في فكره وخلقه وسلوكه، يعبد الله بعقلٍ راجحٍ وقلبٍ رحيمٍ ويدٍ معطاءة.
بين يدي الله ميزان لا يخطئ
اختتمت دار الإفتاء المصرية بيانها بقولها:"إن من أراد رضا الله تعالى فعليه أن يجعل إنفاقه محكومًا بالعقل والدين معًا، فيعطي كل ذي حق حقه، ولا ينسى نفسه وأهله، فإن المال إنما جُعل وسيلةً للخير، ووسيلةً لاستقرار النفس والمجتمع."
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الانفاق التوازن الإفتاء التبذير الإسلام الوسطية دار الإفتاء أنفقته على
إقرأ أيضاً:
عطاءُ الشهادة
يمانيون| بقلم: يحيى المحطوري
في زمن عزَّ فيه المتمسِّكون بحبل الله، وقلَّ فيه السائرون في سبيله، وأصبح الإسلام غريبًا، وحمَلَةُ رايته مستضعفون ومحاربون في كُـلّ بقاع الأرض، وفي خضم هذه الظروف العصيبة والقاهرة، حمل رايةَ الإسلامَ رجالٌ كانوا على عظمته شهودًا، وللسائرين في صراطه دليلًا.
يرشدون من ابتغى العزة إلى عُروتها الوثقى، ويدلون الحائرين في ظلمات الضلال والتيه إلى أنوار اليقين ونور الإيمان.
بكل عزم وثبات خاضوا غمرات الأهوال، وبكل صبر وصمود صنعوا أعظم البطولات، وبكل عشق وحب لله ساروا إليه.
هؤلاء الشهداء قدواتنا في مسيرة الجهاد ودروب التضحية والفداء؛ مِن أجلِ الله.
نسير على دربهم ونقتفي خطاهم؛ لأنهم بذلوا أرواحهم لله بكل إخلاص، لم يدفعهم لذلك رغبةٌ في الحصول على مال أَو جاه أَو سلطان.
ولم يثنهم بطشُ الطغاة والمستكبرين عن بذل عطاءاتهم الغالية حبا في الله وطاعة له.
ونقول لهم: لقد حصدنا ثمارَ تضحياتكم عِزًّا خالدًا ونصرًا مجيِّدًا ورأينا بأُمِّ أعيننا أنوفَ الطغاة والمجرمين في التراب
فهنيئا لكم ما أنتم فيه من النعيم.
وإنا إن شاء الله بكم للاحقون.