-يسعى لتطوير مهارات الطهاة العمانيين وتعزيز حضور المطبخ العماني

-أول من ابتكر طريقة الشواء داخل الفرن مستخدما ورق الزبدة والقصدير

-يرى بأن النكهة الحقيقية انعكاس للطاقة التي يضعها الطاهي في طبقه

الشيف العماني عيسى اللمكي أحد رواد مدرسة الطهو العماني المعاصر، يمزج بين النكهات التقليدية والابتكار في العرض والتقديم.

. تمتد خبرته لأكثر من ثلاثة عقود، شملت العمل في المطاعم المحلية والدولية.

شارك في مسابقات ومثل علامات تجارية عالمية، وحصل على أكثر من 46 ميدالية بين ذهبية وفضية وبرونزية، إضافة إلى 38 درعا تكريميا من مؤسسات محلية ودولية. كما نال لقب "الموظف المثالي" وتكريما من صندوق النقد السعودي بالعملة الذهبية، وشارك في 39 بطولة دولية في فنون الطهو.

في هذا الحوار، يتحدث الشيف عيسى اللمكي عن مسيرته المهنية، وفلسفته في الطهو.. ورؤيته حول مستقبل المطبخ العماني..

•كيف تشكلت بداياتك في عالم الطبخ؟

-بدأت رحلتي في الطبخ بدافع بسيط هو الشغف بتجربة النكهات وتناسق المكونات، لكن هذا الشغف تحول مع الوقت إلى مسار حياة. ففي طفولتي كنت أتعامل مع المطبخ كفضاء للتجريب والاكتشاف، ثم أدركت أن الطبخ ليس مجرد تنفيذ وصفة، بل علم يقوم على الفهم والدقة والتوازن. تعلمت أن لكل مكون وظيفة في بناء الطبق، وأن الطاهي الحقيقي لا يخلط المكونات عشوائيا، بل يصيغ معادلة دقيقة تجمع الذوق والعلم.

•ما العوامل التي صقلت شغفك منذ الطفولة؟

-نشأت في بيت يعشق التفاصيل والجمال. كانت والدتي تطبخ بشغف وتقدم الطعام كلوحة فنية. وكنت أتابع برامج الطهو منذ طفولتي، وكان هناك برنامجا فرنسيا مدبلجا يعرض على القناة العمانية في الثمانينيات. كنت أحاول تطبيق ما أراه رغم صعوبة المقاييس. أذكر أن والدتي عقدت معي اتفاقا طريفا: أن أحافظ على تفوقي الدراسي مقابل أن تشتري لي كتبا عن الطبخ. تلك اللحظة كانت بداية الطريق.

•ما أبرز محطاتك الأكاديمية والمهنية التي أسست مسارك الاحترافي؟

-بعد إنهائي المرحلة الثانوية عام 1993، كنت أحلم بأن أصبح طيارا حربيا، لكن القدر وجهني نحو شغفي الحقيقي عالم الضيافة والطهو. سافرت إلى الولايات المتحدة لدراسة الفندقة، وهناك خضت تجربة قاسية وملهمة في آن واحد. درست وعملت في المطابخ في الوقت نفسه، متعلما أدق تفاصيل المهنة من القاعدة.

وفي أثناء تدريبي بفندق "الإنتركونتيننتال" تتلمذت على يد الشيف الياباني "تيتاكي"، الذي كان أحد أبرز الطهاة في العالم حينها، وقد غرس فيّ مفهوم الانضباط والدقة، ونصحني دائما بأن أكون أفضل من معلمي، لا مجرد نسخة عنه.

•كيف تطورت مسيرتك المهنية بعد عودتك إلى سلطنة عمان؟

-عدت إلى سلطنة عمان عام 1995 وبدأت عملي في فندق الخليج – كراون بلازا القرم حاليا – وكان أول خطوة حقيقية في طريق الحلم. تدرجت في المناصب من طباخ متدرب إلى طباخ أول، ثم ديمي شيف، فشيف دي بارتي، إلى أن أصبحت سوس شيف، وأخيرا شيفا تنفيذيا.

تنقلت بين فنادق كبرى منها قصر البستان، حيث خضعت لاختبار دقيق في قسم الصلصات بإشراف الشيف الفرنسي "جون"، وكانت تجربة كشفت لي أهمية التخصص والتميز في التفاصيل.

ورغم صعوبات البداية، واصلت العمل بتفان حتى أصبحت مسؤولا عن أقسام رئيسية في المطبخ.

•كيف تصف تجربتك المهنية في الخارج؟

- كانت تجربتي في الخارج نقطة تحول في حياتي المهنية. في الولايات المتحدة تعلمت أن النجاح في مجال الضيافة يقوم على الانضباط والتطوير المستمر. ثم جاءت محطة السعودية لتضيف بعدا جديدا لمسيرتي. هناك عملت في فندق الفيصلية بالرياض، حيث تمت ترقيتي إلى شيف المطعم الرئيسي بعد عامين فقط. التحقت لاحقا بفندق "فور سيزونز" لمالكه الأمير الوليد بن طلال، وتوليت مسؤولية شيف خدمة الغرف، مشرفا على فريق كبير من الطهاة والندل، ومسؤولا عن إعداد وجبات خاصة للفنادق والفلل والطائرات الملكية.

تلك المرحلة علمتني أن القيادة في المطبخ تعني التوجيه بهدوء والقدرة على اتخاذ القرار، كما كرست لدي الإيمان بأن الاحتراف في الالتزام والقدرة على التطوير المستمر.

•كيف تنظر إلى علاقتك بالمطبخ اليوم؟

- المطبخ فضاء للنظام والدقة والنظافة. وأنا أتعامل مع كل طبق باعتباره مسؤولية كاملة تبدأ من اختيار المكونات وتنتهي عند رضا الزبون.

أستخدم أدوات مخصصة لكل نوع من المكونات، وأحرص على الانضباط في ترتيب المطبخ وتنسيقه قبل الشروع في العمل. أما النكهة الحقيقية فهي انعكاس للطاقة التي يضعها الطاهي في عمله. قد نستخدم المكونات نفسها، لكن الطعم يختلف لأن "النفس" يختلف. وفي رأيي ديكور المطعم جزء من تجربة الطعام، فالعين تتذوق قبل الفم، ولهذا أفضل البساطة الأنيقة على الزخرفة المبالغ فيها.

•حدثنا عن تجربتك في تأسيس مطعم "أوبار" وتركيزك على المذاق العماني؟

-تأسيس مطعم "أوبار" كان مغامرة وتجربة في آن واحد. بدأت دون توفر تنور تقليدي، فابتكرت طريقة للشواء داخل الفرن مستخدما ورق الزبدة والقصدير للحفاظ على الرطوبة، ومع التجريب توصلت إلى معادلة دقيقة تجمع الوزن بالحرارة والوقت. تعلمت من التجربة أن سر النجاح يكمن في التوازن والدقة، وأن الطبخ الحقيقي علم قائم على التجريب والمعرفة. كما استفدت كثيرا من كتاب الشيف الفرنسي أوغست إسكوفير، الذي غير نظرتي للمهنة، فأصبحت أتعامل مع المطبخ كمعمل أو مختبر لا يقل شأنا عن أي حقل معرفي آخر.

•كيف ترى المطبخ العماني اليوم، وما رؤيتك لتقديمه عالميا؟

- المطبخ العماني غني بطبيعته، ومتفرد بتنوعه ونكهات توابله. أراه مطبخا عالميا في جوهره، لكن التحدي يكمن في تقديمه بأسلوب يوازي قيمته الثقافية.

رسالتي الدائمة هي أن يبقى المطبخ العماني حاضرا عالميا بجودته وأناقة عرضه، وأن يواصل الشباب تطويره بروح الإبداع لا بالتقليد.

•كيف تقيم المشهد الحالي للمطاعم في سلطنة عمان؟

-ما زال قطاع المطاعم في عمان يعاني من غياب التخصص الاحترافي لدى كثير من المستثمرين، فعدد كبير من أصحاب المطاعم ليسوا طهاة بالمعنى المهني، بل هواة يتدخلون في تفاصيل العمل اليومي، بما في ذلك طرق الطبخ ومقادير المكونات. في المقابل، نجد أن التجارب الناجحة تقوم على الفصل بين إدارة المطعم ومهارة الطبخ، إذ يترك المجال للشيف ليبدع دون تدخل.

كما أن التقليد سمة شائعة بين المطاعم، فبدل تطوير وصفاتهم الخاصة، يلجأ كثيرون إلى استنساخ أفكار الآخرين.

•ما رأيك في الدعم الموجه للطهاة من الشباب العمانيين؟

-أتمنى أن يحظى الطهاة العمانيون، ولا سيما الشباب، بدعم مؤسسي بالتدريب والتمكين. وأعتز بتجربتي الطويلة في هذا المجال، فمشاركتي في البرامج التلفزيونية منحتني تقديرا شعبيا، ورسخت مكانتي لدى الجيل الجديد من الطهاة الذين يرون في تجربتي نموذجا يمكن الاحتذاء به. كما أتوجه بالشكر إلى وكيل وزارة التراث والسياحة للسياحة السيد عزان بن قاسم البوسعيدي لدعمه لي في مشاركتي الخارجية مؤخرا، وهو نموذج للمسؤول الداعم للإبداع.

•ما أبرز العقبات التي واجهتك؟

-في بداياتي، كانت النظرة إلى مهنة الطهو سلبية، إذ كان ينظر إلى الطباخ كعامل منزلي لا كمحترف يمتلك علما ومهارة. كان من الصعب إقناع المجتمع بأن الشيف يؤدي دورا لا يقل أهمية عن الطبيب أو المهندس. ومع مرور الوقت، بدأت الصورة تتغير، خصوصا بعد أن أصبحت مهنة الطهو تحقق مردودا ماليا ومكانة اجتماعية مرموقة.

كما ساهمت البرامج التلفزيونية والتجارب الاحترافية في الفنادق الكبرى في تغيير تلك النظرة، وأصبح المجتمع يدرك أن الطهو علم وفن في آن واحد.

•كيف تحافظ على خصوصية أطباقك وتفرد أسلوبك في عالم الطبخ؟

-أمتلك أرشيفا خاصا من الوصفات التي طورتها عبر أكثر من ثلاثين عاما من العمل المتواصل، وأحرص على تحديثها باستمرار لتظل متجددة. عادة أشارك الطهاة في مكان العمل الفكرة العامة للطبق، لكنني أحتفظ بالمقادير الدقيقة لنفسي، فهي خلاصة سنوات طويلة من التجريب والإبداع. وأعتمد في فلسفتي على المزج بين المذاق العماني الأصيل والمطابخ العالمية، مع استخدام مكونات فاخرة مثل الكافيار البحري. ما يميز أطباقي هو الشخصية الخاصة التي تعكس ذائقتي وهويتي، فأنا لا أقدم وصفة محفوظة، وإنما تجربة تجعل المتذوق يعيش روح الطبخ العماني.

•هل هناك علاقة بين فن تقديم الأطباق ومعايير الضيافة؟

-فن تقديم الأطباق هو أحد أعمدة التميز في المطبخ، فشكل الطبق أول ما يكون انطباع المتذوق، والعين تسبق الفم دائما في الحكم على الجودة. في مسابقات الطبخ المحترفة، لا يقيم الطعم وحده، بل ينظر إلى التوازن بين العناصر، وطريقة التقديم، والتناغم البصري، والشعور العام بالرضا بعد التجربة. كما أؤمن أن نجاح أي مطبخ يرتكز على الانضباط واحترام معايير الضيافة، بدءا من تنظيم الفريق وتوقيت التقديم، وصولا إلى جودة المكونات وطريقة التعامل مع الزبون.

•شاركت في مسابقات دولية عدة.. كيف جسدت من خلالها الهوية العمانية؟

-من أبرز تجاربي مشاركتي في إحدى المسابقات الدولية بمصر، حيث أعددت طبق "مطفاي السمك" بأسلوب عصري يمزج الأصالة بالابتكار. استخدمت الأرز الأبيض المحشو بـ"الزرش" الإيراني، ولففته بورق الأرز الشفاف ليبدو كقطعة فنية، مع نكهات عمانية أصيلة أبرزها بهارات "السنوت" المحمصة التي تعبر عن روح المائدة العمانية في الأعياد. نال الطبق إعجاب لجنة التحكيم، التي وصفت التجربة بأنها جسر بين المطبخ العماني والعالمي، وحصلت على الميدالية الفضية في فئة الأكل التقليدي المطور. كما أعتز بلقائي بالشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عام 2015 في دبي، حين قدمني باعتباري نموذجا للطاهي الخليجي المبدع، وقد ارتديت حينها الزي العماني المزين بعلم السلطنة.

•كيف تتعامل مع الطهو في بيتك وحياتك اليومية؟

-في المنزل، تتولى زوجتي مسؤولية المطبخ في الغالب، لكنني أشارك العائلة في المناسبات الخاصة أو عند استقبال الضيوف. كما أحرص على زيارة المطاعم الجديدة مع عائلتي باستمرار، لاكتشاف الأفكار والأساليب الحديثة في التقديم. وغالبا ما أتناقش مع الطهاة وأقدم ملاحظات مهنية تعزز من جودة التجربة لديهم.

•ما النصيحة التي توجهها للشباب العمانيين الراغبين في دخول عالم الطهو الاحترافي؟

-أنصحهم بأن يبدأوا من الشغف لا من الرغبة في الشهرة أو الربح. فالطبخ مثل الفن، يحتاج إلى صدق وإخلاص. وعلى الطاهي أن يحب ما يصنع، لأن النكهة لا تولد إلا من القلب. كما أوصيهم بالتعلم المستمر والالتزام بالمهنية، فالموهبة وحدها لا تكفي. يجب التعامل مع المطبخ كما يتعامل المهندس مع مشروعه أو الطبيب مع مريضه؛ بعلم، وتخطيط، وإتقان.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: مع المطبخ

إقرأ أيضاً:

عباس: حماس لن يكون لها دور في حكم القطاع

عباس: حماس لن يكون لها دور في حكم القطاع

مقالات مشابهة

  • عباس: حماس لن يكون لها دور في حكم القطاع
  • تضامن حضرموت يتعادل مع النهضة العماني ويحتل وصافة المجموعة الثانية
  • نبيل عيسى يكشف لـ صدى البلد كواليس شخصيته بمسلسل قصر الباشا
  • التعادل يحسم مواجهة تضامن حضرموت والنهضة العماني في دوري أبطال الخليج
  • Obsidian تعيد لعبة Pillars of Eternity بنظام قتال قائم على الأدوار
  • كيفية التعامل مع العدوى في الإسلام
  • تضامن حضرموت يواجه النهضة العماني بطموح الفوز الثاني في دوري أبطال الخليج
  • روسيا: الغرب يعتمد الجمود في التعامل مع الملف الأوكراني
  • بيروت تجهّز أوراقها لميشال عيسى وبرّاك خارج الملف اللبناني