هوندا تكشف عن مستقبل سياراتها الكهربائية في معرض طوكيو 2025

في الوقت الذي يتسابق فيه العالم نحو السيارات الكهربائية، جاءت رسالة هوندا من معرض اليابان للتنقل 2025 أكثر واقعية من مثيلاتها: "المستقبل لا يزال بعيدًا بعض الشيء"، على حد وصف رئيسها التنفيذي توشيـهيرو ميبي. 

ففي معرض طوكيو هذا العام، لم يكن الحديث عن التصميم أو التكنولوجيا فقط، بل عن الواقع السياسي والاقتصادي الذي يؤثر في مسار صناعة السيارات عالميًا، وخاصة في الولايات المتحدة.

هوندا، التي لطالما كانت رمزًا للابتكار الياباني، كشفت عن ثلاث سيارات كهربائية جديدة من الجيل التالي ضمن سلسلة "0 Series"، تعكس رؤيتها لمستقبل التنقل الذكي والمستدام.

 وجاءت السيارة α من الفئة 0 في مقدمة العروض، بتصميم عصري مفعم بالحيوية يجمع بين الانسيابية والجرأة، لتُكمل ما بدأته الشركة في معرض الإلكترونيات الاستهلاكية مطلع العام الجاري حين كشفت عن نموذجي 0 Sedan و0 SUV اللذين أثارا اهتمامًا واسعًا بفضل تصميميهما الجريئين ولمساتهما التي تُذكّر بسيارات لامبورغيني الرياضية الفاخرة.

غير أن تصريحات الرئيس التنفيذي حملت مزيجًا من الحماس والحذر. فبينما أكد أن سيارات "الفئة 0" ستدخل مرحلة الإنتاج الفعلي بين عامي 2026 و2027، أقرّ بأن التوقعات الأولية للمبيعات انخفضت عن الخطط السابقة.

 واكتفى بالقول: "من المرجح أن يكون حجم المبيعات في البداية أقل مما توقعناه"، في إشارة إلى أن التحديات التي تواجه الصناعة — من تكلفة الإنتاج إلى الطلب العالمي — بدأت تفرض واقعًا جديدًا على السوق.

ومن بين المفاجآت التي جذبت الأنظار في طوكيو، جاءت سيارة 0 α الكهربائية، وهي النسخة الأصغر حجمًا والأقل سعرًا ضمن الجيل الجديد، والمصممة خصيصًا للأسواق الناشئة مثل الهند. 

وبحسب الشركة، سيتم طرحها لاحقًا في اليابان وأوروبا، لكنها لن تصل إلى الولايات المتحدة، إذ وصفها ميبي بأنها "صغيرة جدًا بالنسبة للسوق الأمريكية"، في دلالة على اختلاف متطلبات المستهلكين بين القارات.

أما المفاجأة الثانية فكانت سيارة Super-One، الهاتشباك الصغيرة التي استعرضتها هوندا سابقًا في مهرجان جودوود للسرعة بتمويه كامل. لكن في طوكيو، ظهرت السيارة دون أي غطاء، لتكشف عن تصميم جريء ومصدات ضخمة تمنحها طابعًا رياضيًا فريدًا. وعلى الرغم من أن الشركة لم تفصح عن قوة محركها، فإنها وعدت بتجربة قيادة ممتعة بفضل عزم الدوران الفوري للسيارات الكهربائية، وإمكانية تخصيص نغمة المحرك إلكترونيًا لمحاكاة الأصوات الرياضية.

الصحفيون الذين أُتيح لهم اختبار السيارة في مضمار توتشيغي أكدوا أن Super-One ليست الأسرع، لكنها تقدم تجربة قيادة مبهجة بفضل رشاقتها واستجابتها العالية. ومع ذلك، من غير المرجح أن يراها السائقون الأمريكيون قريبًا، إذ تم تصميمها أساسًا للأسواق اليابانية والبريطانية، مع احتمال توسعها لاحقًا في أوروبا فقط.

وفي خضم هذا التفاؤل التقني، جاءت الرسالة السياسية من هوندا لتكشف جانبًا أكثر واقعية. فبحسب ميبي، فإن السياسات الأمريكية الحالية — خاصة مع عودة إدارة ترامب — أدت إلى تباطؤ كبير في خطط التحول الكهربائي داخل الولايات المتحدة. وأضاف: "نعتقد أن نمو السيارات الكهربائية هناك تأخر نحو خمس سنوات بسبب الرياح السياسية المعاكسة"، مشيرًا إلى أن هوندا تراقب عن كثب انتخابات التجديد النصفي الأمريكية قبل اتخاذ أي قرارات توسعية جديدة.

هذا التوجه الحذر لا يأتي من فراغ. فهوندا كانت قد علقت مشاريعها المشتركة مع جنرال موتورز، التي كان الهدف منها إنتاج سيارات كهربائية منخفضة التكلفة لزيادة حجم الإنتاج وتقليل التكلفة الإجمالية. وقال ميبي: "كان هدفنا الأول من التعاون هو خفض التكلفة عبر زيادة الإنتاج، وكان هذا هدف جنرال موتورز أيضًا، لكننا اضطررنا لإعادة تقييم المشروع بعد تغير الظروف".

إلغاء الشراكة جاء بعد إطلاق سيارتي Honda Prologue وAcura ZDX، اللتين تمثلان الجيل الأول من التعاون بين الشركتين. ومع توقف هذا المشروع، يبدو أن هوندا تعيد رسم استراتيجيتها بالكامل استعدادًا لمرحلة ما بعد 2030، حين تتوقع الشركة أن يكون العالم بحاجة إلى "مجموعة أوسع من المنتجات، تشمل السيارات الكهربائية والأنواع الهجينة".

في النهاية، يُظهر معرض اليابان للتنقل 2025 أن هوندا لا تزال ملتزمة برؤيتها للابتكار، لكنها باتت أكثر واقعية في حساباتها. فبين الحلم الكهربائي والطريق السياسي الطويل، تقف الشركة اليابانية أمام معادلة دقيقة تحاول من خلالها موازنة الطموح التكنولوجي مع الواقع الاقتصادي والسياسي العالمي — وهي معادلة تُحدد ليس فقط مستقبل هوندا، بل مستقبل صناعة السيارات بأكملها.

المصدر: بوابة الوفد