شكلت عملية “طوفان الأقصى” وما تلاها من تطورات درامية في المشهد الفلسطيني نقطة تحول فارقة في الوعي السياسي العالمي، وامتد تأثيرها بعمق إلى الداخل الأمريكي، حيث تفاعلت الأوساط السياسية والشعبية والإعلامية مع الحدث بشكل غير مسبوق. لقد كسرت العملية الحصار المفروض على الوعي الغربي تجاه القضية الفلسطينية، وأزاحت الستار عن الرواية الإسرائيلية التي طالما احتكرت التفسير الأخلاقي والسياسي للصراع في نظر الجمهور الأمريكي.

فمع حجم المآسي الإنسانية التي تلت العملية في قطاع غزة، وما تبعها من تغطيات مصورة وصور مباشرة للضحايا والدمار، بدأ وعي جديد يتشكل، لا سيما بين الأجيال الأمريكية الشابة، واليسار التقدمي، والتيارات المؤمنة بالعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان.

هذا التحول لم يبق محصوراً في النقاشات الإعلامية أو مظاهرات الشارع، بل تسلل إلى البنية السياسية الأمريكية ذاتها، إذ شهدت المدن الأمريكية الكبرى مظاهرات مليونية في نيويورك وواشنطن وشيكاغو دعماً لفلسطين ورفضاً للسياسات الإسرائيلية، رافقتها حملة رقمية ضخمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي قلبت المعادلة التقليدية في الرأي العام الأمريكي.

لأول مرة، يجد السياسي الأمريكي نفسه أمام جمهور يطالبه بتحديد موقفه من العدوان الإسرائيلي بشكل واضح وصريح، بعد أن كان الحديث عن فلسطين موضوعاً حساساً يُتجنب في الحملات الانتخابية. في خضم هذا التحول، برز نموذج زهران ممداني، السياسي التقدمي المسلم المنحدر من أصول هندية، الذي استطاع أن يصعد في المشهد السياسي الأمريكي ويحقق فوزاً تاريخياً بمنصب عمدة نيويورك، المدينة التي تعد الأكثر تأثيراً سياسياً واقتصادياً وثقافياً في الولايات المتحدة، كما أنها تضم أكبر جالية يهودية خارج إسرائيل.

فوز ممداني لم يكن مجرد انتصار انتخابي، بل تحول رمزي عميق في الوعي السياسي الأمريكي. لقد جسد ممداني، بمواقفه الواضحة والجريئة من القضية الفلسطينية، صدى التحول الشعبي العارم الذي أحدثته صور غزة ومجازر الاحتلال. فقد وصف إسرائيل بأنها تمارس “نظام فصل عنصري” بحق الفلسطينيين، ودعا إلى إعادة النظر في الدعم الأمريكي غير المشروط لها، وهو موقف كان يُعد في السابق بمثابة انتحار سياسي لأي مرشح أمريكي، خصوصاً في مدينة بحجم نيويورك. ومع ذلك، حظي ممداني بتأييد واسع من الأوساط الشبابية، ومن الحركات التقدمية التي تربط بين العدالة الاجتماعية في الداخل الأمريكي والعدالة الإنسانية في الخارج.

لقد رأى فيه كثيرون وجهاً جديداً للسياسة الأمريكية المعاصرة، التي تتجاوز الاصطفافات التقليدية نحو مواقف أكثر إنسانية ومبدئية. ورغم أن حملته الانتخابية ركزت على القضايا المحلية مثل أزمة الإسكان وغلاء المعيشة والنقل العام المجاني، إلا أن موقفه من فلسطين أصبح جزءاً من هويته السياسية، وعنصراً أساسياً في سرديته الانتخابية. فالمواطن الأمريكي التقدمي اليوم يرى في ممداني امتداداً لقيم الحرية والإنصاف والوقوف ضد الظلم أينما كان، بما في ذلك في فلسطين. ومن ثم يمكن القول إن العلاقة بين “طوفان الأقصى” وفوز ممداني ليست مصادفة زمنية، بل تعبير عن ترابط عميق بين التحولات الأخلاقية العالمية وما تعكسه من ارتدادات سياسية داخلية.

لقد أدت هذه العملية إلى إعادة تعريف مفاهيم العدالة والتحرر في الوعي الأمريكي، وربطها بمصائر الشعوب المقهورة، لتتحول فلسطين من قضية بعيدة إلى رمز عالمي للمقاومة ضد الاستعمار والتمييز. بهذا المعنى، فإن ما جرى في غزة لم يكن حدثاً عابراً في الذاكرة السياسية الأمريكية، بل لحظة وعي جديدة تُعيد صياغة الخطاب السياسي والانتخابي في أمريكا، وتفتح الباب أمام جيل جديد من السياسيين، كزهران ممداني، الذين يحملون وعياً أكثر انفتاحاً وعدلاً وإنسانية تجاه القضايا العالمية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، التي استعادت اليوم حضورها في قلب الخطاب الأمريكي بعد عقود من التهميش والتزييف الإعلامي.

المصدر: الثورة نت

كلمات دلالية: السیاسی الأمریکی

إقرأ أيضاً:

من أصل سوري.. من هي زوجة زهران ممداني التي خطفت الأضواء؟

خطفت راما دوجي، عقيلة عمدة نيويورك المنتخب حديثا زهران ممداني، الأضواء خلال ظهورها أثناء إلقاء زوجها خطاب النصر بعد فوزه برئاسة بلدية المدينة، الثلاثاء.

وانتخب المرشح الديمقراطي زهران ممداني، المعارض الشرس للرئيس الأميركي دونالد ترامب، رئيسا لبلدية نيويورك، بعد تفوقه على حاكم الولاية السابق أندرو كومو، والجمهوري كورتيس سيلوا.

وأثناء إلقائه خطاب النصر، مساء الثلاثاء، احتفالا بفوزه، أشار ممداني بشكل خاص إلى زوجته.

وقال: "ولزوجتي الرائعة راما... لا يوجد أحد أود أن يكون بجانبي في هذه اللحظة وفي كل لحظة أكثر منها".

وهتف الجمهور وصرخ بحماس عند ذكر ممداني لزوجته، ما يعكس الدور المهم الذي لعبته في حملته الانتخابية، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".

من هي السيدة الأولى لمدينة نيويورك؟

ولدت راما، 28 سنة، في هيوستن، وتنحدر من أصل سوري، وانتقلت إلى دبي عندما كانت في التاسعة من عمر.

وتخرجت من جامعة فيرجينيا كومنويلث في سنة 2019 بعد حصولها على شهادة البكالوريوس في فنون الاتصال.

وفي عام 2021، انتقلت إلى نيويورك لمتابعة مسيرتها الفنية، وفي نفس العام التقت بزهران ممداني البالغ من العمر 34 عاما.

وفي عام 2024، حصلت راما على درجة الماجستير من مدرسة الفنون البصرية في نيويورك.

أعلن ممداني علنا خطبتها في فبراير 2024، تزوجا وأقاما حفل زفاف في أوغندا، حيث ولد ممداني، في يوليو 2024.

وعرضت العديد من رسومات راما في مجلات مثل "فوغ" و"نيويورك"، وتعكس رسوماتها باللون الأبيض قضايا إنسانية في غزة والسودان ولبنان.

كما تصور مشاهد من الحياة في الشرق الأوسط، وغالبا ما تنشر رسوماتها على "إنستغرام"، حيث اكتسبت قاعدة جماهيرية خاصة.

كما أن أسلوبها "الفريد" في الموضة، أثار إعجاب العديد من المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي الأشهر التي سبقت الانتخابات توارت، الرسامة والموهوبة في مجال التحريك، عن الأضواء السياسية التقليدية، ولم تدل بأي تصريحات عن الانتخابات، أو السياسة باستثناء صور لها وهي تحمل ملصق "لقد صوتت"، نشرتها على قصتها في "إنستغرام"، صباح الثلاثاء، وفقا للصحيفة.

مقالات مشابهة

  • “شيوعي” .. من هو زهران ممداني؟..أصغر وأول رئيس بلدية مسلم لأكبر مدينة في الولايات المتحدة
  • “اللافي” يبحث مع القائم بالأعمال الأمريكي مستجدات العملية السياسية وجهود المصالحة الوطنية
  • عبدالمنعم سعيد عن فوز «ممداني» بمنصب عمدة نيويورك: تحوّل جوهري في المزاج السياسي الأمريكي
  • خبراء: فوز "ممداني" بمنصب عمدة نيويورك تحول جوهري في المزاج السياسي الأمريكي
  • بيرني ساندرز: ممداني حقق أحد أعظم المفاجآت السياسية في التاريخ الأمريكي
  • نيويورك تغيّر قواعد اللعبة السياسية بانتخاب ممداني لمنصب العمدة
  • من أصل سوري.. من هي زوجة زهران ممداني التي خطفت الأضواء؟
  • زهران ممداني أول عمدة مسلم لنيويورك: لن يكون هناك خوف من الإسلام في نيويورك
  • زهران ممداني: سنقف أمام الضرائب التي يفرضها ترامب